ما المصير السياسي لـنتنياهو بعد الاحتجاجات الغاضبة في الشوارع؟
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقال رأي لكاتب العمود في صحيفة "هاآرتس" آلون بينكاس تساءل فيه عما إذا كانت أيام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد أصبحت معدودة، في ظل موجة الغضب التي تجتاح الإسرائيليين في أعقاب مقتل ستة أسرى إسرائيليين كانوا محتجزين لدى حركة حماس في غزة.
وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن "الإسرائيليين اليائسين والغاضبين خرجوا إلى الشوارع بعد أن علموا أن حماس أعدمت ستة رهائن يوم السبت.
ولفت إلى أن المحتجين البالغ عددهم 350 ألف إسرائيلي الذين تظاهروا في تل أبيب تجمّعوا في نفس المكان لنفس القضية. وعلى الفور، أثير على الفور سؤال حول ما إذا كانت هذه نقطة انعطاف سياسي لنتنياهو. رجّح الكاتب ذلك مشيرا إلى أن هذا الاحتمال يعتمد على مدى استدامة هذه المظاهرات.
وتابع قائلا: "فهل تعكس هذه المظاهرات كتلة حرجة من الاشمئزاز من شأنها أن تترجم إلى اضطراب سياسي؟ هل سيؤدي إحباط وزير الدفاع يوآف غالانت وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي ومجتمع الاستخبارات من نتنياهو إلى تأجيج المزيد من المظاهرات؟ لا يمكن معرفة ذلك على وجه اليقين حتى الآن، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن نتنياهو سيواجه مأزقًا سياسيًا كبيرًا، وهو مأزق تمكن بطريقة ما من تجنبه لعدة أشهر".
وأضاف الكاتب أنه "مهما كان شعور الإسرائيليين بالغضب، فإن قتل الرهائن كان متوقعاً بشكل مأساوي. فقد سبق أن حذّر غالانت من حدوث ذلك وكذلك رئيس الموساد ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك). ومع ذلك، لم يرغب نتنياهو أبدًا في عقد اتفاق تبادل رهائن يتضمن وقف إطلاق النار، فهو لا يريد أي اتفاق لا يمكن أن يسميه "انتصارًا كاملًا"، وهو هدف وهمي وغير قابل للتحقيق وضعه لضمان استمرار الحرب".
علاوة على ذلك، يعتبر استمراره في التصعيد إلى جانب إطالة أمد الحرب على غزة مؤشرات واضحة على أن مصالحه واسعة النطاق تحول دون التوصل إلى مثل هذه التسوية. فهو يريد الترويج للرواية القائلة إن هذه ليست حربًا تقتصر على غزة بل صراعًا واسع النطاق ضد إيران ووكلائها، وهذا يضع أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في سياق أوسع ويخفف من مسؤوليته.
وأفاد الكاتب بأن "هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر يعتبر أسوأ يوم في تاريخ إسرائيل وكارثة ذات أبعاد تاريخية من جميع النواحي: من حيث السياسة والردع والأمن والاستخبارات والسمعة والكبرياء الوطني. هذا الحدث كشف أن نتنياهو، الذي وصف نفسه عبثًا بأنه "سيد الأمن"، والزعيم العالمي في مكافحة الإرهاب، ومنقذ الحضارة الغربية ضد الفاشية الإسلامية"، عكس ما يدعي. وقد رفض تحمّل المسؤولية، وتحدى منتقديه الذين شككوا في سياساته المتساهلة والمعيبة وتهرّبه من المساءلة. وبدلاً من ذلك، ألقى باللوم على الجيش وأجهزة الاستخبارات و"النخب الليبرالية" وأي شخص آخر يمكن أن يخطر بباله".
بالنظر إلى أن إسرائيل كانت غارقة في مظاهرات حاشدة ضد الانقلاب الدستوري المعادي للديمقراطية الذي قام به نتنياهو، في الأشهر التسعة التي سبقت هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كان هناك توقّع بأن الحرب وحماقة نتنياهو ستعجل باندلاع احتجاجات واسعة النطاق.
