الشرق الأوسط صراع الأفكار والإيديولوجيات
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام ١٩٩١ تفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة الدولية من خلال النظام الدولي الذي يقوم على القطبية الأحادية كما تحدثنا في مقال سابق، وظهر مصطلح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليشير إلى المنطقة العربية والكيان الإسرائيلي ومن خلال المشروع الصهيوني العالمي بالاستحواذ على الشرق عموما، حيث الثروات الطبيعية ووجود الأزمات الإقليمية والحروب والصراعات.
ومن هنا فإن تلك الحروب والصراعات خلال الحرب الباردة كانت بين مشاريع إستراتيجية أيديولوجية نتج عنها سقوط الاتحاد السوفييتي السابق لأسباب اقتصادية بشكل خاص. على صعيد الشرق الأوسط تتصدر إسرائيل تلك المشاريع الإستراتيجية والتي لا تقوم على أيديولوجيا محددة ولكنها تركز على النفوذ والاستحواذ الاقتصادي والتقني لمنطقة عربية تعدها الصهيونية العالمية تعج بالثروات ولكن بالفساد والانقلابات العسكرية وعدم وجود رؤية عربية موحدة وأيضا وجود خلافات حدودية، ومن هنا كان التخطيط أولا لقيام الكيان الصهيوني في وسط الجغرافيا العربية، وحدث هذا عام ١٩٤٨ وطرد الشعب الفلسطيني. وبعد ذلك بدأت المرحلة الثانية وهي إيجاد التناقضات العربية وتكرار الهزيمة الإستراتيجية العربية خلال الحروب المتعددة مع الكيان الإسرائيلي خاصة حرب الخامس من يونيو ١٩٦٧ وهي أقسى هزيمة عربية حيث احتلت إسرائيل أجزاء واسعة من الأراضي العربية أهمها الضفة الغربية والقدس الشريف وأيضا سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية ومناطق لبنانية في الجنوب وهي مزارع شبعا وغيرها من البلدات اللبنانية.الصراع الإستراتيجي الحالي تحول بين القوى الإقليمية المدعومة من الصهيونية العالمية ومن الغرب عموما وهو القضاء على الحركات ذات التوجه الإسلامي والاتجاه نحو المسار الليبرالي ويمكن القول بأن الصراعات والحروب الحالية في فلسطين المحتلة خاصة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والحرب المتواصلة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل خاصة خلال مواجهتي عام ٢٠٠٠ و٢٠٠٦ وأيضا ساحات المقاومة الجديدة التي ظهرت مؤخرا في اليمن والعراق تدخل في إطار المشروع الإستراتيجي الذي يهدف إلى إنهاء الوجود في السلطة من خلال الفكر الإسلامي بصرف النظر عن شرعيته كما هي الحالة المصرية ووصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة من خلال الانتخابات عام ٢٠١٢ . كما أن الصراع في ليبيا والسودان والصومال وفي القرن الأفريقي هي صراعات وحروب تدخل في إطار المشروع الإستراتيجي الأكبر للوصول إلى الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على الازدهار الاقتصادي الليبرالي ودمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية وإنهاء الكراهية التاريخية بين العرب واليهود وإيجاد مشاريع اقتصادية وهندسة المنطقة بطريقة التسامح الديني وتبادل المنافع والمصالح، بحيث تكون إسرائيل المتقدمة تكنولوجيا وهي التي تقود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بطريقة التحرر الفكري والهيمنة والتوسع الجغرافي والسيطرة على مفاصل الاقتصاد العربي بشكل كامل، وهناك إستراتيجية للسيطرة والهيمنة من الفرات إلى النيل ولكن هذه الأخيرة لا يمكن تنفيذها الآن وسط الصراع المحتدم بين مشروعين متناقضين لا يمكن الجزم بمصير أحدهما.
