مجلس الامن الصامت على القهر والشاهد على الظلم
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
كتب الدكتور حسّان فلحه:
ان المأساة الانسانية التى تحصل بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية جراء الامعان المتمادي في القتل والتدمير والتهجير من قبل مكوني الحكومة الاسرائيلية وداعميها ، والسفك المروع لدماء المدنيين العزل تحت الاحتلال الاسرائيلي تعيد طرح اشكاليات محورية وجدلية في تجانس الانتظام الدولي واستوائه في مقاربة القضايا الدولية، اقله على مستوى جدوى الصلاحيات الموكلة لبعض الاجهزة الاممية وحجم أدوارها، واستمرارها وتحديدا فاعلية مجلس الامن الدولي، الجهاز الاكثر نفوذا في صيت حضور الدول الكبرى وسطوتها الآمرة فيه وتأثيرها المحكم في سياق توالد الحوادث والوقائع و انعكاساتها ما يجعل وجودها اكثر تاثيرا في صناعة القرارات الدولية واشد امساكا فيها، من بين الاجهزة الاخرى الدولية لمنظمة الامم المتحدة .
ان القضية الفلسطينية اثبتت اشهار تلبس الدول الكبرى بالسيطرة العلنية على هذه المنظمة واستخدامها وأجهزتها لتنفيذ سياساتها الخاصة ومآربها الخارجية القائمة على الارتدادات المستمرة لنتائج الحرب العالمية الثانية في رسم الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية، والتى تشكل اقامة الدولة الاسرائيلية على ارض فلسطين احد ابرز تداعياتها التكوينية، ان فظاعة الجرائم الإسرائيلية التى ارتكبت بحق غزة و اهلها وسكانها كشفت بوضوح عن زيف معظم الحكومات الغربية وانحطاط "المجتمع الدولي "، وان "الاخلاقيات والقيم "مثاليات وهمية تشهد على النفاق الخبيث في التعامل مع القضايا الإنسانية مثل قضية فلسطين وإزدواجية معاييره، ويعزز حضور هذا المآل ان ابرز الدول المنادية بالنظم الديموقراطية، والشفافية وحقوق الانسان، وفرض حكم القانون الدولي، هي ذاتها التى تتخذ من مجلس الامن الدولي واجهة شديدة التورية لتنفيذ سياساتها الخارجية حتى يبدو الانفصام واضحا بين تكوين هذه القوى ذات الايديولوجيات المتنوعة والمبطنة بشعارات عابرة للحدود ، وبين الاهداف الواقعية التى تتوسل السبل كلها لتحقيقها .
لاشك ان عجز مجلس الامن لا بل فشله نتيجة تركيبته المحكومة بتفرد اتخاذ القرار بين اعضائه الخمسة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، يطيح بالمقام الاول بعدالة القانون الدولي ويدفع الى اليأس من هذه المنظمة ومن اجهزتها التى اوهنتها القضايا العالمية وازماتها والتى استحالت عليها الحلول ولو بشكلها الجزئي. اذ ان القرارت الدولية رهن اللاعبين الخمسة مقابل مئة وثمان وثمانين دولة اخرى. لم يتسنّ لستين دولة منها ان تحظى منذ تاسيس مجلس الامن بمقعد غير دائم على طاولة المجلس. وان ثلاث دول دائمة العضوية هي من نصيب اوروبا وحدها القارة المُطلقة لحربين عالميتين الاكثر دموية في تاريخ البشرية في حين ان القارة الأفريقية محرومة حتى من عضوية الدول الاحتياط داخل المجلس، من هنا يعاد طرح تعديل تركيبة مجلس الامن وعدم اقتصارها على الدول الخمس المتنفذة فيه والفاعلة في صناعة قرارته وان الاصلاح يتمحور في تعزيز سلطته بشكل اكثر عدالة عبر تحسين طابعه التمثيلي وتوسيعه (مجلس الامن)، وزيادة عدد اعضائه الدائمين وغير الدائمين، فضلا عن ارتفاع الاصوات الخافتة المطالبة بالغاء ما يسمى حصرية النقض الفيتو veto المفردة ذات الاصل اللاتيني ومعناها "انا امنع " او توسيع عدد الدول الممنوحة لها ، لان "حق النقض"، يثبت تسلط المختلفين والمتوافقين من الدول الخمس دائمة العضوية وتبعية الدول المارقة العضوية بايقاع عمل مجلس الامن ومساحة قدراته الذاتية .
