لجريدة عمان:
2024-09-15@14:17:18 GMT

سلامة الفكر وفكر السلام

تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT

يرتبط السلام سلوكيًّا بما تفرغه القيم من منهجيات تؤطرها أفعال الفرد مع مرور الأيام، فتغدو مسارًا له وآفاقا رحبة يبني عليها رؤاه، ويصنع حولها آراءه واتجاهاته الفكرية. وهذه الأخيرة ستكون منبثقة من اعتلاجاته النفسية، التي ستكون عناوين جانبية من كتاب فهرسته الأيام من خلال الأحداث المعاشة منذ نعومة الأظافر.

ستصنف الأحداث أفعالها وفق معطيات السلوك المعرفي والذي كما أسلفنا هو النتيجة الحقيقية التي لا مراء فيها ولا جدال حولها؛ كونها تشربت من التربية المؤسسة لركائز الفكر. فكل تصرف أو ردة فعل سيكون محاكا للركيزة المزروعة في قناعة الفهم. وبالتالي لن يكون هناك أي تضاد أو تناقض في التفكير أو التفسير. إن سلمنا جزافا وجود فكر آخر ومنهجية أخرى تحاول أن تدحض ما تسمعه، سنطرح سؤالًا جزافا على أنفسنا، لماذا لن يكون هناك أي تناقض؟! لماذا نتأكد ونجزم بكل معان التأكيد؟!. الجواب سيكون مرتبطا ومتصلا بروح القناعة التي أسست تلك الثقة، وصممت بنيان الاقتناع من خلال التغذية الفكرية (أيًا كانت) والتي كانت بمثابة أساس البنيان العقلي وصمام الاستيعاب الفكري. كون هذا الاستيعاب الفكري لم يتأت من فراغ وإنما أخذ من كل مراحل المنهجية الفكرية، والتي ستكون غالب استنباطها المعارف والمعلومات والبيانات الحقيقية، والتي ستكون مصادرها موثوقة قطعًا. هذه المتتالية الفكرية لا تبني لذاتها مكانة إلا إذا كانت قد اقتنعت بأن كل ما يغذيها نافعًا ومفيدًا. هذا التوازن العقلي مرده بالتأكيد في الأول والأخير مدى قدرة العقل على تأطير مفهومه لكل ما من شأنه تدثير النفس بطمأنينة الثقة العلمية التي نهل منها عن طريق الحواس المرتبطة بمزج المعرفة بالمعلومة وتشكيلها كمنظومة متكاملة من القناعة المعرفية. نعم ستتربع تلك المنظومة الفكرية على عرش الصناعة الفكرية بامتياز، صناعة السلام الفكري المعرفي لا يتأتى إلا بتوفر المنظومات المذكورة آنفا.. كما أنها لن تجد لها مكانًا بسهولة في المساحات الشاسعة من السماوات الفكرية المتعددة في الزمن الراهن، حيث التقنيات تراهن على بذل المزيد من الابتكارات، وحيث التحدي العلمي لا تنطفئ جذوته.. بل كل يوم في اشتعال وتأجج. فالسلام الفكري لا ينفك بارتباطه بالسلوكيات المنبثقة على هيئة تراكمات بنت أعشاشها منذ أن كان الإنسان جنينا في بطن أمه. ولا تسطع شمسه المعرفية إلا إذا شحذنا تلك الجذوة المغموسة في قلب القيم، لتغدو منهجًا مؤطرا لكل فعل أو رد فعل، وتصبح هوية يعرف بها السلوك المعرفي الأخلاقي. لكن يبقى السؤال الذي دائما ما يتردد في الأذهان.. هل كل إضافة فكرية ومستنبطة من عصارة الأفكار.. تكون مقبولة ومفهومة من قبل العقول الأخرى أيا كانت ثقافتها وعلمها؟!. أعتقد بأن المفاهيم باتت في تغيير كمي ونوعي وذلك حسب الاتجاهات الفكرية والمسالك العلمية والمناهج المتنوعة والثقافات المرتبطة بالبيئة التي نشأت وترعرعت فيها. ولذلك نرى الردود الفعلية المختلفة (إيجابية - سلبية). وما على الإنسان الواعي إلا أن يتقبل وجهات النظر المختلفة ويكيفها لتتوافق مع وجهة نظره (إن اقتنع بذلك) وإن لم يقتنع فما عليه إلا أن يحترمها. فارتباط السلام الفكري سلوكيًّا ينصبّ في الأخير في بوتقة التصالح مع النفس ومعنى ذلك التصالح مع الأفكار الأخرى دامها تتوافق مع الأخلاق والسلوكيات القيمة، والتي لا ترتبط بالديانات أو ما شابه؛ لأن مصدرها بالتأكيد تربية راقية سامية.. ومنبعها أخلاق رفيعة تسطع من شمس الاحترام ونبل التقدير.

