سودانايل:
2025-03-18@12:33:00 GMT

مذكرات مغترب في دول الخليج العربي ( ٧ )

تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT

كانَ الأُستَاذ غَسَّان نُوح مُحمَّد أحدَ الاشْرَاقاتِ التي خَفَّفتْ عنَّا لأوَاءَ الغُربةِ في سَنَتِها الأولَى والثانِية ، كانَ مُدَرِّسَاً للاجْتِماعِيات . كانَ حَكِيماً على مَشَارِف الخَمسِين مِن عُمُرِه وكانَ ابنُه الوَحٍيد إياد تِلمِيذاً في المَرحَلةِ المُتوَسِّطة . كان أبو إياد السُّوري الوَحَيد في المدرسة وكنتُ السُّوداني الوّحِيد في بِدَاية العَام الدِّراسي .

تَصَادَقْنا وكنَّا نَترَافقُ على المَشَاوِير بين بيشة وتثليث أو العَكْس مرةًّ بِسَيارَتِه وأُخْرى بِسَيارتي وقد أدْخلني إلى عَالَمِ الفَنَّانة اللُبنانِية فَيرُوز ذاتِ الصَّوتِ السُّوبرَانو المُتَفرِّد ( أعْلَى طَبقاتِ الصَّوت النِسَائِيّة ) وقدْ عَشِقْتُ وادْمَنتُ سَماعَ أغانِيها مُنذُ ذلك العَهد . تَصْدَحُ مِن أجْلِ القُدس : " يا قُدسُ يا زَهرَةَ المَدَائن - عُيُونُنا إليكِ تَرحَلُ كُلَّ يَوم - تَدُورُ في أرْوِقةِ المَعابِد - تُعَانِقُ الكَنَائِسَ القَدِيمة - تَمسَحُ الحُزنَ عن المَساجِد " . وكنتُ أقْتَني أشْرِطةَ الكاسِيت الغِنائية كُلَّما سافرتُ إلى الرِّياض العَاصِمة : اغاني مُحمد وَردِي، مُحمّد الأمِين ، الكَابلي ، أحمد المُصطَفي ، سَيِّد خَليفة ، إبراهيم عَوض.... وغيرِهم كُثر ، وكذلك تَسجِيلات أُم كُلثوم ، عَبد الحَليم حافِظ، وردة الجَزائِرية، شادْيَة، وعَبد الوَهَّاب الدُّوكالي. وقد تَجَمَّعتْ لدَي مِن هذه الأشْرِطة الكاسيت كَراتين في آخرِ المَطاف حيثُ تَقْبَعُ الآنَ في مخزنِ البَيتِ الكَبِير في الجَزِيرةِ الخَضْراءَ مِن السُّودانِ الأوْسَط تَلعنُ عَصرَ العَولَمةِ والحَضَارةِ الرَّقَمِية . وقد أسْمعتُ صَدَيقي أبو إياد الكَثيرَ مِن أغاني فَنانِينا ومُطرِبينا الرَّائِعين عندما كُنَّا نَعبرُ الفَيافي بين تثليث وبيشة أو العكس . يَصْدَحُ الكابلي بِأغنية " في عِزّ الليل " فًيَنتَشي غسَّان طَرَباً وتَعترِيني نَشْوةٌ وقَشْعَرِيرةٌ تَنقُلاني مِن جَوفِ الصَّحْراءِ إلى رُبُوع كُلية التَّربِية وكأنني أُشَاهِدُ ال video conference بِتاعَ الأيّام دِية : " في عِز اللَيل ساعةَ النَّسمَة تَرتاح على هَدَب الدَّغش وتَنُوم أنا مُساهر - هدَّ الحيل غَرامَك واجترارَ الذِّكرى وطيفَك في خَيالي يَحوم يا هاجِر ... أنا والليل ومُرّ جَفَاك مُساهْرِين نحْكي للأفْلاَك مُسَامْرِين ... لا خِلصَتْ حَكاوِينا ولا لقِينا ال بِداوِينا ... يا مُشَهِيني طَعمَ النَّوم وطَيفك في خيالي يَحوم يا آسر ...." عِندَها وعلى شَاشَة الذَّاكرةِ العَرِيضة ذاتِ ال 50 بوصة تَنتَقلُ إليك كُلُّ الوَقَفاتِ النَّبِيلةِ والجَلسَات الجَمِيلة على النَّجِيلةِ أو على مَقاعِد الكافتيريا أو البوفية وتحتَ ظِلال الأشْجَار أو حتى المَشاوِير الأنِيقَة بين الدَّاخِليات والكُليَّة وبينَها والمَكتبة ، وفي كلٍّ : رِفقَةٌ طَيِّبةٌ ومَوَدَّةٌ وجَمَالْ ** وحِسَانٌ زَفَّهُنَ شَرقٌ و شِمالْ ** و غَرْبٌ ودَلاَلْ ** ووَسَطٌ يَندَاحُ في ابْتِهالْ .
وتَنسَى نَفسَك في هذه الغَمَراتِ وعَيناكَ مَملُوءتان بألوانِ المَشْهَدِ على شَاشةٍ مُضِيئةٍ تَمَخَّضَتْ عن كُلِّ بَهاءِ السَّنَواتِ الأرْبَع . ثُمَّ فَجْأةً يَنقَطِعُ عَنكَ الإرسَالُ فَتعودَ إلى رُشْدِك هائِماً وَسطَ الرِّمَالْ تَمضُغُ الخَيبَة وسُوءَ المآلْ .
####
إنْضَمَّ إلىَّ مِن التَّربَويين فيزياء 82 الأستاذ الأخ بكري الحسين ومن ثمَّ انْضَمَّ إلى أُسْرةِ المُعَلِّمين في مدرسة تثليث المتوسطة والثانوية وكانَ انْضِمامُه في الفَتْرَة الثانيةِ مِن العامِ الدِّراسي . فكانَ نِعمَ الرَّفيق والصَّديق والمُعِين على الطَّريق وتَوأمَ العُشرَةِ النَّبيلةِ صِنْواٌ للأستاذ غسّان أبو إياد . سنتان وانتهى بِنا العَامُ في تثليث وكَتبَ اللهُ لنا انْتِقالاً إلى الدَّمام في المَنطِقةِ الشَّرقِية ، أمَّا البَكري فنُقِلَ إلى " صَبْيَا " وهي جُزْءٌ من جيزان التي يَنحَدرُ مِنها الخال شَرَاحِيل .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