بلا مواربة انه من الامور الشائعة الاستعمال، استخدام عبارة" نقض "وهي مفردة لم ترد في ميثاق الامم المتحدة ابدا، بل ذكر "حق الرفض"، وهي مفردة النقض تتضمن سلطة الولاية والتحكم من قبل الخمسة الكبار المنتصرين في الحرب والصانعين لمفاهيم السلام في مفاصل الحوادث وانتظامها او تفلتها على حد سواء ان مجلس الامن مصاب بالهرم المبكر بشيخوخة مزمنة باداء المهام ليتحول وعاء امميا يشهد بصمت، على ظلم المقهورين ولا يشهد على القتلة.
ان أسوأ كارثة انسانية شهدها العالم المعاصر ويشهدها، ترتكب اليوم في غزة بحق الفلسطينيين الابرياء من قبل بنيامين نتنياهو وحكومته. فعلى مساحة قطاع غزة البالغة 365 كيلومترا مربعا ، وعدد اهلها وسكانها حوالي مليوني نسمة سقط اكبر عددمن الضحايا على المتر المربع الواحد.
واذا قيس عدد الشهداء والضحايا الفلسطينيين على هذه البقعة الجغرافية المقدر بمئة وثلاثة وثلاثين الف شهيد وجريح، وعشرة الاف مفقود، مع من سقطوا في الحرب العالمية الثانية، فان نتيناهو تفوق باجرامه على ادولف هتلر وكل مجرمي الحروب مجتمعين. والافظع من هذه المأساة ان مجلس الامن هو اليوم الاكثر عجزا والمسؤول الاول عن الفشل في تحقيق السلم والامن الدوليين.
ان مجلس الأمن بدا عاجزا كليا عن إلزام إسرائيل باحترام قراراته او تنفيذها. فمنذ صدور قرار مجلس الامن رقم 56 في عام 1948 وحتى تاريخه، أي القرار رقم 2712 في آخر عام 2023، صدر عن مجلس الامن 55 قرارا يتعلق بالقضية الفلسطينية. وصدر منذ عام 1947 وحتى تاريخه، عن الجمعية العامة للامم المتحدة والهيئات المرتبطة بها حوالى 29 قرارا”.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مجلس الامن من الدول
إقرأ أيضاً:
الحياة تعود إلى «غزة» في اليوم التالي لسريان اتفاق وقف إطلاق النار
دبَّت الحياة فى قطاع غزة من جديد، فى اليوم التالى من سريان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذى تم التوصل إليه بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، لتتوقف الحرب التى طال أمدها، وواصل النازحون فى مناطق النزوح المختلفة، على طول محافظات قطاع غزة، حزم أمتعتهم ولملمة مقتنياتهم وما تبقّى لهم من حاجات فى مخيمات النزوح؛ من أجل العودة المرجوة إلى مناطقهم المدمرة.
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ أمس الأول، بعد 15 شهراً من الحرب الطاحنة، التى شنها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد البشر والحجر، ليدمر كل مرافق الحياة فى القطاع الفلسطينى، وبينما شرع أحد الفلسطينيين فى تفكيك خيمته، بدأ آخر بجمع أمتعته، فيما ودع ثالث جيرانه فى المخيم، وجميعهم ترنو عيونهم إلى وطء أقدامهم مناطق سكناهم، أو ما تبقّى من بيوتهم من جديد، للعيش فيها أو فوق ركامها، سواء فى خيام أو بيوت مؤقتة، بدلاً من حياة المرارة والتشرد وحرب الأعصاب التي عاشوها طوال الشهور الماضية.
