كيف يمكن للبعوض أن يكتشف وجود إنسان من على بعد عدة أمتار، ويقترب منه ثم يهبط على جلده بدقة؟ اعتقد العلماء لسنوات طويلة أن الإجابة هي أن البعوضة تلتقط رائحتك من بعيد وتستشعر حرارتك ورطوبة جلدك من قريب قبل الانقضاض عليك في المكان الأفضل لامتصاص دمك.

لكن دراسة جديدة، أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا ونشرت مؤخرا في دورية نيتشر، تظهر أن للبعوض "حاسة" إضافية تمكنه من تحديد مصادر الأشعة تحت الحمراء وتساعده في هذه المهمة.

ويعتقد العلماء أن هذا الاكتشاف سيساهم في تطوير طرق مكافحة هذه الكائنات الناقلة للأمراض وفي اتقاء لدغاتها المزعجة، خاصة في فصل الصيف.

العلماء أجروا بتجاربهم على بعوضة "الزاعجة المصرية" (ويكيبيديا) بعوض خارق

قد لا تكون لدغة البعوض في كثير من الأحيان أكثر من مجرد إزعاج مؤقت، غير أنها قد تتحول في بعض الأحيان إلى كابوس مخيف لكون هذه الحشرة من الناقلات الرئيسية للفيروسات إلى البشر. وينشر أحد أنواعها المعروف بالزاعجة المصرية، والمنتشر في عديد من مناطق العالم، الفيروسات التي تتسبب في أكثر من 100 مليون حالة من حمى الضنك والحمى الصفراء وأمراض أخرى كل عام. وهذه القدرة على نقل الأمراض أكسبت البعوض لقب الحيوان الأكثر فتكا على وجه الأرض.

ولئن كانت ذكور البعوض غير ضارة، فإن إناثها تحتاج إلى الدم لنمو البيض، وقد أثارت مهارتها في العثور على ضحيتها فضول الباحثين على مدى قرن من الزمن تقريبا. ومكّن هذا الاهتمام من اكتشاف أنها لا تعتمد على حاسة واحدة، بل تدمج المعلومات من عديد من الحواس المختلفة عبر مسافات مختلفة.

يقول البروفيسور كريغ مونتيل الذي أشرف على إنجاز الدراسة -في حوار خاص مع الجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني- إن "البعوض، مثل الزاعجة المصرية، يعتبر ماهرا للغاية في العثور على البشر، ويعود ذلك جزئيا لأنه يستخدم عديدا من الإشارات البشرية في الوقت نفسه للعثور علينا (التكامل متعدد الحواس)".

وأوضح مونتيل أن هذه الكائنات "يمكنها من مسافة تتراوح بين 5 و10 أمتار استشعار ثاني أكسيد الكربون المنبعث من أنفاسنا والروائح البشرية. وعندما تقترب جدا وتحوم بجوار بشرتنا، يمكنها الشعور بالرطوبة وحرارة الحمل الحراري المنبعثة من أجسامنا".

وبما أن هذا النوع من البعوض يتميز بضعف البصر، فإن فعالية هاتين الخاصيتين في العثور على هدفها قد تتأثر بسبب التيارات الهوائية أو الحركة السريعة للشخص المستهدف. لذلك فقد تساءل مونتيل وفريقه عما إذا كانت هناك أي إشارات بشرية إضافية يستخدمها البعوض للعثور علينا.

يقول مونتيل، الذي يشغل منصب أستاذ مميز في علم الأحياء الخلوية والجزيئية التنموية في جامعة سانتا كلارا في كاليفورنيا، "من حيث المبدأ، إذا تمكنت من استشعار الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من أجسامنا، فيمكنها اكتشاف حرارة أجسامنا على مسافة أكبر بكثير مما لو كانت تعتمد فقط على اكتشاف حرارة الحمل الحراري المنبعثة من أجسامنا، والتي لا يمكن استشعارها إلا على مسافات تقل عن 10 سنتيمترات".

