لماذا تسعى الصين إلى موطئ قدم في القطب الشمالي؟
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
في الرابع من أغسطس (آب) الماضي أبحرت إحدى عشرة سفينة بحرية صينية وروسية بالقرب من جزر ألوشيان الأمريكية في ألاسكا، فما كان من البحرية الأمريكية إلا أن أرسلت أربع مدمرات وطائرة دورية بحرية طراز P-8 لمراقبة التشكيل الأجنبي.
بكين ستجني ثماراً جمّة إذ ستحصل على إمدادات لا تنقطع من الطاقة الرخيصة
وقال عضو مجلس الشيوخ دان سوليفان تعليقاً على ذلك: "إنه لأمر غير مسبوق، لا لألاسكا وحسب، وإنما لأمريكا كلها، أن تُبحر 11 سفينة حربية يحركها الصينيون والروس على نحو مشترك بِحريّة شديدة في المنطقة"، فالولايات المتحدة إحدى دول القطب الشمالي بقدر ما هي دولة أطلسية أو باسيفيكية.
وفي هذا الإطار، قال دانيال كوتشيس، محلل سياسي مختص بالشأن الأوروبي في مركز مارغريت تاتشر للحرية، وهو متخصص في قضايا الأمن عبر الأطلسي: "دفاعاً عن السيادة الأمريكية في أعالي البحار شمالاً، لا يتعين على صانعي السياسات بذل المزيد من الجهود للتوعية بالتهديدات الأمنية فحسب، وإنما عليهم أن يحرصوا على ضمان إمداد الولايات المتحدة بالموارد المناسبة للدفاع عن سيادة أراضيها.
ورأي الكاتب في مقال بموقع "1945" أنه من بين الخطوات الفورية التي من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة على تحقيق الهدفين، هي أن تعقد اللجنة المكلفة الحزب الشيوعي الصيني جلسة استماع عامة بخصوص التهديد الذي تشكله الصين في المنطقة، وقال كوتشيس إن الأسطول المشترك الذي ظهر نهاية الأسبوع الجاري ليس ناقوس الخطر الوحيد الذي دق مؤخراً للولايات المتحدة في القطب الشمالي، ذلك أنه في يوليو (تموز) الماضي، أصدر معهد البحوث القطبية الصيني إعلاناً مذهلاً أفاد فيه أنه يخطط لنشر أجهزة تنصت "على نطاق واسع في المحيط المتجمد الشمالي"، بعد أن نجح في اختبار هذه التقنية ميدانياً.
وهذا سبب خطير، حسب الكاتب، يدعو للقلق نظراً لأن الصين استغلت منذ فترة طويلة إنجازها "العلمي" في أعالي البحار شمالاً ستاراً لزيادة وعيها العسكري هناك.
وحذرت وزارة الدفاع الأمريكية عام 2019 من أن "الأبحاث المدنية يمكن أن تدعم وجوداً عسكريّاً صينياً معززاً في المحيط المتجمد الشمالي"، بل بلغ بها الأمر أن زعمت بأن هذا الوجود "يمكن أن يشمل نشر غواصات في المنطقة على سبيل الردع ضد الهجمات النووية".
ويُظهر هذا التحذير الأبحاث المنشورة في المجلات الصينية عن عمليات الغواصات في القطب الشمالي، بما في ذلك مقال بعنوان "النموذج الديناميكي الشامل لخروج الغواصات من تحت الجليد".
ولذلك أثارت أجهزة التنصت الصينية الجديدة هذه قدراً كبيراً من القلق، إذ يكاد يكون من المؤكد أنها ستستخدم لتتبع الغواصات الأمريكية والحليفة.
My latest ???????? ????
China is Determined to Push its Way into the Arctic - https://t.co/TbQ43E3ZUC
وشدد الكاتب على "ضرورة الأخذ في الاعتبار أن نظام المراقبة الصوتية الذي كان سرياً ذات يوم –وقوامه سلسلة من المصفوفات الصوتية تحت الماء لتتبع الغواصات السوفيتية إبان الحرب الباردة – "بني تحت ستار الأبحاث المدنية التي تجرى في المحيطات".. ويبدو أن الصين تحاكي ما فعلته الولايات المتحدة في الماضي.
