حنين البطوش
استشارية نفسية أسرية وتربوية

في زمن يشهد تحولاتٍ متسارعة، يُعتبر التعليم بمثابة جواز سفر نحو المستقبل، وبوابة للنجاح والازدهار، إلا أن المفارقة تكمن في أن هذا الاستثمار في التعليم قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ففي مجتمعنا الأردني، لطالما ارتبطت الشهادة الجامعية بالتقدم والنجاح، وبالحياة الأسرية المستقرة، ومن المطلوب أن يكون التعليم بمثابة منارة تضيء الدرب نحو حياة زوجية سعيدة ومستقبل واعد، إلا أن الواقع يقدم لنا صورة مختلفة تمامًا، فبين أروقة الجامعات وحفلات التخرج، تتسلل مشكلة الطلاق لتفتك بالأسر الشابة، ففي الأردن كما في العديد من المجتمعات الأخرى، تظهر إحصائيات مقلقة حول ارتفاع معدلات الطلاق بين الأزواج الحاصلين على مؤهلات تعليمية عالية.


وتؤيد الأرقام الصادرة عن دائرة قاضي القضاة في تقريرها لسنة 2023 أن الطلاق بين المتعلمين هو الأعلى بين المتزوجين حتى أن حوالي 99% من حالات الطلاق كانت بين أزواج حاصلين على درجات علمية.

يتسلل إلى مجتمعاتنا سؤالٌ مقلق: أين ذهبت أحلام تلك الأسر التي بناها العلم والمعرفة؟ وكيف يمكن أن يؤدي التعليم الذي يهدف إلى تطوير الفرد وتنمية قدراته إلى زيادة معدل الطلاق بين الأزواج المتعلمين وتفكك الأسرة ؟ كل هذة الأسئلة المحيرة تدعونا للتعمق في أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها، وسبل مواجهته.

الأسرة الأردنية تتعرض لعاصفة من التحديات تهدد بتحطيم أركانها، حيث تتنوع الأسباب الكامنة وراء ارتفاع معدلات الطلاق بين الأفراد الحاصلين على مؤهلات تعليمية عالية يعود إلى مجموعة من العوامل المتداخلة ،فمن ناحية التوقعات المرتفعة والطموحات الأكاديمية التي يحملها المتعلمون، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً، تجعلهم يضعون معايير عالية في شركائهم وفي الحياة الزوجية، حيث‎ تساهم في زيادة الضغوط على العلاقات الزوجية، خاصةً عندما تتعارض هذه الطموحات مع متطلبات الحياة الأسرية، ‎وقد يؤدي التركيز المفرط على العمل والدراسة إلى إهمال الحياة الزوجية، مما يؤدي إلى تدهور العلاقة، وقد يفتقر بعض الأفراد إلى المهارات اللازمة للتواصل الفعال مع شركائهم، وغياب المهارات الاجتماعية ،فتركيز النظام التعليمي على الجانب النظري، قد يؤدي إلى نقص في المهارات الاجتماعية اللازمة لبناء علاقات زوجية ناجحة، مما يؤدي إلى سوء الفهم والصراعات.

مقالات ذات صلة العدوان على الضفة 2024/09/03

وتفتقر العديد من الأسر إلى الدعم الاجتماعي الكافي، مما قد يعزل الأزواج ويجعلهم غير قادرين على مواجهة تحديات الزواج، ومن ناحية أخرى تساهم التغيرات الاجتماعية والثقافية السريعة في تقويض القيم التقليدية التي كانت تدعم العلاقات الزوجية، مما يزيد من تحديات بناء زواج مستقر، علاوة على ذلك، فإن التأخر في الزواج، والضغوط المهنية والحياة الأكاديمية.

