لجريدة عمان:
2025-02-17@06:12:03 GMT

عالم الفيسبوك

تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT

أتحدث هنا عن العالم الافتراضي الموجود على شبكة المعلومات، وسوف أخصص كلامي عن عالم الفيسبوك الأكثر شهرة، والأكثر اجتذابًا للبشر الذين يشاركون فيه بفاعلية يوميًّا، حتى إنه أصبح يشغل اهتمام معظم البشر، صغيرهم وكبيرهم؛ بل أصبح يشكل مجال همهم واهتمامهم، فيخصصون له وقتًا طويلًا من يومهم، ومن ثم من أعمارهم.

فهل يستحق عالم الفيسبوك كل هذا الوقت الذي ننفقه فيه؟! لقد سبق أن تناولت في مقالات عديدة مساوئ الفيسبوك وتأثيراته السلبية على سلوك الشخص والسلوك الاجتماعي بوجه عام بسبب سوء استخدامه في عالمنا العربي بوجه خاص؛ ولكنني أخصص كلامي هنا لظاهرة سلبية واحدة أسميها «التفاعل»، سأحاول الكشف عن تجلياتها فيما يلي:

أحد أشكال هذه الظاهرة تتبدى في حرص كثير من النساء على «استعراض الجسد»: فمن الشائع أن تجد فتاة أو امرأة مشغولة بإظهار مفاتنها الجسدية واختزال مجمل وجودها في هذا التحقق الجسماني الذي سوف يزول بالتدريج؛ ومن ثم فإنها تنظر إلى نفسها باعتبارها سلعة معروضة على الملأ. تجد نسوة منشغلات يوميًّا بالإعلان عن حضورهن الجسماني في أوضاع جديدة على الدوام، ويلحقن بالفيديوهات التي يقمن بإذاعتها موسيقى أو أغنيات رائجة لإضافة المزيد من التأثير على صورهن! نعم قد يكون هذا مثيرًا ويلقى إعجابًا من المشاهدين أو المتصفحين لعالم الفيسبوك، ولكن هذا التأثير يظل وقتيًّا عابرًا؛ فهو لا يخلق سوى مجرد رغبة في التعارف لدى البعض من المعجبين، أي حالة من الحضور غير الأصيل أو التحقق الزائف، أعني أنه لن يكون وجودًا حقيقيًّا. وبطبيعة الحال، فإنني لا أقصد من وراء ذلك إلى القول بأن عالم الفيسبوك ينبغي أن يظل جادًا أو متجهمًا على الدوام، بل إنه ينطوي في أحيان كثيرة على مشهد أو صورة أو طرفة يمكن أن تبعث البهجة في النفوس؛ ولكن هذا لا يمكن أن يتحقق من خلال الحضور الجسماني بإلحاح لامرأة تستعرض مفاتن جسدها أو ما تظنه مفاتنَ حقيقية.

المشكلة الأكثر خطورة تتجاوز أحوال تلك النسوة في عالم الفيسبوك؛ لأنها تمتد إلى حال أشباه المثقفين أو المحسوبين على الفكر والثقافة ممن يظنون أن مشاركاتهم اليومية بإلحاح في هذا العالم يمكن أن يضمن لهم وجودًا حقيقيًّا في عالم الثقافة والإبداع. ولا شك في أن ما ينشره بعض المثقفين والمبدعين على الفيسبوك يكون مفيدًا في حالات كثيرة من قبيل: نشر نص إبداعي من تأليفهم، أو التنويه إلى نص إبداعي من تأليف غيرهم، أو إلى فاعلية ثقافية مهمة، أو إلى معلومة ثقافية أو فكرة أو عمل فني، وما شابه ذلك. ولكننا- للأسف- نجد أن كثيرًا من المثقفين يوجدون يوميًّا على صفحات الفيسبوك من أجل التنويه إلى أشياء تافهة أو صغيرة؛ لمجرد الحرص على الحضور اليومي:

ينسى هؤلاء أن المفكرين والمبدعين العظام لم يكن لديهم أي من أدوات التواصل الاجتماعي الموجودة في عصرنا الآن، ومع ذلك فإن حضورهم كان وسيظل طاغيًا من خلال كتبهم وأعمالهم التي ستبقى على مر الزمان، والتي يتتبعها كل مثقف وطالب للمعرفة. وبدلًا من أن يكرس المثقف بعضًا من وقته لنشر مقال عن واحد من هؤلاء المبدعين أو لنشر مقال من إنتاجه الفكري لعل غيره ينتفع بذلك؛ بدلًا من ذلك تراه ينشر أخباره التافهة التي تخصه وحده، ولا تخدم المعرفة أو الثقافة، بل حتى لا تخدم فكرة التواصل الاجتماعي نفسها التي تسهم في تعرف الناس بعضهم على بعضهم وعلى ما هو مشترك بينهم، بما في ذلك أفكارهم وهواياتهم. وعلى سبيل المثال: تجد واحدًا ينشر خبر انضمامه إلى اللجنة الفلانية بهذا المجلس أو ذاك، وينشر القرار بتشكيل اللجنة الذي يضم اسمه، أو تجده ينشر قرار ترقيته الوظيفية في المؤسسة التي يعمل بها. وتجد شخصًا آخر ينشر خبر ابن عمه أو خاله اللذين لا يعرفهما أحد، لينال تعاطف الآخرين معه، بينما هو في حقيقة الأمر يستخدم وفاة القريب كوسيلة للحضور أو المشاركة من خلال عالم الفيسبوك. أذكر هنا واقعة ربما تكون دالة على ما أريد الإفصاح عنه: فعندما تُوفيت والدة صديقي الفيلسوف محمود رجب -رحمه الله- سألته عن مكان العزاء، فقال لي: لا مكان للعزاء؛ لأن هذا يعني إرهاق كثير من الناس ممن لا يعنيهم الأمر، وسوف يحضرون العزاء من باب المجاملة، فمن توفيت هي أمي وأنا الذي أعاني موتها حقًّا. كان محمود رجب يعرف معنى الوجود ومعنى الموت باعتباره معاناة وقلق الموجود الحقيقي إزاء الموت.

ما أريد أن أخلص إليه في هذا المقال هو أن كل الحالات السابقة وأشباهها هي مجرد أمثلة على ظاهرة الظهور من خلال عالم الفيسبوك، والتفاعل يختلف تمامًا عن الوجود الحقيقي؛ فهو يمكن أن يكفل للمرء شهرة أو حضورًا، ولكن حضوره هذا يظل حضورًا وقتيًّا عابرًا، سوف يتلاشى بمجرد توقف ما يدعم هذا الحضور؛ ولذلك فإن هذا الحضور يتوقف بمجرد ابتعاد هذا المرء عن المشهد أو بموته. ولكن الموجود الحقيقي لا يتوقف حضوره بابتعاده، وحتى الموت نفسه لا يكون قادرًا على إلغاء هذا الحضور. أما المرء الذي يسعى إلى الوجود الدائم في كل مكان وحين عبر عالم الفيسبوك، فهو يفتقر إلى الوجود الحقيقي أو الأصيل، بحيث يصدق عليه تعبير هيدجر عن الموجود الزائف باعتباره «الموجود في كل مكان دون أن يكون في أي مكان».

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

عمار: لن يكون هذا الوطن موطئ قدم أميركية إسرائيلية

أقام "حزب الله" مراسم تكريمية للشهداء في روضة شهداء المقاومة الإسلامية في الغبيري، لمناسبة الذكرى السنوية للشهداء القادة (الشيخ راغب حرب، السيد عباس الموسوي، الحاج عماد مغنية)، وتكريماً وتخليداً لدمائهم وإحياءً لذكراهم، بحضور عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب علي عمار، نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب الوزير السابق محمود قماطي، مسؤول منطقة بيروت في "حزب الله" حسين فضل الله، إلى جانب عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات البلدية والثقافية والاجتماعية، وعوائل الشهداء، وجمع من الأهالي.

