سودانايل:
2025-04-30@07:02:15 GMT

فكرة البحث عن عقل ما بعد الأزمة

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن

عندما تقرأ في الأدب السياسي السوداني مقولات لمفكرين سودانيين في عهدهم، و تقارن ذلك بالذي يجري اليوم، تكتشف ضحالة المنتوج الفكري اليوم، و أولئك حتى إذا أختلف المرء معهم سياسيا لكن تحترم أجتهادهم الفكري، لأنه ينطلق من قراءة لأحداث الواقع، ثم يبحث عن كيفية علاجها.. اليوم الأحداث المتصاعدة تجهد الإنسان بالمتابعة، و في نفس الوقت يقل الإنتاج الفكري الذي يساعد على الحلول، و يستبدل ذلك بشعارات تؤكد عجز القدرات الفكرية للقيادات المتحكمة في العملية السياسية، تجعلهم لا يستطيعون التحكم في الأزمة، و يتعاملون معها بالاصطفاف و عمليات الاستقطاب، التي تعمق المشكل.


كان محمد أبوالقاسم حاج حمد يعتقد أن أزمة السياسة المتواصلة في السودان هي في الحقيقة أزمة المثقف السوداني الذي فشل أن يلعب دوره النقدي في المجتمع، يقول حمد في كتابه " السودان المأزق التاريخي و أفاق المستقبل" ( أن جماعة " الفجر" التي لم تتحول إلي " حركة شعبية" بالمعنى الأول قد حاولت ضمن منظورها الخاص أن تسد ثغرة مهمة من البناء الفكري العام لتلك الفئات الوليدة و قد ركزت جهدها على بناء المثقف السوداني) هل استطاعت أن تخلق " جماعة الفجر" المثقف الذي كانت تبحث عنه لكي يلعب الدور النقدي في المجتع؟ يقول حمد ( وصلت حركة المثقفين إلي مأزقها التاريخي الحقيقي فكفت عن التواصل كحركة مثقفين منفتحة على الفكر العالمي و كفت عن التماسك الذاتي فتلاشت في بحار الطائفية) عندما ذهبت للطائفية وقعت في دائرة كيفية تحقيق المصالح الذاتية الضيقة. لأنها راهنت على جماهير الطائفة، و ليست جماهير تصنعها بالوعي.. هي نفس معضلة الاستقطاب الضيقة التي يقع فيها مثقف اليوم .. أصبح أكثر هتافا من العامة.. لأنه فشل أن يتعامل فكريا و نقديا مع الأزمة..البحث عن الذاتية في الأزمة الوطنية...
يقول عبد الخالق محجوب في كتابه " إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" ( البرجوازية الصغيرة و خاصة في المدن تسلك سبيل الدراسة المعزولة، و تجنح إلي الفصل بين النظرية و العمل، و مرجعها النصوص دائما لا الحياة، و متطلباتها.. و تحاول بهذا الفهم أن تخضع الحياة للنصوص) كأن محجوب يتنبأ بالمستقبل، رغم أن نقده ارتبط بحركة الواقع و كيفية التعامل معه، باعتبار أن الحياة هي مصدر أساسي لعملية التجديد الفكري، و تطور نصوصه.. فاليوم نجد أن الطريقة التي تسلكها قيادة الحزب الشيوعي هي تحاول إعادة قراءة النصوص لمعرفة إفرازات الواقع، و الذي تحدث فيه متغيرات اسرع من طريقة تفكير تلك القيادات.. حتى الآن غير معروف ماذا تريد القيادة الاستالينية؟ هل تريد إعادة تدوير الثورية مرة أخرى بعد الحرب، أم إنها تنتظر أن توقع معها قوى جديدة تنجز بها شعار الجذرية.. أليس من الأفضل لها أن تتنحى و تفسح الطريق لقيادات جديدة من الشباب، قادرة أن تنظر لمقولة عبد الخالق بفكر متقد، و تحاول أن تتعامل مع الواقع و أفرازاته بأجندة مغايرة، و تدفع لتقديم مشروع سياسي يعيد الجميع لطريق الحوار الذي يخلق التوافق الوطني، بهدف تأسيس نظام ديمقراطي يتعايش فيه الجميع. إليس عبد الخالق نفسه في كتاب " الماركسية و قضايا الثورة السودانية" قال ( أن جوهر المشكلة في السودان هو تفجير الثورة الديمقراطية) و المصطلح الأخير هو المعني كيفية تحقيق الديمقراطية، هذه لا تتم بالصراع الطبقي، و لا بالثورية التي ليس لها أدنى علاقة بالديمقراطية، أنما تتم بشروط الديمقراطية و أدواتها فقط، فالذي يريد تحقيق الديمقرطية لا يخلط أوراقها مع أفكار التي تؤدي إلي الديكتاورية..
يقول محمد على جادين في أحدى حواراته الفكرية مع الاتحاديين في أم درمان في منزل المرحوم محمد محجوب عبد الرحمن، قبل أن تبدأ إرهاصات " خطاب الوثبة" الذي دعا فيه البشير " لحوار وطني" قال (أن الأفكار وحدها هي التي تنشل السودان من الإزمة السياسية التي يعيش فيها، و أن تحالف الضعف بين المكونات سوف يستمر و يشكل خطرا على مستقبل السودان، و الضعف ناتج عن عجز النخب السياسية على التفكير المنطقي و الاجتهاد الذي يقدم أفكارا جديدة، أما حالات الاستقطاب السائدة بين قوى الاجماع الوطني و نداء السودان تتحكم فيها مقدرة كل مجموعة على استقطاب أكبر كتلة جماهيرية.. و قال هذه غير متاحة.. لأن الصراع بين الكتل و الأحزاب فيما بينها أعمق، و لا تستطيع أن تخرج منه لأنها عاجزة أن تنظر للمستقبل، و الذي يريد أن ينظر للمستقبل بالضرورة أن يفكر بعقلانية لمعرفة كيفية الوصول إليه، و ما هي متطلباته، و الأدوات المطلوبة إلي إدارة الفعل الإيجابي) رحل جادين، و بقيت مقولته ساطعة كضوء الشمس.. أن ضعف القوى السياسية ناتج من ضعف القيادات التي صعدت لقمتها، و هي عاجزة أن تقدم أفكارا جديدة تحدث بها أختراقا في أزمة الوطن.. و ما يزال البحث جاري عن عقل يعالج أزمة الضعف الفكري و السياسي...
أن الذين ينادون بهدم دولة 56 هؤلاء لم يدرسوا تاريخ السودان جيدا.. إذا أخذنا الذين تخرجوا من كلية غردون التي أسست 1902م و ينسب إليها التعليم الحديث في السودان، نجد أن دور الخريجين في النضال الوطني يؤكد على قدرتهم السياسية التي اكتسبوها في فترة ضيقة، من المعرفة و كيفية إدارة الأزمة، و حققوا الاستقلال في أقل من نصف قرن.. أما إذا أخذنا "مؤتمر الخريجين 1938" بداية بالوعي الوطني و النضال من أجل الاستقلال، نجد أن قيادة مؤتمر الخريجين قد حققوا الاستقلال في اقل من 20 سنة.. و لكن النظم الشمولية و الانقلابات لم تجعلهم يحققوا أهدافهم.. أما استمرار الأزمة السياسية هي مسؤولية الأجيال التي تعاقبت و فشلت في تطوير العمل السياسي، فشلت أن تجلس و تتحاور لكي تصل لمشتركات، فشلت في خلق بيئة صالحة للتفكير المعافى. و يجب على النخب السياسية أن تعترف بفشلها، بدل أن تبحث عن شماعات تعلق عليها الفشل، و تفسح المجال لقيادات جديدة ربما تستطيع أن تحدث تغييرا في طريقة التفكير أولا... نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مدير الشؤون السياسية بحلب والمشرف على عمل مديريتي الصحة بحلب وإدلب يبحثان مع عدد من الصيادلة التحديات التي تواجه القطاع الدوائي

