قال رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي البريطاني، ديفيد هيرست، إن "تكاليف عدم الوقوف في وجه نتنياهو يمكن أن ترجح كفتها سريعا على الفوائد المحلية الناجمة عن الانجرار وراءه".

وأوضح في مقال، أن "العثور على جثث الأسرى الستة فجر موجة عارمة من السخط داخل إسرائيل، حيث هزت البلد مظاهرات لم تشهدها إسرائيل منذ الاحتجاجات التي نظمت ضد التعديلات القضائية، بل لقد أطلق عليها الإسرائيليون كلمة انتفاضة".

 

وأضاف أن "أربعة من الرهائن كانوا على قائمة حماس الإنسانية من الأسرى، وكانوا سيطلقون في المرحلة الأولى من صفقة تبادل كانت سوف تتم لو لم يرفض نتنياهو الانسحاب من ممر فيلادلفيا الذي يفصل مصر عن غزة. هذه معلومات لا مجرد تخمين".

وأردف بأن إسرائيل في قبضة تمرد استيطاني ديني يميني متطرف، ورئيس أمريكي تتعرض سياسته للتجاهل من قبل أهم حلفائه في المنطقة، حتى وإن كان ثمن ذلك خسارة حملة انتخابية حامية الوطيس، ومقاومة في غزة لا تعرف الاستسلام، وفلسطينيون في غزة لن يبرحوا مكانهم، وفلسطينيون في الضفة الغربية باتوا الآن على استعداد لتصعيد المواجهة، وانقسام ضخم داخل الأردن، ثاني بلد عربي يعترف بإسرائيل.

وتناول هيرست الأسباب التي توجب على الغرب الوقوف بوجه نتنياهو.

وفيما يلي نص المقال:
لقد فجر العثور على ست رهائن آخرين أمواتاً موجة عارمة من السخط داخل إسرائيل، حيث هزت البلد مظاهرات لم تشهدها إسرائيل منذ الاحتجاجات التي نظمت ضد التعديلات القضائية. بل لقد أطلق عليها الإسرائيليون كلمة "انتفاضة".

ترك عشرات الآلاف من الإسرائيليين أعمالهم وانضموا إلى إضراب عام، وغدا وزير الدفاع يوآف غالانت والمؤسسة الأمنية كلاهما في صدام مع رئيس حكومتهما.

ودعا زعماء المعارضة بيني غانتز ويائير لابيد الناس إلى الخروج إلى الشوارع، وهكذا فعلوا، فسدت الطرق الرئيسية المحيطة بتل أبيب، وأغلق مطار بن غوريون.

أياً كانت الطريقة التي مات بها الرهائن – فحماس تقول إنهم قتلوا بنيران إسرائيلية، بينما يقول الجيش الإسرائيلي إنهم أعدموا من مسافة قريبة قبيل محاولة تمت لتحريرهم – فإن الملامة على موتهم حُمّلت بشكل تام لنتنياهو والزمرة اليمينية المتطرفة التي تسند حكومته.

كان أربعة من الرهائن على قائمة حماس "الإنسانية" من الأسرى، وكانوا سيطلقون في المرحلة الأولى من صفقة تبادل كانت سوف تتم لو لم يرفض نتنياهو الانسحاب من ممر فيلادلفيا الذي يفصل مصر عن غزة. هذه معلومات لا مجرد تخمين.

تقويض صفقة محتملة
هذا ما يقوله قادة الأجهزة الأمنية أنفسهم، الذين حذروا نتنياهو مراراً وتكراراً حول ما الذي يمكن أن يحدث للرهائن الباقين فيما لو استمر في تخريب صفقة التبادل.

قبل ثلاثة أيام، تحول لقاء اعتيادي للحكومة للاستماع إلى تقرير أمني إلى مباراة في التراشق بالصياح بين غالانت ونتنياهو، بحسب ما ذكرته وكالة أكسيوس.

