الأربعينيات تجذب الجمهور لـ«عمر أفندى»
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
أحمد حاتم: فانتازيا بين الماضى والحاضرآية سماحة: زينات فتاة الزمن الجميل
خلق مسلسل «عمر أفندى» حالة من التشويق والإثارة للجمهور بعد عرض الحلقة الحادى عشر من أحداث المسلسل الذى نجح فى الانتشار وكسب ثقة المشاهدين لمتابعة الحلقات يوميًا وسط ترقب لمجرى الأحداث التى تنقل بطل العمل أحمد حاتم إلى حقبة زمنية فى أربعينيات القرن الماضى.
تدور أحداث مسلسل «عمر أفندى» فى إطار تشويقى كوميدى بانتقال أحمد حاتم إلى زمن الأربعينيات من خلال سرداب فى منزل والده، يكتشفه بعد وفاته، وتعرف على آية سماحة التى تقو بدور «زينات» ووالدتها رانيا يوسف، ويعجب بتفاصيل الحياة فى ذاك الزمن الذى يسحبه من حياته المقيدة والضغوط العملية والزوجية، ما يرغب فى الاستمرار بالحياة والأحداث الخيالية التى تجذبه فى الاندماج معها.
وخلال الأحداث، يعود أحمد حاتم مجددا إلى عالمه، ويتحدث إلى زوجته «ميران عبدالوارث»، عن الزمن القديم الذى انتقل له، ولكن لا يصدقه أحد، ليقوم مرة أخرى بالانتقال إلى الأربعينيات ليعيش مغامرات جديدة ومختلفة هناك؛ ليجد الملاذ الآمن والحياة التى لا يجدها فى حياته الطبيعية.
وأعرب الفنان أحمد حاتم، عن سعادته لردود فعل الجمهور والمشاهدين حول مسلسل عمر أفندى، لافتًا إلى أنه لا يتوقع التفاعل الكبير من الجمهور العظيم الذى ارتبط بحياة وأحداث المسلسل، متمنيًا أن ينال ختام المسلسل على إعجاب الجمهور.
وأضاف حاتم أن العديد من المواطنين يتمنون العودة لزمن الأربعينيات وما له من تفاصيل حياتية مختلفة عاشها أجدادنا سواء فى التعامل والألفاظ والعملات والملابس والثقافة ذاتها اختلفت عن هذه الحقبة الزمنية.
وأشار إلى أن العمل هو توليفة نجاح لانه ملىء بعوامل الجذب بداية من القصة مرورا بالإنتاج والإخراج وصناع العمل، فهو يعتمد على فانتازيا تعتمد على كوميدية الموقف بين الماضى والحاضر».
وأعربت الفنانة آية سماحة، عن سعادتها الكبيرة حول ردود الفعل الضخمة التى لاقت مسلسل «عمر أفندى» بعد عرض الحلقة الحادى عشر من أصل 15 حلقة إجمالى عدد حلقات المسلسل، لافتة إلى أن كواليس تصوير المسلسل مشجعة لكل صناع العمل الذين قدموا أداء ومجهود كبير حتى وصل للجمهور بهذه الصورة النهائية. وعلقت آية سماحة، على نجاح وردود فعل الجمهور قائلة: «ردود فعل الجمهور مبهجة».
وفى دور أم زينات، أبدعت الفنانة رانيا يوسف فى أداء تجسيد دور صاحبة «بنسيون دلال» الذى يمكث فيه النجم أحمد حاتم ويعرف لاحقًا بأنها كانت متزوجة من والده قبل وفاته، وقت ما كان يدخل فى السرداب وينتقل إلى زمن الأربعينيات، والتى عبرت عن سعادتها الكبيرة حول ردود فعل الجمهور على المسلسل، متمنية أن تنال باقى حلقات المسلسل إعجاب الجمهور.