الصين تكثف جهودها منذ سنواتوالحقيقة، يقول الكاتب، أن الصين ظلت تكثف جهودها الرامية إلى شق طريقها للقطب الشمالي على مدار سنوات.. ففي خريف العام الماضي، وقرابة الفترة نفسها الذي بدأت فيها بالونات التجسس الصينية إجراء عمليات استطلاع فوق ألاسكا، عثرت كندا على أربع عوامات تجسس صينية في مياه القطب الشمالي، ولكان من الممكن استخدام هذه العوامات لرسم خريطة لقاع البحر أو مراقبة سمك الجليد أو رصد نشاط الغواصات.
ولم تثر أي مؤسسة أي مخاوف آنذاك بشأن الطموحات الصينية في القطب الشمالي، ولم تلتفت إدارة الرئيس بايدن إلى أي تحذيرات في هذا الصدد.
موقف واشنطن السلبيوالآن يبدو أن موقف واشنطن السلبي والمتخاذل، فضلاً عن الفجوة الآخذة في الاتساع بسرعة بين الصين وشريكتها الأصغر روسيا، أقنعتا الزعيم الصيني شي بأن الوقت حان لممارسة ضغوط من أجل ضمان وجود أكبر في القطب الشمالي.
غير أن هذا لا يغير شيئاً من حقيقة أن أقرب نقطة تفصل الصين عن الدائرة القطبية، تبعد أكثر من 800 ميل (نحو 1287 كم) بحري عنها.
ولكن، مع استمرار الحرب ضد أوكرانيا، تدهور موقف موسكو يوماً بعد يوم.. وعلى روسيا الآن، بعد حظرها من التعامل مع الشركات الغربية، أن تعول على الصين لتوفير التكنولوجيا والتمويل اللازمين، لإقامة مشروعات الطاقة والتعدين في منطقة القطب الشمالي.. وفي المقابل، ستجني بكين ثماراً جمّة، إذ ستحصل على إمدادات لا تنقطع من الطاقة الرخيصة، وستضمن نفوذاً سياسياً لها في موسكو، وستحصد عقود إنشاءات مجزية للشركات الصينية.
موطئ قدم في القطب الشمالي ستفضي كل هذه المعطيات إلى فوز الصين بموطئ قدم لا يقدر بثمن في القطب الشمالي، برأي الكاتب، الذي نوه في ختام مقاله إلى أن "هذه الواقعة الأخيرة التي حدثت في جزر ألوشيان (خطة المعهد القطبي لتثبيت سلسلة من أجهزة التنصت)، تؤكد على ما نحيط به علماً إلى الآن، ألا وهو أن الصين متفائلة بقدرتها على شق طريقها إلى القطب الشمالي".المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة ألاسكا حرب اوكرانيا فی القطب الشمالی أن الصین
إقرأ أيضاً:
هكذا تكلم شي جين بينغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية
د. هيثم مزاحم **
أضحى الاقتصاد الصيني الاقتصاد الثاني عالميًا والمُنافس الأبرز للاقتصاد الأول، اقتصاد الولايات المُتحدة الأمريكية. ويتوقع أن يُصبح الاقتصاد الأول عام 2028، فالصين من أسرع الدول نموًا من بين البلدان النامية، وأكبر مصدر ومستورد في العالم.
وتعزو الصين تفوقها هذا إلى النهج الاقتصادي الذي تنتهجه، باعتماد الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والتحديث صيني النمط، وهما مصطلحان قد يشيران إلى نوع من الفخر والاعتداد بالنفس. لكنهما يعكسان الثقة بالنفس ونجاح القيادة الصينية في المواءمة بين الأيديولوجيا الماركسية- اللينينية والواقع الحضاري والثقافة التقليدية والحكمة العريقة في الصين.
عبر الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، تمكنت الصين من إثراء الدولة وإخراج مئات الملايين من الشعب من براثن الفقر، بينما أفقر الاتحاد السوفييتي الدولة والشعب نتيجة ديماجوجية وفساد سلطاته ما أدى إلى انهيار اقتصاده، وتفكك الاتحاد في نهاية المطاف.
