الانتقال الآمن إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
محمد بن زاهر العبري
لا شك أنَّ البشرية بشتى قطاعاتها عن قريب مُقبلة على تغيير هائل في أنماط تعاطي المعارف المتنوعة من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يعد بثورة كُبرى في النمو المعرفي البشري، فمن إعداد الدراسات البحثية إلى فرز محتوى المؤتمرات العالمية والمنتديات الثقافية إلى رفد سيناريوهات جيوسياسية وأفلام وثائقية، مرورًا بتغيير أنماط خُطب الجمعة وأساليب الإلقاء وتقديم المحادثات المقنعة القائمة على البرهنة والتفكير الناقد، إلى ابتكار قصص للأطفال وتبسيط المعارف الفلسفية والفيزيائية لمرحلة ما قبل المدرسة، إلى عرض النظريات في الكوانتا والانطولوجيا لأطفال الابتدائية، وهكذا لن يبقى حقل معرفي إلا وسيجري عليه الذكاء الاصطناعي قلمه، الأمر الذي لا محيص عن قبوله.
لكن الهاجس المقلق هو كيف يمكن الانتقال الآمن إلى هذا العالم والاستفادة القصوى منه، وتنظيم التعامل معه خصوصا على مستوى الأطفال بحيث يتم استخدامه طبق الإرشاد التربوي لتعزيز النمو الثقافي والمعرفي؟
يقترح الخبراء النقاط التالية:
ستظل الأسرة المسؤول الأول والأخير عن كيفية ارتياد الطفل لعوالم الذكاء الاصطناعي، ويلعب حوار الأم والأب مع الأطفال حول مواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي الدور الأكبر في تأسيس منطلقات ودوافع اقتحام هذه العوالم لدى الأطفال. ومن الجيد أن تكون بين الأم وعيالها جلسة لارتياد أحد برامج الذكاء الاصطناعي لأجل تصميم حديقة مثلا أو منزل الأحلام، أو إعداد موضوع قد يكون مطلوبا معرفته خلال الفصول الدراسية. وهذا يؤسس في الأطفال "توجهًا ذكيًا" لاستخدام برامج الذكاء الاصطناعي. المدارس من جانبها- مستقبلًا- من المتوقع أن يشهد الذكاء الاصطناعي حضورًا في أنشطتها وبرامجها بشكل مكثف، وهذا يتطلب من طواقم التدريس الاستعداد للانتقال إلى مرحلة ما بعد الكتاب المدرسي، ومن المُفارقات أن نرى أن كتاب "المهارات الحياتية" الصادر عن وزارة التربية والتعليم في بعض المراحل الدراسية يتناول كيفية الاستحمام بالماء والصابون، في حين أن ذات المادة في بعض البلدان تطلب من الطلبة إعداد جدوى الموانئ في اقتصاديات البلدان عبر استخدام نطاق الذكاء الاصطناعي. الحديث عن المخاطر التي قد تنشأ من استخدام الذكاء الاصطناعي والتحديات التي تحف بهذا الاستخدام لا ينبغي أن يخلو منه بيت أو مدرسة. وقد يجد الأطفال في ذلك تحديًا لثقافتهم وتراثهم ودينهم، كل ذلك يتطلب تدخل الخبراء في مرحلة مبكرة من إقبال الأطفال على هذه البرمجيات. سوف تلعب هذه البرمجيات خلال المرحلة المقبلة دورًا في تقديم الدعم النفسي والذهني للصغار، وسيكون بالإمكان استخدامها في معالجة التنمُّر، والتحرش الجنسي، وفرط الحركة، وحب الانزواء، وعدم القدرة على التفاعل مع الآخرين، لذا من الضروري معرفة كيف يمكن استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي لدعم فئات من هذا النمط من الأطفال.قد يتطلب الانخراط في هذه المساقات تنشيط البؤر الثقافية الاجتماعية بالتعاون الوثيق مع وزارة التربية والتعليم للتواجد في المرحلة العصرية؛ إذ لا زلنا لا نشهد ندوات ثقافية تتناول مستقبل التعليم والتربية على ضوء التقدم العلمي الهائل في تبسيط المعرفة، كما لا زلنا في توقٍ لمعرفة مناهجها وخططها لتدشين عملية التعليم التفاعلي مع هذه البرمجيات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الدماغ البشري يتفوّق على الذكاء الاصطناعي في حالات عدّة
لا شك أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد حققت إنجازات مذهلة، بدءًا من إتقان الألعاب وكتابة النصوص وصولًا إلى توليد الصور ومقاطع الفيديو المقنعة.
وقد دفع ذلك البعض إلى الحديث عن إمكانية أن نكون على أعتاب الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو نظام ذكاء اصطناعي يمتلك قدرات معرفية شاملة تشبه قدرات الإنسان.
