الملاحة العمانية ... فنون وتقنيات تقليدية أرشدت البحارة عبر القرون
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
مسقط ـ "العُمانية": تخيّل نفسَك على متن سفينة خشبية تقاطع الأمواج الشاسعة، لا دليل لك سوى سماء الليل المرصعة بالنجوم وبوصلة بدائية. هذا هو الواقع الذي عاشه البحارة العمانيون لقرون عديدة، حيث تحوّلت الملاحة البحرية لديهم إلى فن راقٍ، يعتمد على المعرفة الفلكية العميقة والحسابات الدقيقة.
أوجد الربابنة العُمانيون، رغم تقليدية الأجهزة المستعملة في العلوم البحرية، العديد من الحلول لقياس الوقت والمسافات البحرية.
اعتمد الملّاحون الأوائل، مثل: أحمد بن ماجد السعدي، وسليمان المهري على القياس النجمي، بينما اعتمد الربابنة المتأخرون في القرن التاسع عشر الميلادي على القياس الشمسي. كان القياس عند ابن ماجد والمهري في القرن السادس عشر الميلادي يتم عبر احتساب ارتفاع النجم في السماء عن خط الأفق باستخدام وحدة القياس تسمى "البنان" أي: الإصبع. وكان الربانُ يقوم بعدِّ الأصابع على حافة السفينة لمعرفة موقعهم على سطح المحيط، معتمدًا على نجم "الجاه" لتحديد المواقع والموانئ. ويكون القياس بوضع الأصبع بطولها على حافة السفينة بدلا من رفعها إلى أعلى، ثم يقوم الربان بحساب عدد الأصابع التي يرتفع بها النجم المستهدف عن سطح السفينة كلَّ ٢٤ ساعة، وبهذه الطريقة يعرفون موقعهم على سطح المحيط.
ويعدّ نجم "الجاه" من النجوم البارزة المضيئة التي ترشد إلى جهة الشمال دائما، لذلك؛ يعتمد عليه الربابنة في تحديد المواقع والموانئ، فإذا دوّن أحدهم في سجله أن ميناء مسقط، على سبيل المثال، يقع على (جاه ٥) فهذا يعني أنَّ هذا النجم يرتفع بمقدار خمس أصابع على ميناء مسقط، وعندما يقيس الربان هذا النجم بهذا الارتفاع فيعرف أنه بلغ مرفأ مسقط أو أصبح قريبًا منه.
ولتحديد الاتجاهات؛ اعتمد الربابنة القدامى على نظام دقيق يقوم على قياسات لنجوم الدوائر الفلكية لتحديد الاتجاهات الفرعية، مكونة من 14 نجمًا في المشارق و14 نجمًا في المغارب، ليصبح المجموع 28 اتجاهًا، بالإضافة إلى الاتجاهات الأساسية الأربعة، ليكون مجموعها 32 اتجاهًا. وكانوا يقيسون مسافات الطول عبر المسافة الزمنية، أي عدد الزامات، ويقصد بـ"الزام": المسافة التي تقطعها السفينة خلال ثلاث ساعات.
وتطور القياس البحري عند الربابنة العمانيين بسرعة، حيث تم الاعتماد على البوصلة البحرية أو ما يعرف بـ"الديرة" أو "الحقة" لتحديد الاتجاهات، التي كانت مقسّمة إلى 32 جزءًا، ويسمى الجزء منها بـ"الخن". وتضمنت هذه الأخنان أسماء النجوم من نجم الجاه إلى سهيل. كما استخدموا الإسطرلاب لقياس ارتفاع الشمس والنجوم ومعرفة الأبعاد والمرتفعات الأرضية، وكان الإسطرلاب يحتوي على أقراص دائرية تسمى "الصفائح" مقسمةً إلى 360 درجة، ومحفورًا عليها أطوال وعروض بعض المدن والأماكن المهمة.
كما استخدم الربابنة العمانيون بالإضافة إلى البوصلة البحرية العديد من الأدوات والأجهزة التقليدية لمعرفة مواقعهم في عرض البحار والمحيطات، والتعرف على أحوال الطقس والمناخ، ومن هذه الأدوات: الباطلي، والكمال، كما اعتمد الربابنة العمانيون وربابنة الخليج العربي بصورة عامة على حساب السنة الشمسية أو سنة النيروز المعرفة الأنواء والمواسم المناخية، ومواسم السفر في البحر والغوص، واعتمدوا في الوقت ذاته على السنة القمرية في حساب التقويم اليومي وحساب الشهور العربية خصوصا شهر رمضان والأعياد والمناسبات الدينية، رغم أن السنة القمرية ليست دقيقة مثل السنة الشمسية لحساب التقويم، فالسنة القمرية مدتها ٢٥٤يومًا، بينما تكون السنة الشمسية ٣٦٥ يومًا.