الملابس البيضاء الفضفاضة تقلل من قدرة البعوض على استشعار موضعك (جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا) "حاسة" جديدة

للتحقق من ذلك، أجرى الباحثون -وفق بيان نشر على موقع الجامعة- تجربة سلوكية على بعوض الزاعجة المصرية من خلال وضع 80 أنثى في قفص، على بُعد بضع سنتيمترات من لوحين.

تبلغ درجة الحرارة المحيطة باللوح الأول 29.5 درجة مئوية، وهي درجة حرارة نموذجية للبلدان الحارة، في حين تبلغ درجة حرارة الثاني 34 درجة مئوية وهي درجة حرارة جلد الإنسان. كما سمح هذا الجهاز بانبعاث سحابة خفية من ثاني أكسيد الكربون وانتشار رائحة العرق البشري المنبعثة من قفاز قديم.

ومن خلال الجمع بين هذه العناصر وتصوير سلوك البعوض، وجد الفريق أن تعرّض البعوض لإشارة واحدة، مثل ثاني أكسيد الكربون، أو الرائحة، أو الأشعة تحت الحمراء الصادرة من اللوح الثاني أدت إلى استجابة ضعيفة للغاية.

لكن هذه الاستجابة كانت أكثر وضوحا عند تعرضه لمزيج من الإشارات من الرائحة وثاني أكسيد الكربون. وسجل الحد الأقصى لاستجابة البعوض عند الجمع بين الأشعة تحت الحمراء والرائحة وثاني أكسيد الكربون.

الملابس الفضفاضة تقي من لدغات البعوض

كما أظهرت النتائج أن الزاعجة المصرية تستطيع اكتشاف الأشعة تحت الحمراء من الجلد حتى مسافة 70 سنتيمترا على الأقل من الهدف، وهي مسافة دون تلك التي يتمكن منها البعوض من اكتشاف رائحة الجسم وغاز ثاني أكسيد الكربون (حوالي 10 أمتار) وأكبر من مسافة التي تصبح فيها قادرة على الإحساس بحرارة الجلد ورطوبته (10 سنتيمترات).

ويفسر الباحثون هذه القدرة بقيام الأشعة تحت الحمراء بتسخين أطراف الخلايا العصبية الموجودة على هوائيات الحشرة. وينشّط هذا الاحترار -بدوره- المستقبلات الحساسة لدرجة الحرارة لديها .

الحفر الموجودة في نهاية هوائيات البعوض تحمي الهياكل الشبيهة بالوتد التي تكتشف الأشعة تحت الحمراء (جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا)

ويشرح مونتيل في حديثه هذه النتائج بقوله: "لقد اكتشفنا أن فعالية البحث عن المضيف تتضاعف بوجود الأشعة تحت الحمراء مع الإشارات الأخرى"، مشيرا إلى أن الباحثين لم يتمكنوا في الدراسات السابقة من اكتشاف هذه "الحاسة" الإضافية لدى البعوض، لأنهم "قاموا باختبار الأشعة تحت الحمراء بشكل منعزل عن بقية الإشارات، ولا تحدث عملية تحفيز نشاط البحث عن المضيف بكفاءة عند البعوض إذا تعرض البعوض لإشارة واحدة فقط، مثل ثاني أكسيد الكربون، أو رائحة الإنسان، أو الأشعة تحت الحمراء".

في هذا السياق، توضح الدراسة أيضًا سبب فعالية الملابس الفضفاضة بشكل خاص في منع العضات. ويقول مونتيل في حديثة مع الجزيرة نت "إن البعوض يكتشف الأشعة تحت الحمراء الحرارية المنبعثة من الأجزاء غير المغطاة من أجسامنا أو المغطاة بملابس ضيقة. وإذا كنت ترتدي ملابس فضفاضة، فإن حرارة الجسم تتبدد بين الجلد والملابس ولا يتم اكتشاف الأشعة تحت الحمراء بشكل فعال. لذا، فإن ارتداء الملابس الفضفاضة مفيد".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأشعة تحت الحمراء ثانی أکسید الکربون الزاعجة المصریة المنبعثة من