تقول الوكالة إن غالانت قال في اللقاء: "يجب علينا أن نختار بين فيلادلفيا والرهائن، لا يمكننا أن نفوز بالاثنين معاً. فيما لو صوتنا، فقد نكتشف إما أن الرهائن سوف يموتون أو أننا سوف نتراجع من أجل ضمان إطلاق سراحهم."

ما كان من غالانت ورئيس أركان الجيش الجنرال هيرزي هاليفي ومدير الموساد ديفيد بارنيا ورئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض إلا أو وقفوا جميعاً في مواجهة نتنياهو واقتراحه بالتصويت على قرار يقضي بالاحتفاظ بسيطرة إسرائيلية كاملة على امتداد الحدود مع مصر، فذلك من وجهة نظرهم كان سيقوض صفقة محتملة مع حماس.

في تصريح لوكالة أكسيوس، قال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى: "لقد حذرنا نتنياهو ووزراء الحكومة إزاء هذا السيناريو بالضبط، ولكنهم لم يسمعوا." مضى التصويت على القرار وكانت الأغلبية مؤيدة له.

إلا أن الرهائن لقوا حتفهم، والذي فهمته عائلات الرهائن بوضوح هو أن هذه المجموعة من الرهائن كانت على قيد الحياة قبل وقت قصير من محاولة الجيش إنقاذهم.

جاء في تصريح صادر عن منتدى الرهائن والعائلات المفقودة ما يلي: "كانت على الطاولة منذ ما يزيد عن شهرين صفقة لإعادة الرهائن. ولولا أنه [أي نتنياهو] استمر في المماطلة والتعطيل وتقديم الأعذار وممارسة الخداع، لربما بقي الرهائن، الذين علمنا بموتهم هذا الصباح، على قيد الحياة."

ما لبث خبر موت الرهائن أن ترددت أصداؤه في أرجاء الولايات المتحدة بالطريقة ذاتها التي حصلت مع خبر هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر. ولعل مما ساهم في ذلك أن والدي أحد الرهائن الذين ماتوا، المواطن الأمريكي هيرش غولدبيرغ بولين، كانا قد تحدثا من على منصة المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، بينما كان الجمهور يهتف قائلاً "أعيدوهم إلى بيوتهم".

رداً على ذلك، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي توشك ولايته على النهاية، بأن يجعل حماس تدفع ثمن موت الرهائن، بينما قالت المرشحة الرئاسية عن الحزب كامالا هاريس إنه يجب إزالة حماس.

كلاهما يعلم أن المسؤولية عن موت الرهائن تقع على عاتقه أيضاً.



الحقيقة المؤلمة
كان بايدن قد دعا قبل أربعة شهور، بوضوح وبشكل لا لبس فيه، إلى وقف إطلاق نار دائم. وأصدرت الأمم المتحدة في شهر يونيو (حزيران) قراراً بوقف إطلاق نار شامل عبر ثلاث مراحل.

إن من أهم واجبات بايدن كقائد عام هو التأكد من التزام حليف أمني أساسي له في الشرق الأوسط بالسياسة الأمريكية، وخاصة عندما يكون هذا الحليف معتمداً على ما تزوده به الولايات المتحدة من أسلحة كما هو الحال مع إسرائيل.

ولكن الحقيقة المؤلمة من وراء قتل الرهائن هي أنه لو كان بايدن على استعداد لفرض سياسته هو عبر حظر تصدير السلاح إلى إسرائيل، لكان ممكناً الآن التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولأمكن تحرير الكثيرين من الرهائن المتبقين، بما في ذلك حملة الجنسيات الأمريكية والبريطانية.

لو توجب على أي شخص النظر إلى نفسه عبر المرآة فيما يتعلق بموت غولدبيرغ بولين لتوجب أن يكون ذلك هو بايدن.

إن من الحماقة أن تسير هاريس بكل وداعة على نفس هذه الخطى. كان ينبغي عليها أن تتذكر ما قاله جنرالاتها حول استحالة إلحاق الهزيمة بحماس في غزة.