الاشتراكية الصينية سمحت بتطبيق اقتصاد السوق بشكل جزئي وعملت على زيادة الإنتاج وكثافة التصدير والسماح بتملك الأفراد لوسائل الإنتاج والتنافس التجاري والإثراء الشخصي، ما خلق الحوافز لدى المواطنين من رجال أعمال وتجار وموظفين وعمال وفلاحين. لكن الحزب الشيوعي الصيني حافظ على إدارة الاقتصاد ولم يسلّمه إلى الرأسماليين المتوحشين، مكرّسًا بذلك الأمان الاجتماعي الشامل لجميع المواطنين؛ أي أكثر من مليار و400 مليون نسمة، فيما تركت معظم الدول الغربية الرأسمالية مواطنيها عرضة لتداعيات العولمة وتقلبات السوق ونظام العرض والطلب وتوحّش الليبرالية الجديدة المتمثلة بالكارتيلات الكبرى على امتداد المعمورة.
وبعدما فشلت الاشتراكية الجذرية في الاتحاد السوفييتي ودول أخرى في أرجاء العالم، في تحقيق العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي، قامت الصين بمراجعات واجتهادات فكرية وأدخلت آليات اقتصادية تتبع اقتصاد السوق، لكنها تخضع لمراقبة الدولة والحزب، وتراعي التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية النسبية، وتُسهم في الحد من الفقر تمهيدًا للقضاء عليه كليًا في البلاد.
يقول الرئيس الصيني شي جين بينغ إنه لفهم صين اليوم، يجب على المرء أولًا أن يفهم ويتعرف على الحزب الشيوعي الصيني. وباشر المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب عام 2012، مع تولي شي زعامته، حقبة جديدة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية. ففي السنوات الاثنتي عشرة الماضية، حققت الصين إنجازات تاريخية، وعززت نموها الاقتصادي وتقدمها العلمي والتكنولوجي، بشكل كبير، عبر حملة الإصلاح والانفتاح والتحديث التي قادها شي.
وقد شمل فكر شي حول الاشتراكية- ذات الخصائص الصينية لعصر جديد- مجالات مختلفة مثل الإصلاح والتنمية والاستقرار والشؤون الداخلية والشؤون الخارجية والدفاع الوطني وحكم الحزب والدولة والجيش. وتبلورت هذه الأفكار في "10 مُحدِّدات"؛ أبرزها أن أهم مميزات هذه الاشتراكية هي قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وأن مهمتها العامة تحقيق التحديث الاشتراكي ونهضة الأمة الصينية. وخلصت إلى أن التناقض الرئيسي في المجتمع الصيني حاليًا هو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة سعيدة، والتنمية غير المتوازنة، لذا كان من الضروري تمسك الحزب بفلسفة تنموية تتمحور حول الشعب.
وتنُص المحددات الفكرية للاشتراكية الصينية على التكامل الخماسي الذي يشمل البناء على المستويات كافةً، الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي والحضاري البيئي، وعلى أن الهدف العام لتعميق الإصلاح على نحو شامل يتمثل في تطوير نظام الاشتراكية وتحديث نظام حكم الدولة، من خلال بناء بناء دولة اشتراكية تُحكم بالقانون. وأشارت المحددات إلى أن هدف الحزب الشيوعي هو بناء جيش صيني شعبي متطور يكون جيشًا عالميًا من الدرجة الأولى. كما تنص على أن الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية يجب أن تخدم التجديد الوطني وتعزز التقدم البشري.
نجح الرئيس شي ورفاقه في قيادة الحزب الشيوعي الصيني في عملية بناء مجتمع رغيد نسبيًا، عبر تحسين معيشة الشعب، وتخفيف حدة الفقر، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي الشامل، إضافة إلى النجاح المشهود في مكافحة وباء كورونا مع الالتزام بحماية حيوات الناس ومصالحهم الأساسية.
وأبرز إنجازات الرئيس شي، كان انتشال نحو 100 مليون ريفي صيني من براثن الفقر؛ إذ أنجزت الصين هدف الحد من الفقر الوارد في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 قبل الموعد المحدد بعشر سنوات. وبلغ عدد الأشخاص المشمولين بالتأمين الأساسي لكبار السن في الصين 1.03 مليار شخص، فيما بلغ عدد الأشخاص المشمولين بالتأمين الطبي الأساسي 1.36 مليار.