وأضافت، أنها استعادة فترة الأربعينيات وبحثت كثيرًا عن طريقة الملابس وأسلوب الحوار ومفردات العصر فى ذاك الزمن، وقالت إن العمل توليفة راقية تعيد الجمهور لفترة زمنية محبوبة وثرية فنيًا وأبهرنا فى العمل تقنية أسلوب الاستعراضات التى مازلنا نقدمها والعمل يوضح الحياة الفنية المهمة التى كان يعيشها الجمهور المصرى فى ذلك العصر والاهتمام بالتياتروهات التى اكتشفت العديد من النجوم، إضافة إلى اكتشاف الفرق المسرحية مثل فرقة جورج أبيض وغيرها التى صاغت الفن المصرى حتى وقتا هذا.
وقال الطفل جان رامز، الذى يظهر ضمن فريق عمل المسلسل بخفة ظله بدور طفل السارق الذى يخدع بطل المسلسل أحمد حاتم ويسرق منه محفظته ويجرى مسرعًا إلى «المعلمة» حتى يثبت للمعلم جدارته فى السرقة.
وأعرب رامز، عن سعادته بالوقوف والتمثيل أمام الفنان أحمد حاتم بطل مسلسل عمر أفندى: قائلًا: «اتعلمت منه أكون كوميديان، وإنى أكون متواضع، لأنه متواضع جدًا فى موقع التصوير». وعن المواقف الطريفة التى جمعت بينه وبين الفنان أحمد حاتم، قال ضاحكًا: «مرة كنت بصور ودرجة الحرارة كانت 41 وخلصت تصوير وكان الأستاذ أحمد حاتم بيصور قولت له.. بعد إذنك هروح أجلس فى التكييف بقى».
وعلقت الناقدة الفنية، ماجدة خيرالله، على أحداث مسلسل «عمر أفندى»، قائلة: «فى هدوء تسلل المسلسل عمر ليسرق اهتمام الجمهور ويخفف عنهم ثقل حرارة ورطوبة ما تبقى من شهر أغسطس، مسلسل يميل إلى الكوميديا ولكنه لا يعتمد على أى من الممثلين الكوميدنيات المطروحين، وهو يثبت أن جودة ومهارة السيناريست مصطفى حمدى فى رسم المواقف والشخصيات وموهبه المخرج عبدالرحمن أبوغزالة حول تلك المواقف والشخصيات من على الورق إلى واقع حى، وصناع العمل الظرفاء ننتظرهم كل يوم رغم غرابة حكايتهم، التى تدور فى زمنين فى الوقت ذاته، من خلال على (أحمد حاتم) الذى عاش حياته فى خلاف مع والده الفنان التشيكلى، ولكن بعد وفاته يحاول أن يتفهم اسباب ابتعاد والده عنه، فيقوده البحث إلى سرداب يعبر منه إلى زمن مختلف يعود إلى فترة الأربعينيات، ويبدأ فى التعرف على العالم الذى كان يعيش فيه والده».
وأضافت أن المسلسل يمنح المساحة الأكبر إلى سنوات الأربعينيات والشخصيات المؤثرة تلك التى تتواجد فى هذا الزمن، ومنهم زينات (آية سماحة)، الدياسطى (مصطفى أبوسريع) الذى يعيش وهم البطولة ويبحث عن دور فى الحياة، والظريف لمعى النجس (محمد عبدالعظيم) الذى يدير بيت سىء السمعة بمنتهى الصرامة، لافتة إلى أن تفاصيل الزمن الماضى بكل أحداثه وشخصياته أكثر طرافة وابداعا من شخصيات واحداث الزمن الحالى، واصفة أن المسلسل نموذج مثالى لكون الكوميديا التى تعتمد على براعة رسم المواقف أكثر رقيا من تلك التى تقوم على المبالغة فى الأداء والأفيهات اللفظية، يحقق احمد حاتم، وآية سماحة ومصطفى أبوسريع قفزة للأمام مع عمر أفندى.
