(النفاق الدولي) حين يصبح بديلا عن (القانون الدولي)
تاريخ النشر: 4th, September 2024 GMT
يعيش العالم بكل دوله وفي مختلف قاراته وبكل شعوبه المتقدمة والمتخلفة، العظمى والصغرى، الفقيرة والغنية، كل هذا العالم يعيش مرحلة انحطاط حضاري وإنساني وتاريخي، انحطاط غير مسبوق تاريخيا ولم تشهد البشرية مثيلاً له حتى في العصور الوسطى أو في العصور (الهمجية)، وأبرز مظاهر الانحطاط الإنساني الراهن الذي تمارسه كل دول وشعوب العالم هو ظاهرة (النفاق) الجمعي الذي يمارسه الجميع وبوقاحة سافرة دون خجل من ذات أو من تاريخ أو من أمم وشعوب العالم، وتشهد بهذا (النفاق الاستثنائي) المريع هذه الحرب الهمجية التي تمارس ضد الشعب العربي في فلسطين، التي تعد حرب إبادة منظمة وممنهجة، عجز العالم عن إيقافها أو الحد من وحشيتها، حرب تخوضها كل أنظمة وحكومات العالم بكل مستوياتها ضد شعب أعزل محتل، ليس لديه إلا إرادته وبعض القدرات الذاتية المحدودة من الأسلحة والعتاد التي تصنع ذاتيا على يد أبناء المقاومة، الذين يواجهون العالم بكل ما لديه من قدرات وإمكانيات وأجهزة استخبارية وقدرات خاصة وأقمار صناعية وتجسسية، وكل هؤلاء ومنذ أكثر من احد عشر شهرا يخوضون حرب إبادة ضد الشعب العربي في فلسطين الصابر والصامد والمقاوم الأسطوري الذي يخوض معركة مصيرية من أجل نيل حريته وسيادته وكرامته واستعادة وطنه من عدو محتل جاثم على أرض وطنه منذ أكثر من ثمانين عاما، قدم خلالها القانون الدولي والمنظمات الدولية قرارات وتشريعات لم يلتزم بها العدو الذي لم يحترم كل القوانين والتشريعات وداس على كل المناشدات والاستجداءات التي يستجدي بها العالم بكل منظماته وهيئاته ومجلس أمنه الذي يردد على مسامعنا على مدى عقود من الزمن بأن مهمته حماية الأمن والاستقرار الدوليين.
هذا العالم المجرد من المشاعر الإنسانية ومن أبسط الأخلاقيات الإنسانية التي يتميز بها بعض (الحيوانات) وتجرد منها البشر تجاه فلسطين وإنسانها.
هذا العالم الذي لم تهزه المشاعر تجاه ما يحدث في غزة وفي كل فلسطين، لم تحرك مشاعره وإنسانيته، ولم تصدمه جريمة إبادة أكثر من مائتي ألف عربي فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال، ذهبوا بين شهيد وجريح وفقود، وحرموا خلال احد عشر شهرا من الطعام والمياه والأدوية وفرض حصار جائر على أكثر من مليوني ونصف فلسطيني، اخفقت معه كل المظاهرات والمسيرات والمناشدات والتوسلات الدولية للعدو المجرم الذي داس على كل العالم بقوانينه وتشريعاته وواصل جرائمه دون أن يتمكن هذا العالم من إيقاف هذه الجرائم ولم يعبر عن صدمته من هولها، لكنه فجأة صُدم وأنذهل وشعر بالحزن والأسى على مقتل (ستة صهاينة من الرهائن لدى المقاومة في غزة) الذين قتلوا بسلاح جيشهم المجرم، لكن رئيس الوزراء البريطاني اعتبر أن (المقاومة) هي من قتلتهم وحمَّلها المسؤولية بموتهم، وسرعان ما تقاطرت الإدانات المعبرة عن صدمة وذهول أنظمة العالم المنافق التي تتباكي على مصرع (الستة الصهاينة) ولكنها جميعا تجاهلت استشهاد وجرح الآلاف من أبناء فلسطين ورحيل أكثر من مائة طفل فلسطيني (جوعا) بسبب الحصار الهمجي الذي يعكس حقيقة الانحطاط الدولي السافر وغير المسبوق ..!
