ملخص
لا بد أن نتعرض لأمرين، الأول حال التنافس الراهن بين القوى الدولية في أفريقيا من ناحية واستجابات نظم الحكم والنخب الأفريقية لهذه الحال التنافسية، أما الأمر الثاني فهو رصد نقاط التقدم أو التراجع المرتبطة بطرفي التنافس، أي روسيا وفرنسا، في ضوء الاستراتيجيات الروسية المعلنة منذ عام 2015 في شأن سياستها الدولية، وأيضاً مدى قدرة باريس في هذه المرحلة والاتحاد الأوروبي من ورائها في الحفاظ على مصالح الأوروبيين.



على رغم نفي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يكون القبض على مؤسس تطبيق "تيليغرام" في فرنسا له دوافع سياسية، فإن كلام المقبوض عليه بافيل دوروف الذي يحمل جنسية روسية حول تعرضه لضغوط لها أبعاد جيوسياسية في شأن سياسيات التطبيق، تجعل تصريحات ماكرون مشكوكاً فيها ولا تملك صدقية قوية، خصوصاً أن لائحة الاتهام المسربة للإعلام الفرنسي تضم صور الجرائم كافة في مصفوفة جامعة ومثيرة للانتباه، كما أن هذا التطبيق هو الأكثر انتشاراً في كل من روسيا وأوكرانيا، وكذلك في بعض دول غرب أفريقيا.

ولعل المصدر الرئيس لهذا الشك هو طبيعة التضاغط الروسي - الفرنسي حالياً، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي والذي بات تحدياً مؤثراً أمام باريس في ضوء آليات عملها التقليدية، والأحمال المترتبة علي سياستها التاريخية في مناطق نفوذها السابق والراهن، وكذلك النجاح الروسي في توظيف وسائل التواصل الاجتماعي ضد الغرب في منطقة الساحل الأفريقي عبر أنشطة إعلامية قامت بها شركة "فاغنر"، ويواصل الفيلق الأفريقي التابع لروسيا أيضاً العمل على تلك الوسائط التي قدمت فيها روسيا كبديل غير استعماري داعم للتنمية في أفريقيا، كما مارست فيها تأجيجاً للمعارضة الداخلية المعادية للغرب في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك قدمت خطاباً مفنداً للسياسات الاستعمارية الغربية في أفريقيا بكل نسخها منذ مؤتمر برلين 1884 الذي قسم النفوذ الغربي في القارة الأفريقية، ثم بأدوار الشركات العابرة للجنسية بعد الاستقلال الوطني الأفريقي لغرض استراتيجي غربي هو الحصول على الموارد الطبيعية الأفريقية بعوائد متدنية اقتصادياً.

وفي هذا السياق لا بد أن نتعرض لأمرين، الأول حال التنافس الراهن بين القوى الدولية في أفريقيا من ناحية، واستجابات نظم الحكم والنخب الأفريقية لهذه الحال التنافسية، أما الأمر الثاني فهو رصد نقاط التقدم أو التراجع المرتبطة بطرفي التنافس، أي روسيا وفرنسا، في ضوء الاستراتيجيات الروسية المعلنة منذ عام 2015 في شأن سياستها الدولية، وأيضاً مدى قدرة باريس في هذه المرحلة والاتحاد الأوروبي من ورائها في الحفاظ على مصالح الأوروبيين في الحصول على الموارد الحساسة لاقتصاداتهم من أفريقيا.

وطبقاً للمعطيات الراهنة لا بد أن يكون لافتاً للانتباه مستجد بارز في أهم معاقل النفوذ الفرنسي وهو تشاد، التي تتقارب حالياً مع روسيا خصوصاً بعد الانتخابات التي نصبت محمد إدريس ديبي رئيساً لها خلال مايو (أيار) الماضي، وتطورت العلاقات الروسية - التشادية عبر مدخل تقليدي لروسيا في أفريقيا هو صفقات السلاح، في ضوء الوعود الانتخابية التي أطلقها ديبي بتطوير الشركاء الأمنيين لبلاده لمواجهة الإرهاب. وبالفعل، زودت موسكو نجامينا بطائرات مسيرة لتلبية حاجة تشاد إلى ضبط حدودها في ضوء الأوضاع السودانية في دارفور وإمكانية تدهورها، كما أنها تساعدها حالياً على مواجهة تضخم قدرات الجماعات المتطرفة خصوصاً "بوكو حرام" في منطقة بحيرة تشاد.

أما المتغير الكيفي في الموقف التشادي من الغرب عموماً ومن فرنسا خصوصاً فهو إلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة التي كانت تتيح لواشنطن نقطة ارتكاز عسكرية في تشاد، وهي الخطوة التي أعقبتها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تشاد، خلال الأسبوع الأول من يونيو (حزيران) الماضي، ولعل الأخطر من ذلك بالنسبة إلى فرنسا أن الرئيس التشادي بدأ فعلياً في زيادة التعاون مع دول الساحل المدعومة من روسيا خلال الأشهر الماضية، كما أعربت تشاد عن اهتمامها بالانضمام إلى كونفيدرالية دول الساحل، وهو تحالف عسكري مدعوم من موسكو وموال لها يضم كلاً من مالي والنيجر وبوركينا فاسو التي انسحبت من منظمة دول غرب أفريقيا "الإيكواس"، وهي المنظمة التي عملت تاريخياً تحت النفوذ الفرنسي.