الطلاق كالنار تلتهم الأخضر واليابس وتدمر البيوت وتفرق الأحباب، فلا يقتصر أثر الطلاق بين حملة الشهادات الجامعية على تدمير أسرة، بل يتجاوز ذلك ليترك ندوبًا عميقة في المجتمع، فالأبناء هم الضحايا الأبرز والفئة الأكثر تضررًا من تفكك الأسرة، أطفال الأزواج المطلقين هم الضحايا الصامتون لهذه المأساة، حيث يعانون من اضطرابات نفسية واجتماعية قد تؤثر على مستقبلهم،
فالطلاق كعاصفة تجتاح حياة الزوجين، لا يترك أثراً واحداً بل يترك ندوباً عميقة في نفوسهما، ولكل من الزوجين قصته الخاصة مع الألم والخسارة، حيث تتحمل المرأة عادةً العبء الأكبر من الطلاق، سواء على المستوى النفسي أو المادي، مما قد يؤثر على فرصها في المشاركة في الحياة العامة وعلى مستوى المجتمع، ويحمل الطلاق في طياته تحديات خاصة للرجل، فغالبًا ما يتعرض الزوج لتوقعات اجتماعية وثقافية تجعله يظهر القوة والتحمل، مما قد يمنعه من التعبير عن مشاعره الحقيقية وألمه النفسي.

كما أن هذا الطلاق يمثل خسارة اقتصادية كبيرة ويضعف النسيج الاجتماعي، ويهدد القيم والأخلاق التي تقوم عليها مجتمعاتنا، وزيادة معدلات الجريمة والعنف، وتدهور الصحة النفسية، مما يمثل عبئًا كبيرًا على الموارد الاقتصادية والاجتماعية.

لا شك أن التعليم هو استثمار في المستقبل، إلا أنه لا يضمن بالضرورة نجاح الحياة الزوجية، فالسعادة الزوجية تحتاج إلى رعاية مستمرة وبناء علاقة متينة قائمة على الحب والاحترام، ولتجاوز هذه المعضلة يتطلب الأمر تضافر جهود المجتمع بأكمله، وإعادة النظر في برامجنا التربوية والاجتماعية، كما ينبغي أن نتخلص من النظرة التقليدية للزواج، وأن نشجع على الحوار والتسامح بين الزوجين، كما ينبغي توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأزواج الجدد
وذلك من خلال تعزيز الوعي بأهمية الزواج، وتوفير برامج تأهيل قبل الزواج، لمساعدتهم على تجاوز التحديات الأولية لحياتهم الزوجية، ولا تقتصر الحلول على ذلك، بل ينبغي تطوير سياسات اجتماعية شاملة تدعم الاستقرار الأسري وتقدم الدعم المادي والمعنوي للأسر التي تواجه صعوبات، وأخيرًا لا بد من تغيير النظرة المجتمعية السلبية للطلاق، وتشجيع الأزواج على طلب المساعدة عند مواجهة مشاكل في زواجهم، بدلًا من اللجوء إلى الحلول المتطرفة.
يس
يشكل الوازع الديني درعًا واقيًا يحمي الأسرة من عواصف الانفصال، فالقيم الدينية السامية التي تحث على الصبر والتسامح والتعاون، ترسخ في نفوس المؤمنين حبًا عميقًا للأسرة واستعدادًا للتضحية من أجل استمرارها، هذه القيم النبيلة تعمل كبوصلة توجه الأزواج نحو طريق السعادة الزوجية، ولترميم أواصر الحب والود في حياتكما، اجعلا من بيتكما واحة من السعادة والتفاهم، استثمرا في علاقتكما من خلال اكتساب المعرفة الشرعية حول حقوق وواجبات كل منكما وتعلموا فن الحوار الهادئ والاحترام المتبادل، وحولو الخلافات إلى فرص لبناء جسور الثقة والمحبة، تذكرا أن الحياة الزوجية رحلة مشتركة تحتاج إلى صبر وتفاهم، فكونا فريقًا واحدًا يواجه التحديات معًا ويحقق السعادة.

