الاهْتِمام بالضُعَفاء في السيرةِ النبَويَّة
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
الضُعفاء تُطلق غالباً على ذوي الضعف البدني أو المادي، فالمرأة واليتيم، والمريض والكبير، والفقير والمظلوم، والطفل عامة والبنت خاصة، والأرملة والمسكين مِن الضعفاء.. وقدْ أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفاء، وأمر بمساعدتهم والقيام بحاجاتهم، والانتصار لهم، وأخبرنا أن الأمة التي لا تنتصر للضعفاء ولا تقوم بحقوقهم، هي أمة غير جديرة بنصر الله عز وجل وتطهيره لها من الآثام.
والسيرة النبوية مليئة بالأمثلة والمواقف الدالة على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفاء والوصية بهم، ومن ذلك:
ـ المرأة واليتيم:
أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالاهتمام بحق المرأة واليتيم، فالمرأة في هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم وحياته عِرْضٌ يُصان، ومخلوق له قدْره وكرامته، وقد خصَّها النبي صلى الله عليه وسلم هي واليتيم بالمزيد من الاهتمام، وبلغ من شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالمرأة أن أوصى بها في خُطبته الشهيرة في حجة الوداع قبل موته قائلا: (استوصوا بالنساء خيرا) رواه مسلم. قال الطيبي": "الاستيصاء قبول الوصية، والمعنى أوصيكم بهن خيراً". وقال الصنعاني: "اسألوا الوصية فيهن من بعضكم لبعض بحيث يكون كل منكم يوصي غيره ويطلب منه الإحسان إليهن". وقال المناوي: "أي اقبَلُوا وصيتي فِيهِنَّ، وارفقوا بِهن، وأحسنوا عِشرتهنّ".
أما اليتيم فكان صلى الله عليه وسلم مِن أوائل الذين لمسوا ضعفه وآلامه، ومِن ثم اهتم به اهتماماً كبيراً، مِن حيث تربيته ورعايته ومعاملته، حتى ينشأ عضواً نافعاً، لا يشعر بالنقص عن غيره مِنْ أفراد المجتمع، فقال صلى الله عليه وسلم آمرا ومُحَفِّزاً على رعاية اليتيم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئاً) رواه البخاري. قال ابن بطال: "حق على مَنْ سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك". وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في أمره بالاهتمام بالمرأة واليتيم في أحاديث كثيرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أُخْرِّجُ حقَّ الضَّعِيفَيْن: المرأة واليتيم) رواه ابن ماجه، وفي رواية أخرى: (إِنِّي أُخْرِّجُ حق الضَّعِيفَيْن ـ ثلاث مَرَّات ـ: اليتيم والمرأة)، قال السِّندي: "قوله: (إِنِّي أُحَرِّج) بالحاء المهملة من التحريج أو الإحراج، أي: أضيق على الناس في تضييع حقهما، وأُشدد عليهم في ذلك، والمقصود إشهاده تعالى في تبليغ ذلك الحُكم إليهم".
ـ الأطفال والبنات:
الناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه يرى أنه كان مع الأطفال أباً حنونا، ومُرَبِّيَاًً حكيما، يداعب ويلاعب، وينصح ويُربي، وقد أعطى الطفل عامة والبِنْتَ خاصة جانباً كبيراً من اهتمامه، وأعطى للآباء والمربين القدوة الصالحة في التعامل معهما بأسلوب الرحمة والرفق والحب والمؤانسة. عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبَّر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعتُ في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس يا رسول الله: إنك سجدتَ بين ظهري الصلاة سجدة أطلتَها، حتى ظننا انه قد حدث أمر أوانه يُوحَى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهتُ أن أعجله حتى يقضي حاجته) رواه النسائي. وصلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحمل أُمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنها. عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليّ وهو حامل أُمَامَة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) رواه البخاري.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالبنات في أحاديث كثيرة. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها (مِن الوَأْد وهو دفن البنات حيَّاً الذي كان يفعله أهل الجاهلية قبل الإسلام)، ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها ـ يعني الذكَرَ ـ أدخلَه اللهُ بها الجنة) رواه أحمد. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن عال (قام بما يحتاجون إليه) ابنتينِ، أو ثلاثًا، أو أختينِ، أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ، كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ - وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ـ) رواه ابن ماجه. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كان له ثلاث بناتٍ، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فأحسن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفله الجنةَ) رواه الترمذي. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أوْ) للتنويع لا للشك، ففي رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن كان له ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّة ألبتةَ (إيجابًا قاطِعًا بلا شَكٍّ وشُبهة)، قيل يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتينِ، قال: فرأى بعض القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة) رواه أحمد.
