خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذى ألقاه مساء الاثنين وأعلن فيه أن القوات الإسرائيلية يجب أن تحتفظ بالسيطرة على محور فيلادلفيا «صلاح الدين» عند الحدود بين غزة ومصر، يدل على ضعف واضح وحالة تخبط من رجل لم يعد يعرف ما يفعله أو يعى ما يقوله، بعد أن أصبح عاجزا عن تحقيق أى انتصار رغم حرب الإبادة التى يشنها على الأبرياء فى القطاع المحاصر.
توقيت خطاب نتنياهو فى منتهى الأهمية، لأنه يمثل كشف حساب فاضح لما يدور فى عقل الرجل، خاصة أنه ومنذ نحو 7 أشهر، لم يلقِ خطابًا للجمهور الإسرائيلي، وخروجه الاضطرارى فى خطاب الاثنين، جاء على أمل استعطاف الاسرائيليين حتى لا يستجيبوا إلى دعوة اتحاد نقابات العمال «الهستدروت»، أهم مؤسسة حكومية، لإضراب عام، تنديدا بـ إخفاقات نتنياهو المتتالية فى كافة الملفات التى وعدهم بإنجازها، رغم أنه يشن حربا كلفت الاقتصاد الإسرائيلى خسائر وصلت إلى نحو 76 مليار دولار منذ بداية العملية العسكرية بعد 7 أكتوبر.
وتكاد آراء المحللين السياسيين تُجمع على أن نتنياهو ظهر فى خطابه ضعيفا ومأزوما وخائفا ومرتبكا، بعد أن كلّف دولته ميزانية كبيرة لتحقيق ثلاثة أهداف، لم يحقق أى هدف منها، هذه الأهداف هي: جعل منطقة غلاف غزة آمنة، وهذا لم يحدث، وكسر القدرة العسكرية لحماس، وذلك لم يحدث أيضًا والدليل أن موقع «والا» وهيئة البث الإسرائيلية أعلنا منذ أكثر من شهرين أن الذراع العسكرية للحركة لم يتم إضعافها وما زال لديها أكثر من 60% من قدراتها العسكرية، والهدف الثالث هو تحرير الأسرى، بينما لم يحدث منها سوى تحرير المجموعة التى خرجت فى الهدنة الأولى.
لهجة نتنياهو تؤكد أنها نبرة خطاب الهزيمة، فالشخص الذى يقول: «الحرب مستمرة ولن أقدم أى تنازلات» هو رجل ضعيف مهزوم، يذكرنى بمشهد فى فيلم شئ من الخوف، جاء على لسان الفنان أحمد توفيق الذى كان يردد: «أنا عتريس.. أنا سبع رجالة فى بعض» وهو مشهد شديد البؤس ومثير للسخرية، فكل المؤشرات تؤكد أن نتنياهو مهزوم، وهو الوحيد الذى يصر على أنه المنتصر، فمنذ دخل حرب غزة لم يحقق أى انتصار، بل ظهر كشخص دموى قاتل للأطفال والنساء والشيوخ، يستخدم العنف ضد الفلسطينيين العزل، يدل على أنه شخص أهوج يحتاج إلى مصحة نفسية.
آخر الفضائح التى تدل على تخبط نتنياهو وضياعه خلال الخطاب، هو حديثه عن أن قلبه انفطر حين تحدث هاتفيا مع عائلات الأسرى الستة القتلى، رغم أنه من قتلهم بسبب إصراره على تحريرهم بالقوة، حيث لا يؤمن إلا بالحرب والدمار، ولا يرى سوى لغة الدم، حتى أنه لم يعد يقتل الفلسطينيين فقط، بل امتد القتل إلى أبناء شعبه، وكان أبلغ رد على أكاذيبه هو خروج أهالى الأسرى الإسرائيليين، مساء يوم الاثنين، ليلة إلقاء الخطاب فى مظاهرات حاشدة، وقالوا: «لقد أثبت نتنياهو الليلة أنه لا ينوى إعادة المخطوفين، هذا هو المعنى الحقيقى لخطابه من خلال كل الأكاذيب والتلفيقات التى سمعناها الليلة»، وأكد المتظاهرون أن شعب إسرائيل، الذى يؤيد غالبيته عودة المختطفين، لن يمد يد المساعدة بعد الآن لهذا الإهمال الإجرامي.
لم يكتف نتنياهو بتلك المهاترات السابقة التى قالها فى خطابه، بل وصل به الأمر إلى التحدث عن محور فيلادلفيا، مؤكدا أنه أنبوب الأكسجين لحماس ويجب قطعه، وزاعما أن خروج إسرائيل من محور فيلادلفيا كان بمثابة فتح الطريق لدخول الأسلحة وغيرها لحماس، والخروج من المحور جعل غزة مصدر تهديد كبير لإسرائيل، وهو بذلك يلوح بعدم الخروج من هذا المحور، بلهجة ونبرة استعمارية ولغة شخص محتل، مختل، تتغلغل بداخله السيكولوجية الاستعمارية التى ورثها عن أجداده.
مصر من جانبها لم تلتزم الصمت تجاه ما تعلنه إسرائيل بشأن محور صلاح الدين «فيلادلفيا» مؤكدة تمسكها بثوابتها ومحددات أى اتفاق للسلام، وفى مقدمتها رفض الوجود الاسرائيلى بهذا المحور وكذلك معبر رفح بشكل قاطع، وهو ما سيتحقق عاجلا أم آجلا رغم أنف نتنياهو أو بإرادته.