وعلى الرغم من انتشار وباء "كوفيد-19" والإغلاقات الطويلة الأمد، إلّا أن إجمالي حجم الاقتصاد الصيني وصل عام 2021، إلى نحو 20 تريليون دولار أمريكي؛ أي نال حصة أكثر من 18% من الاقتصاد العالمي.
وبالتزام فكر الرئيس شي حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، قامت الحكومة الصينية بتعزيز وتوسيع التحديث صيني النمط بنجاح؛ حيث قدمت الصين نموذجًا جديدًا للدول التي ترغب في تسريع التنمية مع الحفاظ على استقلالها.
دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية تقترح أفكارًا تهدف إلى السلام العالمي والتقدم البشري، كبناء نوع جديد من العلاقات الدولية، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وتعزيز القيم المشتركة للبشرية، ومبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، وحوار الحضارات، وذلك بهدف إيجاد حلول للمشاكل العالمية.
لقد وقعت الصين أكثر من 200 وثيقة تعاون بشأن البناء المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" مع 149 دولة و32 منظمة دولية. وقدمت مساعدات مكافحة الوباء لأكثر من 150 دولة و15 منظمة دولية، ونفذت تعاونًا زراعيًا مع أكثر من 140 دولة ومنطقة. ومنذ تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي عام 2000، قامت الشركات الصينية ببناء أكثر من 10000 كيلومتر من السكك الحديدية، وحوالي 100000 كيلومتر من الطرق، وحوالي 1000 جسر، ونحو 100 ميناء في إفريقيا.
إذن.. الاشتراكية ذات الخصائص الصينية رغم تبنيها الماركسية كأيديولوجيا مرشدة لها، لكنها وضعت المنافع الاجتماعية للشعب في المقام الأول وأثبتت أن النموذج الناجح في التنمية هو الذي يحقق منفعة الشعب ومصالح البلاد العليا، بعيدًا عن الجدالات الأيديولوجية العقيمة.
إن عملية تكييف المبادئ في إدارة شؤون الحكم أمر معقد ويحتاج إلى قادة من نوع مختلف لتنفيذه، وأثبت الزعيم الصيني شي جين بينغ أنه من ذلك الصنف من القادة العالميين، الذين يمزجون بين الفكر المبدئي والممارسة الواقعية في إدارة شؤون الحكم.
لقد رسَّخت الصين نموذجًا مختلفًا لاشتراكية غير معهودة في الأدبيات السياسية التقليدية.
يقول الرئيس شي إن "عملية الإصلاح والانفتاح مستمرة دائمًا ولن تتوقف، ومن دون الإصلاح والانفتاح، لا يوجد حاضر للصين، ولا مستقبل لها". كما يؤكد على ضرورة أن يكون النمو الاقتصادي في الصين نموًا حقيقيًا من دون فقاعات، وذا فعالية وجودة واستدامة.
ويشدد الزعيم الصيني على ضرورة انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح بشكل أوسع على العالم، وتوفير بيئة أفضل لأصحاب المؤسسات الأجنبية عندما يأتون للاستثمار في الصين.
في أكتوبر 2017، لخّص المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وحددها كالأفكار الإرشادية التي يجب على الحزب التمسك بها لمدة طويلة، وسجّلها في دستور الحزب. في مارس 2018، أقر نواب الشعب الصيني أفكار شي حول هذه الاشتراكية في دستور الصين، مما نقلها من أفكار إرشادية للحزب إلى أفكار إرشادية للدولة.
ويرى الرئيس شي أن بناء الدولة الاشتراكية القوية ينبغي أن يستند إلى توافر الأساس الأخلاقي القوي لتحقيق حلم الصين وتعزيز القوة الثقافية الناعمة للبلاد، لتحقيق أهداف النهضة العظيمة للأمة الصينية، وذلك يكون عبر نشر القيم الصينية المعاصرة، وإظهار أهمية الثقافة الصينية التقليدية، وبناء الحضارة الإيكولوجية التي تهيء بيئة صالحة خالية من تلوث الهواء والماء والتربة.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان وباحث زائر في مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية بشنغهاي
رابط مختصر