سودانايل:
2024-12-23@05:41:21 GMT

الشهيد الامين!!

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

ما يحدث في السودان يفوق حد الوصف وحدود الاحتمال، فمنذ اندلاع حرب الاخوة الاعداء، غابت كل الخطوط الحمراء، فيما يخص حقوق وكرامة المواطنين الابرياء، وما يختص بسلامة الدولة وبنيتها التحتية. فحيثما حلت جحافل الجنجويد في مكان ما، غابت الدولة وحلت الفوضي وعمت الاستباحة كافة الارجاء.

اما اماكن سيطرة الجيش فتفرض استخباراته وجهاز الامن والمخابرات، حالة من الاشتباه في كل المواطنين بحجة الانتماء للمليشيا حتي يثبت العكس، بما يُذكر بمرحلة الانقاذ الاولي وما نشرته من ارهاب وبطش، ومنع المواطنين من التعبير عن آراءهم، وبما فيها رايهم في الحرب الدائرة الآن، والتي تمس صميم حياتهم ومستقبل ابناءهم. والمفارقة ان من يرفعون خطاب الحرب عاليا سواء من الاجهزة النظامية او انصارها من الكيزان او المغبونين من انتهاكات المليشيا الاجرامية، لم يحققوا اي انجاز عسكري علي ارض الواقع، او يظهروا من الجدية العسكرية ما يوحي بذلك مستقبلا! وكأن الغرض من هذه الحرب الوحشية هي تعذيب المواطنين وتدمير البلاد عن بكرة ابيها، كوسيلة وحيدة للسيطرة المستحيلة علي السلطة، التي فرطوا فيها بسوء ادارتهم وفساد طويتهم وقصر نظرهم.
وما يثير الحيرة، ان هذا العنف المجنون الذي يسم هذه الحرب القذرة، يطفو علي سطح مجتمع عرف عنه الطيبة والبساطة رغم تنوع سحناته وامتداده القاري! ويبدو ان هذه الطيبة والبساطة يرجع جزء منها للخبرات الانسانية ومعرفتها بما يجره العنف من كوارث علي امنها المجتمعي، وجزء يرجع للتدين الشعبي كاحد افرازات دخول وتغلغل الصوفية في انسجة وثقافة المجتع السوداني. كما ان اكبر مصدر للعنف (المقصود العنف الواسع) مرتبط غالبا بالسلطة ونزعة السيطرة علي الآخرين، وهذا بدوره اكتسب شأوا بعيدا بعد تطور مؤسسة الدولة ودخول عامل الاسلحة الفتاكة. والحال كذلك، نجد العنف المفرط في المجتمع ارتبط بالاحزاب العقائدية، بسمة المراهقة التي تكتنفها، ومن ثمَّ ايعازها بسمو الغايات وسهولة التغييرات وتفاهة التحديات، بما يبرر كل الوسائل لانجاز الطموحات المنشودة! اي بدل ان يكون الانسان غاية تلك الاهداف، يصبح وسيلة لتلك الغايات، ولذلك تقل قيمته وينخفض ثمنه ويُدفع به للتهلُكة. والعامل الآخر للعنف المفرط هو دخول المؤسسة العسكرية/الحركات المسلحة، كطرف في صراع السلطة، مستفيدة مما تملكه من قوة مسلحة لفرض سطوتها علي المجتمع. وغالبا هذا سبب حالة التقاطعات والمصالح المشتركة التي تجمع بينها طوال تاريخنا منذ الاستقلال.
ولكن اذا صح اعلاه يصح اكثر ان العنف نفسه متدرج سواء في تأصله او نطاق استخدامه. ففي حالة الاسلامويين مثلا، يصل طاقاته القصوي من الجهتين (التاصيل والاستخدام) وذلك لتماهيه مع القداسة الدينية. كما انه يعبر لديهم عن ضيق الافق، وشدة التوتر والانفعال، وكراهة الآخر المختلف، والحقد الدفين علي كل من يتفوق عليهم (سياسيا مثل الشيوعيين واخلاقيا مثل الجمهوريين وجماهيرا مثل الاحزاب الطائفية وماليا مثل الراسمالية الوطنية وخارجيا نموذج امريكا روسيا كاقوياء). وكأن المشروع الاسلامي في خلاصته، تصفية حساب مع الآخرين اكثر منه رؤية للعالم واسلوب حياة.
