لجريدة عمان:
2025-04-25@09:58:31 GMT

انتزاع المكان في اللغة

تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT

في لقاء إذاعي أجريته عبر برنامجي اليومي في إذاعة سلطنة عمان العامة، بادر ضيفي الكريم بقوله: كلنا في عُمان على قلب رجل واحد. حينها قررت أن أستدرك هذه المحادثة في وقت الفاصل الإعلاني، فقلتُ له حينها: وعلى قلب امرأة واحدة. بدا لضيفيّ أنني أجهل اللغة العربية التي تذهب للتذكير في حالة الجمع. وأن المقصود بهذا هنا كل الناس، نساءً كانوا أم رجالًا.

لكن لديّ وجهة نظر مختلفة، أعادني إليها نقاش يدور في وسائل التواصل الاجتماعي في أمريكا هذه الأيام، في تغطية الصحفيين لاحتدام المنافسة بين ترامب وكاملا هاريس، والتركيز في حملاتهما الانتخابية.

بدأ الحديث عندما شارك أحد الصحفيين ما معناه، أن أي مجادلة يستخدم فيها الشخص لغة وأطر من يجادله، فإنه بذلك يقوي وينشط لغة من يجادله، ويقوض وجهة نظر من يجادل. يبدو أن هذه المقولة لشخصية معروفة لكن ليس هذا ما لفت انتباهي بشكل خاص، بل الضجة التي أثارتها هذه التغريدة، عندما رد أحد الناشطين على إكس أن النظرة السياسية التي تقرأ الكلمات على أنها تعاويذ سحرية فالحرص على اختيار النبرة المناسبة والمزيج السحري من الكلمات والتراكيب هي حالة عصابية تحول الخطاب السياسي إلى لعبة لانهائية للمفردات.

ربما يستدعي هذا الكاتب في هذا السياق، الصوابية السياسية، التي تذهب لتعديل اللغة واختيار اللغة والضمائر بدقة وحذر مفرطين لضمان عدم التمييز تجاه أي طرف -هذا في تعريفها الأبسط طبعًا. أرسلان خان المتخصص في الأنثروبولوجيا السياسية عقّب على هذا الرأي بأن الجميع يعرف أن الكلمات واللغة مهمة بطبيعة الحال، لكن هذا الإيمان لا ينطوي بالضرورة على إيمان مطلق بقدرة اللغة على تقديم حلول سحرية وجذرية للمشكلات، لكن مما لا شك فيه هو أن اللغة والكلمات يعيدان تشفير وإعادة إنتاج الأيديولوجيات والحقائق لذلك ينبغي أن تتغير اللغة باستمرار.

هنالك بعض اللغات التي تعالج الفروقات بين المذكر والمؤنث، وتلك التي لا تفرق بينهما، فتصبح الضمائر محايدة. لكن هذا ليس هو حال اللغة العربية، فهل هنالك ما يمكن أن نسهم به، في إدخال الضمائر التي تخص النساء في اللغة اليومية خصوصًا في أوقات الجمع، هل يشبه هذا بحث النساء عن أماكنهن داخل الفضاء العام المحرّم عليهن غالب الوقت، أو الذي يبدو ملحوظًا ومهددًا بمجرد وجود امرأة في مكان عام، عدا عن الأحكام التي توصم بها النساء في هذه الأماكن. يقول من أُطلق عليهم سلفيي اللغة العربية، إن ذلك يهدد بقاء اللغة وقوامها وقوتها، وإنه بذلك يقوضها عوضًا عن كون ذلك لا يتجاوز مشروعًا إمبرياليًّا لتغريب اللغة، خصوصًا أن اللغة العربية مرتبطة بالقرآن. لكن هل تسهم اللغة حقًا في الحصول على الحقوق السياسية أو التهيئة من أجلها؟ أعتقد أنها الآن في هذه اللحظة التاريخية أقرب لعلامة على الأيديولوجية التي تتبعها المؤسسات على اختلافها، فتلك التي تستخدم ضميرين في الكلمة أو أكثر من ذلك تريد أن تقول لك إنها مؤسسة يسارية وتقاطعية، وإنها تفهم التمييز وتحاول المساهمة في علاجه، أما التي تصر على عدم استخدام الضمائر المحايدة أو تستخدم الضمير المذكر فهي تقول إنها محافظة ويمينية وترفض هذا النوع من التغييرات التي تهدف للقضاء على النوع البشري.

