بغداد اليوم- بغداد

يشهد العراق، منذ عامين، حملة "المحتوى الهابط"، كما أقرّ مجلس النواب تعديلات على قانون يحمل اسم "قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي"، وهي التعديلات التي رأت فيها منظمات حقوقية عالمية "تهديداً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يحميها الدستور".

أعادت هذه الخطوات إلى الأذهان ذكرى تجربتين عراقيتين سابقتين لتأسيس ما يسمى "شرطة الأخلاق".

الأولى في العهد الملكي والثانية خلال حكم حزب البعث. فماذا نعرف عن هاتين التجربتين؟

شرطة الأخلاق.. التجربة الأولى

في عام 1935، خلال حكومة رشيد عالي الكيلاني، أظهر رئيس الحكومة اهتماماً كبيراً بفرض "الأخلاق العامة" في شوارع العراق، وأصدر قراراً بتشكيل ما عُرف حينها بـ"شرطة الأخلاق".

من ضمن الواجبات الرئيسية لهذه الشرطة "مراقبة دور الدعارة والقضاء على البغاء بكل أشكاله"، حسب ما ورد في كتاب "حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق" لنسرين عويشات.

ويحكي أمين المميز، في كتابه "بغداد كما عرفتها"، أن الهدف من تأسيس هذه الشرطة لم يتحقق بعدما "أساء أفراد هذا الجهاز الأمني سُلطاتهم وراحوا يبتزون أصحاب دور الدعارة والزبائن الذين يترددون عليها".

فشلت الحكومة في السيطرة على سلوكيات أفراد الشرطة وبات أصحاب "دور الدعارة" يدفعون لعناصرها أكثر مما يتقاضونه من الزبائن، ولما ارتفعت الشكاوى منها صدر القرار بإلغائها.

هذه التجربة تطرّق إليها عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه "مهزلة العقل البشري" حين تحدّث عن تجربة جرت "في عهد بائد بالعراق" لأحد الوزراء بأن يُصلح أخلاق الناس فأسّس شرطة للأخلاق.

ويعلّق الوردي على أسباب فشل هذه التجربة بأن صاحب هذا القرار نسي أن أفراد هذه الشرطة نشأوا أيضاً في هذا المجتمع الذي يعتريه الفساد ويجب إصلاحه. لذا فإنهم يحتاجون إلى الإصلاح كغيرهم وهو ما تسبّب في إساءة استعمال الطريقة التي طُلب منهم استخدامها

لـ"إصلاح الأخلاق"، وهو ما أدى إلى زيادة المشكلات وليس حلها بحسب الوردي الذي يقول: "بات الناس يشكون من فساد الأخلاق ومن شرطة الأخلاق في آنٍ واحد".

حزب البعث: مكافحة "المتبرّجات"!

بعد نجاح البعث قي الوصول إلى الحُكم عقب ثورة 1968، عيّن رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر صالح مهدي عمّاش وزيراً للداخلية.

يقول علي سعي، في كتابه "عراق ضباط 1963 من حوار المفاهيم إلى حوار الدم"، إن عماش عُرف عنه النهج المحافظ والتشدد الديني حتى إنه لما تولّى إدارة وزارة الخارجية بشكلٍ مؤقت بسبب سفر وزيرها خارج البلاد أمر بإلغاء عمل جميع النساء في وزارته ونقلهن إلى وزارات أخرى!

بدعمٍ من محافظ بغداد حينها، خير الله طلفاح، خال صدام حسين ووالد زوجته ساجدة، أعاد عماش العمل بفكرة شرطة الأخلاق مع نهاية 1968، التي كان همّها الأول هذه المرة هو مكافحة الأزياء المخالفة بين الشباب، وبطبيعة الحال وقع على النساء العبء الأكبر من هذه المكافحة باعتبار أن التصدّي لـ"المتبرجات" كان من أكبر أنشطة الجهاز الأمني الجديد.

وتزامناً مع هذا القرار، نقلت الصحافة العراقية تحذيرات بأن الشرطة ستتخذ إجراءات لمحاربة "التحلل الخلقي"، مشددة على منع ارتداء "الميني جوب" عموماً باستثناء السائحات، وأن حدود اللبس النسائي المحتشم المسموح به يجب أن لا يقلّ عن عقدة واحدة أسفل الركبة. كما صدرت التعليمات بـ"إلقاء القبض على المتميعين من الشبان وقص شعورهم الطويلة"، بحسب الصحف.

يحكي نجم والي في كتابه "بغداد- سيرة مدينة"، أن هذه القوة الأمنية كانت تطارد الطالبات والموظفات وغيرهن من النساء السافرات في بغداد وتعتدي عليهن بالضرب وتلطّخ ثيابهن بالأصباغ بحجة الدفاع عن القيم والعادات الأصيلة.

وفي كتابه "المخفي أعظم"، كشف الأديب الأردني هاشم غرايبة أنه إبان سفره إلى العراق في مطلع السبعينيات لاستكمال دراسته الجامعية في المختبرات الطبية، كان يمشي في أحد الأيام بأحد شوارع بغداد وهو يرتدي بنطلون "شارلستون" الذي كان موضة رائجة أيامها فهاجمه رجال شرطة الآداب ومزقوا  بنطاله.

هذه التصرفات أثارت ضيق الشاعر محمد مهدي الجواهري، فكتب قصيدة ينتقد فيها ما يجري قائلاً: "أترى العفاف مقاس أقمشة؟.. ظلمت إذاً عفافاً"، فردَّ عليه مهدي عماش، وزير الداخلية نفسه، بقصيدة أخرى طويلة جاء فيها: "شبابنا يتخنثون خنافساً.. هوجاً عجافاً\ إنا نريد مآثراً لا قصر أردية كفافاً\ نبغي من النسوان تربية البراعم والعفافا"، ودارت بين الاثنين مساجلة شعرية نشرتها الصحافة العراقية وقتها.