ومع ذلك يمكن لهذه الحادثة التي أودت بحياة الرهائن الستة أن تشكل نقطة التحول التي تفرض على نتنياهو التراجع عن موقفه في المفاوضات، والتي ماتزال تقف أمام طريق مسدود.

قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في حديثه مع عائلات الرهائن الأمريكيين المحتجزين داخل غزة إن الولايات المتحدة سوف تقدم لإسرائيل وحماس عرضاً أخيراً لوقف إطلاق النار إما أن يأخذوه أو يتركوه.

لقد قيل مثل هذا الأمر مرات عديدة من قبل، ولعل هذا هو أحد الأسباب التي أفقدت الولايات المتحدة كل المصداقية في التعامل مع المفاوضين المستقلين من كل من مصر وقطر.

ولكن فيما لو كانت النتيجة هي انسحاب إسرائيلي على مراحل من ممر فيلادلفيا واستسلام نتنياهو تحت وطأة الضغوط المحلية والدولية، فإنه يعلم أنه متجه لا مفر نحو أزمة أخرى.

نهاية السيطرة الأشكنازية
لا يقتصر الأمر على احتمال أن ينسحب من الائتلاف الحكومي، كما هددا مراراً من قبل، كل من بيزاليل سموتريتش، وزير المالية، وإيتامار بن غفير، وزير الأمن الوطني، وهما من أشد المتطرفين داخل الحكومة.

بل يعلم نتنياهو أن إسرائيل منقسمة إلى شقين، حيث يطالبه نصف الناس في البلد بأن "ينهي المهمة" التي أخفق ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، في إتمامها.

هذه الانتفاضة، مثلها مثل المظاهرات التي نُظمت ضد التعديلات القضائية العام الماضي، هي واحدة من الرهانات الأخيرة التي تقوم بها النخبة الأشكنازية الليبرالية.

يساور هذه النخبة شعور بأنهم يفقدون البلد الذي أنشأوه. فها هم قد فقدوا السيطرة على الجيش وعلى قوات الشرطة لصالح المستوطنين. لم يبق في أيديهم حصرياً الكثير، ويثبت ذلك ما شهدته إسرائيل طوال العام الماضي من هجرة للناس والأموال باتجاه أوروبا.

لا يتصرف نتنياهو فقط انطلاقاً من الرغبة في بقائه شخصياً على قيد الحياة سياسياً، بل يشعر أيضاً بأن إسرائيل على وشك أن تشهد ثورة يمينية متطرفة. ولذلك ما من غريزة سياسية إلا وتحذره من أن ما يوشك أن يفقده كثير، وكثير جداً. وفيما لو حدث ذلك، فإن الوضع القادم سيكون في تناقض تام مع رئاسة ديمقراطية في الولايات المتحدة.



انكشاف على الهواء مباشرة
كما ينبغي على بايدن أن ينظر إلى نفسه في المرآة إزاء ذلك الذي يجري داخل الضفة الغربية المحتلة.
إزاء عجزه، لعدة أسباب لا أقل منها انعدام الاستعداد العسكري، في فتح جبهة ثانية ضد حزب الله في لبنان، حوّل نتنياهو اهتمامه باتجاه البلدات الثلاث في شمال الضفة الغربية في عملية عسكرية شاملة تسمى "عملية المخيمات الصيفية"، والمصممة لإجبار السكان على الرحيل.

كما يتبع الليل النهار، بدأت العمليات ضد القوات الإسرائيلية في كل أنحاء الضفة الغربية، وبشكل خاص في منطقة الخليل في الجنوب.

ينبغي على بايدن وهاريس ملاحظة من هو الشخص الذي أطلق الرصاص على ثلاثة من رجال الشرطة الإسرائيليين فقتلهم رداً على العملية التي ينفذها الجيش في الشمال.