وتطور العلاقات التشادية - الروسية ليس منفرداً خلال الأشهر الأخيرة، إذ يمكن رصد تطور العلاقات السودانية - الروسية أيضاً والتي من المتوقع أن تنتج منها نقطة ارتكاز عسكرية روسية على البحر الأحمر مقابل دعم الجيش السوداني تسليحياً، فضلاً عن التقدم الروسي المحرز في دول الساحل الأفريقي خلال العامين الماضيين، وهو التقدم المضاف أيضاً إلى الارتكاز الروسي المتميز في جمهورية أفريقيا الوسطى منذ أعوام عدة بـ2000 عنصر عسكري.

المشهد التنافسي بين الشرق والغرب داخل أفريقيا تنقسم في شأنه الاستجابات الأفريقية، إذ تجد فيه نخب الحكم الرسمية ضالتها في دعم الانقلابات العسكرية التي تؤسس للتغول على الحكم المدني الدستوري تحت مظلة محاربة الإرهاب تارة، والتنمية الداخلية تارة أخرى، وشيطنة القوى، فتستطيع نظم عسكرية أن تعيش ضاربة عرض الحائط بفكرة عقد انتخابات في مناخ عادل قانونياً لكل أطراف العملية السياسية، وتتحول إلى سلطة أمر واقع قد يضطر الاتحاد الأفريقي بعد فترة للتعامل معها على رغم بروتوكولاته التي أقرت عام 2002، والتي تحرم الانقلابات العسكرية وتجمد عضوية الدول التي تتجه إليها، ولعل الحال في دول كونفيدرالية الساحل الأفريقي دليل على ما نذهب إليه.

أما النخب غير الرسمية، والتي هي قوى الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني فإنها تنظر إلى كل من روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة طبقاً لمعيار واحد رافض لها كلها، ذلك أن هناك إدراكاً أفريقياً يتنامى خصوصاً بين الشباب في شأن الاستراتيجيات المشتركة لجميع هذه القوى الدولية في الحصول على الموارد الأفريقية من دون عوائد مناسبة، ولعل ذلك ما يفسر لنا نجاح تحالف الأحزاب والمجتمع المدني في وصول المعارضة إلى الحكم بالسنغال مثلاً في حال قابلة للتكرار.
ويمكن أن نستخلص من مشهد التنافس الدولي على أفريقيا عدداً من المؤشرات وكذلك المعطيات التي من المطلوب النظر إليها بانتباه وتطوير التفاعل معها منها:

-أن هناك انحساراً للنفوذ الغربي عموماً في أفريقيا متوجاً بخسائر فرنسية هائلة خصوصاً داخل منطقة الساحل الأفريقي حيث خرجت القوات الفرنسية والأميركية معاً.

-أن الاتحاد الأوروبي دخل لاعباً عسكرياً في أفريقيا كبديل عن الوجود الفرنسي والذي اعتمد مجلسه قراراً قبل أشهر عدة، بإطلاق مبادرة للأمن والدفاع في منطقة خليج غينيا، كما وافق على خطط العمليات والمهمة للركائز المدنية والعسكرية لمدة عامين تنتهي خلال عام 2026، وذلك في المناطق المتاخمة جنوباً لمناطق الساحل الأفريقي.

وطبقاً لتصريحات مسؤول السياسية الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فإن الاتحاد سيعمل على دعم بنين وساحل العاج وغانا وتوغو في معالجة تحديات عدم الاستقرار، من خلال تعزيز قدرات قوات الأمن والدفاع بهذه الدول الأربع وسيكون من مهامها احتواء الضغوط التي تمارسها الجماعات الإرهابية، إذ تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم مالي للقوات المسلحة البنينية وكذلك القوات المسلحة الغانية.

-أن عملية الإحلال التي تقوم بها روسيا في أفريقيا قد تكون غير مستدامة ولا مستقرة في ضوء الرفض الأفريقي العام لمسألة استغلال الموارد على نحو غير عادل، وكذلك صعود الفاعل الأوكراني المسلح في منطقة الساحل الأفريقي كوكيل للغرب ضد روسيا في ما يمكن أن نسميه حرباً ارتدادية للحرب المندلعة في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا.

-أن المعسكر الشرقي ونعني به روسيا والصين عليه أن يبلور خطاباً وسياسات من شأنها تقديم بدائل آمنة في التفاعل مع أفريقيا إذ لم يعد خطاب التحريض ضد الغرب كافياً ولا مقنعاً، وقد يكون غير فاعل على المدى المتوسط خصوصاً في ضوء أن استراتيجيات المعسكر الشرقي متعلقة أيضاً بالحصول على الموارد، ولا سيما الذهب بالنسبة إلى روسيا بعوائد غير عادلة بما يعني أن نمط الاستغلال واحد.