ـ الأرْملة والمسكين:
الأرْملة: هي المرأة التي مات عنها زوجها، وسُمِّيَت أرملة لأنها فقدت كاسبها ومَن كان عيشها صالحا به، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة)، فيكون ذلك أشد توكيداً إذا كانت المرأة أرملة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل اللَّه، أو القائم الليل والصائم النهار) رواه البخاري. وفي رواية: (أوْ كَالَّذي يصوم النَّهار ويقوم اللَّيْل). قال القاضي عياض: "في هذا الحديث فضل ما للساعي لقوام عيشه وعيش مَنْ يقوم به وابتغاء فضل الله الذي به قوام بدنه لعبادة ربه، وقوام مَنْ يمونه ويستر عوراتهم وأجر نفقاتهم أنه كالمجاهد، وكالصائم القائم، وذلك أنه في كل تصرف له في ذلك في طاعة ربه وامتثال أمره". وقال ابن هبيرة: "والمراد أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد.. وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سلبها إياه القدَر، وأرضاها عن ربها، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه، فأنفق هذا فضل قوته وتصدق بِجَلَدِه (جهده وتعبه)، فكان نفعه إذاً (يكافيء) الصوم والقيام والجهاد".
ـ إنما تُنصرونَ وتُرزقونَ بضعفائِكم:
بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فضل الضعفاء وأنهم سبب مِنْ أسباب انتصار المسلمين، فكم مِنْ نصرٍ عَبْر التاريخ كان بسبب دعوة صادقة خالصة من رجل صالح مِنْ ضعفاء المسلمين، لا يعلمه ولا يفطن إليه أحد. عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابغوني (اطلبوا لي) الضُّعفاءَ، فإنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضُعفائِكُم) رواه أبو داود. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رُبَّ أشْعَثَ (المُغَبَّر الرأس المتفرق الشَعْر)، مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ (لا قدْر له عند الناس)، لو أقْسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "(لو أقسم على الله لأبَرَّه) أي: لفضله ومنزلته عند الله أنه يجيب رغبته ودعاءه.. والقسَم هنا عن قوة العزيمة في الرغبة والدعاء، أو يكون عن وجهه فيما أقسم عليه من الأمور، أن الله قد أجرى قدَره وتقدم في سابق علمه، أنه ممن لا يخالف مجاري القدَر قَسَمه. وقيل: معنى القسَم هنا: الدعاء، وأبرَّه أجابه". وقال ابن قرقول في "مطالع الأنوار على صحاح الآثار": "قيل: لو دعاه لأجابه". وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما يَنصر الله هذِهِ الأمَّة بضَعيفِها، بدَعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم) رواه النسائي. قال الصنعاني: "النصر الإعانة والإظهار على العدو..وأن الأعمال الصالحة جهاد الضعفاء ولعل المراد بهم المعذورون". وفي "شرح سنن النسائي": "(إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِه الْأُمَّة بِضَعِيفِهَا) أي: بسببهم، ثم بيّن سبب النصر، فقال: (بِدَعْوَتهِمْ) أي: بسبب دعائهم لربّهم حتى ينصر المسلمين، (وَصَلَاتهِم) أي: ببركة صلاتهم التي يقيمونها بأركانها، وسننها، وآدابها، وخشوعها، كما أمرهم اللَّه تعالى بذلك (وَإِخْلَاصِهِم) أي: بسبب إخلاص العبادة لربّهم، بحيث لا يشوبونها بشيء مِن الشرك الجليّ والخفيّ".
والنُصرة بالضعفاء تكون مع إعْداد العُدَّة، وأخذ الأمة بأسباب النصر الأخرى التي أمرنا الله عز وجل بها، والتي علمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وحياته وجهاده..