كان مطلق النار عضواً في حركة فتح وشغل سابقاً منصباً ضمن الحرس الأمني الرئاسي في السلطة الفلسطينية. يضاف إلى ذلك أن مهند العسود من سكان إذنا في الخليل، وهو من مواليد الأردن وكان من مواطنيه، ثم عاد إلى موطنه الأصلي في الضفة الغربية في عام 1998 هو وعائلته بعد حصولهم على لم شمل عائلي.

يحمل التاريخ الشخصي لمهند العسود تحذيراً واضحاً بشأن التداعيات التي سوف تنجم عن كيفية رد الفلسطينيين في الضفة الغربية على فتح جبهة ثانية في هذه الحرب التي تدور رحاها داخل الأراضي المحتلة، مستخدمين نفس الأسلحة والوسائل في جنين وطولكرم وطوباس كتلك التي استخدموها من قبل في غزة.

لم يكن العسود عضواً لا في حماس ولا في الجهاد الإسلامي، ولا كان جزءاً من أي مجموعة مقاومة محلية معروفة. بل اتخذ قراراً شخصياً بأن المقاومة هي الرد الوحيد على الهجوم العسكري الإسرائيلي.

هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين المسلحين وغير المنتمين مثله في الضفة الغربية وفي الأردن، وكل هؤلاء وصلوا إلى نفس الخلاصة.

أضف إلى ذلك أن التوترات بين الأردن وإسرائيل تتفاقم بشكل مضطرد.

ترافق شن الهجوم مع اشتعال حرب كلامية بين وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتز، ونظيره الأردني، أيمن الصفدي.

لم يكتف كاتز بإخبار سكان جنين إن عليهم أن يخلوا مساكنهم "مؤقتاً"، بل اتهم الأردن مراراً وتكراراً بتكديس الأسلحة في المخيمات، زاعماً أنه لم يعد قادراً على السيطرة على أراضيه. بل قال في تغريدة له عبر حسابه في منصة إكس: "تقوم إيران بإقامة بنية تحتية للإرهاب في يهودا والسامرة، مغرقة مخيمات اللاجئين بالأموال والأسلحة التي يتم تهريبها عبر الأردن، وذلك بهدف تأسيس جبهة إرهاب شرقية ضد إسرائيل. وهذه العملية تهدد كذلك النظام الأردني. يجب على العالم أن يصحو ويوقف الأخطبوط الإيراني قبل فوات الأوان."

رد عليه نظيره الأردني قائلاً إن تلك كلها أكاذيب.

كتب الصفدي يقول: "إننا نرفض المزاعم التي صدرت عن الوزير العنصري المتطرف الذي يخترع المخاطر لتبرير قتل الفلسطينيين وتدمير مقدراتهم. إن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة هو ما يشكل أكبر تهديد للأمن والسلام. ولسوف نعارض بكل ما لدينا من قدرات أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني داخل أو خارج الأراضي المحتلة."

ضرام أكبر
أما وقد مر على الوضع خمسة أيام، ها هو المشهد يتحضر تارة أخرى لعملية داخل الضفة قد تستمر لفترة مشابهة لتلك التي خضعت لها غزة، ولا يملك الرئيس الفلسطيني محمود عباس القدرة على وقفها.

لقد استنفر الفتيان الفلسطينيون للقتال. ولد وائل مشه وطارق داود بعد أوسلو، ولم يشهدا لا الانتفاضة الأولى ولا الانتفاضة الثانية.

كلاهما أطلق سراحهما في تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس في نوفمبر (تشرين الثاني). ويوم إطلاق سراحه تحدث مشه عن معاناة الأطفال الذي يتعرضون للضرب والامتهان داخل السجون الإسرائيلية.



كانت رحلة مشه القصيرة مقدرة. تقول والدته: "تحول من سجين إلى مطارد، ثم إلى المواجهة (ضد الاحتلال)، ثم ليصبح شهيداً."