جدير بالذكر أن مسلسل عمر أفندى بطولة أحمد حاتم، آية سماحة، رانيا يوسف، محمد رضوان، محمود حافظ، ميران عبدالوارث، ومن تأليف مصطفى حمدى، وإخراج عبدالرحمن أبوغزالة، وتدور الأحداث حول عمر أفندى (أحمد حاتم) الذى يعيش قصة حب مع فتاة، ولكن تأخذ الأحداث منحى دراميا شيقا مع عودة عمر بالزمن إلى فترة الأربعينيات، حيث يقع فى حب شخصية أخرى هناك.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مسلسل عمر أفندي فعل الجمهور أحمد حاتم مسلسل عمر آیة سماحة إلى أن
إقرأ أيضاً:
حروب الخراب.. كنوز لبنان الأثرية.. الغارات الإسرائيلية تدمر مواقع تاريخية مدرجة ضمن التراث العالمي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعلبك فى زمن المحن.. ودمار المواقع الأثرية شاهد على المأساة اللبنانية
مئوية لبنان الكبير.. احتفال بماضٍ عريق وسط محن اقتصادية وسياسية
عام ٢٠٢٠ احتفل لبنان بمئوية تأسيس البلاد، ففى الأول من سبتمبر عام ١٩٢٠، أعلن الجنرال جورو، ممثل سلطة الانتداب الفرنسى على سوريا، دولة لبنان الكبير، وهى كيان مستقل عن سوريا، بحدود تتطابق مع حدود لبنان الحالي.
والمفارقة القاسية هى أنه بعد أكثر من مرور مئة عام، تعيش دولة الأرز المستقلة منذ عام ١٩٤٣، أشبه بأمة فى محنة اقتصادية تعصف بها ومحنة سياسية تجعلها عاجزة عن اختيار رئيس.. ثم جاءت المحنة أو الكارثة الكبرى بالعدوان الإسرائيلى على لبنان الذى طال ضمن ما طال مواقع أثرية تشهد على عظمة لبنان بتاريخه الممتد قبل انتقاله الوحشى فى سبعينيات القرن الماضى من وضع "سويسرا الشرق الأوسط" إلى أزمات متوالية، مما ترك ندوبًا لا تزال عميقة، وازداد تأثيرها فى أعقاب العدوان الإسرائيلى الأخير.
بعلبك التاريخ
مهرجان بعلبك المرموق، حامل لواء لبنان المنفتح والمثقف، كان يتضمن عدة حفلات موسيقية وسط معابد المدينة ومنها معبد باخوس الرائع الذى كانت تقام فى حضرته معظم الحفلات. ومع الحرب التى دارت رحاها طوال الشهور الماضية، تبدو الحقائق صادمة فى بعلبك، أصابت الغارات الإسرائيلية المناطق المحيطة بالآثار الرومانية العريقة وألحقت أضرارًا بالكنائس. وكذلك الحال أيضًا فى مواقع أثرية أخرى فى صور وجليل. فى أحد المشاهد، غطى غبار الانفجارات معظم شوارع بعلبك، ووصل إلى أعمدة بستان الخان، الأوديون الذى يشير إلى مدخل موقع عمره ألفى عام.. المبنى الحجرى المسمى "المنشية" وأروقته المزينة بالأرابيسك، والذى بنى عام ١٩٢٨ على الطراز العثماني، لم يبق منه سوى كومة من الركام، هذا هو المكان الذى سقط فيه صاروخ إسرائيلي، على بعد ٥٠ مترًا من محيط الموقع، المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. كما أدى الانفجار إلى تدمير نوافذ وواجهة فندق بالمير، الذى افتتح عام ١٨٧٤، والذى يوفر إطلالة رائعة على معبدى باخوس وجوبيتر، جوهرتى المدينة. وتعرضت كنيستان، واحدة مارونية وأخرى أرثوذكسية، سيدة المعونة ومار جيريوس، المتجمعتين معًا أمام مدخل المعبد، لأضرار فى السقف والمشغولات الخشبية والزجاج. ووقف الجميع فى حالة ذهول وهم يرون التاريخ يتم تدميره أمام أعينهم، بينما انفجر محمد عواضة، نائب رئيس بلدية بعبلك المكلف بالسياحة والتراث غيظًا وعلا صوته: "إنه موقع تراث عالمي. إنها جريمة.. أين ضمير الإنسانية؟".. وأضاف: "أنا حزين جدًا على مدينتنا. لم يعد العدو يستهدف الناس فقط. الآن أصبح تاريخنا وتراثنا فى خطر. إن الـ١٥٠ ألف زائر الذين يتوافدون كل صيف لزيارة مواقع المدينة التى يعود تاريخها إلى ألف عام، أصبحوا الآن مجرد ذكرى بعيدة.. معابد المدينة، من بين آثار العمارة الرومانية الأكثر روعة فى ذروتها، تراقب مدينة فى حالة معاناة.. فى ٦ نوفمبر، أصابت إحدى الغارات المنطقة المجاورة مباشرة للأكروبوليس".