الاهتمام بالضعفاء ونُصْرتهم والإحسان إليهم مِنَ الأخلاق التي لابد منها لسعادة وترابط وقوة أي مجتمع من المجتمعات، والناظر والمتأمل في السيرة والسُنة النبوية يري أن هذا الخُلق الكريم اهتم به النبي صلى الله عليه وسلم اهتماماً كبيراً، وغرسه في أصحابه بقوله وفعله، وقد بوَّب النووي في شرح صحيح مسلم باباً بعنوان: "باب: ملاطفة اليتيم، والبنات، وسائر الضَّعَفة، والمساكين، والمُنْكَسِرين، والإِحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضع معهم، وخفض الجناح لهم".. وكان صلى الله عليه وسلم يُولِي اهتمامًا أكبر لمن يعاني صورة من صور الضعف، لأن الضعف يسبب لونًا مِنْ ألوان الألم في النفس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا بالمؤمنين في كل أحوالهم، وهو في حال ضعفهم أشد رحمة، قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة: 128). قال السعدي: "{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم مِن والديهم".. ومِن الكمال والجمال الخُلُقي الذي تحلى به نبينا صلى الله عليه وسلم خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير، فقد وهبه الله عز وجل قلباً رحيماً، حتى صارت الرحمة له طبْعاً، فشملت الصغير والكبير، والمرأة واليتيم، والفقير والضعيف، والأرملة والمسكين، والناس أجمعين، وصدق الله تعالى القائل عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن خُلُقِه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4). قال ابن كثير: "وحاصل خُلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه، فقالت: "كان خلقه القرآن"، وذلك نحو قوله تعالى له: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}(آل عمران:159)، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة: 128) وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق. والآيات الحاثَّات على الخُلق العظيم كان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذِرْوة العليا".
عن اسلام.ويبالمصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم فی عبد الله ه تعالى الله عز قال ابن عن أبی
إقرأ أيضاً:
في ذكرى وفاتها.. عائشة بنت أبي بكر.. أم المؤمنين وأحب زوجات النبي إلى قلبه
يحل علينا اليوم الإثنين 17 رمضان، ذكرى وفاة السيدة عائشة بنت ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها فبعد موقعة الجمل، عادت السيدة عائشة فلزمت بيتها حتى حضرتها الوفاة في ليلة الثلاثاء 17 رمضان 57 هـ وقيل 58 هـ وقيل 59 هـ، وصلى عليها أبو هريرة بعد صلاة الوتر، ونزل في قبرها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام من أختها أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابني محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ودفنت في البقيع.
السيدة عائشة رضي الله عنهاعائِشة بنت أبي بكر التيميَّة القُرَشِيّة ثالث زوجات الرسول محمد وإحدى أمهات المؤمنين، والتي لم يتزوج امرأة بكرًا غيرها، وهي بنت الخليفة الأول للنبي، أبو بكر بن أبي قحافة.
تزوجها النبي بعد غزوة بدر في شوال سنة 2 هـ، وكانت من بين النساء اللواتي خرجن يوم أحد لسقاية الجرحى.
اتُهمت عائشة في حادثة الإفك، إلى أن برّأها الوحي بآيات قرآنية نزلت في ذلك وفق مُعتقد أهل السُنَّة والجماعة بشكل خاص.
كان لملازمة عائشة للنبي دورها في نقل الكثير من أحكام الدين الإسلامي والأحاديث النبوية، حتى قال الحاكم في المستدرك: «إنَّ رُبْعَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ نُقِلَت عَن السَّيِّدَة عَائِشَة.».
وكان أكابر الصحابة يسألونها فيما استشكل عليهم، فقد قال أبو موسى الأشعري: «مَا أُشكلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ، إلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا»، وكانت من الفصاحة والبلاغة ما جعل الأحنف بن قيس يقول: «سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم وَالْخُلَفَاءِ هَلُمَّ جَرًا إِلَى يَوْمِي هَذَا ، فَمَا سَمِعْتُ الْكَلامَ مِنْ فَمِ مَخْلُوقٍ ، أَفْخَمَ ، وَلا أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ فِي عَائِشَةَ رضي الله عنها».