وفى النهاية يبدو أيضا أن ما ضاعف من ضياع وارتباك نتنياهو خلال الخطاب، هو ما أعلنه الرئيس الأمريكى جو بايدن بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى بات عقبة أمام تحقيق الهدنة، إضافةً إلى قيام رئيس وزراء بريطانيا بإعلان وقف عقود عسكرية كانت فى طريقها إلى إسرائيل، رغم أن أمريكا وبريطانيا دولتان حريصتان على أمن وسلامة إسرائيل فى المنطقة، لكن جنون نتنياهو دفع الدولتين إلى خلخلة وضعه السياسى مما قد يُفسر بأنه بداية لإزاحته عن المشهد، وكان أحد أسباب ظهوره بهذا الضعف خلال الخطاب، واستخدامه لكلمات حاول من خلالها أن يبدو متماسكا وقويا، لكن كل التحليلات تقول إنه خطاب الهزيمة سواء داخل إسرائيل أو خارجها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الزاد أمجد مصطفى رئيس الوزراء الإسرائيلي القوات الإسرائيلية معبر رفح رغم أن
إقرأ أيضاً:
إفطارهم فى الجنة.. محمد جبر شهيد الواجب الذى لم يرحل
في قلب كرداسة، هناك شوارع لا تزال تحمل صدى ذكريات الشهيد محمد جبر، مأمور القسم الذي دفع حياته ثمناً لأداء واجبه، لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رجلاً من لحم ودم، حمل على كاهله أمانة الوطن وراحته، هكذا يصفه كل من عايشه، هكذا تتذكره أسرته، وكأن روحه لا تزال تُرفرف في كل زاوية من هذا المكان الذي شهد آخر لحظاته.
محمد جبر، ذلك الرجل الذي رسم صورة للمثابرة، كان دائمًا ما يردد بين زملائه: "كلنا في خدمة الوطن، وإذا كان هناك من يتوقع أنني سأخاف، فهو لا يعرفني". كان شامخًا، رغم كل التحديات، يتحمل مسؤولياته بكل شجاعة وهدوء، لم يكن يهاب الصعاب، بل كان يقف دائمًا في الصف الأول ليحمي وطنه وأهله، تمامًا كما تعلم في كلية الشرطة، أن أسمى رسالة هي حماية المجتمع بكل ما يملك.
كان يومًا عاديًا، لم تتوقع أسرة الشهيد محمد جبر أنه سيكون آخر يوم في حياة ابنهم، لكن عندما جاء الصباح، جاء معه خبر الفاجعة، استشهد محمد جبر أثناء دفاعه عن مركز شرطة كرداسة، تلك المنطقة التي شهدت تطورات أمنية خطيرة. وعندما انتقل إلى جوار ربه، كانت الدموع في عيون الجميع، ولكن بقيت هناك ابتسامة حزينة على وجهه، ابتسامة تطمئنهم أنه كان قد أتم مهمته على أكمل وجه. "لم يكن يُخشى عليه، فقد كان البطل الذي يعرف كيف يحمي وطنه بروح عالية".
قالت أسرته في تصريحات سابقة لليوم السابع، بصوت يكاد يخبئه الحزن: "كان محمد هو الحلم الذي لم يكتمل، كان أبًا يُحيي الأمل في قلوب أولاده، وكان زوجًا يعكس أسمى معاني الوفاء. والآن، كلما نظرت إلى أبنائنا، أرى فيهما ملامحه وابتسامته التي لا تموت". لا تستطيع أن تمسك دموعها، لكن في قلبها تنبض مشاعر الفخر بما قدمه زوجها من تضحيات.
لا تكاد الذاكرة البصرية تخلو من صورة محمد جبر، التي تملأ غرفته في منزله ،صورة تعكس شجاعة وقوة رجل لا يعرف الخوف، فقد كانت الخدمة في شرطة كرداسة، في تلك الأيام العصيبة، رحلة محفوفة بالمخاطر. "هو في قلوبنا لا يموت"، هكذا يقول محبيه وهم يعانقون صوره، كانت الكلمات تتردد في حديثهم "محمد لم يكن مجرد اسم، بل كان عنوانًا للشجاعة والصدق، ومع كل فجر جديد، نقول له: أنت في القلب دائمًا".
وبينما يمر الوقت وتظل حكايات الأبطال تتوارث من جيل إلى جيل، يبقى الشهيد محمد جبر رمزًا للصمود والشجاعة. لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رمزًا للمسؤولية وحب الوطن. يبقى اسمه في قلب كل من يعرفه، وسيظل ضوءًا يضيء سماء كرداسة وكل مصر، يذكرنا بأن العطاء لا يُقاس بمدة، بل بنبل الهدف والشرف الذي خلفه.
في كل زقاق، وفي كل شارع، تحيا ذكرى محمد جبر، وتبقى قصته شاهدة على أن الشهداء لا يموتون، بل يتجددون في قلوبنا، ويتسابقون مع الزمن ليجعلونا نرفع رؤوسنا بكل فخر.
في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.
هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.
في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.
مشاركة