ماذا يعني هذا السلوك الدولي غير أننا نعيش في كنف عالم منافق ومنحط وسافر ومجرد من كل القيم والأخلاقيات والمشاعر الإنسانية..؟!
إن ما يجري بحق الشعب العربي في فلسطين يصعب وصفه بكل قواميس لغات العالم إنه شيء من إجرام دولي منظم وممنهج، إجرام عجزت البشرية عن إيقافه، ليس لأنها عاجزة عن إيقاف هذه الجرائم البشعة، بل لأنها توظف الدم العربي الفلسطيني لتحقيق مكاسب جيوسياسية رخيصة لا تساوي مجتمعة قطرة دم نزفت من جسم طفل فلسطيني، ولا تساوي آهات أم ثكلى شق صوتها السماوات السبع واهتزت من هوله طبقات الأرض السبع، لكن كل ذلك لم يحرك مشاعر أنظمة النفاق الدولية بما فيها الأنظمة العربية والإسلامية!
أحد عشر شهرا من القتل والتجويع والتدمير والخراب ومختلف طرق الغطرسة والتنمر والتنكر لحق شعب في الحياة والعيش بكرامة وحرية على تراب وطنه الذي تدنسه أقدام الاحتلال الهمجية.
شهور وأيام، في كل دقيقة منها يسقط العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل، فيما العالم يرحل بمكر وخداع فترات الحرب الإجرامية بذريعة المفاوضات والصفقات والمبادرات، والوسطاء منهمكون في اللعبة للأسف غير مكترثين بأن كل دقيقة يسقط فيها من الشهداء المئات وتزهق فيها أرواح الطفل والشيخ والأب والأم والأخ والأخت من المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى انهم فلسطينيون متمسكون بأرضهم ومقدساتهم، يحلمون بالحرية والاستقلال والحياة الكريمة كبقية شعوب العالم، التي نعم تشكر على مواقفها الداعمة لحقوق هذا الشعب، وتشكر لخروجها للشوارع تنديداً بجرائم الصهاينة والأمريكان، غير أن خروجها لم يجد نفعاص، ولو خرجت كل شعوب العالم للشوارع، فإنها لن تغير من مواقف حكومة العدو المجرم المتطلع لإبادة الشعب العربي في فلسطين، والسبب أن كل حكومات وأنظمة العالم متواطئة مع العدو ولكل تواطؤ دوافعه وأسبابه وأهدافه..!
إن هذه الحرب بقدر ما هي حرب صهيونية بحثا عن هيبة مفقودة وردع ضائع وفرصة يستغلها الكيان لتصفية حقوق شعب بالترحيل أو بالقتل والتدمير ظناً منه أن هذه هي الفرصة المناسبة التي إن أحسن استغلالها سوف يحقق له أهدافه الأسطورية، فإنها أيضا حرب أمريكية بامتياز وحرب غربية وعربية وإسلامية، ولكل من هؤلاء مصلحة في هذه الحرب ويريدون تحقيق هذه المصالح على حساب الدم العربي الفلسطيني وعلى حساب حقه في الحياة والوجود والحرية والاستقلال والكرامة..