لقد قتل بواسطة مسيرة فجر يوم الخامس عشر من أغسطس (آب) بينما كان يقاوم هجوماً إسرائيلياً على نابلس. هناك الآلاف من مثله ممن يُدفعون دفعاً نحو المعركة.

قائد كتيبة طولكرم، محمد جابر – المعروف بلقب "أبو شجاع"، محارب آخر قتلته إسرائيل، والتي كانت قد وصفته بأنه أكبر مسلح مطلوب لديها، رغم أنه لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره. كان أبو شجاع، الذي ولد بعد أسلو بأربعة أعوام، لاجئاً من سكان مخيم نور شمس، وإن كان ينحدر أصلاً من حيفا. سوف يلهم قتله أعداداً غفيرة أخرى ويحرضها على الانضمام تماماً كما تلقى هو الإلهام من آخرين.

حتى مع التردد السابق لكل من حزب الله وإيران في التورط، باتت المكونات كلها مجتمعة بما يضمن اندلاع ضرام أكبر.

إسرائيل في قبضة تمرد استيطاني ديني يميني متطرف، ورئيس أمريكي تتعرض سياسته للتجاهل من قبل أهم حلفائه في المنطقة حتى وإن كان ثمن ذلك خسارة حملة انتخابية حامية الوطيس، ومقاومة في غزة لا تعرف الاستسلام، وفلسطينيون في غزة لن يبرحوا مكانهم، وفلسطينيون في الضفة الغربية باتوا الآن على استعداد لتصعيد المواجهة، وانقسام ضخم داخل الأردن، ثاني بلد عربي يعترف بإسرائيل.

بالنسبة لبايدن وهاريس، الرسالة في غاية الوضوح، الأنوار المنبعثة منها ساطعة، ومفادها أن تكاليف عدم الوقوف في وجه نتنياهو يمكن أن ترجح كفتها سريعاً على الفوائد المحلية الناجمة عن الانجرار وراءه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية نتنياهو غزة الولايات المتحدة الاحتلال الولايات المتحدة غزة نتنياهو الاحتلال الحرب الشاملة صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الضفة الغربیة من الرهائن فیما لو فی غزة من قبل

إقرأ أيضاً:

لماذا لا تنسحب مصر وقطر من الوساطة بين إسرائيل وحماس

بدأ هذا السؤال يتردد في دوائر عربية عديدة، وزادت أهميته مع تسريب معلومات بأن مصر وقطر قد تصدران بياناً مشتركاً تعلنان فيه عدم الرضاء عن النتيجة التي وصلت إليها وساطتهما، والولايات المتحدة، بين إسرائيل وحركة حماس، ومن ثم الاتجاه نحو عدم مواصلتها. لكن لم يصدر شيء حتى الآن، ولا يزال الحديث مستمراً عن مفاوضات ومحادثات واتصالات تتم من أجل إنجاز صفقة الأسرى بين الجانبين، والتي من المتوقع أن تفضي إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.
بعد تشاؤم ساد الفترة الماضية بسبب تصلب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في مواقفه، عُقد لقاء في الدوحة جمع بين رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، وقيادات في حركة حماس، بما أعاد الأمل في المفاوضات مرة أخرى، وأن دفنها لن يتم قريباً، كما توقعت بعض الجهات التي رأت أنها لم تعد مجدية، ومن المهم أن تواصل مصر وقطر دوريهما بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة.
غاية ما يتمناه نتانياهو أن يصل الوسطاء إلى نقطة الصفر التي يعلنون فيها عدم القدرة على الاستمرار ليتحلل من بعض الالتزامات الخارجية، ويتنصل من المسؤولية السياسية والأمنية والأخلاقية التي ألقاها عليه أهالي الأسرى والمحتجزين.
يصعب أن تنسحب مصر وقطر من الوساطة، لأن هذا معناه إقرار بالأمر الواقع الذي يريد نتانياهو فرضه، وحدوث فراغ سياسي يستفيد منه الرجل عسكرياً في تنفيذ ما تبقى من مخططاته في غزة والضفة الغربية، ومنحه صكاً يخول له المضي قدما في ترتيب أوضاع الفلسطينيين بالطريقة التي يطمح إليها.