وكنموذج لمعاناة الاسلامويين المأزومين، نتخذ الفقر كمقياس طبقي اندرج فيه جل الاسلامويين، فهم نظرو ونظَّروا للفقر كعيب في حقهم وعار يجب التخلص منه، ولكن بطريقة حلولهم محل الاغنياء وافقار الآخرين، واسهل طريقة لذلك هي الاستيلاء علي السلطة واحتكار كافة الامتيازات بغطاء الدين. ولذلك لم تنتج ادبياتهم شيئا ذي بال، اذا استبعدنا الشعارات العاطفية. عكس الشيوعيين مثلا، الذين اعتبروا الفقر عدو للمجتمع وهو نتاج علاقات الاستغلال، وذلك بعد تحليلهم للمجتمعات، وهذا ما منحهم القدرة علي بناء برامج وتبني مشاريع وانتاج ادبيات عميقة، حتي ولو اختلف البعض معها او مع طريقة انزالها علي ارض الواقع.
وهنالك جانب آخر اكسب الاسلامويين طاقات مهولة من العنف ضد الآخر، بالتوازي مع حالة الانكار وعدم الاكتراث لاثر ونتائج هذا العنف عليه. وبتعبير آخر، إلغاء هذا الآخر من بند الوطن والانسانية وتجريده من كافة الحقوق والصاق كل العبر به، لمجرد انه معارض لمشروعهم او منازع لهم في السلطة. وهذا الجانب المقصود متعلق بسوء التربية ويتحمل عبئه الاكبر مربيهم السيئ الترابي، الذي استغل استعدادهم لفعل كل شئ، طالما يتماشي مع رغباتهم. لفرض طاعته ومن ثمَّ خدمة مشروعه الخاص. ليخرجوا من بين يديه (رحمه علي قول الجماعة) وكأنهم سادة العالم، وانهم ما خُلقوا إلا ليفرضوا سيادتهم علي الآخرين، والمتجسدة في الحكم والاستكبار والاستحواذ الشامل. لذلك تجد احقر كوز يعتقد انه افضل من اكبر بروف، واهيف إمعة يعتقد انه يضارع اشهر مبدع، واصغر امنجي يتوهم انه يفوق المناضلين والسياسيين والنشطاء والحقوقيين عظمة وتدين ووطنية (خير تنظيم اخرج للناس)!
وفي كل الاحوال آخر من يحق له محاسبة الآخرين عن صلتهم بمليشيا الجنجويد هو جهاز الامن ذاته. والسبب انه المختبر الذي تم داخله صناعة هذا المسخ، لانتهاك حرمات الآخرين والقضاء عليهم اذا تطلب الامر! وصحيح ان المليشيا وبسبب مالكها الحصري حميدتي، تطبعت بطابعه بعد ان اكتسبت صفاته وتخلقت باخلاقه، كمرتزق مجرم طموح، يجيد المكر والغدر والابتزاز. توسعت في نفوذها واعمالها الاجرامية، مما جعلها في حاجة لمرتزقة من كل شكل ولون، لتحتشد بالمجرمين واللصوص والقتلة من كل فج عميق، لتفوق صانعها في ارتكاب الفظائع والموبقات. والحال هذه، يصبح الرهان عليها مستقبليا، كرهان علي اسوأ نسخ الاسلامويين، كبديل عنهم! وهذه سخافة لاتصدر الا عن قلة وعي او شهوة انتقام من الاسلامويين او تعصب جهوي وقبلي يرغب في تصفية غبن تاريخي. وكل ذلك لا يليق بالاحرار والاسوياء ناهيك ان يصلح لبناء وطن مدني ديمقراطي، اثبتت كل التجارب انه لا يستطيع تاسيسه إلا المدنيون والديمقراطيون وبوسائل مدنية وديمقراطية. كما ان الاسلاموية لا تعني شيئا سوي التفسخ القيمي والانحلال الاخلاقي والاستبداد بالسلطة والاستهتار بمقومات وجود الدولة واحتقار الآخر، وبكلمة مختصرة، العداء للحق والخير والجمال، وكل ذلك يتبع فيه الجنجويد الاسلامويين حذو النعل بالنعل. فهل بعد ذلك يجوز الحديث عن تفاوت او افضلية بينهما؟!
وهذا بدوره يقول شئ آخر، ان هذه الحرب المشتعلة الآن بضراوة هي في حقيقتها حرب الاسلاموية الداخلية، او الحرب الاهلية بين القادة والتيارات داخل نظام الانقاذ (منظومة مصالح مافيوية وقيم مهترئة). ولذلك يدفع المواطنون وممتلكاتهم ثمنها مرتين، مرة عندما تتخذهم مليشيا الجنجويد كحوافز لمقاتليها، ومرة عندما يتاجر بانتهاكات المليشيا قادة الجيش والكيزان. والحال كذلك، وبسبب ضعف انتماء الاطراف المتقاتلة لمواطني هذه البلاد، بحيث يندفع احدهم لخدمة مشروع خارجي، والآخر لخدمة تنظيم داخلي. اتخذت هذه الحرب طابع العنف الارعن والانتهاكات الفظيعة في حق المدنيين العُزل، من دون اي وازعٍ كان.