إقرأ أيضاً:

السعودية تدخل عصر الريادة في المواد المتقدمة بإنتاج ألياف الكربون المدعّمة بالجرافين:

ديسمبر 14, 2024آخر تحديث: ديسمبر 14, 2024

المستقلة/- في إنجاز غير مسبوق يعزز مكانة المملكة العربية السعودية عالميًا  في قطاع المواد المتقدمة، أعلنت شركة فوضى مرتبة القابضة Organized Chaos Holding (OCH) بالشراكة مع جرافين إنوفيشنز مانشستر Graphene Innovations Manchester (GIM) عن الإطلاق الرسمي لشركة GIM GrapheneFibre  (شركة ألياف الجرافين) في المملكة.

ويمثل هذا المشروع إنجازًا عالميًا، كونه أول إنتاج تجاري من نوعه في إنتاج ألياف الكربون المدعمة بالجرافين، وهو بدوره ما يعزز مكانة المملكة كمحور عالمي للابتكار والاستدامة وريادة الصناعات المتقدمة، وفقًا لرؤية 2030.

تُعد ألياف الكربون المدعّمة بالجرافين ثورة تقنية تجمع بين القوة الفائقة، خفة الوزن، والموصلية الكهربائية العالية، مما يجعلها حلاً مبتكرًا للتحديات التقنية في مجالات الطيران، صناعة السيارات، الطاقة المتجددة، الفضاء، الدفاع، وقطاع البناء. ومع اعتمادها على المواد الخام المحلية وأحدث التقنيات، تجسد GIM GrapheneFibre نموذجًا للابتكار والتميز السعودي، مسهمةً في تعزيز حضور المملكة عالميًا في مجال التصنيع المتقدم.

وفي هذا السياق قال الدكتور فيفيك كونشيري” Vivek Koncherry”، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة  GIM: “هدفنا إحداث نقلة نوعية في قطاع المواد المتقدمة على مستوى العالم، من خلال إنتاج الألياف الكربونية المعززة بالجرافين على نطاق تجاري.  فبدمج الخصائص الفريدة للجرافين مع الألياف الكربونية، نرتقي بحدود الابتكار إلى آفاق جديدة. نحن فخورون أن هذا الإنجاز تم تحقيقه بالشراكة الوثيقة مع OCH، مما يعزز مكانة المملكة كقوة عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا المتطورة”.

وفي سياق زياراته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، وصف مكتب رئيس وزراء المملكة المتحدة، السير كير ستارمر”  Sir Kier Starmer”، الاتفاقية بين GIM وOCH بأنها نموذج يحتذى به في إطار الشراكة السعودية البريطانية.

” نحن ملتزمون بالاستفادة المثلى من موارد المملكة العربية السعودية الغنية وإمكانيات شبابها الواعد”

بهذه الكلمات بدأ عبد الرحمن العساكر، رئيس مجلس إدارة OCH “حديثه، معقبًا بأن ” هذا النوع من الاستثمار هو ما يعزز رؤية 2030م من خلال تعزيز الخبرات المحلية، وتطوير استخدامات أكثر استدامة للموارد النفطية، وفتح آفاق جديدة للصناعات التقنية المتقدمة، مما يضع المملكة في طليعة الريادة في قطاع المواد المتقدمة.  ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في خلق أكثر من 4500 وظيفة مهارية جديدة بحلول عام 2030، إضافةً إلى تحقيق عائدات تتجاوز 6 مليار ريال.”

وأضاف عبد الغني الهندي، الرئيس التنفيذي لـ  OCH: “تُمثّل شراكتنا الوطيدة مع GIM خطوة استراتيجية لاستقطاب  أفضل الخبرات العالمية إلى المملكة العربية السعودية. فمن خلال التركيز على الابتكار واستثماره، نسعى إلى بناء منظومة تدعم رواد الأعمال، وتمكّن الكفاءات المحلية، وتعزز الاقتصاد الوطني. هذا المشروع يُسهم في إنتاج مواد خام من شأنها أن تكون جاذبة لتوطين أحدث صناعات التقنية العالية ويجعل المملكة في مقدمة الدول المصدرة للمواد المتقدمة”.