ربما لن تتمكن الوساطة من ردع قوات الاحتلال أو إحداث تحول ملموس في توجهاتها، غير أن وجودها يشير إلى أن هناك عملية سياسية قد تفضي إلى ضغط من قبل المجتمع الدولي على نتانياهو، فغياب الوساطة وعدم وجود مفاوضات لا يعني أن هناك إمكانية لتغيير الأوضاع وأن بديلا سياسيا آخر يمكن أن يمارس دورا أفضل.
ولم تعد الآلة العسكرية لدى المقاومة قادرة على تغيير المعادلة التي وصلت إليها إسرائيل بعد ما يقرب من عام من الحرب، شهد فيه قطاع غزة دماراً كبيراً، وأجهد الجناح المسلح لحماس، كتائب عزالدين القسام، وأيّ اعتراف بفشل الوساطة لن يستفيد منه الفلسطينيون، بل على العكس سيمنح قوات الاحتلال حرية أكبر في العمل العسكري، لأن الأصوات الداخلية من جانب المعارضة والمؤسسة العسكرية واحتجاجات أهالي الأسرى لا تمثل ضغطاً حقيقياً على نتانياهو، وأثبتت بعض استطلاعات الرأي التي أعلن عن نتائجها أخيرا تفوّقه على كل منافسيه، وزيادة فرص حزب الليكود في الحصول على عدد أكبر من المقاعد في الكنسيت إذا جرت الانتخابات في الوقت الراهن.
ينزع انسحاب مصر وقطر، أو كليهما، أي غطاء سياسي لحركة حماس، فالوساطة التي تقوم بها الدولتان لا يغيب عنها الدفاع عن حقوق أهالي غزة وتخفيف معاناتهم، ومحاولة تصويب مسار القضية الفلسطينية، استفادة من الزخم الدولي الذي حصلت عليه، فقد يكون وقف إطلاق النار الهدف المعلن للوساطة، غير أن غايتها أكبر من ذلك، لأن الملفات التي يتم التباحث حولها متشعبة وتتجاوز مسألة وقف الحرب الحالية، ما يجعل نتنياهو يُمعن في مراوغاته ومناوراته، وتفشيل أيّ منجز يمكن أن تحرزه الوساطة السياسية لاحقا.
كما أن القاهرة والدوحة تعلمان النوايا السيئة التي تضمرها الحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه القضية الفلسطينية، وأيّ انسحاب من الوساطة لن يضف جديداً، ربما يخصم منهما سياسيا، فقد قبلتا المهمة وتعرفان حجم الصعوبات التي تكتنفها، ودخلتا في خضمها ولدى كليهما من الخبرة في معرفة إسرائيل وحماس ما يدفعهما لتوقع الوصول إلى النقطة القاتمة، التي تكاد تكون الأمور فيها دخلت مربع الانسداد، والتفكير في الانسحاب يقود إلى عدم الاعتداد بأي دور يمكن أن يقوما به مستقبلاً، لأن انتهاء الوساطة لن يمنع الحرب من الاستمرار أو يوقف الدمار الحاصل في غزة.
قد تستطيع مصر وقطر الضغط على حماس أو التفاهم معها لتقديم تنازلات معينة، وهو ما كشفه اجتماع الدوحة الأخير، لكن المشكلة في الوسيط الثالث وهو الولايات المتحدة التي لم تمارس ضغطاً كبيراً على إسرائيل أو تتفاهم معها للحصول على نتيجة مماثلة، وعلى الرغم من المناوشات بين الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل، إلا أن الأولى غير مستعدة لإجبار الثانية على تليين موقفها، ما يمثل أزمة حقيقية في المفاوضات، حيث يستغل نتانياهو أجواء الانتخابات الأمريكية للتملّص من الضغوط السياسية، ويستفيد من المساحة الرمادية السائدة في الولايات المتحدة قبل أسابيع قليلة من إجراء انتخابات، يتمنى أن يفوز فيها مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.