ماجد بن علي الهادي كاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مجتمع النفايات الفكرية «٢»

تحولت منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة إلى آفة كل المجتمعات خاصة العربية التي حولت روادها الي «مدمنين نت» حتى نسفت كل شىء في حياتهم اليومية وتلاشت كل أنواع الإبداع والابتكار، ماعدا اختراع محتوى هابط يحصد ملايين المشاهدات من أجل الربح السريع من هذا «النت»، الي حد وصل إلى الهوس، سقط فيه هيبة الحياء في قلوب بعض أصحاب القيم والمبادئ، ولا يكترث أبدا إذا استباحت الأعراض وتلونت المشاعر وزيفت الشخصيات، تحت أقنعة لبطولات زائفة، حتى انتشرت الفحشاء ومنكرات كثيرة استساغها القلب بِسببِ كثرة المرور والاطِلاع وتنازلات تتبعها تنازلات وقسوَة تعقبها قسوة.. وهكذا حتى أصبح المجتمع عبيدا لهذا «النت».. نوع حديث من النفايات الفكرية انتشر خلال العشر سنوات الاخيرة، التي أصبحت جيوشا تغزو العقول والقلوب،  لتدمر البراءة والنقاء والطهر، أسلحة الجيل الرابع والخامس والسادس لتدمير عقول البشرية أكثر فتكا من أسلحة الدمار الشامل، ادمان الهواتف سبب المزيد من القلق والتوتر والكره والحقد والتمرد سواء على المستوى الشخصي أو الأسرة أو المجتمعي، فالكل يعيش حالة من الهوس،  ولو انقطع النت لدقائق فقط «قامت الدنيا وقعدت» شىء عجيب.. الجميع مصاب بالعزلة الأسرية، وقد ينتهي الأمر بالانهيار وانفصال الزوجين وضياع الأطفال، اللهم فقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في حدوث الخلافات والمشكلات العائلية والزوجية بشكلٍ خاص ومستمر؛ نتيجة لما يحدث من مقارنات بين الحياة الأسرية لأحد أفراد الأسرة وما يراه عبر الشبكة العنكبوتية الشيطانية، الأمر الذي يؤدّي بدوره إلى مشاعر الاستياء والإحباط بين كافة أفراد الاسرة، تسبب العزلة والغربة لكل افراد العائلة، فضلا عن أنها تسبب القلق النفسي، والافراط في استخدامها يبدد الوقت ويجعل الشخص اسيرا لها لانشغاله الدائم بها، مما يفقد الفرد الحوار  مع نسمات فجر أفراد عائلته ويظل مرتبطا بما توفره له هذه الأداة من خدمات سواء كانت ضرورية له أم غير ذلك.

عزيزي القارئ تقدر تعيش اسبوعا بدون هاتف؟ بدون كل السوشيال ميديا بأنواعها؟ جرب إن استطعت وستتفهم بعدها معاناة مدمني المخدرات أنت مجرد مدمن مثلهم، الفرق هو في مادة الإدمان وتفوتها من ناحية التحريم. والادمان على التليفون له ضرر كبير علي الدماغ والشخصية، ونظرتك للعالم نحن في خطر أو ربما نعيش فيه منذ زمن بعيد..!!

الإنترنت في أقسى أنواع النفايات البشرية تأثيرا على ربط العقول وتسخير القلوب، اللهم وتوجيه الأهواء الي طرق مظلمة، اللهم ضالة، لا نهاية لها. 

«النت» دولة جمعت كلّ شعوب العالم في عالم افتراضي يسبح في فضاء ملوث بالنفايات الفكرية التي تسيطر على العقول في أقصر وقت ممكن بل وتوجيهها لاحاكم فيها إلا ‏العقل والذوق، الدين، التربية والأخلاق، ‏فإذا كانت بصمة اصبعك ‏تثبت هويتك الشخصية ‏فبصمة لسانك تثبت حصاد‏ تربيتك ورقي أخلاقك، فاجعل من نفسك أثرًا جميلاً يطبع في نفوس البشر.

وفي النت أحوال وأطوار، اللهم وأذواق قد لا تناسبك أبدا، المشاعر فيه خادعة وزائفة.. ومهما كان قلبك أبيض وبتحب الخير؛ فأنت شخص شرير عند بعض الناس، مهما كانت تصرفاتك تلقائية وبسيطة؛ فهي تصرفات مقصودة ومدروسة عند بعض الناس، مهما كانت نيتك سليمة؛ فأنت نيتك سودا عند بعض الناس، مهما كانت جدعنتك؛ فهي حب للظهور عند بعض الناس. و«انت محتاج تقبل إن مش كل الناس هتحب تعرفك على حقيقتك مهما حاولت تبنيها...ولا تعلم متى نشفي من إدمان هذا «النت» المتهم بإفساد الإحساس الاجتماعي، وتدهور اخلاقيات الذوق العام.

مما يعني تغيرا في منظومة القيم الاجتماعية للافراد والجماعات.

رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية

‏[email protected]

مقالات مشابهة

  • عطاف يستقبل ممثل المنظمة العالمية للملكية الفكري
  • مسؤول بالرئاسة الإيرانية: الحوثيون يسمحون للسفن بالمرور إلى اسرائيل مقابل المال والتي لا تدفع يستهدفونها
  • تفاصيل رأس المال الفكري وركائزه الثلاث (فيديو)
  • من هي الميليشيا التي وصفها الصدر بالوقحة وطردها من جناحه العسكري؟
  • ‏الشهري: الأهداف التي تلقاها النصر كانت من أخطاء في بناء الهجمة.. فيديو
  • “خليفة العالمية للتعليم المبكر”: دور حيوي للأسرة والمدرسة في بناء المحتوى المعرفي للطفل
  • مفهوم الفكر الواقعى المعاصر
  • مفتي الجمهورية يهنِّئ شيخ الأزهر بالمَولد النبوي ويشيد بدوره في نشر الفكر المستنير ومواجهة التطرف
  • الصور الأولى للسفينة التي كانت متجهة إلى مصر وقصفتها روسيا
  • مجتمع النفايات الفكرية «٢»