لجريدة عمان:
2025-01-19@03:20:46 GMT

رأس المال الفكري وسيناريوهات «ماذا لو»

تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT

اجتذبت الأصول المعرفية ورأس المال الفكري قدرًا كبيرًا من الاهتمام على مدى العقدين الماضيين، ولم يقتصر ذلك على الفضول العلمي من جانب الأكاديميين والباحثين والممارسين في الحقول العلمية، ولكنه امتد ليشمل الرؤساء التنفيذيين، وقادة الأعمال، والمخططين، وصناع السياسات، وهذا ما عجَّل بدوره في ظهور المبادرات التي ارتبطت برأس المال الفكري على المستوى التنظيمي، والوطني، والإقليمي كموارد استراتيجية، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل تأخر الالتفات إلى دور هذه «الأصول غير الملموسة» كعامل محفز للميزة التنافسية على الرغم من أن أهمية المعرفة والابتكار قد ترسخت منذ ظهور وتعاقب الثورات الصناعية؟

عندما يأتي الحديث عن رأس المال الفكري في سياق الاقتصاد المعاصر فإنه من الضروري إدراك الفرق بينه وبين موضوعات الملكية الفكرية، حيث تشكل الأصول الفكرية المظلة الكبرى التي تنطوي فيها جميع أشكال المعرفة والإنتاج الفكري وما يصاحبها من الملكية الفكرية، وكنظرة عامة وعالية المستوى فإن رأس المال الفكري يُعنى بشكل جوهري بالقيمة الاستراتيجية المكتسبة من الإدارة المتكاملة للمعرفة القيِّمة، والاستغلال الأمثل للتكنولوجيا، وبذلك فإنه لا يقل أهمية عن الموارد الاقتصادية الحاسمة الأخرى، ولكن ليست كل المعارف حاسمة لدعم التنمية، وفي ذات الوقت ليست جميعها قابلة للنقل والتداول واكتساب القيمة، ففي مجتمعات الممارسة المهنية تمتد الأصول الفكرية لتشمل المعرفة التقنية، والبرمجيات والخوارزميات، والحلول المنهجية، والفرضيات العلمية، والأطر النظرية، وقواعد البيانات، وبراءات الاختراع، والنماذج الابتكارية، وهذا يضعنا أمام حقيقة واقعية مفادها بأن كل مؤسسة أو مجتمع معرفي أو شخص حامل للمعرفة هم بمثابة المصادر الأولية لرفد رأس المال الفكري الكلي.

ومع هذا الثراء والتنوع الشاسع في مكونات رأس المال الفكري تعالوا نقترب أكثر من الإدارة المتكاملة للأصول المعرفية، سنجد بأن هناك عدة سيناريوهات تشكل مسارات الوصول للفهم الواعي والمدرك لأهمية رأس المال الفكري اقتصاديًا ومعرفيًا، فإذا افترضنا على سبيل المثال بأن متخذي القرار لا يميلون للمخاطرة في ضخ استثمارات لرسم خريطة للأصول الفكرية لتسهيل عملية تحديد المعرفة الحاسمة «في أذهان» الخبراء، وتوثيقها أو نقلها إلى أشخاص آخرين بهدف تقليل مخاطر فقدان المعرفة، وهذا الوضع يعكس محور الأصول المعرفية غير الملموسة الكامنة في الأفراد، ويمكن إسقاط هذا المثال ذاته على المستوى التنظيمي والمؤسسي، وسنجد في هذا المثال أن النقطة المفصلية تكمن في ماهية الدوافع والمحركات التي شكلت قرار الإحجام عن الاستثمار في توثيق الأصول الفكرية، ففي الواقع لا يزال الارتباط بين قيمة الأصول غير الملموسة وكيفية تحديدها كميًّا أو معياريًّا غير متاح، ولذلك فإن جميع القرارات الكبرى المتعلقة برأس المال الفكري هي في الأصل موجهة إما بنهج الرصد المستمر لاحتياجات النمو الاقتصادي، أو بنموذج الانتهازية الاستراتيجية التي تتطلب القدرة على تعريف الفرص الذهبية واغتنامها.

