كيف حدثت أزمة مصرف ليبيا المركزي؟ ومن المسؤول عنها؟
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
تستمر منذ أمس الأول الاثنين المباحثات التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من أجل حل أزمة مصرف ليبيا المركزي التي أدت إلى توقف إنتاج النفط، وتنذر بأسوأ أزمة تهدد البلاد منذ سنوات.
وفي 27 من الشهر الفائت، هدد رئيس مجلس النواب الليبي (مقره بنغازي شرقي البلاد) عقيلة صالح باستمرار إقفال حقول النفط والغاز حتى عودة محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير إلى منصبه.
ومنذ منتصف الشهر الماضي، تعيش ليبيا أزمة حادة بعد إصدار المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي قرارا يقضي بعزل محافظ البنك المركزي، وسط رفض من مجلس النواب.
مجموعة الأزمات الدولية: تداعيات أزمة مصرف ليبيا ستمتد إلى الوضع الإنساني في البلاد (رويترز) طبيعة الأزمةوانفجرت أزمة البنك المركزي الليبي عقب قرار من المجلس الرئاسي (مقره طرابلس) يقضي بعزل محافظ البنك المركزي من منصبه، وتعيين بديل عنه، مما أدى إلى رفع فصائل مسلحة من الطرفين جاهزيتها استعدادا لمواجهات مسلحة.
وتلا ذلك إعلان رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد حالة القوة القاهرة على قطاع النفط ووقف إنتاج الخام وتصديره؛ احتجاجا على ما اعتبره اقتحام لجنة تسليم وتسلم مكلفة من المجلس الرئاسي لمقر المصرف المركزي لتمكين الإدارة الجديدة للمصرف.
واستند اعتراض كل من مجلس النواب والحكومة المكلفة منه إلى أن تعيين محافظ البنك المركزي ليس من اختصاص المجلس الرئاسي، بل هو اختصاص أصيل لمجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة وفق الاتفاق السياسي الليبي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015.
أما المجلس الرئاسي فقد برر قرار تعيين مجلس إدارة جديد للمركزي الليبي بأنه يأتي لتعزيز قدرة المصرف على القيام بمهامه بكفاءة وفاعلية، بما يضمن استمرارية تقديم الخدمات المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ما قبل الأزمةللبحث في طبيعة الأزمة وتداعياتها، أجرت الجزيرة نت مقابلة مع خبيرة الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني، حيث قالت إننا نتابع التطورات على الأرض، وننقل ذلك من خلال تحليل الوقائع وما يجب أن يحدث في ليبيا.
وأضافت غازيني "أن وقف تصدير النفط الذي أمرت به الحكومة المتحالفة مع (اللواء المتقاعد خليفة) حفتر هو رد فعل للنزاع من أجل السيطرة على البنك المركزي".
وتشرح خبيرة مجموعة الأزمات الدولية ما حدث في ليبيا مؤخرا بأنه "منذ سقوط (الرئيس الليبي الراحل معمر) القذافي كان منصب محافظ البنك المركزي الليبي يشغله الصديق الكبير الذي تمكن من تجاوز جميع التغيرات في المشهد السياسي الليبي، بما في ذلك كونه معارضا شديدا للسلطات في الشرق وحفتر، حتى أصبح الآن يمول مشروعات إعادة الإعمار الخاصة ببلقاسم حفتر وأشياء أخرى".
وتستمر غازيني في سرد حيثيات الأزمة الليبية، إذ ترى أن العلاقة بين محافظ البنك المركزي ورئيس الحكومة المعترف بها دوليا (مقرها طرابلس) عبد الحميد الدبيبة لم تستمر على ما كانت عليه سابقا وتدهورت منذ أكثر من عام ونصف العام، وذلك بعد أن شكا الدبيبة من "أنه لم يكن يتلقى أموالا من البنك المركزي، وأصبح محرومًا من تمويله".
أسباب الأزمة
وعند النظر في عمق أزمة مصرف ليبيا المركزي لن يقف الأمر عند الخلاف حول الشخصية التي تتولى إدارة سياسة صرف أموال العائدات الليبية وتمويل مشاريع البنى التحتية والتنمية، بل إن الأزمة أقدم وأعقد من ذلك.
وهذا ما يذهب إليه مدير مركز بيان للدراسات نزار كريكش الذي يقول إن ما يحدث في ليبيا اليوم هو نتيجة مجموعة من التناقضات والأخطاء في بنية الاتفاقيات السياسية السابقة، وكان الجميع يحاول أن يغطي عليها تحت ذريعة تسوية النزاع، وغض النظر عما يرتبط بذلك من قضايا تمس نفسية المتنازعين ومصالحهم، فيكون المهم هو إيقاف الحرب، من دون معرفة كيف نوقف هذه الحرب.