الطلاق تجربة مؤلمة، ولكنها ليست نهاية الحياة، يمكن تجاوز هذه المرحلة الصعبة والبدء بحياة جديدة مليئة بالأمل والتفاؤل، بشرط أن يمتلك الإنسان الإرادة والعزيمة الكافية، ومن المهم أن تتذكر أن السعادة ليست مقتصرة على الزواج، وأن الحياة مليئة بالفرص الجديدة.

حنين البطوش
استشارية نفسية أسرية وتربوية

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الحیاة الزوجیة الطلاق بین یؤدی إلى

إقرأ أيضاً:

زوجة تطلب تمكينها من مسكن الزوجية بقيمة 3.4 مليون جنيه بأكتوبر.. التفاصيل

أقامت زوجة دعوي تمكين من مسكن الزوجية بقيمة 3.4 مليون جنيه، أمام محكمة الأسرة بأكتوبر، وذلك أثر طرد زوجها لها برفقة أطفالها للشارع، ورفضه تمكينها من حقوقها الشرعية المسجلة بعقد الزواج، وامتناعه عن رعاية أطفاله، لتؤكد الزوجة: "16 سنة زواج انتهت بعد أن باع زوجي عشرتي، وقرر الزواج، وهجرني، واستولى على حقوقي الشرعية".

وتابعت الزوجة:" دمر حياتي، وشهر بسمعتي، وحرم أولاده من مصروفات المدرسة ليبتزني للتنازل عن حقوقي، وعرض على العيش برفقة والدته في منزلها -رغم ما بيننا من خلافات- لأذوق العذاب بسبب عنفه وجبروته وتعنته، وإلحاقه الضرر المادي والمعنوي بي".

وأشارت:" تركني زوجي معلقة واستولي علي مصوغاتي ومنقولاتي، ورفض سداد المصروفات العلاجية لأبنتي، وأثبت تزويره مستندات رسمية لحقيقة دخله لحرماني من النفقات، وأقدم على تعنيفي، وطالبته بالطلاق وامتنع عن تمكيني من الانفصال عنه، ورفضه أن يتركني أعيش دون التعرض لي للايذاء على يديه، ليتحايل لمنحي نفقات زهيدة".

يذكر أن قانون الأحوال الشخصية وضع عدة شروط لقبول دعوى الحبس ضد الزوج ومنها أن يكون الحكم صادر فى مادة من مواد النفقات أو الأجور، وما فى حكمها، أن يكون الحكم نهائيا سواء استئنافا أو انتهت مواعيد استئنافه، أن يمتنع المحكوم ضده عن تنفيذ الحكم بعد ثبوت إعلانه بالحكم النهائى، وأن تثبت المدعية أن المدعى عليه - المحكوم ضده- قادر على سداد ما حكم به، وذلك بكافة طرق الإثبات، كما تأمر المحكمة الملزم بالنفقة إذا كان حاضرا أو يعلن بأمر السداد إن كان غائبا، وذلك بعد أن يثبت للمحكمة قدرته على الأداء.

 







مقالات مشابهة

  • مسرحية أنا والعذاب وهواك.. طرح لمشكلات الأزواج وحلها وسط حضور جماهيري ضخم
  • بالأرقام.. معدل مخيف لحالات الطلاق في العراق
  • في ذكرى المولد النبوي.. أردوغان يتحدث عن قدوته في الحياة
  • ارتفاع حالات الطلاق في العراق: أزمة اجتماعية تتطلب تدخلاً عاجلاً
  • رقم مرعب لحالات الطلاق في العراق.. أكثر من 357 الف حالة خلال 4 سنوات
  • مصري يقيم دعوى طلاق للضرر بسبب تيك توك !
  • الغيرة القاتلة.. زوجة تلتمس الخروج من عش الزوجية: بيتجسس على تليفوني
  • «رفض ترك عش الزوجية».. حبس المتهمين بقتل طليق شقيقتهما في الجيزة
  • زوجة تطلب تمكينها من مسكن الزوجية بقيمة 3.4 مليون جنيه بأكتوبر.. التفاصيل
  • بلومبيرج الأمريكية: المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة فشلت في حل أزمة المركزي