واذا نظرنا بمنظار اشمل ومنذ بزوغ نظام الانقاذ الاسلاموي الظلامي، نجد هذه الحرب تندرج في ذات سياق الحط من قيمة الآخر وتجريده من كافة حقوقه، بل فقط اتخذت هذه المرة طابع نزاع الشركاء علي السلطة، بوصفها القدرة المطلقة علي التحكم في الآخرين وموارد البلاد. وليس بعيدا عن ذلك تاتي جريمة مقتل الشهيد الامين بهذه الطريقة الوحشية. اي هي مجرد تكثيف لحالة الغاء الآخر او تجريده من كافة حقوقه وبما فيها حق الحياة بطريقة بشعة ودم بارد، اي كجزء من روتين العمل اليومي، وبعدها ينصرفون لحياتهم الطبيعية. وما زوبعة التحقيقات والمحاكمات إلا وسيلة للتغطية علي الجريمة والافلات من العقاب وتنفيس الغضب، وبعدها يبدأ مسلسل المماطلة الي حين ميسرة. والسبب ان ذات الافراد الجناة جزء من منظومة متكاملة، اذا سقط البعض تهاوي المعبد بكامله.
وهذا بدوره يقول ان نمط الاستبعاد ومصادرة الحقوق، هو جزء من حالة العنف العامة التي تكشف عن بنية واداء نظام الاسلامويين الفراعنة. وهو عنف يبتدئ من مصادرة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويمر بالحرمان من كافة انشطة الحياة الطبيعة، وصولا لمصادرة الحياة، لكل من يعارضهم او يتوهمون انه يعارضهم او يشكل خطر علي سلطتهم وامتيازاتهم.
وكل ذلك يقول ايضا، ان الكيزان والدعامة وجهان لعملة واحدة، عنوانها العريض الشر المستطير، وان وجودهما بكامل نفوذهما او وجود احدهما بكامل نفوذه، يشكل استمرار لحالة الغاء الآخر (الكل ما عدا الاقلية المتسلطة) وتاليا الخضوع لذات منظومات القمع والفساد والاستبداد والاستباحة، اي انتاج حالة الانسان المهدور في اصدق تجلياتها. ومن المعلوم ليس هنالك من سبيل لاستمرار نفوذهما وسيطرتهما، إلا من خلال استمرار هذه الحرب السلطوية اللعينة، التي تلغي الفعل السياسي والدور الجماهيري، قبل ان تعذب الناس وتهدر حياتهم. ويصح ان التخلص منهما او تاثيرهما الحاسم غير ممكن في المدي القريب، ولكن ذلك لا يمنع التعايش معهما (فوق راي) اذا ما استجابا لدعوات ايقاف الحرب. وإلا وبما ان قدرات الجماهير محجمة في الداخل، فيقع العبء علي النشطاء في الخارج، لممارسة كثير من الانشطة والضغوط للتعجيل بالتدخل الدولي لحماية المدنيين، من هؤلاء السفهاء الذين يتقاتلون علي جماجم الابرياء، لمصالح ضيقة لا تتعدي اعادة انتاج ذات العاهات لتحكمنا الي الابد.
واخيرا
نسأل الله الرحمة والمغفرة للشهيد الامين، الذي عرَّت روحه الطاهرة في معراجها للسماء، قبح هؤلاء المتاسلمين، وتجردهم ليس من القيم الانسانية والدينية الي يتشدقون بها فحسب ولكن حتي من الاعراف المجتمعية. فمن يصدق ان دولة كالسودان بشعبها الموصوف اعلاه، ياتي عليه يوم، وفي كل ركن من بلاده يحتله مكتب لجهاز الامن وبعضها تشغله بيوت الاشباح، وكل حي من فرقانه ومكتب في مؤسساته ينتشر العسعس ليتحسسوا ويتجسسوا علي فقره وقلة حيلته، بعد ان تم تجريده سلفا من كل اسباب الحياة الكريمة، وكل لله (الله يقبحكم)!
تقبل له الله بواسع رحمته مع الصدقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا، والهم ذويه الصبر وحسن العزاء وانا لله وانا اليه راجعون. ودمتم في رعايته.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الحرب من کافة