تختلفُ نظرة أكبر طائفتين إسلاميتين إلى عائشة اختلافًا ملحوظًا، فبينما يجُلَّها أهلُ السُنَّة ويُحيطونها بالحفاوة والتكريم، ينتقدها الشيعة الاثنا عشريّة انتقادًا كبيرًا يصلُ عند طائفةٍ واسعة منهم إلى حد اللعن والتبرؤ والسب، ويتهمونها بعداء أهل البيت وبتسميم الرسول مُحمَّد، وكان هذا التباين الواسع في النظرة سببًا رئيسيًا في توسيع الهوَّة بين أهل السُنَّة والشيعة الاثنا عشريَّة، وعُنصرًا محوريًا في الخلاف السُني الشيعي، وقد حاول بعضُ العلماء الشيعة القضاء على الفتنة، فأصدروا العديد من الفتاوى الشرعيَّة التي تُحرّم سب عائشة والصَّحابة أو التعرُّض لها بأي شكلٍ مُهين، مُعتبرين أنَّ ذلك إهانة لِشرف الرسول مُحمَّد وخدمة لأعداء الإسلام.
أمُّ المؤمنين عائشة هى بنت الخليفة أبي بكر الصِّديق رضي الله عنهما، خليفة رسول الله الأوّل، وهو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميميّ، وأمُّها هي أمُّ رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة الكنانيّة.
زواج السيدة عائشة بالنبيقبل الهجرة بسنتين وبعد وفاة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي محمد تسأله أن يتزوج، فسألها: «وَمَن؟»، قالت: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا»، فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟» فذكرت له البكر عائشة والثيب سودة بنت زمعة، فقال: «فَاذْكُرِيْهِمَا عَلَيّ.» فذهبت خولة إلى أم رومان بنت عامر أم عائشة، وذكرت لها الأمر، فقالت: «اِنْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا بَكْرَ آتٍ». وكان المطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه، فأتى أبو بكر المطعم، فقال: «مَا تَقُوْلُ فِي أَمْرِ هَذِهِ الجَارِيَةِ؟» فسأل المطعم زوجته، فقالت لأبي بكر: «لَعَلَّنَا إِن أَنْكَحْنَا هَذَا الفَتَى إِلَيْكَ تُصِيْبَهُ وَتُدخِلَهُ فِي دِيْنِكَ الَذي أَنتَ عَلَيْهِ»، فرأى أبو بكر في ذلك إبراءً لذمته من خطبة المطعم لعائشة، وقال لخولة: «قُولِي لِرَسُولِ الله فَلْيَأْتِ»، فجاء النبي محمد وخطبها.
هاجرت عائشة إلى المدينة بعد هجرة النبي محمد بصحبة طلحة بن عبيد الله وأخيها عبد الله وأمها أم رومان وأختها أسماء، وزيد بن حارثة وأبي رافع مولى النبي محمد وابنتي النبي محمد أم كلثوم وفاطمة وسودة بنت زمعة وأم أيمن وابنهاأسامة بن زيد. وبنى النبي محمد بعائشة بعد غزوة بدر في شوال 2 هـ، فكانت عائشة تقول: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولَ اللَّه كَانَت أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي» وتروي عائشة قصة يوم زواجها، قائلة: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكْتُ شَهْرًا فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبِي فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا وَمَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأَخَذَتْ بِيَدِي فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ هَهْ هَهْ حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتًا فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُلْنَ عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ ضُحًى فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ». وقد وصفت عائشة جهاز حجرتها فقالت: «قَالَتْ:إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ».
وتروي عائشة حديثًا عن النبي محمد أنه رأى في منامه جبريل، وقد جاء بها في ثوب من حرير، وقال له: «هَذِهِ امْرَأَتِك»، فرد النبي بقوله: «إنْ يَكُن هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمضِهِ»، وفي حديث آخر أن جبريل قال: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُنيَا وَالآخِرَة».
بلغت السيدة عائشة -رضي الله عنها- مرتبةً رفيعةً في العلم، فكانت من أفقه نساء المسلمين وأكثرهنَّ علمًا، فقد كانت من المُكثرين لرواية الحديث، وروى عنها كذلك كثير من كبار التابعين.