وقال محمود المصري، أحد النازحين من رفح إلى خان يونس، فى تصريحات لقناة «القاهرة الإخبارية»، بعد عودته إلى المنطقة التى كان يوجد بها منزله: «تنتابنا مشاعر مختلطة بين الفرح بالنجاة، والحزن على من فقدنا، ففى قطاع غزة لا يوجد منزل لم يعانِ من فقدان أحد ساكنيه، وفرحتنا لا توصف الآن بوقف آلة القتل الإسرائيلية».
وأضاف الشاب الفلسطيني، البالغ من العمر 35 عاماً: «أخيراً نشعر بفرحة النجاة من الموت فى حرب غير مشهودة من قبل، عانينا فيها من الإبادة والتنكيل والجوع، وعشنا مشاهد قاسية لا يتخيلها عقل، فضلاً عن سعادتنا البالغة لعودتنا إلى رفح، حيث نزحنا إلى خان يونس منذ 9 أشهر، ولم نتمكن من العودة منذ ذلك الوقت».
شاحنات المساعدات تتدفق على أنحاء القطاع دون توقفواستطرد «المصري» قائلاً: «تحول قطاع غزة، على مدى فترة الحرب الطويلة، إلى مدينة يملأها الخراب والتدمير، مبانٍ تحولت إلى ركام، وأحياءٌ بلا منازل، ومواطنون دون مأوى أو طعام».
وأضاف أنه «رغم مرارة الفقدان الذى نعانيه، ودم الشهداء الذى نزف فى جميع أنحاء القطاع، نأمل أن يكون اتفاق وقف إطلاق النار شعاع الأمل لأيام قادمة، دون حرب، تحمل حياة آمنة»، ووجه الشكر للدولة المصرية وللشعب المصرى على الدعم اللامحدود الذى يقدمونه إلى أهالى القطاع، منذ بداية الحرب الإسرائيلية الغاشمة، فضلاً عن تدفق شاحنات المساعدات الإنسانية على جميع أرجاء القطاع منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
إعادة الإعمار تتطلب ما بين 60 و80 مليار دولاروبحسب تقديرات للأمم المتحدة، فقد تسبب العدوان الإسرائيلى فى تهجير أكثر من 85% من سكان قطاع غزة، أى ما يزيد على 1.93 مليون، من أصل 2.2 مليون مواطن، من منازلهم بعد تدميرها، كما غادر القطاع نحو 100 ألف مواطن منذ بداية العدوان، فيما أكدت شبكة المنظمات الأهلية فى غزة، فى بيان لها، أن نحو 80% من المنازل والبنى التحتية دُمرت خلال العدوان الإسرائيلي.
وأضافت أن تقديرات تكلفة إعادة إعمار القطاع تحتاج من 60 إلى 80 مليار دولار، ومدة زمنية من 6 إلى 8 أعوام، ويعتمد ذلك بشكل أساسى على مدى توافر الدعم المالى، وإدخال البضائع دون عراقيل، وأشار البيان إلى أن قطاع غزة يحتاج إلى مراحل عدة، منها الإغاثة الفورية، التى تتمثل فى توفير المأوى والغذاء والدواء، والتعافى المبكر لإعادة تأهيل البنية التحتية نسبياً، والمرحلة الأخيرة إعادة الإعمار، التى هى بحاجة إلى مخططات هندسية جديدة، وشددت الشبكة الأهلية على أن الإغاثة والتعافى المبكر يتطلبان تدخلاً فورياً، وهما بحاجة، وفق تقديرات، إلى عامين على الأقل.
وأوردت وكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، فى تقرير لها، أن جيش الاحتلال الإسرائيلى أقدم على ارتكاب أكثر من 7182 مجزرة، خلال حرب الإبادة الجماعية التى شنها على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، أسفرت عن إبادة عائلات بأكملها وشطب جميع أفرادها من السجلات، من خلال قتل الأب والأم وجميع الأبناء.
وأشارت إلى أن عدد هذه العائلات يصل إلى نحو 1600 عائلة، بعدد 5612 شهيداً، بالإضافة إلى 3471 عائلة استشهد غالبية أفرادها، ولم يتبق منها إلا شخص واحد، بإجمالى يتجاوز 9 آلاف شهيد.