ومع ذلك فإن هذا العدوان الهمجي أخفق وفشل في تحقيق أهدافه والوصول إلى غايته، ويكفي أن العدو وخلفه العالم المنافق يعيش اليوم أزمة وجودية، أزمة صنعها العدو وكان يريد السيطرة على ما تبقى من أرض فلسطين، فارتدت عليه بصورة أزمة وجودية يعيشها مع مستوطنيه وكيانه والمزيد سيأتي في قادم الأيام.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الشعب العربی فی فلسطین العالم بکل هذا العالم أکثر من
إقرأ أيضاً:
دراسة علمية: إسرائيل تسعى لتعميق التجزئة والتنازع في فلسطين والعالم العربي
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية بعنوان: "تناقضات نظرية التجزؤ الهرمي في السياسة الإسرائيلية الإقليمية"، وهي من إعداد الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي. وتسعى الدراسة إلى توضيح الاحتمالات المستقبلية لإعادة إحياء "إسرائيل" لمشاريعها القديمة في إثارة الانقسام والتفتيت الاجتماعي، وتعميق الهويات والولاءات الفرعية على حساب الانتماء الوطني والهويات العليا، كما تبحث في تداعيات ذلك كلّه على الحقوق الفلسطينية، وتعرض جملة آليات مقترحة للمواجهة.
وتقوم الفكرة المركزية لنظرية "التجزؤ الهرمي" على مسألة التنازع داخل المجتمع حول أولوية الولاء للأسرة أو العشيرة إلى القبيلة فالقومية فالدين…إلخ، ويشكّل ذلك التنازع مدخلاً للاستثمار السياسي من قبل الدول الأخرى.
وتبحث الدراسة في مستوى وأبعاد التجزؤ الهرمي بين الإقليم العربي، وبقية الأقاليم الجيوسياسية في العالم، وتعرض للسجل التاريخي للتغلغل الإسرائيلي في بنية الأقليات في الدول العربية وآليات التسلّل الإسرائيلي داخل الهويات الفرعية. كما تكشف السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الهويات الفرعية في الوطن العربي، وتوظيفها في علاقتها بالأقليات في الوطن العربي. ولاحظت الدراسة سعي "إسرائيل" الحثيث لتعميق الهوية الدينية اليهودية الجامعة للمجتمع الصهيوني، وحلّ أي تناقضات فرعية داخلية، في الوقت الذي تقوم بعكس هذا العمل تماماً في تعاملها مع البيئة الفلسطينية والعربية.
وخلصت الدراسة إلى أن أي إحياء لأيّ هوية فرعية في المجتمع الفلسطيني الحالي هو إسهام واضح في المشروع الإسرائيلي لتمزيق النسيج الاجتماعي الفلسطيني، والذي يشكّل الأساس للمقاومة بكافة أشكالها. ورأى الباحث أن التجزؤ سواءً أكان على أساس مناطقي أم عرقي أم طائفي أم ديني أم قبلي أم عشائري يخدم استراتيجية "إسرائيل" السياسية بشكل كبير.
وأشارت الورقة إلى أن خصوصية الوضع الفلسطيني تقتضي إيلاء الاهتمام اللازم بأدبيات الهوية الوطنية في المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج، ودعت الورقة الجامعات ومراكز الأبحاث والتنظيمات الفلسطينية وهيئات المجتمع المدني إلى تكثيف الدراسات العلمية ومضامين الخطاب السياسي الفلسطيني باتجاه الولاء العام للهوية الفلسطينية. كما دعت التنظيمات الفلسطينية إلى التفكير في كيفية نقل الممارسات السياسية الإسرائيلية تجاه المجتمع الفلسطيني لممارستها تجاه الهويات الفرعية الإسرائيلية وتوظيفها في خلخلة البنية الاجتماعية الإسرائيلية.
وأوصى الدكتور وليد عبد الحي بالاهتمام بتعميق ومأسسة التواصل بين التنظيمات الفلسطينية وفلسطينيي الشتات، وتشجيع الفلسطينيين في المهجر على إنشاء هيئات مجتمع مدني مرتبطة في أهدافها بالحفاظ على الشخصية الفلسطينية، عبر أدوات التربية والتعليم والرموز الاجتماعية المختلفة.