جهاد عائشة رضي الله عنهاشاركت السيدة عائشة في بعض الغزوات كغيرها من أمّهات المؤمنين والصحابيّات رضي الله عنهنَّ، ففي غزوة أُحُد شاركت عائشة -رضي الله عنها- في ملء قِرَب الماء لجنود جيش المسلمين،وقد حدَّث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن ذلك، فقال: (ولقد رأيتُ عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ وأمَّ سُلَيمٍ، وإنّهما لمُشَمِّرَتانِ، أرَى خَدَمَ سوقِهما، تُنْقِزَانِ القِرَبَ على مُتُونِهما، تُفرِغانِه في أفواهِ القومِ، ثمّ تَرجِعانِ فتَملآنِها، ثمّ تَجيئانِ فتُفرِغانِه في أفواهِ القومِ).
مواقف من سيرة السيدة عائشة
زخرت حياة السيدة عائشة -رضي الله عنها- وحفلت أيّامها بعدّة مواقف بارزة، كانت فيها خير مثَل للسَّلف الصّالح المؤمن، وأحسن قدوة للتابعين من بعدها نساءً ورجالًا، ولعلَّ من أبرز هذه المواقف ما يأتي:
حادثة الإفكهي حادثة من أعظم وأصعب الحوادث التي مرَّت بها أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث إنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان إذا همَّ بالخروج إلى غزوة من غزواته أجرى قرعةً بين زوجاته ليُحدِّد زوجةً واحدةً تُرافقه في الخروج إلى تلك الغزوة، وفي إحدى غزواته رسَت القرعة على عائشة -رضي الله عنها- وكان ذلك بعد نزول آيات الحِجاب، فكانت عائشة -رضي الله عنها- مُحتجِبةً، وحُمِلت في طريق السَّير على هودجها، وبعد أن أنجز النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ما خرج لأجله، عاد ومن معه من المسلمين إلى المدينة المنوّرة، وأناخوا الرَّكب في طريق عودتهم للرّاحة، واختلت السيّدة عائشة -رضي الله عنها- لقضاء بعض شأنها، فلمَّا انتهت وعادت إلى مكان المسلمين، تفقَّدت عُنُقها فإذا بها قد فقدت قلادةً لها كانت ترتديها، فعادت إلى حيث كانت لتلتمسها، وحمل الرِّجال هودجها وسارت القافلة دون أن يشعروا بأنَّ عائشة -رضي الله عنها- ليست في هودجها، فقد كانت حديثة السِّن خفيفة الوزن، فلمَّا عادت إلى الموضع الذي أناخ فيه المسملون لم تجدهم، فجلست في مكانها حتّى يعودوا إلى أخذها، ثمّ غلبها النُّعاس فنامت، فكان من وراء الجيش الصحابيّ صفوان بن المعطل السلميّ، فشَهِد خيال إنسان فاقترب فإذا هي السيدة عائشة، فأناخ لها راحلتَه فركِبت دون أن يكلِّمها أو تكلّمه.
وعندما وصل صفوان وعائشة إلى المدينة المنوَّرة أشاع زعيم المُنافِقين عبد الله بن أبي سلول شائعةً تمسُّ شرف السيّدة عائشة رضي الله عنها، وشاعت كذبته على الألسُن، وبلغ ذلك الرّسولَ -صلّى الله عليه وسلّم- ولكن لم يصل ذلك إلى السيِّدة عائشة، حيث كانت مريضةً، فلمَّا صحَّ جسدها وخرجت برفقة أمّ مسطح، فتعثّرت أمّ مسطح أثناء سيرها في الطريق، فقالت: (تَعِس مسطح)، فنهرَتها السيدة عائشة وتعجَّبت من قولها، فأجابتها أمّ مسطح: (أوَلَم تسمعي ما قال؟)، فأخبرتها أنَّه من جُملة مَن يتحدَّث بالإفك عنها، فعَلِمت عائشة -رضي الله عنها- بالخبر، وحزِنت وزاد مرضُها، وكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لا يُكلِّمها ولا يتحدَّث معها، فاستأذنت منه أن تذهب إلى بيت أمّها وأبيها، فذهبت واستمرَّ مرضها وتواصل بكاؤها، وفوّضت أمرها إلى الله أن يبرِئها ممَّا يُشاع عنها، وبقيت عند أهلها حتّى نزلت براءتُها من الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فأثبت الله براءتها من حادثة الإفك، وأقرَّ عينها بذلك.