نجحت حيل نتانياهو في وضع الوسطاء الثلاثة في موقف حرج، لا هم قادرون على الضغط، أو الانسحاب، وأصبح الموقف معلقا، وهي حالة مريحة جدا لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إذ يستطيع من خلالها الإيحاء بأنه مستمر في المفاوضات، ويستكمل في الوقت نفسه ما تبقى من أهداف عسكرية في غزة، وإن ذهب إلى الشمال واشتبك على نطاق واسع مع حزب الله اللبناني ستكون الجبهة الجنوبية شبه مؤمّنة عسكرياً وسياسياً، حيث فقدت المقاومة جزءاً كبيراً من قوتها المسلحة، وما تبقى من قوات محدودة في غزة يستطيع التأمين، ولا تستطيع دول الوساطة ممارسة ضغوط عليه أو تمثل إزعاجاً يحرجه للتفكير في ألاعيب تنقذه من اقتراب المفاوضات لإحراز تقدم.
هناك فارق سرعات في الطريقة التي يدير بها نتانياهو الحرب مع حماس، وفي الطريقة التي يديرها بها المفاوضات مع الوسطاء، لأنه قبض مبكراً على زمام المبادرة، وترك الآخرين يقومون بردود فعل على تصرّفاته ومحاولة ملاحقته، حتى أن الجميع لم يستطع مجاراته في السباق، وهي سياسة يعتمد عليها الرجل في إدارة المشهد الداخلي المعقد، وتمكّن بموجبها من الحفاظ على تأييد اليمين المتطرف، وأربك حسابات القوى المعارضة له للدرجة التي لم يعد إحجامها عنه أو إقبالها عليه يؤثر في تصوراته السياسية والعسكرية.
أدت التوجهات المختلطة، الكوكتيل، التي يتبناها نتناياهو داخلياً وخارجياً إلى إرباك خصومه وأصدقائه معاً، ونزع عنهما كل ما يمكن أن يمثل ضغطا أو إقناعا، وجعل الوسطاء الثلاثاء يقفون في منتصف الطريق، حرمهم من شرف تحقيق إنجاز يفضي إلى وقف الحرب والتفكير في الترتيبات التالية عليها، ومن شرف الانسحاب من الوساطة بما يقود إلى وضع الكرة في ملعبه وتحميله مسؤولية الإخفاقات المستمرة للمفاوضات، وما سينجم عنها من اتهامات وانتقادات داخل إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • عاجل| حزب العمل الإسرائيلي: نتنياهو أفشل 3 فرص للتوصل لاتفاق لإعادة المحتجزين
  • لماذا تتمسّك إسرائيل بممر فيلادلفيا؟
  • لماذا لا تنسحب مصر وقطر من الوساطة بين إسرائيل وحماس
  • لماذا فشل انتقال تريزيجيه إلى الأهلي قبل التوقيع مع الريان؟ وسيط الصفقة يجيب
  • لماذا تراجع مستوى نابولي؟.. كونتي يجيب
  • سياسي بريطاني يحذر من التهديدات التي سيواجهها الغرب إن سمح لكييف بضرب الأراضي الروسية
  • لماذا اعتمر بايدن قبعة ترامب التي تروج لانتخابه؟
  • هل تستطيع إسرائيل تنفيذ خطة الجنرالات بشمال غزة؟ خبير عسكري يجيب
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة يغلقون جسرا بتل أبيب ويتهمون نتنياهو وزوجته بممارسة الإرهاب النفسي
  • منحها الغرب لأوكرانيا.. تعرف على إمكانيات صواريخ «ظل العاصفة»