النجارة التقليدية في الخليج.. دراسة توثيقية لنقوش الخشب والأبواب

ارتبط الإنسان بالخشب منذ أقدم العصور، حيث مثّل مادة أساسية في حياته اليومية، بدءا من الاستخدامات الوظيفية البسيطة وصولا إلى الأعمال الفنية المتقنة. ومع تطور الذائقة الجمالية وتعاظم الحس الإبداعي، برزت المشغولات الخشبية كأحد مظاهر الفنون التقليدية، إذ استفاد الإنسان من تنوّع الأخشاب وسهولة تشكيلها في تسجيل رؤاه وانطباعاته عن الطبيعة، تماما كما فعل في الزخرفة والنقش على الحجر والمعادن والمنسوجات.

وتعكس الفنون التقليدية بمختلف أشكالها، سواء المادية منها كالعمارة والزخرفة، أو الفنون الشفاهية كالموسيقى والغناء، الدور الاجتماعي للفن بوصفه أداة للتعبير عن الواقع المعيش. وفي هذا السياق، برزت حرفة النجارة والمشغولات الخشبية كواحدة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان لتلبية احتياجاته اليومية، حيث اتخذت أشكالا متعددة، لكن الأبواب والنوافذ احتلت مكانة بارزة باعتبارها جزءا رئيسيا من العمارة، حتى أصبحت أنماطها وتصاميمها ميزة تفرّق بين الشعوب والحضارات.