إطلاق الإنتاج التجاري لشركة GIM GrapheneFibre : خطوة نحو مستقبل أكثر سرعة وتكيف واستخدام ذكى للموارد.

وفي سياق التصريحات السابقة، أوضح عبد الرحمن الخالدي، الرئيس التنفيذي للعمليات في OCH: “نعتمد على تطبيق مفهوم ‘CHON’، وهو إطار عمل استراتيجي يجمع بين الذكاء الاصطناعي، والاستثمار السريع، والابتكار المفتوح، والتطوير السريع للنماذج الأولية، ومبادئ الشركات الناشئة المرنة، بهدف تسريع تطوير المنتجات وتحقيق تحسينات مستمرة في الأداء. يعكس هذا النهج رؤية شاملة تضمن مرونة العمليات وكفاءتها مع تعزيز قدرتها على التكيف مع تحديات المستقبل.

وتابعت أريج التركي، رئيسة قسم التخطيط الاستراتيجي في OCH: هدفنا في OCH هو تحويل الأفكار المبتكرة وغير التقليدية في المملكة العربية السعودية إلى فرص تجارية واعدة. من خلال الاستثمار في التقنيات المتقدمة، وتنمية المواهب الوطنية، وتعزيز الشراكات المتنوعة، نعمل على بناء بيئة جاهزة للمستقبل تدعم النمو المستدام والتقدم في مجالي العلوم والتكنولوجيا. كما أننا نركز على تطوير وبناء منظومة بيئية متكاملة مبتكرة تدعم الاقتصاد الدائري والحياد الصفري للكربون من خلال تصميم تقنيات سعودية متقدمة تتماشى مع البنية التحتية المستقبلية. نسعى لأن تكون المملكة في طليعة الدول التي تقود التحول الصناعي العالمي، لذلك ندعو قادة الصناعة والمبتكرين للتعاون معنا والمساهمة في هذه الرحلة الطموحة عبر OCH.SA/collab

في الختام، يتوقع أن يمتد تأثير هذا المشروع إلى ما هو أبعد من حدود خطوط الإنتاج؛ فبدعم من الهيكل الاستثماري لشركة OCH والخبرة التقنية المتقدمة لشركة GIM، سيقوم هذا المشروع بتعزيز مكانة المملكة العربية السعودية عالميًا، وتمكين المجتمعات المحلية، وإطلاق إمكانات جديدة في مجال المواد المتقدمة، مما يجسد مرحلة جديدة في مسيرة التطور الصناعي، ويعكس مستقبلًا أكثر إشراقًا وحيوية، بما يتماشى مع رؤية المملكة الطموحة والمستدامة لـ 2030.

مقالات مشابهة

  • فتوى الجامع الأزهر للشباب: انتقوا أصدقائكم فالسلوكيات المنحرفة تنتشر بسهولة
  • تدشين حملة لمكافحة للملاريا والحميات الفيروسية بمديرية الخوخة
  • 12 قتيلًا في حادث تسمم بغاز أول أكسيد الكربون بمنتجع للتزلج في جورجيا
  • وزير التربية يحذر من مخاطر غاز أحادي أكسيد الكربون في المؤسسات التربوية
  • "طوق إكليل القمر الشتوي" ظاهرة بصرية مدهشة تزين سماء الشتاء
  • السعودية تدخل عصر الريادة في المواد المتقدمة بإنتاج ألياف الكربون المدعّمة بالجرافين:
  • تعرف على خدمة IBAN الجديدة من بنك عدن الإسلامي لتحويل أموالك بسهولة وأمان
  • اختتام دورة الترصد الحشرية لنواقل الأمراض بمحافظات محور عدن
  • سلطنة عمان تتبنى تقنيات متقدمة لاحتجاز الكربون
  • فوائد الثوم على الريق صباحا.. 7 أشياء يمكن أن تحدث داخل جسمك