ولكن هذه المنهجيات هي عامة لكل مجالات الأعمال، ولا تأخذ في الحسبان التعقيد الكبير في رأس المال الفكري، وكذلك لم تعد المؤشرات التقليدية قادرة على تمثيل الأصول المعرفية، وفي المقابل لا تزال هناك تحديات عميقة على المستوى العملي في سبيل فهم وإيجاد طرق موثوقة لتقييم أصول المعرفة غير الملموسة في المجمل، وتلك المرتبطة بشكل مباشر بمحور خلق القدرة التنافسية التي يمكنها أن تتحول إلى ميزة تنافسية استراتيجية، ونتيجة لذلك، شرعت معظم دول العالم التي تسعى لرفع تصنيف أدائها على مؤشر الابتكار العالمي إلى تحليل رأس المال الفكري في سياق القدرة التنافسية المحلية والإقليمية، وقد اكتسبت هذه العملية أبعادًا استشرافية، وذلك عبر رسم السيناريوهات المستقبلية الموجهة بمسارات رأس المال الفكري، وخصوصًا سيناريوهات «ماذا لو»، فالقدرة الإبداعية تختلف في السياقات المحلية، ويتعمق هذا التمايز على المستوى الإقليمي والدولي، مما يستوجب فهم وإيجاد طرق موثوقة لتقييم أصول المعرفة غير الملموسة، وتقييم رأس المال الفكري ليس لكونه يمثل الثروة المعرفية الجماعية وحسب، وإنما بالنظر إليه باعتباره مصدرا أساسيا لمدخلات الاقتصاد من حيث إتاحة المعرفة والكفاءات التي تعد ضرورية للنمو الاقتصادي الوطني، والتنمية البشرية، وتحسين جودة الحياة، ورفع المكانة العلمية والحضور المعرفي المؤثر في المؤشرات الدولية.

إن الدوافع الاستراتيجية من وراء الاستثمار في رأس المال الفكري على المستوى التنظيمي أو المؤسسي أو الوطني يجب ألا تقوم على فرضية التوافق بين المدخلات والمخرجات والأثر، وضمان أن التكلفة تعكس القيمة الفعلية للأصل، ولكنها تستوجب التعمق في عوائد القيمة الكامنة والمتأصلة في الأصول المعرفية غير الملموسة والتي يمكنها تغيير المشهد الابتكاري بأكمله، وتحقيق الأثر الاقتصادي والاجتماعي على المستقبل القريب والبعيد، ولذلك هناك محطات أساسية في رحلة تمكين محركات القيمة لرأس المال الفكري، وتأتي في مقدمتها التخطيط السليم والمدفوع بالطموح المستقبلي، ومعالجة أبعاد رأس المال الفكري بمنهجية مختلفة عن الأساليب التقليدية في صناعة واتخاذ القرارات، إذ أن من أهم ما يميز رأس المال الفكري هو الترابط الكبير بينها وبين الموجودات المعرفية والتراثية غير الملموسة مثل التاريخ والقيم والثقافات التراكمية، وهذا يعني بأن متطلبات الواقع قد أصبحت أكثر إلحاحًا في البحث عن فهم منهجي جديد يستند إلى الرؤى المستمدة من القيمة الرأسية لخلق القيمة من الاستثمار في رأس المال الفكري، ووضعها على رأس أجندة تعزيز اقتصاد المعرفة، وذلك لا يتأتى سوى بإدماج مفاهيم رأس المال الفكري في جميع الأنشطة المعرفية والبحثية والابتكارية، والبحث عن مسارات معززة لاكتساب القيمة، إذ لا يشترط الالتزام بما هو متاح في الأدبيات أو في الممارسات القائمة حاليًّا، والاكتفاء بتجارب الشركات الابتكارية الرائدة، فمفاهيم رأس المال الفكري هي حديثة النشأة رغم التأصيل الكبير في القيمة الاقتصادية للمعرفة والابتكار، وهذا في حد ذاته ميزة استراتيجية، إذ يمكن لمجموعات الممارسة المهنية والمؤسسات المنتجة للمعرفة إطلاق العنان في تجريب وتأسيس أطر ومقاييس حديثة تتناسب مع طبيعة المعرفة المنتجة وخواصها المميزة، وتوجيه الاستثمار لتنمية الأصول المعرفية غير الملموسة بشكل مستدام.