ويقوم حساب النيروز (الدر) على تقسيم أيام السنة عشريًّا إلى ٣٦ قسمًا والقسم الواحد يتكون من عشرة أيام ويعرف بالدر، ويعرف كل در بالمجموعة العشرية التي ينتمي إليها، فيقال العشر والعشرين والثلاثين وهكذا إلى المائة الثانية، وعلى أساس الدرور قسم العمانيون سنتهم إلى أربعة فصول وفق الآتي: الصفري (الربعية)، والشتاء، والصيف، والقيظ، ومقابلها الفصول الأربعة العالمية، وهي: الخريف، والشتاء، والربيع، والصيف، ويبدأ حساب النيروز عند أهل صور مثلا في الثامن من سبتمبر من كل عام، وهو أول يوم في شهر توت القبطي، بينما يبدأ حساب الدرور في ولاية البريمي وبعض الولايات العُمانية الأخرى قبل ذلك، وتحديدًا في منتصف شهر أغسطس من كل عام، وكان يعتمد على هذا التقويم في معرفة الأوقات المناسبة للزراعة وجني الثمار ومعرفة المتغيرات المناخية من رياح وأمطار وأعاصير. ويتقارب حساب الدرور الذي يعتمد عليه أهل الساحل في الخليج العربي مع حساب السهيل الذي يعتمد عليه أهل البادية، غير أن حساب السهيل يبدأ بظهور نجم سهيل، بينما يكون الاختلاف بين الأنواء (النجوم) والدرور اختلافًا في الشكل فقط، أما المضمون فهو نفسه تقريبا، فقد استعمل أهل البحر الأرقام بدلا من الأسماء، ولهذا فقد قسموا السنة إلى ٣٦ جزءًا، وأطلقوا على كل جزء اسم در والدر عند أهل البحر في منطقة الخليج هو الرقم عشرة، بينما استعمل أهل البادية والمدن أسماء النجوم، وأطلقوا عليها مدة محددة تعرف بالنوء، والنوء يعني باللغة العربية طلوع النجم أو بروزه في السماء.
تتوزع الدرور على مدار السنة الشمسية، أي ٣٦٥ يوما كاملة، ويتم حساب كل در بعشرة أيام يتبعه الدخول بالدر الذي يليه. والدرور، هي: العشر، والعشرون، والثلاثون، والأربعون، والخمسون، والستون، والسبعون، والثمانون، والتسعون، والمائة. وكلُّ در من هذه الدرور يستمر إلى عشرة أيام، أي: إذا كان الحاسب في العشرين تكون الحسبة بالأيام وفق الآتي: أول العشرين، ثاني العشرين، ثالث العشرين... إلى أن يصل إلى عاشر العشرين، ثم ينتقل إلى الدر الذي يليه مبتدئًا بأول الثلاثين، ثم ثاني الثلاثين، وهكذا.
وإلى جانب حساب الدرور هناك تقاويم أخرى في بعض المناطق، منها: التقويم الشبامي الذي يؤرخ بحسبة ربابنة محافظة ظفار، وهو يعتمد على المنازل القمرية الغاربة وليست الطالعة، وبين الطالعة والغاربة ستة أشهر في الحساب، ويعد تقويم الشبامي من التقاويم التي تعتمد على السنة الشمسية أيضًا، أي على حساب ٣٦٥ يوما في السنة، وعليه؛ قسمت السنة إلى أربعة فصول، وهي: الشتاء، والقيظ (الصيف)، والخريف، والصرب (الربيع)، كما قسم الفصل إلى سبعة نجوم، وفي كل نجم ١٣ يومًا. ووفقا لهذا التقسيم والرصد تعامل أهل ظفار مع المناخ العام وانتظمت حركتهم في الزراعة والرعي وجني المحاصيل والأسفار.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ترامب يعتمد على عالم التلفزيون والنجوم في تشكيل إدارته
يعتمد دونالد ترامب، وهو رجل أعمال نجح بفضل الإعلام قبل السياسة، بشكل كبير على عالم التلفزيون والترفيه لتشكيل إدارته خصوصا من شبكة فوكس نيوز، القناة المؤثرة التي تلقى شعبية لدى المحافظين الأمريكيين.
عمد ترامب، كما فعل خلال ولايته الأولى، للاستعانة بشخصيات معروفة بخبرتها الإعلامية أكثر من السياسة في تشكيل فريقه: بيت هيغسيث، مقدم برنامج صباحي يحظى بنسبة مشاهدة عالية في نهاية الأسبوع على فوكس نيوز لتولي قيادة البنتاغون، نجم برامج تلفزيونية « الدكتور أوز » لإدارة التأمين الصحي وليندا مكماهون المؤسسة المشاركة للاتحاد العالمي للمصارعة الترفيهية لحقيبة التعليم ونجم سابقة لتلفزيون الواقع على قناة « إم تي في »، انتخب لاحقا عضوا في مجلس النواب ثم غادر إلى قناة فوكس بيزنس شون دافي لتولي حقيبة النقل. ولا يزال يتعين على مجلس الشيوخ الموافقة على هذه الخيارات.