الصراع في غزة يمثل قمة هرم الصراع بين المشروع الإستراتيجي الغربي الصهيوني الإقليمي وبين مشروع المقاومة. ويبدو أن هذا الصراع الممتد على أرض جغرافية واسعة لن ينتهي حتى لو تم الحسم في قطاع غزه لصالح المشروع الصهيوني الإقليمي الغربي، والسبب يعود إلى وجود قوى إقليمية فاعلة لن تسمح بالانكسار التام لساحات المقاومة. ونحن نتحدث هنا عن إيران وهي دولة مهمة وحيوية وتدرك بأن نجاح المشروع الإستراتيجي الغربي الصهيوني الإقليمي يعني نهاية نفوذ إيران بل والتخطيط لإنهاء سيطرة الثورة الإسلامية التي أطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي حليف الغرب والولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٧٩. وعلى ضوء التناقض الفكري الصارخ بين المشروع الصهيوني الغربي الإقليمي والمشروع الفكري الإسلامي تبرز هناك قوى دولية لها مصلحة في سقوط المشروع الغربي، وهي عملاق آسيا والعالم الصين والتي لها مشروعها الحضاري وهو الحزام والطريق وهو استعادة لمشروع طريق الحرير، وهنا تبرز تناقضات المشروع الحضاري الصيني والمشروع التوسعي الغربي الصهيوني من خلال ما أقرته قمة العشرين الأخيرة في الهند من إيجاد مشروع تجاري ملاحي يربط آسيا وأفريقيا وأوروبا مع شق قناة بن جوريون وهذا المشروع هو محاولة جادة لإسقاط المشروع الصيني. إذن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هما ساحة الصراع الإستراتيجية من خلال الحروب والصراعات الحالية وخلق المزيد من الحروب ولعل الانتخابات الأمريكية القادمة سوف تفرز التوجه الإستراتيجي نحو مسألة المشروع الصهيوني الغربي الإقليمي الذي يستهدف الصين وروسيا من خلال تحالف شرق أوسطي وسيطرة صهيونية على مقدرات المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية من خلال مشاريع اقتصادية على غرار مشروع مارشال لتعمير أوروبا بعد التدمير خلال الحرب العالمية الثانية. ولعل ما يدور في الغرف المغلقة في عواصم صنع القرار هو أهم بكثير عما يكشف عنه الإعلام الغربي ومراكز البحوث المتخصصة في دراسات المستقبل خاصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أن إيجاد خلافات عربية عربية واستخدام الذباب الإلكتروني هو جزء من إستراتيجية خلق مناخ من عدم الثقة بين الأنظمة السياسية العربية وهذا الشعور موجود داخل الأوساط وإن كان بشكل غير معلن.
وعلى ضوء ضعف المؤسسات العربية وعلى رأسها الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي فإن المشروع الإستراتيجي للشرق الأوسط يجعل عددا من الدول العربية غير مهتمة بالجامعة العربية، ولعل موقف المنظمات العربية والإسلامية من المجازر والإبادة الجماعية والتي ارتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة وعموم فلسطين يعطي مؤشرا واضحا على أن المخطط الإستراتيجي يتجه في مساره ولكن بصعوبة كبيرة ولعل نتائج حرب غزة سوف تكون الفيصل على صعيد استمرار المشروع الصهيوني الغربي الإقليمي الذي لا شك يواجه مقاومة فكرية وهي الأهم حيث إن القضاء على الأفكار أو الفكرة هي عملية مستحيلة كما أن الشعوب العربية لا تزال تُكِنُّ العداء العميق ضد الصهيونية العالمية التي تستهدف قيمها الإسلامية وهويتها الوطنية وانسلاخها عن قيم مجتمعاتها الأصيلة.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المشروع الإستراتیجی الشرق الأوسط وشمال المشروع الصهیونی من خلال
إقرأ أيضاً:
قيومجيان من بودابست: ساعدونا في حماية وجود المسيحيين في الشرق الأوسط
أكد رئيس جهاز العلاقات الخارجية في "القوات اللبنانية" الوزير السابق ريشار قيومجيان أن "لبنان هو آخر معقل للإيمان والحرية والوجود الكريم للمسيحيين في شرق البحر الأبيض المتوسط والمشرق والشرق الأوسط، ومن الملحّ المساعدة في إنقاذه وحمايته والحفاظ عليه والدفاع عنه".كلامه جاء خلال تمثيله حزب "القوات اللبنانية" ورئيسه سمير جعجع في مؤتمر في العاصمة الهنغارية بودابست تحت عنوان "مستقبل لبنان- رؤى مسيحية"، على رأس وفد ضم رئيس جهاز التنمية في الحزب جان خشان، وذلك بدعوة من وزارة الخارجية الهنغارية.
يهدف المؤتمر الى تأسيس صندوق مدعوم من الجاليات اللبنانية المنتشرة في العالم من اجل تمويل مشاريع من شأنها مساعدة المسيحيين في لبنان على الصمود في أرضهم.