د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على المستوى

إقرأ أيضاً:

شايب يتباحث مع وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة

التقى، كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية، المكلف بالجالية الوطنية في الخارج، سفيان شايب، اليوم، مع وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، نور الدين واضح. 

اللقاء جاء تنفيذا للتوجيهات السامية لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، القاضية بضرورة مرافقة أبناء الجالية الوطنية بالخارج من أجل الاستثمار في وطنهم.

وخلال اللقاء تباحث الطرفان السبل العملية التي من شأنها تعزيز دور الجالية الوطنية بالخارج في الحركية الاقتصادية التي تعرفها بلادنا. خاصة في مجال المؤسسات الناشئة والابتكار باعتبارها إحدى الركائز الأساسية في بناء اقتصادنا الوطني.

ومن جهته، أكد سفيان شايب، أن أفراد الجالية الوطنية بالخارج، خاصة الشباب منهم، يولون اهتماما كبيرا بالاستثمار في هذا المجال في بلادنا. لا سيما أنه أصبح قاطرة للتنمية في العديد من الدول، وهو ما عبّر عنه أفراد جاليتنا خلال مختلف اللقاءات التي جمعته بهم.

وتابع شايب، في السياق ذاته، حرصه التام بالعمل والتعاون مع مختلف القطاعات الحكومية للدفع إلى خلق الإطار المناسب الذي يسمح لحملة الأفكار والمشاريع المبتكرة من أبناء الجالية بتجسيد مشاريعهم في الجزائر.

في حين، أكد نور الدين واضح، أن مصالح وزارته لن تدخر أي جهد في تحقيق هذه الأهداف التي من شأنها إعطاء الفرصة للطاقات الوطنية بالخارج. خاصة في مجالات تتعلق بالابتكار والذكاء الاصطناعي والخدمات التي من شأنها تقديم إضافة معتبرة للمجهودات الكبيرة التي تقوم بها الحكومة.

وفي ختام اللقاء، تم الاتفاق على تأسيس فريق عمل بين القطاعين يشرف على متابعة تجسيد المحاور التي تم التطرق إليها في أقرب الآجال الممكنة، وفق نظرة تعكس التوجه الاقتصادي الجديد لبلادنا وتساهم في تعزيز فرص أبنائنا بالخارج بالاستثمار في وطنهم.

مقالات مشابهة

  • غدًا.. انطلاق "حوار المعرفة العُماني التركي" بمسقط
  • محمد الشرقي يؤكد أهمية تعزيز الوعي الصحي
  • جدلية التغيير الفكري
  • فهم القيمة القانونية الكبرى لاتفاق الهدنة في غزة
  • لطيفة بنت محمد: المجتمع الإبداعي جزء من رصيد منطقتنا الفكري
  • شايب يتباحث مع وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة
  • بهجت العبيدي يطلق باكورة مشروعه الفكري في معرض القاهرة الدولي للكتاب
  •  قمة المليار متابع: لفتة القرقاوي تُخلّد احترام المعرفة
  • مكتبة الإسكندرية تُشارك في معرض القاهرة للكتاب 2025 بخصم 20% على إصدراتها
  • عودة الكباش السياسي..وسيناريوهات تُعيدنا الى العهد السابق!!