وأضاف كريكش -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن ما حدث في هذه المرحلة كان نتيجة عدم وجود تنظيم حقيقي لنتائج اتفاق جنيف عام 2021 برعاية الأمم المتحدة، ولم تكن نتائجه مرضية لكافة الأطراف، وبدأ بينها تنازع شخصي، خاصة بعد استمرار هذا النظام الذي كان يريد أن يعطي فترة سماح لهذه الأطراف كلها لتكوين نظام سياسي متعدد يسمح بإجراء انتخابات شرعية.
ويبني على ما سبق المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى للدولة أشرف الشح، ويضيف أن كل طرف بنى مشروعه الخاص من أجل كسب الرأي العام في صفه؛ فعبد الحميد الدبيبة أطلق مشروع "عودة الحياة"، وكان في تحالف مع الصديق الكبير وقتها، مما وفر له تمويل هذه المشاريع التنموية بغض النظر عن جدل اعتماد الميزانية من البرلمان.
وأضاف -في مقابلة مع الجزيرة نت- أنه في جهة الشرق أشرف بلقاسم حفتر على مشروع "إعادة الإعمار" بعد كارثة درنة، وسهّل رئيس البرلمان عقيلة صالح إصدار قانون هيئة إعمار ليبيا، وتفاوضوا مع محافظ مصرف ليبيا المركزي لتمويل هذه المشاريع الضخمة خارج كل الأطر القانونية والرقابية، ودون وسائل محاسبية.
المال السياسي
ويصبح لأزمة البنك المركزي في ليبيا وجه آخر عند الحديث عن توظيف المال السياسي الذي لعب دورا مهما في تفاصيل الصراع وتأجيجه بين القوى الفاعلة في ليبيا.
وهذا ما يلخصه الشح بأن "اختلاف حكومة الدبيبة مع الصديق الكبير الذي انفتح على الضفة الشرقية مع خليفة حفر وأبنائه في تمويل مشاريعهم؛ جعل فريق طرابلس يبدأ التفكير الفعلي في أن هذا الانقلاب من محافظ المصرف المركزي يمثل تهديدا وجوديا، وبالتالي أصبح لزاما عليهم التخلص من محافظ البنك المركزي لضمان الوجود السياسي، لأن الموضوع كله سياسي وليست له علاقة بالجوانب الاقتصادية أو التنموية الفعلية".
ويذهب الباحث الأكاديمي والسياسي أحمد عبد الله العبود إلى "أن التوظيف السياسي للأموال في ليبيا من أجل شراء الولاءات وإحداث الانقسامات كان موجودا منذ اتفاق جنيف". وأضاف أن "أزمة المصرف المركزي ما كانت تتم لولا الاتفاق بين حكومة الدبيبة ومحمد المنفي والتشكيلات المسلحة الموجودة في طرابلس".
تداعيات الأزمة
وأشار العبود -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن أخطر ما في أزمة البنك المركزي في ليبيا هو توقف عجلة التنمية التي انطلقت خلال الفترة الماضية بمجموعة من مشاريع البنية التحتية التي يقوم عليها مشروع "إعادة الإعمار" في مدن الشرق الليبي مثل بنغازي وسرت ودرنة، وكذلك مشاريع التنمية التي أشرفت عليها حكومة الدبيبة في طرابلس.
وتذهب خبيرة الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية إلى تفاصيل أكثر، وتقول إن صراع السيطرة على البنك المركزي خطير جدا وسينعكس على الوضع الإنساني في البلاد، لأن البنك المركزي ينظم جميع المعاملات ويدفع الرواتب ويوافق على خطابات الاعتماد لاستيراد البضائع، إذ إن ليبيا تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، سواء للبناء أو الطعام أو الحصول على العملة الأجنبية.
وتضيف غازيني أن الصراع السياسي والتنافس على تمويل البنك المركزي يؤثران بشدة على مشاريع التنمية، خاصة في بعض المناطق الجنوبية النائية، "لأن الوضع فيها خطير للغاية، والبعد عن طرابلس أو بنغازي يجعل البضائع أكثر تكلفة بسبب النقل وبعد المسافة".