نقوش الخشب في عمارة الخليج

في منطقة الخليج العربي، كان للنقوش الخشبية الإسلامية حضور بارز في العمارة التقليدية، حيث تميزت الأبواب والنوافذ الخشبية بزخارفها الهندسية والنباتية والخطية التي تعكس الهوية الثقافية والفنية للمنطقة. وقد وثّق الباحث الدكتور سعيد عبد الله الوايل هذا الجانب في كتابه "الأبواب والنقوش الخشبية الإسلامية في المباني التاريخية في الخليج العربي"، الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة، حيث قدم دراسة موسّعة تناولت تطور استخدام الخشب في العمارة الخليجية، مع التركيز على النقوش والزخارف الإسلامية التي زينت الأبواب والنوافذ التقليدية.

إعلان

ويُبرز الكتاب كيف نشأت المدن والتجمعات السكنية على سواحل الخليج العربي في فترات زمنية مختلفة، حيث قامت بعضها على أنقاض مستوطنات قديمة، في حين نشأت أخرى نتيجة لهجرات من داخل شبه الجزيرة العربية أو من السواحل القريبة. وتحت تأثير العوامل البيئية والمناخية والاجتماعية، اكتسبت العمارة الخليجية طابعا فريدا اعتمد فيه الحرفيون على مهاراتهم المتوارثة، إلى جانب تأثرهم بالطرز المعمارية للحضارات المجاورة، مثل بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين.

ويعرض الكتاب خلاصة جهد بحثي استمر لأكثر من 10 سنوات، اعتمد فيه المؤلف على البحث الميداني والتجوال بين مدن الخليج، وإجراء مقابلات موثقة مع الحرفيين والمختصين، بالإضافة إلى توثيق النماذج المتبقية من الأبواب الخشبية التاريخية سواء في مواقعها الأصلية أو في المتاحف. وقدّم من خلال ذلك تحليلا معمّقا لتاريخ وتطور النقوش الخشبية في عمارة الخليج العربي، مما يجعل الكتاب مرجعا أساسيا في دراسة هذا الفن التقليدي العريق.

النقوش والزخارف على باب قديم في قلعة نزوى بسلطنة عمان (شترستوك)  تراث يعكس الهوية

يكشف الكتاب عن الدور المركزي الذي لعبته الأبواب والنقوش الخشبية في تعزيز الهوية المعمارية للخليج العربي، حيث لم تكن مجرد عناصر وظيفية، بل لوحات فنية تنطق بتاريخ المكان وثقافته. ويؤكد المؤلف أن هذه النقوش لم تكن مجرد زينة، بل حملت رموزا ودلالات ثقافية واجتماعية تعبّر عن معتقدات وقيم المجتمع.

ويؤكد الدكتور سعيد عبد الله الوايل على ضرورة الحفاظ على هذا الإرث الفني، لا سيما في ظل التغيرات العمرانية السريعة التي شهدتها المنطقة، داعيا إلى مزيد من الجهود لتوثيق وحماية المشغولات الخشبية التقليدية باعتبارها جزءا أصيلا من الموروث الثقافي الخليجي.

وخصص المؤلف الفصل الأول من الكتاب لاستعراض المحطات التاريخية الرئيسية في منطقة الخليج العربي، متتبعا مواقع الاستيطان البشري والآثار المكتشفة، فضلا عن تأثيرات فترات الاستعمار الأجنبي على الفنون والحرف التقليدية. كما تناول طبيعة المهن والحرف التي مارسها سكان المنطقة، والظروف البيئية والاجتماعية التي أثرت على تطورها.

إعلان

وفي الفصل الثاني، تناول الكتاب أنواع الأخشاب التي استُخدمت في الخليج العربي، سواء المحلية أو المستوردة، مع التركيز على خصائصها ووظائفها المختلفة. كما استعرض الصناعات الخشبية البارزة، مثل صناعة السفن الشراعية، والنجارة التقليدية، مبينا الصلات الوثيقة بين الحرفتين، وأهم الأدوات التي استعان بها الحرفيون في أعمالهم.