إقرأ أيضاً:

«الإنجيلية» تنظم لقاءا حول التسامح وقبول الآخر في الفيوم

نظمت لجنة الحوار بمجمع الأقاليم الوسطى التابعة لمجلس الحوار بالكنيسة الإنجيلية المشيخية حوارًا مجتمعيًا تحت شعار «التسامح .. ترسيخ مبادئ قبول الآخر»، وذلك بالكنيسة الإنجيلية بمدينة طامية التابعة لمحافظة الفيوم.

رحب الشيخ كمال حنا رئيس لجنة الحوار بالحاضرين من الشخصيات العامة  والقيادات الدينية والشعبية والتنفيذية، الذين قدم لهم الدعوة القس مدحت ناشد راعي الكنيسة.

 وحضر اللقاء سالم فتيح رئيس مجلس مدينة طامية، والنائب محمد ثابت الجمال، والدكتور عماد فكري وكيل إدارة التربية والتعليم والكثير من الشخصيات القيادة بالمدينة.

دار اللقاء حول دعوة لقبول الآخر، تحديات قبول الآخر، كيفية التغلب على عدم قبول الآخر، وكذلك أهمية ترسيخ مبدأ المحبة الحقيقية التي تنبع من القلب فالمحبة الحقيقية تغير اللسان والسلوك، والمعنى الشامل للتسامح هذا الأمر الذي لقي اهتماما بالغا من الأمم المتحدة وحددت  له يوم 16 نوفمبر، يوما للتسامح العالمي.

 كما ناقش الحاضرون أهمية دور كل شخص في بناء المجتمع، وعلق الحاضرين على أهمية هذه اللقاءات مطالبين بضرورة تكرارها لدعم اللحمة الوطنية والتأكيد على أواصر المحبة التي تجمع المصريين.

مقالات مشابهة

  • «الإنجيلية» تنظم لقاءا حول التسامح وقبول الآخر في الفيوم
  • الديهي لـ محمد ناصر : عليك التوقف عن دعم جماعة الإخوان الإرهابية
  • الرئيس السيسي عن البريكس: أي تعاون مع مصر فيه استفادة للطرف الآخر
  • تشييع جثمان الشهيد عبدالرؤوف القحطاني في جبل راس بالحديدة
  • حزب الله شيّع الشهيد علي نايف أيوب في زفتا
  • مصطفى بكري يكشف سر ظهور «الجولاني» مع قاتل الشهيد هشام بركات
  • رانيا يوسف: «نصحت بناتي بعدم الزواج قبل سن الثلاثين»
  • غيوم وطقس غير مستقر على كافة المدن والمراكز بالإسماعيلية
  • إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بميدان الشهيد هشام بركات
  • مَنْ يحرج الآخر بترشيح جوزيف عون؟