يعد ما حدث للملاكمة الجزائرية إيمان خليف في أولمبياد باريس امتدادًا لهذا الخلاف وشراسته فالجميع يريد أن يضع نفسه في الطرف المناسب من هذا الاستقطاب ليحقق بذلك مجموع المبادئ التي ينافح عنها في حملته الانتخابية وفي الجمهور الذي يستهدفه. إنها فعلًا أداة سلطوية حتى وإن كانت في جوهرها محاولة لإلغاء التمييز.

بدلًا من رفض هذه التغييرات الحتمية، التي أصبحنا نراها بشكل بديهي ودون انطلاق من أيديولوجية واضحة ومفهومة عند الأجيال الجديدة إذ تستخدم الفتيات حتى العربيات الضمير المذكر للتعبير عن أنفسهن في وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى في تواصلهن المباشر مع بعضهن بعضًا، ماذا لو تناقشنا أكثر حول اللغة وأهميتها، وموقفنا منها، لو حاولنا أن نفكر في صالح ثقافتنا وتراثنا دون أن ننطلق من مواقف أصولية؟

أتذكر في هذا الجانب كتاب النرويجي كارل أوفه كناوسغارد، وهو رواية عن حياته هو نفسه، يستخدم في مكتبه إحدى المرات صفة منبوذة جدًا في عالمنا اليوم للإشارة لموظف آخر، ينتبه بقية الموظفين ويتحفزون ويسود التوتر الأجواء، فكيف يمكن أن تنطق هذه الكلمة اليوم. يعلق كناوسغارد على هذا: لا بأس اليوم إن استخدمت لغة تجميلية حتى وإن كان الواقع التمييزي على الأرض راسخًا هناك ولا يمس. اللغة سؤال كبير أليس كذلك؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي: يجب الحفاظ على اللغة العربية والدعاة حماة الحرية

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أهمية الحفاظ على اللغة العربية، ودور الدعاة في أن يكونوا حماة للحرية، مما يعكس رؤية شاملة للتنمية المجتمعية، موضحا أن الدورة التي حصل عليها الأئمة بالأكاديمية العسكرية المصرية عكف على إعدادها علماء متخصصون في علم النفس والاجتماع والاعلام وكل المجالات ذات الصلة.

وجه الرئيس السيسي، عدة رسائل تحمل رؤية الدولة في إعداد إنسان متوازن ومسؤول، قادر على الإسهام الإيجابي في المجتمع، مشيراً إلى أهمية الاقتداء بالإمام السيوطي كنموذج يحتذى به، حيث قدم مساهمة استثنائية من خلال تأليف 1164 كتابًا خلال حياته.

وأكد الرئيس أن الكلمات وحدها لا تكفي لإحداث تأثير في المجتمع، بل يجب أن تُترجم إلى أفعال إيجابية وفعالة تُشكل مسارًا يُتبع ويُنفذ، وضرب مثالًا على ذلك باستخدام مقار المساجد، إلى جانب كونها أماكن للعبادة، لتقديم خدمات تعليمية للطلاب، كما شدد على ضرورة حسن معاملة الجيران، والاهتمام بتربية الأبناء، ومواكبة التطور دون المساس بالثوابت.

جاء ذلك خلال مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، صباح اليوم، في حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف من الأكاديمية العسكرية المصرية، وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية.

اقرأ أيضاًالرئيس السيسي يشهد حفل تخرج الدورة الثانية لتأهيل أئمة وزارة الأوقاف

الإمام السيوطي.. عالم الأزهر الذي طوى العلوم بين دفات كتبه

مقالات مشابهة

  • برنامج ثقافيّ متكامل لـ«أبوظبي للغة العربية» في «أفينيون» المسرحي الدولي»
  • الجامعة العربية:قمة بغداد ستبحث الملفات السياسية والتنموية ذات الأولوية على الساحة العربية
  • أحمد عبد الوهاب يكتب: اللغة العربية بين العولمة والهوية "تحديات وحلول"
  • الجامعة العربية: مستمرون في دعم العملية السياسية بليبيا وتيسير الحوار بين الأطراف
  • خبيرة أسرية: اللغة العربية تتعرض للإهمال وأولياء الأمور يعتبرونه موضع تفاخر
  • ثوابت عقيدتنا.. السيسي: اللغة العربية لغة القرآن ويجب ألا نتركها
  • العلاقي: سفراء ليبيون أوفدوا للخارج لا يجيدون اللغة العربية فما بالك باللغات الأجنبية
  • الرئيس السيسي: يجب الحفاظ على اللغة العربية والدعاة حماة الحرية
  • كيف تستخدم إسرائيل اللغة العربية في طمس الهوية الفلسطينية؟
  • كيف تستغل إسرائيل اللغة العربية من أجل طمس الهوية الفلسطينية؟