وهكذا، واجهت بعلبك فى سهل البقاع، المشهورة بمعابدها الرومانية والمدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وضعًا مأساويًا.. بفضل مبانيها الضخمة التى تم بناؤها على مدى أكثر من قرنين من الزمان، "تظل بعلبك واحدة من أبرز آثار العمارة الرومانية الإمبراطورية فى ذروتها"، حسبما تذكر اليونسكو على موقعها الإلكتروني، وتشيد بمعبد جوبيتر و"أعمدته التى يبلغ ارتفاعها ٢٠ مترًا"، ومعبدًا ثانيًا مخصصًا لباخوس، يتميز بـ"الزخارف الغنية والوفيرة".
مدينة مهجورة
طوال فترة العدوان الإسرائيلى المكثف ليلًا ونهارًا، كانت المدينة مهجورة. لأكثر من شهر، لم يستقبل الفندق الأسطورى بها أى سائح جاء لاستكشاف الآثار الرومانية فى بعلبك، التى سقطت بالقرب منها القنابل الإسرائيلية. لكن العامل ربيع سليقة رفض المغادرة ومن غرفة إلى أخرى، وتحت الأسقف العالية للمبنى الحجرى الأنيق الذى يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، ينفض الغبار عن الأثاث القديم، ويكنس الزجاج المكسور من النوافذ التى دمرها القصف إلى الفناء. ويتحسر قائلًا: "الفندق الذى استقبل شارل ديجول ولورانس العرب وفيروز وكثيرًا من مشاهير العالم، فارغ تمامًا، ولا يوجد فيه أحد. نحن لا نقدم حتى فنجانًا واحدًا من القهوة".. تعيش المدينة على السياحة بشكل رئيسي، بفضل موقعها الموروث من مدينة هليوبوليس القديمة، والمصنفة أيضًا كموقع للتراث العالمى لليونسكو، فهى تأوى أحد أكبر المعابد الرومانية التى بنيت على الإطلاق. ومن أفضل ما تم حفظه.
وعلى مدى عام، وعلى الرغم من تبادل إطلاق النار فى الجنوب بين حزب الله وإسرائيل، ظلت بعلبك بمنأى نسبيًا. لكن الغارات تكثفت فى الحرب الأخيرة.. وإنهار عدد الزوار، ليمثل ٥٪ فقط من الأرقام المسجلة فى العام السابق ٢٠٢٣. فى بداية أكتوبر، أحدثت ضربة بالقرب من الآثار الرومانية ضجة فى لبنان. وحذر والى المنطقة بشير خضر من التداعيات السلبية لهذه التفجيرات على الموقع.
يضم موقع بعلبك مدينة هليوبوليس الرومانية القديمة، بمعابدها الثلاثة الأثرية، التى تخطف الأنظار.. ولكن انفجارًا ناجمًا عن الغارات الإسرائيلية أدى إلى تدمير الجزء الداخلى من المكان، الذى يتردد عليه منذ عقود الفنانين والشخصيات السياسية الذين يتوافدون، فى يوليو من كل عام، لحضور مهرجان الموسيقى الذى يتم تنظيمه فى آثار بعلبك اليونانية الرومانية المهيبة، بينما يتحسر الشيوخ على الزمن الذى تألقت فيه بعلبك بحياتها الفكرية والثقافية بعد أن أدى القصف الإسرائيلى إلى تسوية معظم المبانى بالأرض فى المدينة.