ونظرا لكون الكتاب يركز على المشغولات الخشبية المرتبطة بالعمارة التقليدية، فقد أفرد الفصل الثالث لدراسة أنماط البناء في الخليج العربي، مع الإشارة إلى المباني التاريخية التي لا تزال قائمة في مختلف مناطق المنطقة.

أما الفصل الرابع، فقدّم تصنيفا تفصيليا للأبواب التقليدية، متناولا تسمياتها المختلفة، وخصائصها، والأجزاء المكونة لها. كما تطرق إلى النوافذ الخشبية (المشربيات)، والأعمدة الخشبية، والأثاث التقليدي، مسلطا الضوء على الجوانب الجمالية والوظيفية لهذه العناصر.

نقوش وزخارف إسلامية

خصص المؤلف الفصل الخامس للنقوش الخشبية الإسلامية، مستعرضا خصائصها، وطرق الحفر التقليدية التي استخدمها الحرفيون في الخليج العربي. وفي الفصل السادس، تناول بالتفصيل الأنماط الزخرفية والرموز التي نُقشت على الأبواب والنوافذ، مع تتبع مصادرها التاريخية والجغرافية، وما تحمله من دلالات ثقافية واجتماعية.

أما الفصل السابع، فناقش قضية حفظ وصيانة الأبواب والمشغولات الخشبية التقليدية، مسلطا الضوء على الأضرار التي تعرضت لها بسبب الإهمال أو العوامل البيئية. كما قدّم مقترحات للحفاظ على هذا التراث العريق، واستعرض بعض التجارب الناجحة في صيانة الأبواب الخشبية في المنطقة.

ويبرز الكتاب رؤية المؤلف حول التأثيرات التي شكّلت حرفة النقش الخشبي في الخليج العربي، إذ يشير إلى أن الفنان الشعبي المسلم، الذي ينتمي فكريا وروحيا إلى بيئته الثقافية، استطاع أن يعكس رؤيته للعالم من خلال الزخرفة. فالزهور، والنجوم، والأشكال الهندسية التي نقشها الحرفيون لم تكن مجرد زخارف تقليدية، بل كانت تعبيرا بصريا عن رؤيتهم الخاصة للطبيعة والحياة.

إعلان

ويرى المؤلف أن هذه الرموز والأشكال تحمل دلالات إبداعية تتجاوز الزمان والمكان، وأنها تسبق بمراحل بعض الاتجاهات الحديثة في الفنون البصرية، حيث بحثت المدارس الفنية المعاصرة عن "الفطرة الإبداعية" التي كان يمتلكها الفنان الشعبي بطبيعته.

يختتم الدكتور سعيد عبد الله الوايل كتابه بالتأكيد على أن توثيق الأبواب والنقوش الخشبية الإسلامية هو نوع من الوفاء للتراث الثقافي، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الهوية البصرية والمعمارية للخليج العربي. ويؤكد أن هذا التراث لم يحظَ بالقدر الكافي من الدراسة والبحث، داعيا إلى مزيد من الجهود للحفاظ عليه، خاصة في ظل التغيرات العمرانية الحديثة التي تهدد بطمس ملامحه الأصيلة.

مقالات مشابهة

  • شركة «الخليج» للنفط تكشف عن عودة «بئر» جديد للإنتاج  
  • خسائر في أغلب بورصات الخليج بفعل التوتر في المنطقة
  • صدور مذكرات قبض بحق النائب السابق محمد الدايني وشقيقه
  • خبير دولي: استئناف قصف غزة في رمضان تستوجب مذكرات توقيف فورية لمجرمي الحرب الإسرائيليين
  • مبعوث أوكرانيا يشيد بجهود دول الخليج العربية في دعم بلاده
  • النجارة التقليدية في الخليج.. دراسة توثيقية لنقوش الخشب والأبواب
  • تحويلات العاملين في دول الخليج تسجل 131.5 مليار دولار بنهاية 2023
  • دهوك يواجه القادسية في نهائي دوري أبطال الخليج للأندية
  • مذكرات تبليغ وقرارات إمهال مطلوبين للقضاء
  • البديوي: دول الخليج تخطو بقوة نحو مكافحة الإسلاموفوبيا