وكان قيومجيان استهلّ كلمته في المؤتمر بشكر حكومة هنغاريا ممثلةً بسكرتير الدولة لشؤون مساعدة المسيحيين المضطهدين الوزير تريستان أزبيج ووزير الخارجية والتجارة بيتر سيارتو على حسن الاستضافة وتنظيم المؤتمر، وقال: "جئت هنا ممثلاً الدكتور سمير جعجع، رئيس حزبنا، حزب القوات اللبنانية الذي يمثل أكبر قاعدة مسيحية ولديه أكبر تمثيل نيابي في البرلمان أيضاً. نحن هنا برسالة بسيطة لكنها قوية: لبنان هو آخر معقل للإيمان، والحرية، والوجود الكريم للمسيحيين في شرق البحر الأبيض المتوسط، والمشرق، والشرق الأوسط. ساعدونا في إنقاذه، وحمايته، والحفاظ عليه، والدفاع عنه".
أضاف: "المسيحيون في لبنان، أبناء تاريخ طويل من النضال والمقاومة، حيث شهد الاجداد كل أنواع الصراعات، الحروب، الاضطهادات، الترهيب، الظلم، المجازر والإبادات الجماعية. ومع ذلك، ورثوا حياة مليئة بالكرامة، وإيماناً مزيناً بالتقاليد والقيم، وبلداً جميلاً لقب بسويسرا أو باريس الشرق الأوسط، بالرغم من أنه لم يشهد فترات ثابتة من الـسلام والأمن والاستقرار".
تابع: "إلى أي طائفة انتمينا: الكاثوليك، الأرثوذكس، الموارنة، الأرمن، الأقباط، اللاتين، الملكيين، السريان، الآشوريين، الكلدان، البروتستانت، كلنا ننتمي إلى وحدة في الإيمان والمصير. نحن أبناء تلك الكنيسة نفسها، الكنيسة المناضلة والمقاومة، l'église combattante كما نقول باللغة الفرنسية وكما هو وارد في كتب تعليمنا المسيحي القديمة. لذا فلنتحد معاً حول نفس الأهداف والغايات، وهي الحفاظ على لبنان دولة يعيش فيها المسيحيون بكرامة ويزدهروا في تناغم، عدالة ومساواة مع المجموعات الدينية الأخرى تحت سقف دستور واحد وسلطة القانون في دولة ديمقراطية غير فاسدة وذات سيادة".
وأكد أنه "بالنسبة للقوات اللبنانية لا يمكن بناء مستقبل لبنان دون رؤية مسيحية، سواء كانت سياسية، اجتماعية أو مالية. باختصار، يجب أن يركز هذا المؤتمر ويساعد في خمس ركائز أساسية:
1. استعادة السيادة الكاملة للبنان وتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة 1559، 1701 و1680 بالإضافة إلى حتمية وضرورة عودة كافة النازحين السوريين إلى بلادهم.
2. تطبيق اللامركزية، كما هو منصوص عليها بوضوح في اتفاق الطائف.
3. تشجيع الشباب والشابات المسيحيين الخريجين حديثاً على الانضمام إلى القطاع العام.
4. إشراك أصدقائنا في الغرب، سواء الحكومات أو الأفراد أو أبناء الانتشار اللبناني للاستثمار ودعم مشاريع التنمية الريفية أو الحضرية. زميلي جان خشان، رئيس CDDG، وهي منظمة غير حكومية تركز على التنمية وإعادة التأهيل، سيشارككم بعض الخطط والدراسات في الجلسات التالية.
5. رفض بيع أراضي المسيحيين كما التنازل عن الأراضي المتنازع عليها وبخاصة في المناطق الحدودية والأطراف".
وختم قيومجيان: "نحن نقدّر بشكل كبير جهود هنغاريا والتزاماتها تجاه المجتمعات المسيحية في لبنان والشرق الأوسط، ونشكر الأمة الهنغارية، وهي واحدة من آخر معاقل المسيحية في أوروبا، ونعيد التأكيد على إيماننا المسيحي المشترك، وقيمنا، ومبادئنا. شكراً لكم على تنظيم هذا المؤتمر الاساسي والمهم في هذه اللحظة المفصلية من تاريخنا. نتطلع إلى رؤيته ناجحاً ومنتجاً".