مأساة عميقة
ومثل بعلبك، فإن المدن القديمة الأخرى المدرجة ضمن مواقع التراث العالمى لليونسكو، مثل جبيل وصور، طالتها الضربات الإسرائيلية. وفى صور، وهى مدينة فينيقية قديمة تحتفظ بآثار مهمة يعود تاريخها إلى العصر الرومانى ومبانى من العصور الوسطى من الحروب الصليبية، استهدفت التفجيرات مبانٍ على بعد حوالى ٢٠٠ متر من الآثار الرومانية. ودمر سور كامل لقلعة طورون، وهى قلعة بنيت فى القرن الثانى عشر فى عهد الصليبيين، فى تبنين قرب بنت جبيل فى جنوب لبنان.
وفى منتصف أكتوبر الماضى، استهدفت القوات الجوية الإسرائيلية سوقًا عمره ٤٠٠ عام فى مدينة النبطية، وهى واحدة من أقدم الأسواق فى البلاد والتى يعود تاريخها إلى العصرين العثمانى والمملوكي. يقول على مزراني، مؤلف العديد من الأعمال حول تراث المدينة، "لقد تم تدمير كل شيء. لم يبق شيء من السوق، كما فقدت مبانى ومساكن تراثية جميلة جدًا من القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين، مثل المنزل المسمى غالب شاهين أو تلك الموجودة فى حى السرايا، والتى قصفها الطيران عدة مرات".
فى حين تهيمن الخسائر الإنسانية للصراع على العناوين الرئيسية، فإن تدمير المواقع الثقافية فى لبنان يشكل مأساة صامتة ولكنها عميقة. عمل علماء الآثار والمسؤولون والمثقفون على حماية تراث البلاد، الذى يمتد إلى فترات فينيقية ورومانية وبيزنطية وعثمانية. وبينما كان الرصاص الإسرائيلى ينهمر على بلعلبك وغيرها من المدن التى تحوى آثارًا، حشد الجيش اللبنانى وحدات متخصصة لنقل القطع الأثرية من المناطق المعرضة للخطر وحمايتها من المزيد من الضرر. وأكد اللواء يوسف حيدر، الذى أشرف على هذه الجهود، على أهمية الحفاظ على تاريخ لبنان. وقال: "إنها ليست أضرارًا جانبية. هذا تراث. هذا تاريخ"، معبرًا عن مشاعر العديد من الذين يعتقدون أن تدمير هذه المواقع خسارة تتجاوز المادية.
اليونسكو تتدخل
وقبل أن تضع الحرب أوزارها، وفى محاولة لتخفيف الأضرار، عززت اليونسكو حمايتها للمواقع الثقافية فى لبنان. وقررت يوم ١٨ نوفمبر الماضى وضع أربعة وثلاثين موقعًا، بما فى ذلك مدينة صور القديمة ومعابد بعلبك، تحت "الحماية المعززة"، وهى حالة تعتبر الهجمات على هذه المواقع انتهاكات للقانون الدولي، وتحديدًا اتفاقية لاهاى لعام ١٩٥٤. ومع ذلك، لا تزال العديد من الكنوز الأقل شهرة غير محمية، وقد تضرر بعضها بالفعل أو دُمر فى الضربات الإسرائيلية، وفقًا لمسؤولين لبنانيين والأمم المتحدة، وما زال حجم الدمار يتكشف. لقد عانت الكنائس والمقابر والأسواق التاريخية، فضلًا عن القلاع التى تعود إلى العصر الصليبي، من أضرار فى القتال.