2025-04-29malekسابق تعزيل شبكة ري سد سحم الجولان بريف درعا الغربي انظر ايضاً تعزيل شبكة ري سد سحم الجولان بريف درعا الغربي

درعا-سانا أنهت كوادر مديرية الموارد المائية بدرعا أعمال تعزيل، وتنظيف الأقنية الرئيسية والفرعية لشبكة ري …

آخر الأخبار 2025-04-29الوزير الشيباني يلتقي بنظيره الفرنسي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك 2025-04-29بتوجيهات من السيد الرئيس.. وزير الداخلية يعقد اجتماعاً مع محافظي المحافظات السورية 2025-04-29الوزير الشيباني يؤكد رفض الشعب السوري للتدخل الأجنبي ومخططات التقسيم 2025-04-29اجتماع خدمي يناقش احتياجات منطقة الشيخ بدر في طرطوس وسبل تطويرها 2025-04-29الرئيس الشرع يستقبل وفداً للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في قصر الشعب 2025-04-29اتحاد الصحفيين يبحث مع مديرية إعلام ريف دمشق تطوير الواقع الإعلامي 2025-04-29حالة الطقس: الحرارة أعلى من معدلاتها وفرصة لهطولات مطرية خفيفة ‏على بعض المناطق ‏ 2025-04-29بعد الأحداث الأخيرة في جرمانا… الاتفاق على ضمان إعادة الحقوق وجبر الضرر لذوي الضحايا ومحاسبة المتورطين وتوضيح حقيقة ما جرى إعلامياً 2025-04-29وزير الطوارئ والكوارث يناقش مع المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر التحديات التي تواجه الشعب السوري 2025-04-29الشيباني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: نطالب برفع العقوبات عن سوريا ودعم إعادة الإعمار فيها

صور من سورية منوعات تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27 صفائح لعضلة القلب من الخلايا الجذعية… خطوة نحو العلاج الأول من نوعه في العالم 2025-04-17فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • السودان يطالب الصين بتوضيح حول كيفية حصول قوات الدعم السريع على مسيرات صينية
  • مدير الشؤون السياسية بحلب والمشرف على عمل مديريتي الصحة بحلب وإدلب يبحثان مع عدد من الصيادلة التحديات التي تواجه القطاع الدوائي
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • عماد السنوسي يتحدث عن الدور المصري الفاعل في الأزمة السودانية
  • الذي يأتي ولا يأتي من الحـافلات
  • الطالبي العلمي: “الأحرار” الحزب واعٍ بالضغوط السياسية والهجمات التي تستهدفه ويقود الحكومة بثقة
  • الخارجية السودانية تستدعي القائم بأعمال السفارة الصينية في السودان لاستيضاحه حول كيفية امتلاك الدعم السريع مُسيّرات صينية استراتيجية
  • حرب السودان في عامها الثالث فهل من أفق لحل الأزمة؟
  • محافظات جديدة على الخارطة.. بين الحلم والمساومات السياسية
  • احذروا القوي السياسية التي تعبث بالأمن