وغازيني عادت من ليبيا منذ أيام قليلة، وكانت قريبة من الأحداث الأخيرة، ولذلك قالت عن الوضع المعيشي للسكان إنه "لا توجد أزمة إنسانية حقيقية في ليبيا، حيث إن معظم الناس موظفون في القطاع العام ويتلقون رواتب من الدولة، وقد تتأخر هذه الرواتب لكن الناس يحصلون على بعض المال في النهاية للعيش أو البقاء على قيد الحياة، وبالتالي لا يوجد فقر ساحق في ليبيا.
يذكر أنه حتى مساء أمس الثلاثاء ما زالت المباحثات التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مستمرة لليوم الثاني على التوالي، تمهيدا للإعلان عن "اتفاق وشيك" بين أطراف أزمة المصرف المركزي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مجموعة الأزمات الدولیة محافظ البنک المرکزی مصرف لیبیا المرکزی أزمة مصرف لیبیا المجلس الرئاسی المصرف المرکزی الصدیق الکبیر مجلس النواب الجزیرة نت مقابلة مع فی لیبیا من أجل
إقرأ أيضاً:
روبيو: الأنظمة الحاكمة في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا هي المسؤول الأول عن إشعال أزمة الهجرة
كوستاريكا – اتهم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأنظمة الحاكمة في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا بالتسبب في إشعال أزمة الهجرة بالنصف الغربي من الكرة الأرضية واصفا إياهم بأنهم “أعداء الإنسانية”.وقال روبيو خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس كوستاريكا رودريغو تشافيس في العاصمة سان خوسيه: “في المقام الأول، ومن وجهة نظري، هذه الأنظمة الثلاثة الموجودة في نيكاراغوا وفنزويلا وكوبا هي أعداء للإنسانية وقد تسببت في أزمة الهجرة”.
وأضاف: “لولا هذه الأنظمة الثلاثة، لما كانت هناك أزمة هجرة في النصف الغربي من الكرة الأرضية”.
كما زعم روبيو أن أزمة الهجرة “مرتبطة بحقيقة أن الأنظمة في هذه الدول الثلاث لا تعمل”، دون أن يوضح بالتفصيل ما يعنيه بذلك.
وكان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قد أكد يوم أمس الاثنين خلال القمة الاستثنائية لقادة التحالف البوليفاري لشعوب الأمريكتين “ألبا” على “ضرورة تنسيق المطالب لضمان احترام المهاجرين وحقوقهم، وتأمين عودتهم الكريمة إلى أوطانهم”، مشيرا إلى أن العقوبات الغربية ألحقت ضررا جسيما بالاقتصاد الفنزويلي، مما أدى إلى هجرة 2.5 مليون فنزويلي.
بدوره، انتقد الرئيس البوليفي لويس آرسي عمليات ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة مقترحا توحيد الجهود على مختلف المستويات لضمان اعتراف الأمم المتحدة بالهجرة كحق أساسي من حقوق الإنسان.
فيما وصف رئيس كوبا ميغيل دياز كانيل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاحتجاز 30 ألف مهاجر غير نظامي في معتقل غوانتانامو، بـ”التصرف الوحشي”.
يذكر أن ترامب كان قد عبّر في العديد من المرات عن دعمه لتشديد السياسة المتعلقة بالهجرة والقيام بالترحيل القسري للمهاجرين غير الشرعيين.
وبعد ساعات فقط من تنصيبه في 20 يناير الماضي، ألغت إدارة ترامب سياسة عهد الرئيس السابق جو بايدن التي كانت تحظر الاعتقالات من قبل عملاء الهجرة الأمريكيين في أو بالقرب من المدارس وأماكن العبادة وغيرها من الأماكن التي تعتبر “مواقع حساسة”.
وأمر ترامب أيضا البنتاغون ووزارة الأمن الداخلي بتوسيع مركز الاحتجاز المؤقت للمهاجرين في القاعدة الأمريكية في خليج غوانتانامو في كوبا.
وقامت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية بتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية الأمريكية، مما سمح لها بترحيل المهاجرين غير الشرعيين عبر إجراءات سريعة، دون الحاجة إلى قرار من المحكمة المختصة بشؤون الهجرة.
وتعهد “قيصر الحدود” في البيت الأبيض، توم هومان، بالعودة إلى اعتقالات المهاجرين الواسعة النطاق في مواقع العمل التي توظف العمال الذين يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني، وهي ممارسة أوقفتها إدارة بايدن.
وأفادت صحيفة “نيويورك بوست”، بأن البيت الأبيض أصدر تعليمات لسلطات الجمارك وحماية الحدود باحتجاز ما لا يقل عن 1800 شخص يوميا بحجة انتهاكهم قوانين الهجرة.
كما تم استخدام الطائرات العسكرية الأمريكية لإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية.
المصدر: تاس+ RT