افتتحت المراسم بتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم والنشيدالوطني ونشيد حزب الله، ثم تحدث النائب عمار فقال: "إنه لا شك ولا ريب أن هذه الذكرى تمر في هذه الأيام وسط تحوّلات كبيرة، إن كان على المستوى الدولي أم على المستوى الإقليمي أم على المستوى المحلي، فعلى المستوى الدولي، نحن نرى ويرى العالم فرعوناً جديداً قد أبرز أنيابه السامة على مستوى الساحة الدولية والإقليمية وصولاً إلى المحلية، ألا وهو ذاك الشيطان  ترامب، حيث إنه بغروره وعنجهيته واستكباره، يحاول أن يبلغ بذاته مبلغاً، نستطيع أن نقول بأن الشيطان لم يستطع الوصول إليه".

ولفت الى أن "هذا الفرعون الجديد ما استفاد من فراعنة الماضي ممن سبقوه، إن كان في غور التاريخ أو على مستوى الفراعنة المعاصرين الجدد، الذين كان مصيرهم ومآلهم إلى ما رأينا ونرى من الهلاك والفناء، وعليه، فإننا نقول لهذا الفرعون وحلفائه على مستوى المنطقة وللأسف الجديد بعض حلفائه الصغار على مستوى الساحة الداخلية، بأن هذه المقاومة وجدت لتبقى".

وقال عمّار: "انتخبنا فخامة الرئيس جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وبالتالي سهّلنا أمر تشكيل حكومة جديدة، من أجل أن تنتظم المؤسسات الدستورية في سياقها الدستوري والتنظيمي بشكل طبيعي، ولكي تكون أدوات الحكم والسلطة مجتمعة في خدمة الناس، ولكن للأسف الشديد، فما حصل في اليومين الماضيين في مواجهة المتظاهرين السلميين الذين خرجوا من أجل كرامة ومكانة وحرمة لبنانيين يُمنعون من العودة إلى وطنهم بقرار أميركي إسرائيلي المنشأ والمصدر، وترضخ هذه السلطة لمثل هذا القرار، يُظهر أن البداية ليست سلمية وليست مشجعة على الإطلاق".

وختم النائب عمّار مؤكداً أن "هذا الوطن لن يكون موطئا لقدم أميركية إسرائيلية سياسية تقبض عليه من جديد، لا سيما وأنه تحرر بدماء الشهداء، ولذلك لن نسمح أن يُدنّس من هؤلاء المستكبرين الجدد".
 

بعدها، وضع المشاركون إكليلاً من الزهر أمام ضريح الشهيد القائد عماد مغنية، ثم أدت ثلة من المجاهدين القسم والعهد بحفظ دماء الشهداء، وإكمال مسيرة الجهاد والمقاومة.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: أي مبادرات تتعلق بالبلاد يجب أن تتم بالتشاور مع الحكومة وموافقتها وإلا لن يكون لها أثر
  • عمار: لن يكون هذا الوطن موطئ قدم أميركية إسرائيلية
  • عرض ترفيهي يتحول إلى كابوس.. دب سيرك يهاجم مدربه أمام ذهول الحضور
  • لبنان لن يكون “إسرائيليًا”…
  • الشعب الجمهوري ينظم يوما رياضيا لذوي الهمم
  • الشعب الجمهوري: نعكف على تقديم كل الدعم لفئة ذوي الهمم
  • مواعيد الدراسة في شهر رمضان 2025
  • تامر حسني يشعل عيد الحب بحفل ضخم وتكريم مميز!
  • «لعنة السوشيال ميديا»| فيديو اختطاف على الفيسبوك يثير الجدل.. والتحريات: خطة أب لإنقاذ نجله من الإدمان
  • أميرة سليم تبهر جمهورها في حفل عيد الحب على خشبة الأوبرا