ولا يقتصر أثر الحرب على التراث الثقافى للبنان على بعلبك. فقد واجهت صور، إحدى أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكل مستمر فى العالم، قصفًا عنيفًا أيضًا. وقد صمدت أطلال المدينة المدرجة فى قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بما فى ذلك ميدان سباق الخيل فى صور، وهو ساحة قديمة لسباق العربات، فى وجه الغارات الجوية الأولية.
بينما يتصارع لبنان مع التحديات المزدوجة المتمثلة فى الأزمة الإنسانية وتدمير مواقعه الثقافية، تبدو تكلفة ترميم هذه الكنوز باهظة الثمن. ومع الموارد المحدودة والحكومة المنهكة بالفعل، هناك مخاوف من أن العديد من المواقع قد لا تتعافى أبدًا. وأشار خالد رفاعي، الذى يشرف على جهود الحكومة فى مجال الحفاظ على التراث، إلى الوضع المزرى قائلًا: "لم يكن لدينا أى مواد أو أموال أو مهندسين معماريين أو موظفين. والآن، نواجه نفس الأزمة على نطاق أوسع بكثير".
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الرغبة فى حماية تراث لبنان تظل قوية. وبالإضافة إلى حماية خمسة مواقع مصنفة بالفعل كمواقع للتراث العالمى - بعلبك وصور وجبيل ومعرض رشيد كرامى الدولى فى طرابلس، وكذلك عنجر - طلب لبنان تمديد هذه الحماية لتشمل الأماكن المدرجة فى قائمة المنظمة التابعة للأمم المتحدة، وهى قائمة إرشادية، مثل حصون الشقيف وتبنين وموقع دير كيفا وقصر بيت الدين أو متحف بيروت الوطني.
وبهذا القرار، تستفيد هذه المواقع الآن من أعلى مستوى من الحصانة ضد الهجمات والاستخدامات لأغراض عسكرية، بحسب البيان الصحفى للمنظمة. وحذرت اليونسكو من أن "عدم الامتثال لهذه البنود من شأنه أن يشكل انتهاكا خطيرا لاتفاقية لاهاى لعام ١٩٥٤ لحماية الممتلكات الثقافية فى حالة نشوب نزاع مسلح، ومن شأنه أن يفتح إمكانية الملاحقة القضائية" لكن "الأمر كله يتوقف على آليات تنفيذ هذا القرار فى ظل المناوشات الإسرائيلية التى تنتهك وقف إطلاق النار تحت ذرائع واهية" حسبما يرى شارل الحايك الباحث فى التاريخ والمقيم فى بيروت.
آلية التنفيذ
ويستند قرار اليونسكو بوضع ٣٤ موقعًا تحت الحماية المعززة إلى اتفاقية لاهاى لعام ١٩٥٤ لحماية التراث فى حالة النزاع، ولا سيما مع إنشاء "وحدات خاصة مسئولة عن حماية الممتلكات الثقافية داخل القوات المسلحة". إن استهداف المواقع المحمية من قبل اليونسكو قد يشكل جريمة حرب بحسب المحكمة الجنائية الدولية. ويعتمد معيار اختيار الأماكن المحمية على قيمتها العليا للإنسانية.
وأوضح سركيس الخوري، رئيس المديرية العامة للآثار اللبنانية، التابعة لوزارة الثقافة: نتلقى الكثير من المعلومات المثيرة للقلق من الميدان من حراس الموقع ووكلائنا فى الموقع. عندما تدمر قرية، تختفى أيضًا أشجار الزيتون التى يبلغ عمرها قرنًا من الزمان، وكروم الأجداد، والمعاصر القديمة، وهذا أيضًا جزء من التراث اللبناني.
وهكذا، فإن لبنان، مع آثاره القديمة، يتمتع بتراث غنى ومتنوع، عبر آلاف السنين، فقد تركت الإمبراطوريات الغازية المختلفة بصماتها على الهندسة المعمارية والثقافة فى البلاد. سكن الفينيقيون واليونانيون والرومان والعديد من السلالات العربية المختلفة شواطئ لبنان، تاركين تاريخًا أثريًا مذهلًا يتمثل فى المواقع الأثرية المثيرة للإعجاب فى بعلبك وجبيل وصور وعنجر.