وقال ريس بيك الأستاذ في جامعة نيويورك ومؤلف كتاب « شعبوية فوكس »، إن ترامب « صنيعة الإعلام وهو موجود في الصحف الشعبية منذ الثمانينات. وكان أحد مساراته إلى الشهرة برنامجه لتلفزيون الواقع +The Apprentice+، فقد تمكن من تقديم نفسه على التلفزيون كرجل أعمال ناجح ».
وأضاف لوكالة فرانس برس « الدرس الذي يستخلصه هو أن قوة الإعلام هي قوة سياسية (…) يمكننا أن نسخر من ذلك، لكنني أعتقد أنه بشكل عام، أظهر أن هذه النظرية كانت فعالة ».
وندد المرصد الإعلامي MediaMatters، المصنف على اليسار، بعودة التقارب بين قناة فوكس نيوز، الإمبراطورية الإعلامية التي أسسها قطب الأعمال المحافظ روبرت مردوخ، والبيت الأبيض. وبالإضافة إلى بيت هيغسيث وشون دافي، يتولى توم هومان، من بين آخرين، مسؤولية تنفيذ سياسته الخاصة بالطرد الجماعي للمهاجرين بعدما كان مديرا لمراقبة الحدود ومتعاونا مع القناة، حيث يدافع عن مواقف دونالد ترامب بشأن الهجرة.
وقال ماثيو غيرتز أحد الكتاب في MediaMatters إن « هذا يثبت أن فوكس نيوز لديها الكثير من النفوذ. الشبكة عملت خلال إدارته الأولى (2017-2021) كما لو كانت تلفزيونا رسميا يمتدحه باستمرار ويهاجم أعداءه ». ورفضت فوكس نيوز في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس التعليق.
وتتعلق أيضا ممارسة التواصل المقرب بين وسائل إعلام والبيت الأبيض بالإدارات الديمقراطية ومحطات وسطية أكثر مثل « سي ان ان » أو تلك التي اعتمدت موقفا منتقدا جدا لترامب مثل « ام اس ان بي سي ».
لكن الطريقة التي يتعامل بها دونالد ترامب منذ سنوات مع شبكة فوكس نيوز والتي يشارك فيها بعض كتاب الأعمدة المواقف المحافظة والمناهضة لمؤسسات النظام كانت فريدة من نوعها.
سواء امتدحها أو انتقدها، بشكل حاد أحيانا، فإن الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، البالغ 78 عاما، هو مشاهد لا يمل من برامجها ويستشهد بها كثيرا عبر تغريدات أو منشورات على شبكته « تروث سوشال ».
حين كان في البيت الأبيض، ظهر أحيانا في البرنامج الرئيسي « Fox and Friends ». وعندما أصدر عفوا عن جنود متهمين بارتكاب جرائم حرب، نسب الفضل على حسابه في تويتر إلى بيت هيغسيث الذي قام بحملة لصالحهم على القناة.
تمت مقارنة شخصية رئيسية أخرى في فوكس نيوز، شون هانيتي، بـ »رئيس حكومة الظل » في البيت الأبيض حيث كان لديه إمكان الوصول المباشر إلى الرئيس.
خلال الانتخابات الرئاسية عام 2020، أثارت قناة روبرت مردوخ غضب معسكر ترامب عندما نسبت، عن وجه حق وأمام كل منافسيها، الفوز إلى جو بايدن في ولاية أريزونا الحاسمة.
في الأسابيع التي تلت ذلك، رددت قناة فوكس نيوز نظريات المؤامرة حول الاحتيال لصالح الديمقراطي، ما دفعها إلى دفع مبلغ هائل يبلغ 787,5 مليون دولار لوقف ملاحقات بتهم تشهير من الشركة المصنعة لآلات التصويت دومينيون التي كانت محور اتهامات باطلة.
اتهمت قناة فوكس نيوز بإثارة مخاوف الأمريكيين من خلال تسليط الضوء على المشكلات المرتبطة بانعدام الأمن أو الهجرة، وهو ما تنفيه، وقد شهدت ارتفاع عدد جمهورها بفضل الانتخابات الرئاسية، ووسعت الفجوة مع منافسيها « سي إن إن » و »ام إس إن بي سي ».
وشهدت الحملة تزايد دور المؤثرين والبودكاست على حساب قنوات الكابل الكبرى التي بدأت تفقد زخمها، لكن بحسب ريس بيك فان « فوكس نيوز لا تزال تحتل موقعا محوريا في المشهد الإعلامي المحافظ » وتفرض مواضيعها عليه.
كلمات دلالية المتحدة المغرب الولايات تلفزيون