رأس المال الفكري وسيناريوهات «ماذا لو»
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
اجتذبت الأصول المعرفية ورأس المال الفكري قدرًا كبيرًا من الاهتمام على مدى العقدين الماضيين، ولم يقتصر ذلك على الفضول العلمي من جانب الأكاديميين والباحثين والممارسين في الحقول العلمية، ولكنه امتد ليشمل الرؤساء التنفيذيين، وقادة الأعمال، والمخططين، وصناع السياسات، وهذا ما عجَّل بدوره في ظهور المبادرات التي ارتبطت برأس المال الفكري على المستوى التنظيمي، والوطني، والإقليمي كموارد استراتيجية، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل تأخر الالتفات إلى دور هذه «الأصول غير الملموسة» كعامل محفز للميزة التنافسية على الرغم من أن أهمية المعرفة والابتكار قد ترسخت منذ ظهور وتعاقب الثورات الصناعية؟
عندما يأتي الحديث عن رأس المال الفكري في سياق الاقتصاد المعاصر فإنه من الضروري إدراك الفرق بينه وبين موضوعات الملكية الفكرية، حيث تشكل الأصول الفكرية المظلة الكبرى التي تنطوي فيها جميع أشكال المعرفة والإنتاج الفكري وما يصاحبها من الملكية الفكرية، وكنظرة عامة وعالية المستوى فإن رأس المال الفكري يُعنى بشكل جوهري بالقيمة الاستراتيجية المكتسبة من الإدارة المتكاملة للمعرفة القيِّمة، والاستغلال الأمثل للتكنولوجيا، وبذلك فإنه لا يقل أهمية عن الموارد الاقتصادية الحاسمة الأخرى، ولكن ليست كل المعارف حاسمة لدعم التنمية، وفي ذات الوقت ليست جميعها قابلة للنقل والتداول واكتساب القيمة، ففي مجتمعات الممارسة المهنية تمتد الأصول الفكرية لتشمل المعرفة التقنية، والبرمجيات والخوارزميات، والحلول المنهجية، والفرضيات العلمية، والأطر النظرية، وقواعد البيانات، وبراءات الاختراع، والنماذج الابتكارية، وهذا يضعنا أمام حقيقة واقعية مفادها بأن كل مؤسسة أو مجتمع معرفي أو شخص حامل للمعرفة هم بمثابة المصادر الأولية لرفد رأس المال الفكري الكلي.
ومع هذا الثراء والتنوع الشاسع في مكونات رأس المال الفكري تعالوا نقترب أكثر من الإدارة المتكاملة للأصول المعرفية، سنجد بأن هناك عدة سيناريوهات تشكل مسارات الوصول للفهم الواعي والمدرك لأهمية رأس المال الفكري اقتصاديًا ومعرفيًا، فإذا افترضنا على سبيل المثال بأن متخذي القرار لا يميلون للمخاطرة في ضخ استثمارات لرسم خريطة للأصول الفكرية لتسهيل عملية تحديد المعرفة الحاسمة «في أذهان» الخبراء، وتوثيقها أو نقلها إلى أشخاص آخرين بهدف تقليل مخاطر فقدان المعرفة، وهذا الوضع يعكس محور الأصول المعرفية غير الملموسة الكامنة في الأفراد، ويمكن إسقاط هذا المثال ذاته على المستوى التنظيمي والمؤسسي، وسنجد في هذا المثال أن النقطة المفصلية تكمن في ماهية الدوافع والمحركات التي شكلت قرار الإحجام عن الاستثمار في توثيق الأصول الفكرية، ففي الواقع لا يزال الارتباط بين قيمة الأصول غير الملموسة وكيفية تحديدها كميًّا أو معياريًّا غير متاح، ولذلك فإن جميع القرارات الكبرى المتعلقة برأس المال الفكري هي في الأصل موجهة إما بنهج الرصد المستمر لاحتياجات النمو الاقتصادي، أو بنموذج الانتهازية الاستراتيجية التي تتطلب القدرة على تعريف الفرص الذهبية واغتنامها.