من جهتها، أعلنت منظمة الصحة العالمية استعدادها لزيادة مساعداتها إلى قطاع غزة على الفور، بشرط حصولها على ضمانات بالوصول إلى جميع السكان الفلسطينيين فى كل أنحاء القطاع، حيث دُمّرت البنى التحتية الصحية إلى حدّ كبير أو تضررت.
وأكدت المنظمة، فى بيان، أنه «من الضرورى إزالة العقبات الأمنية التى تعوق العمليات»، مشيرة إلى احتياجها لظروف ميدانية تسمح بالوصول المنتظم إلى سكان غزة، وتدفق المساعدات عبر الحدود والطرق السالكة برمتها، ورفع القيود المفروضة على دخول المنتجات الأساسية إلى القطاع، كما شددت على أن «التحديات الصحية هائلة».
وفى وقت سابق من الأسبوع الماضى، قدّرت منظمة الصحة العالمية أن هناك حاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار لإعادة تأهيل النظام الصحى فى غزة، وأضافت أن «الرعاية الصحية المتخصصة شبه غير متوافرة، وعمليات الإجلاء الطبى إلى الخارج بطيئة جداً، لقد زاد تفشى الأمراض المعدية بشكل كبير، وازدادت حالات سوء التغذية، وما زال خطر المجاعة قائماً»، مشيرةً إلى أن أقل من نصف مستشفيات غزة، البالغ عددها 36 مستشفى، ما زال يعمل جزئياً.
30 ألف جريح يعانون إصابات تحتاج لعناية دائمةوتابعت فى بيانها: «كل المستشفيات تقريباً تضررت أو دُمرت جزئياً، و38% فقط من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل»، مُقدرة أن ربع المصابين، أى نحو 30 ألف جريح، يعانون إصابات تحتاج إلى عناية دائمة، وأن نحو 12 ألف شخص بحاجة إلى أن يتم إجلاؤهم فوراً، لتلقى العلاج خارج القطاع.
من جهته، قال فيليب لازارينى، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، إنه يجب أن يستمر وقف إطلاق النار فى غزة، وأن يتم تنفيذ جميع بنود ومراحل الاتفاق، وأضاف أن الوكالة لن تدخر جهداً لتخفيف المعاناة الهائلة، وتعزيز تسليم المساعدات الإنسانية، وأكد أن فرق الوكالة أفادت بأن اليوم الأول من وقف إطلاق النار كان جيداً، مع وصول المساعدات وبعض الإمدادات التجارية بسلاسة.
«سموتريتش» يهدد بإسقاط حكومة «نتنياهو» حال تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق مع «حماس»من جهة أخرى، حذّر وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، من إسقاط الحكومة الإسرائيلية حال تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار مع غزة، التى تتضمّن وقف الحرب.
ووصف «سموتريتش»، فى تصريحات لإذاعة «كان» الإسرائيلية، صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين مع حركة حماس بـ«الخطأ الكبير»، واعتبر ما حدث بمثابة رسالة مفادها أن من يريد إخضاع إسرائيل ليس بحاجة إلى صواريخ أو برنامج نووى.
وذكر «سموتريتش»، الذى صوت ضد الصفقة فى مجلس الوزراء المصغر «الكابينت»، أن الصفقة الحالية هى ذاتها التى عُرضت يوليو الماضى، معرباً عن مخاوفه من عودة قيادات «حماس» إلى شمال غزة، إذ قال: «لا شىء يمنع محمد السنوار من العودة».
ووجه «سموتريتش» انتقادات لاذعة لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلى، هرتسى هاليفى، واصفاً سياساته بأنها «توجه يسارى تقدمى»، مشدداً على أنه «لا يمكن هزيمة حماس من دون السيطرة على غزة بالكامل».
وأقرّ «سموتريتش» بمسئوليته عن «عدم تغيير سياسة جيش الاحتلال خلال الأشهر العشرة التى سبقت الحرب»، مؤكداً أنه كان عليه إسقاط الحكومة فى وقت سابق، بسبب «تخاذلها فى ردع حماس».