-أنه لا بديل عن توافق أفريقي على الصعيد الأمني والعسكري يضع استراتيجيات تعاونية في إطار الحرب على الإرهاب الذي بات مهدداً واقعياً للدول الوطنية في أفريقيا، إذ إن الشركاء الأمنيين سواء من الغرب أو الشرق ستبقى فاعليتهم محدودة، والتنافس الراهن بين هذه القوى من شأنه أن يشعل صراعات أفريقية إضافية نحن في غنى عنها ونحتاج إلى تجنبها سعياً إلى استقرار القارة الأفريقية، ومحالة صناعة مستقبل مغاير لها عن مجريات القرنيين الماضيين.

نقلا عن اندبندنت عربية  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی منطقة الساحل الأفریقی الاتحاد الأوروبی على الموارد فی أفریقیا فی ضوء فی شأن

إقرأ أيضاً:

اليمن يتصدر قائمة الدول الأقل سلاما عالمياً: ماذا يكشف مؤشر السلام؟

شمسان بوست / متابعات:

صنّف تقرير دولي اليمن باعتبارها الدولة الأقل سلاما في المنطقة، وأقل بلد مسالم على المستوى العالمي، على مؤشر السلام لهذا العام.

جاء ذلك في تقرير “مؤشر السلام العالمي” لعام 2024، الذي تُصنف من خلاله 163 دولة ومنطقة وفقًا لمستويات السلام فيها.

ويستند التصنيف إلى 23 مؤشرًا في ثلاث مجالات رئيسية، هي: السلامة والأمن المجتمعيين، والصراعات المستمرة المحلية والدولية والعسكرة.

وهناك 3 دول عربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مُدرجة على مؤشر عام 2024 من بين الدول العشرة الأقل سلمية.

كما صُنفت الكويت باعتبارها الدولة الأكثر سلمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث احتلت المرتبة الـ25 للمؤشر. وهي واحدة من بين أربعة دول عربية في المنطقة، التي تم تصنيفها مما جاء مجموعه بـ53 دولة؛ سجلت مستويات عالية في السلام في العالم.

وبحسب تقرير مؤشر السلام، أظهرت تحليلات هذا العام بعض الاتجاهات المثيرة للقلق، حيث سجل العدد الأعلى من الصراعات النشطة منذ الحرب العالمية الثانية، وانخفاض الحلول العسكرية واتفاقيات السلام.

كما يعرض التقرير مقياسا جديدا للقدرة العسكرية العالمية، الذي يأخذ في اعتباره التطور التكنولوجي العسكري وجاهزية القوات.

وذكر التقرير أن الحلول الحاسمة للنزاعات، من خلال الانتصارات العسكرية واتفاقات السلام، قد تراجعت بشكل ملحوظ منذ السبعينات، مما يشير إلى تزايد التحديات في سبيل تحقيق السلام على مستوى العالم.

يقول التقرير: “لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقة الأقل سلامًا للعام التاسع على التوالي”.

وسُجل تدهور طفيف، خلال العام الماضي، بعد سنوات عدة من التحسن، نتيجة تدهور متوسط نقاط المؤشر بنسبة %0.25.

وأضاف التقرير: “الصراع في غزة كان له تأثير قوي للغاية على مستويات السلام في العالم عقب أحداث السابع من أكتوبر، ورد الفعل العسكري الانتقامي من قبل إسرائيل”.


وأكد أن “الصراع في منطقة الشرق الأوسط بأكملها دفع إلى الهاوية، مع تداخل سوريا وإيران ولبنان واليمن، ولا يزال خطر الحرب المفتوحة مرتفعا”.

مقالات مشابهة

  • بوتين يحذر الدول التي تزود أوكرانيا بالسلاح ضد روسيا
  • التفرقة والوحدة: دروسٌ من توحد اليهود وصراعات الأُمَّــة
  • اليمن يترأس الاجتماع الـ 39 لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • الرياض …مصادرة أكثر من 20 ألف رتبة وشعارات عسكرية
  • أزمة التغير المناخي في أفريقيا والمطالب الأفريقية في «كوب 29»
  • العراق على خطى جيرانه.. توازن جيوسياسي دقيق بين الشرق والغرب
  • اليمن يتصدر قائمة الدول الأقل سلاما عالمياً: ماذا يكشف مؤشر السلام؟
  • الإمارات: تصاعد الصراع في غزة ولبنان وامتداده لأطراف إقليمية يُهدد استقرار المنطقة
  • الإمارات تؤكد الحاجة لإبرام معاهدة لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل
  • تيك توك تعزز مبادرة ShareTheMeal لتوفير الطعام للأطفال المحتاجين