وأضاف الكاتب أن "هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وضّح الكثير من الأشياء في إسرائيل، أولاً كان إذلالاً لإسرائيل ما أصاب الجمهور المحبط بالشلل. ثانيًا، في العقلية الوطنية الإسرائيلية، لا يمكنك التظاهر عندما تكون البلاد في حالة حرب. وثالثًا، برر الجمهور الإسرائيلي الحرب برغبة يائسة في الانتقام، وافترض بسذاجة أن نتنياهو سيستقيل طواعية في مرحلة ما. ورابعًا، انضم تحالف المعارضة بقيادة بيني غانتس وغادي آيزنكوت مؤقتًا إلى "حكومة الحرب" لإضفاء خبرتهم وإحداث توازن مع اليمين المتطرف".
ولكن اتضح أن هذه الاستراتيجية بلا فائدة، فقد استمر الدمار 11 شهرًا، وفي حين كان ينبغي أن يكون واضحًا بعد ثلاثة أو أربعة أشهر أن الحرب كانت تتواصل عمدًا، كان ينبغي أن تكون حقيقة قيادة نتنياهو غير الكفؤة قد طغت على الممارسة النبيلة المتمثلة في "عدم الاحتجاج عندما تطلق المدافع".
وحسب الكاتب، أدى استعداد غانتس للمساهمة بخبرته إلى بقائه في الحكومة لثمانية أشهر بشكل ملائم، لم يفعل خلالها شيئًا، ولم يضف أي قيمة ونادراً ما تحدى نتنياهو. وبدلًا من ذلك، وفّر لنتنياهو غطاءً سياسيًا وافرًا ودائمًا، وبالتالي أقنع الكثير من الإسرائيليين أنه إذا كان في مجلس الوزراء والحرب مستمرة، فلا فائدة من التظاهر.
وفي الختام، أكد الكاتب أن هذا بالضبط ما راهن عليه نتنياهو، ذلك أن كثرة إخفاقاته في السياسة الخارجية، مثل مسألة إيران وغزة والعلاقات مع الولايات المتحدة، وإخفاقاته الداخلية مثل الانقلاب الدستوري الفاشل، وغلاء المعيشة، والصراع الاجتماعي، لا تخفي حقيقة أنه سياسي أكثر دهاءً ومكرًا من أي من منافسيه. والأشياء الوحيدة التي يجيدها هي تشكيل ائتلاف تجمعه الشعبوية والديماغوجية وإدارة البقاء في السلطة. مع ذلك، هناك أدلة على أنه وصل إلى طريق سياسي مسدود، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرًا أن 70 بالمئة من الإسرائيليين يريدون استقالته. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تريد ذلك أيضًا، وربما كان سوء إدارة نتنياهو لمصير الرهائن تلاعبًا متطرفًا، حتى بالنسبة له.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية نتنياهو غزة الحرب احتجاجات احتجاجات غزة نتنياهو الأسرى الحرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول إذا کان
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان: تداعيات الأفلات من العقاب من منظور سياسي/ أقتصادي
بروفيسور حسن بشير محمد نور
للسودان إرث طويل في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وصولا للاتهامات بالابادة الجماعية، التي اوصلت البلاد لمحكمة الجنايات الدولية بأحالة من مجلس الامن الدولي، ووضع ذلك السودان ضمن قائمة الدول الراعية للارهاب، وسلطت عليه عقوبات اقتصادية اقعدته عن التنمية ورفع قدرات اقتصاده وخفض انتاجيته وتنافسيته الخارجية. من السذاحة حصر تلك الانتهاكات والجرائم في جوانبها القانونية وتحقيق العدالة والقصاص فقط، رغم الأهمية الكبرى ذلك .
كان لتلك الجرائم والانتهاكات، مع الافلات من العقاب الذي لازمها عواقب جسيمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ومن حيث الكفاء والاداء الاقتصادي مجتمعة. وبالطبع لا زالت تلك الجرائم والانتهاكات مستمرة حتي اليوم، بل ان وتيرتها قد ارتفعت بشكل خطير من أطراف الحرب الدائرة الان في كل مكان، سواء في مناطق سيطرت الدعم السريع أو الجيش، ولا زالت تقارير وادانات تلك الجرائم من المنظمات الدولية والوطنية المعنية بحكم القانون وحقوق الانسان والحريصة علي تحقيق العدالة وعدم الافلات من العقاب تملأ الافاق.