حادثة الفِتنة كان لأمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- موقف جليل من الفِتنة التي حدثت بين الصّحابة بعد وفاة عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- وتولّي عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- الخلافة، فقد ارتأت وجوب القَصاص من قتَلة عثمان رضي الله عنه، والتزمت بيتها بعد واقعة الجمل، ولم تُشارك إلّا في المشورة والنُّصح، وأشهر ما جاء من نُصحِها ما وجَّهته إلى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- حين سألها نُصحَها وطلب منها أن توصيه، فقالت له: (سلامٌ عليكَ، أمَّا بعدُ، فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقول: منِ التمَسَ رِضا اللهِ بسخطِ النَّاسِ كفاهُ اللهُ مَؤونةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللهِ وَكَّلََهُ اللهُ إلى النَّاسِ، والسَّلامُ عليكَ).
بعد وفاة النبي محمدبعد وفاة النبي محمد واختيار أبي بكر خليفة للمسلمين، لزمت عائشة حجرتها، ولما أراد أزواج النبي أن يرسلن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن من النبي محمد، استنكرت عائشة وقالت لهن: «أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ». ولم تطل خلافة أبي بكر، فحضرته الوفاة بعد سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال من خلافته. وقد أشرفت عائشة على مرض أبيها، فكانت تعزي نفسها ببيت شعر قائلة: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر فنهاها أبو بكر عن ذلك وأمرها بتلاوة القرآن، وقال لها: « لا تَقُولِي هَكَذَا يَا بُنَيَّةُ، وَلَكِنْ قُولِي وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ »، فعادت وأنشدت: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامى عصمة الأرامل فقال أبو بكر: «ذَاكَ رَسُوْلُ الله». وقد أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن بجوار النبي محمد، فلما توفي حفر له في حجرة عائشة، وجُعل رأسه عند كتفي النبي محمد.
بعد وفاة أبي بكر، كرّست عائشة حياتها لنشر الدين الإسلامي، فكانت تروي الحديث وتفتي في أمور الدين، وكان عمر ثم عثمان يرسلان إليها فيسألانها. ولما طُعن عمر، أرسل ابنه عبد الله ليستأذن عائشة في أن يدفن إلى جوار النبي محمد وأبي بكر. فقالت عائشة: «قَدْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي». فعاد عبد الله بالخبر إلى أبيه، فقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي وَإِنْ رَدَّتْنِي فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ». وبعد وفاته، عاد عبد الله فاستأذن عائشة، فأذنت له، فكان عمر ثالث ثلاثة دفنوا في حجرتها.
وفي عهد عثمان، حجّ عثمان بأمهات المؤمنين وفيهم عائشة، فأكرم منزلتهن فجعل عبد الرحمن بن عوف على مقدمة قاطرتهن، وسعيد بن زيد على مؤخرة القاطرة. وظلت عائشة على علاقة طيبة بعثمان حتى مقتله، فكانت من أوائل من طالب بدمه والقصاص من قتلته والثائرين عليه. كانت عائشة في مكة وقت مقتله، وبلغها الخبر في طريق عودتها للمدينة، فقفلت راجعة إلى مكة، واجتمع الناس إليها فقالت: «يا أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنه. وقد استعمل أسنانهم قبله، ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها، فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحا لهم. فلما لم يجدوا حجة ولا عذرًا خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام، واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام، واستحلوا الشهر الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم. ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبًا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء».
كانت عائشة ترى بمظلومية عثمان في دعوى الثائرين عليه، خاصة وهي التي روت حديث وصية النبي محمد لعثمان لكي لا يتنازل عن الخلافة إن وليها مهما طلبوا منه ذلك، فقد روى النعمان بن بشير عن عائشة أنها قالت: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا، فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ، فَلَا تَخْلَعْهُ، يَقُولُ: ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»، قال النعمان فقلت لعائشة: «مَا مَنَعَكِ أَنْ تُعْلِمِي النَّاسَ بِهَذَا؟»، قالت: «أُنْسِيتُهُ وَاللَّهِ». بل وغضبت عائشة من أخيها محمد لما كان له من دور في حصار عثمان.