لقد عاش لبنان ماضيًا معقدًا ومضطربًا، فضلًا عن عدة أشكال من الصراع. ولذلك، لم يتمكن هذا البلد الرائع من استغلال إمكاناته السياحية بشكل كامل.. وبعد أن تعرضنا للحاضر والخطر الذى تواجهه آثار لبنان، نرصد فى إطلالة سريعة أهم المواقع الأثرية فى لبنان:
تحفة العمارة الرومانية
بعلبك تحفة من تحف العمارة الرومانية، وتشتهر بمعبدها الأثري. لعدة قرون، كانت معابد بعلبك (التى كانت تسمى هليوبوليس أو "مدينة الشمس" فى العصر الروماني) مدفونة تحت أمتار من الأنقاض، وكانت مخبأة بتحصينات العصور الوسطى، حتى بدأت أعمال التنقيب واسعة النطاق فى الموقع عام ١٩٠٠. ويضم الموقع حرم جوبيتر هليوبوليتان، المكون من البروبيليا، والفناء السداسي، والفناء الكبير، ومعبد جوبيتر. إنه أكبر معبد فى الإمبراطورية الرومانية، ولا يزال هناك ستة عمود فقط من أصل ٥٤ عمودًا قائمًا. يتكون الحرم بأكمله من ساحة مرتفعة يبلغ عرضها ١٢٠ مترًا وطولها ٤٠٠ مترًا، مما يخلق تأثيرًا دراميًا للزائر. واستمرت حملة البناء الرئيسية للمجمع أكثر من ٢٠٠ عام، من منتصف القرن الأول إلى القرن الثالث الميلادي.
إلى الجنوب من المجمع يوجد معبد باخوس والمعبد الدائرى الصغير، والذى يقع خارج المجمع الرئيسي. تم إغلاق المعابد عام ٣١٣ عندما جعل قسطنطين الأول (حكم ٣٠٦-٣٣٧ م) المسيحية الدين الرسمى للإمبراطورية الرومانية.
"ملكة البحار"
كانت مدينة صور القديمة، الملقبة بـ"ملكة البحار"، واحدة من أولى المدن الفينيقية، وتقع على الشاطئ الشرقى للبحر الأبيض المتوسط، وأصبحت مركزًا تجاريًا مزدهرًا للتجارة الدولية. كشفت الحفريات عن بقايا حضارات يونانية رومانية وصليبية وبيزنطية، ولكن يمكن العثور على معظم بقايا العصر الفينيقى تحت المدينة الحالية. واليوم، هناك ثلاثة مواقع تاريخية بالمدينة: موقع البص والمينا، والكنيسة البيزنطية.
تضم منطقة البص الأثرية مقبرة شاسعة، وقوسًا ضخمًا تم بناؤه فى عهد هادريان (حكم ١١٧-١٣٨ م)، ومضمار سباق الخيل الروماني، وهو أحد أكبر الميادين المكتشفة على الإطلاق. وتعود جميع هذه الآثار إلى القرن الثانى إلى القرن السادس الميلادي. يقع موقع الميناء على ما كان فى الأصل مدينة جزيرة فينيقية، ويضم بقايا مبانى مدنية وأعمدة وحمامات رومانية.
بدايات الحضارة الفينيقية
تشهد جبيل المدينة الساحلية على بدايات الحضارة الفينيقية. يضم هذا الموقع الأثرى المثير آثارًا من العصر الحجرى الحديث والعصر النحاسى والفينيقية واليونانية والرومانية، مما يجعلها واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان. على الرغم من أن العديد من الرحالة ذكروها منذ القرن الثانى عشر، إلا أنه لم تبدأ الطبقات المتعددة لتاريخ جبيل فى الظهور إلا فى أواخر القرن التاسع عشر. وأهم المعالم الأثرية هى القلعة الصليبية التى يعود تاريخها إلى القرن الثانى عشر والتى تضم الآن متحفًا صغيرًا ويوفر سطحها إطلالة بانورامية على الموقع الأثرى بأكمله. وتشمل الآثار بقايا الأسوار الفينيقية، والعديد من المعابد التى يعود تاريخها إلى الألف الثالث والثانى قبل الميلاد، ومسرح رومانى أعيد بناؤه يطل على البحر.