منذ استيلاء نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير على السلطة في السودان عام 1989، دخل السودان في مرحلة مظلمة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم المنظمة، التي استهدفت المعارضة السياسية والمدنيين وشمل ذلك تأييدًا للأنشطة الإرهابية. وعلى الرغم من الإطاحة بالنظام في ثورة ديسمبر (كانون الاول) 2018 (التي تمر هذه الايام ذكراها السادسة)، استمرت الممارسات القمعية من قبل المكون العسكري، مما أدى إلى إشعال حرب متوحشة ترافقها اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. يتناول هذا المقال التداعيات السياسية والاقتصادية لهذه الجرائم، وتأثير الإفلات من العقاب على مستقبل السودان، من منظور الفكر السياسي ومناهج الاقتصاد السياسي.
تم قمع المعارضة بشكل ممنهج ابتداءا مما عرف (ببيوت الاشباح) سيئة السيط وليس انتهاءا بقمع الحريات والعمل النقابي، وقد فرض حكم الانقاذ نظامًا بوليسيًا استهدف كل أشكال المعارضة السياسية، بالاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القانون. اضافة ذلك ادخل النظام البلاد في مرحلة جديدة من الحروب الاهلية رابطا اياها بالشعارات الدينية وقد حول تلك الحرب لغزوات (جهادية) مصحوبة بتعبئة جمعت بين الايدولوجيا والخرافة، ادت تلك الحرب لازهاق مئات الالاف من الارواح، اضافة لاستنزافها للموارد ودخول الاقتصاد السوداني في مرحلة طويلة من التضخم الركودي لم يخرج منها الا بعد اكتشاف وتصدير البترول في نهاية عقد تسعينيات القرن الماضي.
أدت سياسات القمع والإقصاء إلى تكاليف اقتصادية واجتماعية وتداعيات سياسية انتهت بأنفصال جنوب السودان في 2011، ويا لها من خسائر بشرية ومادية هائلة.
لم يعتبر نظام الانقاذ من محنة انفصال الجنوب كطبيعة الانظمة الاستبدادية (والاستبداد يعمي البصيرة)، اذ اشعل حرب الإبادة الجماعية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مرتكبا مجازر بحق المدنيين، حيث استخدم التطهير العرقي والقصف الجوي والتجويع كوسائل حرب، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال بحق البشير وعدد من مسؤوليه. وكان من تداعيات ذلك اخراج اقليم دارفور ومناطق في كردفان والنيل الازرق من دائرة الانتاج والنسيج الاجتماعي، ما ادي، اضافة للخسائر الاقتصادية لنزوح ولجؤ علي نطاق واسع.
لم يكتفي النظام بذلك بل قام بدعم جماعات إرهابية كان من ضمنها تنظيم القاعدة باستضافة زعيمه اسامة بن لادن وكارلوس وغيرهم، ودفع ذلك باتهامه بجرائم خطيرة مثل تفجير السفارات الامريكية في شرق افريقيا والهجوم علي المدمرة كول، مما ادي إلى إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة الوطأة اقتصاديا واجتماعيا، شملت العقوبات تجميد الأصول وفرض قيود على التجارة والاستثمار وحرمان السودان من الوصول للتكنولوجيا الحديثة بل وحتي قطع الغيار. ادي ذلك لتدمير قطاعات اقتصادية كاملة في الزراعة (مثل مشروع الجزيرة) والصناعة والخدمات وادي لتعطل قدرات النقل الجوي (شركة الخطوط الجوية السوداني، سودان اير) والبحري والنهري بشكل شبه تام.
كل ذلك قاد لعزلة دولية للسودان وحرمانه من الدعم الدبلوماسي، كما ادي الي تفكيك البنية المؤسسية للدولة وتحويلها إلى أداة قمعية تخدم النظام فقط. اما من الناحية الاقتصادية فقد كان لذلك تداعيات جسيمة علي الاستقرار الاقتصادي في انخفاض معدلات النمو، ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر صرف العملة السودانية بمعدلات عالمية قياسية، اضافة لاختلال التوازن الخارجي وكان لكل ذلك اثار هائلة علي تنامي معدلات الفقر والبطالة.