علي الوردي أيضاً كان له موقف مُعارض من إعادة إحياء هذه الفكرة مجدداً، وخلال محاضرة له في منتدى أمانة بغداد وجّه فيها انتقادات حادة لهذا الأمر، فقال: "نحن لسنا فئران تجارب لتدخلونا كل يوم في تجربة جديدة، فما معنى أن تستحدثوا مثلاً (شرطة أخلاق)، بالله عليكم هل لدى الشرطة أخلاق أصلاً؟!".

في النهاية وبعد تجاوزات كثيرة من قِبَل رجال الشرطة صدر الأمر بحل هذه القوة الأمنية لتلقى تلك التجربة مصير التجربة السابقة.. الفشل.


المصدر: الحرة

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: شرطة الأخلاق فی کتابه

إقرأ أيضاً:

استثمار النخيل ينتشر في 22 مقاطعة زراعية في العراق.. النوادر قد ترتفع 10% - عاجل

بغداد اليوم - بغداد 

أكدت لجنة الزراعة في مجلس النواب، اليوم السبت (14 أيلول 2024)، انتشار ما أسمته استثمار النخيل في 22 مقاطعة زراعية في العراق، فيما اشارت إلى ضرورة الانتباه إلى خطورة الآفات الزراعية التي تسبب هلاك أشجار النخيل.

وقال عضو لجنة الزراعة النيابية النائب ثائر الجبوري في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن" الانفتاح على تصدير مئات الآلاف من التمور من عدة محافظات عراقية وتحسن الإيرادات وسط تنامي الإقبال عليها في عدة أسواق آسيوية دفع إلى زيادة وتيرة استثمار النخيل في 22 مقاطعة زراعية في العراق، خاصة في الشرق والوسط والجنوب".

وأضاف، أن" الاستثمار الزراعي له فوائد كثيرة، خاصة وأن العقود الأربعة الماضية شهدت انحسار أعداد أشجار النخيل في البلاد بمعدلات مثيرة للقلق بسبب الآفات والجفاف والتجريف، لكن هناك إقبال على ضخ أموال لإنشاء مزارع نموذجية ويعتمد على أصناف نادرة للتصدير وسيخلق أبعادًا اقتصادية عدة ويعوض جزءًا من هلاك البساتين في العقود الماضية".

رئيس الاتحاد للجمعيات الفلاحية في ديالى، رعد مغامس، أقرّ بأن معدل الاستثمار الزراعي في بساتين النخيل ارتفع بنسبة 20% في السنوات الثلاث الماضية، وبلغ ارتفاع إنتاج التمور من الأصناف النادرة أكثر من 10%، أغلبها يخصص للتصدير في ظل وجود من 12-16 نافذة أسواق خارجية تستقطب التمور العراقية".

وأضاف مغامس في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن" التوقعات تؤكد بأن معدل الإقبال على استثمار بساتين النخيل النموذجية سيزداد بنسبة لا تقل عن 30%، في السنوات الخمس المقبلة، أي أننا أمام مشهد آخر، مؤكدًا بأن" إنتاج ديالى من التمور سيزداد هذا العام بما لا يقل عن 15% قياسًا بالعام الماضي وفق القراءات الأولية".

وأشار إلى" ضرورة الانتباه إلى خطورة الآفات الزراعية التي تسبب هلاك أشجار النخيل، ومنها الدوباس وسوسة النخيل الحمراء وغيرها، وأهمية إعادة المكافحة الجوية بشكل متكرر لاحتواء تلك الآفات الفتاكة".

وأعلنت وزارة الزراعة، يوم السبت (24 حزيران 2023)، عن زيادة عدد النخيل في العراق، مشيرة الى أن أعداد النخيل تجاوزت الـ 22 مليون نخلة.

وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة، محمد الخزاعي، في تصريح صحافي، إن "النخلة العراقية تمر بأفضل أوقاتها من خلال التوجه نحو زراعة غابات نخيلية عن طريق الاستثمار الزراعي، حيث تولت الكثير من المؤسسات التي دخلت في هذا المجال، زراعة أصناف جديدة وعالية الجودة بالتمور".

وأشار إلى أن "أعداد النخيل تقدر بأكثر من 22 مليون نخلة، وهذه نقلة نوعية"، مؤكداً أن "زراعة النخيل في تزايد وتقدم كبيرين، من أجل إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، كأبرز بلد يتميز بأعداد النخيل الكبيرة".

 وأوضح أن "التمور العراقية تحمل الكثير من الصفات التي تميزها عن غيرها من الأنواع المزروعة في باقي البلدان، لهذا جميع الدول تفضل التمور العراقية".

 

مقالات مشابهة

  • أسرع من الصوت بأضعاف.. ماذا تعرف عن "صاوخ الفرط صوتي" الذي ضرب عمق إسرائيل.. عاجل
  • العراق يفتح أبوابه للنجم رونالدو وصديقته جورجينا
  • اقتصادي: انخفاض أسعار النفط لن يؤثر على صرف الدولار والرواتب في العراق- عاجل
  • العراق يتحضر لاستقبال الدون
  • العراق يتحضر لاستقبال الدون - عاجل
  • حدث استثنائي.. العراق يتحضر لاستقبال الدون
  • مفاجأة من العراق لـ جورجينا
  • قوة من النخبة الأمريكية تعثر على طائرة روسية في صحراء العراق.. القصة الكاملة - عاجل
  • استثمار النخيل ينتشر في 22 مقاطعة زراعية في العراق.. النوادر قد ترتفع 10% - عاجل
  • رؤية مغايرة لزيارة بزشكيان الى العراق - عاجل