وفى الموقع أيضًا معبد المسلات.. بنى حوالى ١٦٠٠-١٢٠٠ قبل الميلاد، ويتكون من فناء مقدس وعدد من المسلات القائمة. بالإضافة إلى المسلات، تم اكتشاف أكثر من ١٠٠٠ تمثال صغير يمثل رجالًا يرتدون أوراق الذهب ويرتدون قبعات مخروطية الشكل. وهى معروضة الآن فى المتحف الوطنى فى بيروت.
وباعتبارها مهد الأبجدية الحديثة، كانت جبيل أيضًا مركزًا للتجارة البحرية العالمية. إن استغلال خشب الأرز، على وجه الخصوص، جعلها واحدة من مراكز نقل الأخشاب الرئيسية فى شرق البحر الأبيض المتوسط.
موقعان شمال بيروت
تقع آثار موقع فقرا شمال بيروت. وهى تشمل المعابد والمذابح وبرجًا ضخمًا مربعًا كبيرًا منتشرًا فى موقعين متميزين. يشتمل الموقع الأول على مزار معبد ضخم مخصص للإله زيوس بيلجالاسوس، وهو بعل فقرا المحلي، بالإضافة إلى معبد صغير مخصص لأتارجاتيس، الإلهة الرئيسية فى شمال سوريا.
ويهيمن على الموقع الثانى برج كبير يبلغ طوله ١٥ مترًا من كل جانب، وكان فى الأصل مكونًا من طابق ثالث وسقف على شكل هرم. يشير نقشان يونانيان إلى أن المبنى كان مخصصًا للإمبراطور الرومانى كلوديوس (حكم من ٤١ إلى ٥٤ م) والإله زيوس بيلجالاسوس فى عام ٤٣ م. ويمكن رؤية مبنيين آخرين على بعد ٥٠ مترًا شمال غرب البرج. المذبح الأكبر هو مذبح يستخدم لتقديم القرابين، والآخر عبارة عن مذبح أصغر ذو أعمدة.
عهد الخلافة الأموية
تأسست مدينة عنجر فى عهد الخلافة الأموية فى القرن الثامن، وكانت مركزًا للتجارة الداخلية عند ملتقى طريقين مهمين: أحدهما يربط ساحل البحر الأبيض المتوسط بالداخل السوري، والآخر يربط الشمال من سوريا إلى شمال فلسطين. ولم يكتشف علماء الآثار الموقع إلا فى أواخر الثلاثينيات، عندما كشفت الحفريات عن مدينة محصنة تبلغ مساحتها حوالى ١١.٤ هكتارًا، ومحاطة بأسوار يبلغ سمكها مترين.
يقسمان المدينة شارعان رئيسيان بعرض ٢٠ مترًا إلى أربع مناطق متساوية، مع المبانى الخاصة والعامة مرتبة وفقًا لخطة صارمة حيث أعيد بناء القصر الكبير بفنائه المركزى المحاط بممر، والقصر الصغير بشظاياه الزخرفية العديدة ومدخله المركزى الغنى بالزخارف، ومسجد يقع بين القصرين، بالإضافة إلى حرم صغير والحمامات.
ويبرز بين الآثار مبنى ضخم يتكون من أربعة أعمدة يقع عند مفترق الطرق بين الشارعين الرئيسيين. تتضمن هذه الهياكل عناصر زخرفية أو معمارية من العصر الروماني.
ويظل لبنان بلدًا جميلًا بتراثه الخالد، ورغم كل المعاناة سوف يعود وينهض محافظًا على تراثه وتاريخه ومجده الثقافي.