ولكن هذه المنهجيات هي عامة لكل مجالات الأعمال، ولا تأخذ في الحسبان التعقيد الكبير في رأس المال الفكري، وكذلك لم تعد المؤشرات التقليدية قادرة على تمثيل الأصول المعرفية، وفي المقابل لا تزال هناك تحديات عميقة على المستوى العملي في سبيل فهم وإيجاد طرق موثوقة لتقييم أصول المعرفة غير الملموسة في المجمل، وتلك المرتبطة بشكل مباشر بمحور خلق القدرة التنافسية التي يمكنها أن تتحول إلى ميزة تنافسية استراتيجية، ونتيجة لذلك، شرعت معظم دول العالم التي تسعى لرفع تصنيف أدائها على مؤشر الابتكار العالمي إلى تحليل رأس المال الفكري في سياق القدرة التنافسية المحلية والإقليمية، وقد اكتسبت هذه العملية أبعادًا استشرافية، وذلك عبر رسم السيناريوهات المستقبلية الموجهة بمسارات رأس المال الفكري، وخصوصًا سيناريوهات «ماذا لو»، فالقدرة الإبداعية تختلف في السياقات المحلية، ويتعمق هذا التمايز على المستوى الإقليمي والدولي، مما يستوجب فهم وإيجاد طرق موثوقة لتقييم أصول المعرفة غير الملموسة، وتقييم رأس المال الفكري ليس لكونه يمثل الثروة المعرفية الجماعية وحسب، وإنما بالنظر إليه باعتباره مصدرا أساسيا لمدخلات الاقتصاد من حيث إتاحة المعرفة والكفاءات التي تعد ضرورية للنمو الاقتصادي الوطني، والتنمية البشرية، وتحسين جودة الحياة، ورفع المكانة العلمية والحضور المعرفي المؤثر في المؤشرات الدولية.
إن الدوافع الاستراتيجية من وراء الاستثمار في رأس المال الفكري على المستوى التنظيمي أو المؤسسي أو الوطني يجب ألا تقوم على فرضية التوافق بين المدخلات والمخرجات والأثر، وضمان أن التكلفة تعكس القيمة الفعلية للأصل، ولكنها تستوجب التعمق في عوائد القيمة الكامنة والمتأصلة في الأصول المعرفية غير الملموسة والتي يمكنها تغيير المشهد الابتكاري بأكمله، وتحقيق الأثر الاقتصادي والاجتماعي على المستقبل القريب والبعيد، ولذلك هناك محطات أساسية في رحلة تمكين محركات القيمة لرأس المال الفكري، وتأتي في مقدمتها التخطيط السليم والمدفوع بالطموح المستقبلي، ومعالجة أبعاد رأس المال الفكري بمنهجية مختلفة عن الأساليب التقليدية في صناعة واتخاذ القرارات، إذ أن من أهم ما يميز رأس المال الفكري هو الترابط الكبير بينها وبين الموجودات المعرفية والتراثية غير الملموسة مثل التاريخ والقيم والثقافات التراكمية، وهذا يعني بأن متطلبات الواقع قد أصبحت أكثر إلحاحًا في البحث عن فهم منهجي جديد يستند إلى الرؤى المستمدة من القيمة الرأسية لخلق القيمة من الاستثمار في رأس المال الفكري، ووضعها على رأس أجندة تعزيز اقتصاد المعرفة، وذلك لا يتأتى سوى بإدماج مفاهيم رأس المال الفكري في جميع الأنشطة المعرفية والبحثية والابتكارية، والبحث عن مسارات معززة لاكتساب القيمة، إذ لا يشترط الالتزام بما هو متاح في الأدبيات أو في الممارسات القائمة حاليًّا، والاكتفاء بتجارب الشركات الابتكارية الرائدة، فمفاهيم رأس المال الفكري هي حديثة النشأة رغم التأصيل الكبير في القيمة الاقتصادية للمعرفة والابتكار، وهذا في حد ذاته ميزة استراتيجية، إذ يمكن لمجموعات الممارسة المهنية والمؤسسات المنتجة للمعرفة إطلاق العنان في تجريب وتأسيس أطر ومقاييس حديثة تتناسب مع طبيعة المعرفة المنتجة وخواصها المميزة، وتوجيه الاستثمار لتنمية الأصول المعرفية غير الملموسة بشكل مستدام.