لم تنجح ثورة ديسمبر(كانون اول) 2018 في تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، حيث ظل المكون العسكري، مدعوما بدولة الانقاذ العميقة يسيطر على المشهد السياسي والقدرات الاقتصادية والخدمة المدنية، اضافة للقضاء والنيابة العامة، وكان ان استمرت انتهاكات حقوق الإنسان. تصاعدت التوترات بين المكون العسكري والمدني خلال الفترة الانتقالية، وقد عجزت الحكومة المدنية من انجاز العديد من المهام المحورية مثل تفكيكك البنية المؤسسية لنظام الانقاذ، استرداد الاموال المنهوبة وتلك التي تحت سيطرت المكون العسكري بما فيه الدعم السريع، اضافة لاصلاح الخدمة المدنية والقضاء والتيابة العامة، واجازة قانون النقابات وغيرها من المهام الداعمة لروافع الانتقال الديمقراطي. أدى الاستقطاب الحاد إلى انقلاب 25 اكتوبر 2021 ، الذي كان المقدمة الموضوعية للحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع
تفاقمت الازمات والتداعيات الخاصة بالجرائم والانتهاكات بعد الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع، التي فاقمت من الازمة الاقتصادية وادت لأزمة أنسانية توصف بانها الاسوأ في العالم، اضافة لاتهام الطرفان بارتكاب جرائم قتل جماعي، واغتصاب، ونهب ممتلكات المدنيين، ما أدى إلى نزوح الملايين داخليًا وخارجيًا، وتدهورت او انهارت الخدمات الأساسية. وبالرغم من الاتهامات الدولية بارتكاب جرائم حرب، لا يزال القادة العسكريون يتمتعون بحرية التنقل وممارسة السلطة، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويؤدي لتطبيع الانتهاكات والاجرام.
ما يهمنا هنا هو التأكيد علي ان الإفلات من العقاب يؤدي إلى انهيار ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ما يعزز النزعات الانفصالية والصراعات القبلية، ويؤدي لتعميق الازمة السياسية ويشجع النخب العسكرية علي التشبث بالسلطة. بالتالي فان استمرار الجرائم دون محاسبة يكرّس صورة السودان كدولة فاشلة لا تحترم القانون الدولي ويقوض فرص الاستثمار الأجنبي والتعاون الدولي مما يؤدي لتعميق الأزمة الاقتصادية.
تتصاحب تلك الازمات باعاقة التنمية بشكل تام وتزيد من معدلات الفقر والبطالة، ما يؤدي إلى أزمات اجتماعية مستعصية علي الحل. اضافة بالطبع لغياب العدالة والعدالة الانتقالية الذي يؤدي بدوره لدوامة العنف وعدم الاستقرار السياسي وتفاقم النزاعات الإهلية وتعطيل فرص السلام، ونتيجة لذلك سيظل السودان في حالة انكماش اقتصادي تفاقم من معاناة مواطنيه.
نخلص من استعراضنا الي ان الإفلات من العقاب يمثل تحديًا خطيرًا لمستقبل السودان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث يقوض أسس الدولة ويؤدي إلى استمرار دوامة الأزمات السياسية والاقتصادية. من منظور الفكر السياسي، يتطلب الخروج من هذه الأزمة الاخذ في الاعتبار جوانب العدالة والعدالة الانتقالية وتعزيز سيادة القانون، بالتزامن مع استصحاب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والتكاليف الناتجة عن كل ذلك في جميع اساليب البحث عن حل مستدام ونهائي لمشاكل البلاد. ومن الجدير بالاعتبار عدم اغفال الجوانب الاقتصادية/ السياسية، التي تؤكد علي ان تحقيق الاستقرار الاقتصادي يعتمد على إنهاء النزاعات وبناء نظام حكم ديمقراطي قادر على استقطاب الاستثمارات وتطوير البنية الإنتاجية، وان ذلك لن يحدث بدون محاسبة حقيقية تخلص السودان من ان يكون رهينًا للفوضى المزمنة والازمات والتخلف.
mnhassanb8@gmail.com