د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على المستوى
إقرأ أيضاً:
“بيتكوين” تواصل تسجيل مستويات قياسية .. بلغت 106.5 ألف دولار
المناطق_الرياض
ارتفع سعر “بتكوين” إلى مستوى قياسي جديد، ليواصل مسيرة الارتفاع التي أشعلها دعم الرئيس المنتخب دونالد ترمب للأصول الرقمية، وخطته لتحويل الولايات المتحدة إلى القوة المهيمنة في هذا القطاع.
زادت أكبر عملة مشفرة بأكثر من 3 % إلى مستوى غير مسبوق بلغ 106493 دولارا، متجاوزة ذروتها السابقة في 5 ديسمبر. ساعد التقدم في تعزيز المشاعر في سوق التشفير الأوسع.
أخبار قد تهمك بيتكوين تتجاوز 93 ألف دولار لأول مرة على الإطلاق 13 نوفمبر 2024 - 10:49 مساءً “بيتكوين” تسجل سعراً قياسياً يتجاوز 71 ألف دولار 11 مارس 2024 - 3:58 مساءًيتحرك ترمب نحو إنشاء خلفية تنظيمية ودية للأصول الرقمية، مما يؤدي إلى إبطال حملة صارمة فرضتها إدارة الرئيس جو بايدن. كما أيد الرئيس الجمهوري فكرة إنشاء مخزون “بتكوين” استراتيجي، على الرغم من أن الكثيرين يشككون في جدوى الفكرة.
إدارة أكثر ودا مع الصناعة
قالت آيا كانتوروفيتش، المؤسس المشارك لمنصة العملات المشفرة المؤسسية “أوغست”، على تلفزيون “بلومبرغ” إن “الكثير من الناس يبنون توقعاتهم على إدارة أكثر وداً مع الصناعة”. وأضافت أن التفاؤل ينعكس في الطلب على صناديق الأصول الرقمية المتداولة في البورصة.
وفي يوم الجمعة الماضي، قالت بورصة “ناسداك” العالمية، إن شركة “مايكروستراتيجي”، التي تجمع العملة المشفرة بانتظام، ستنضم إلى مؤشر “ناسداك 100”. وقد أثار تحول صانع البرمجيات إلى الرهان على “بتكوين” باستخدام السندات إعجاب وول ستريت. كانت الشركة تجمع رأس المال لضخ مليارات الدولارات في الأصول المشفرة.
سجلت “بتكوين” حتى يوم الأحد، سلسلة ارتفاعات استمرت سبعة أسابيع، وهي أطول سلسلة من هذا القبيل منذ 2021. لكن وتيرة المكاسب تباطأت مؤخراً، وهو ما قد يكون مؤشراً على أن “التراجع قد يكون قادماً”، كما كتب محلل السوق في “آي جي أستراليا” توني سيكامور في مذكرة.
تم تداول العملة المشفرة عند 106215 دولاراً اعتباراً من الساعة 8:39 صباحاً يوم الإثنين في سنغافورة. كما سجلت الرموز الأصغر مثل “إيثر” و”إكس آر بي”، و”دوج كوين” المفضل لدى جماهير الميم، زيادات أيضا.
اجتذبت صناديق الاستثمار المتداولة الأميركية، والتي تستثمر مباشرة في العملة المشفرة، 12.2 مليار دولار من التدفقات الصافية منذ فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر. كما اجتذبت منتجات مماثلة لعملة “إيثر”، ثاني أكبر الأصول الرقمية، 2.8 مليار دولار.