في حين أن بعض هذا الحديث ما هو إلا ضجة إعلامية، إلا أن عددًا كافيًا من الخبراء في هذا المجال يأخذون الفكرة على محمل الجد، مما يستدعي إلقاء نظرة فاحصة عليها.
تحديات تعريف الذكاء الاصطناعي العامتدور العديد من النقاشات حول مسألة كيفية تعريف الذكاء الاصطناعي العام، وهو أمر يبدو أن الخبراء في هذا المجال لا يتفقون عليه.
ويساهم هذا في ظهور تقديرات متباينة حول موعد ظهوره، تتراوح بين "إنه موجود عمليًا" إلى "لن نتمكن أبدًا من تحقيقه". وبالنظر إلى هذا التباين، يستحيل تقديم أي نوع من المنظور المستنير حول مدى قربنا من تحقيقه.
لكن لدينا مثال موجود على الذكاء العام بدون "الاصطناعي" - وهو الذكاء الذي يوفره دماغ الحيوان، وخاصة الدماغ البشري.
ومن الواضح أن الأنظمة التي يتم الترويج لها كدليل على أن الذكاء الاصطناعي العام قاب قوسين أو أدنى لا تعمل على الإطلاق مثل الدماغ. قد لا يكون هذا عيبًا قاتلًا، أو حتى عيبًا على الإطلاق. من الممكن تمامًا أن يكون هناك أكثر من طريقة للوصول إلى الذكاء، اعتمادًا على كيفية تعريفه.
لكن من المحتمل أن تكون بعض الاختلافات على الأقل مهمة من الناحية الوظيفية، وحقيقة أن الذكاء الاصطناعي يسلك مسارًا مختلفًا تمامًا عن المثال العملي الوحيد الذي لدينا من المرجح أن يكون ذا مغزى.
مع وضع كل ذلك في الاعتبار، دعونا نلقي نظرة على بعض الأشياء التي يقوم بها الدماغ والتي لا تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية القيام بها.
أشارت أرييل جولدشتاين، الباحثة في الجامعة العبرية في القدس، إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية "مجزأة" في قدراتها. فقد تكون جيدة بشكل مدهش في شيء ما، ثم سيئة بشكل مدهش في شيء آخر يبدو مرتبطًا به.
وأكدت عالمة الأعصاب كريستا بيكر من جامعة ولاية كارولينا الشمالية على هذه النقطة، مشيرة إلى أن البشر قادرون على تطبيق المنطق في مواقف جديدة دون الحاجة إلى إعادة تعلم كل شيء من الصفر.
ذكر ماريانو شاين، مهندس جوجل الذي تعاون مع جولدشتاين، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى الذاكرة طويلة المدى والمخصصة للمهام، وهي القدرة على نشر المهارات المكتسبة في مهمة ما في سياقات مختلفة.
أشارت بيكر إلى وجود تحيز نحو تفضيل السلوكيات الشبيهة بالسلوك البشري، مثل الردود التي تبدو بشرية والتي تولدها نماذج اللغات الكبيرة.
في المقابل، يمكن لذبابة الفاكهة، بدماغها الذي يحتوي على أقل من 150 ألف خلية عصبية، دمج أنواع متعددة من المعلومات الحسية، والتحكم في أربعة أزواج من الأطراف، والتنقل في بيئات معقدة، وتلبية احتياجاتها من الطاقة، وإنتاج أجيال جديدة من الأدمغة، وأكثر من ذلك.
الاختلافات الرئيسية بين الدماغ البشري والذكاء الاصطناعيتستند معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، بما في ذلك جميع نماذج اللغات الكبيرة، على ما يسمى بالشبكات العصبية.
تم تصميم هذه الشبكات لتقليد كيفية عمل بعض مناطق الدماغ، مع وجود أعداد كبيرة من الخلايا العصبية الاصطناعية التي تأخذ مدخلات وتعدلها ثم تمرير المعلومات المعدلة إلى طبقة أخرى من الخلايا العصبية الاصطناعية. لكن هذا التقليد محدود للغاية.
فالخلايا العصبية الحقيقية متخصصة للغاية، وتستخدم مجموعة متنوعة من الناقلات العصبية وتتأثر بعوامل خارج الخلايا العصبية مثل الهرمونات. كما أنها تتواصل من خلال سلسلة من النبضات المتغيرة في التوقيت والشدة، مما يسمح بدرجة من الضوضاء غير الحتمية في الاتصالات.
تهدف الشبكات العصبية التي تم إنشاؤها حتى الآن هي إلى حد كبير أنظمة متخصصة تهدف إلى التعامل مع مهمة واحدة.
في المقابل، يحتوي الدماغ النموذجي على الكثير من الوحدات الوظيفية التي يمكنها العمل بالتوازي، وفي بعض الحالات دون أي نشاط تحكمي يحدث في مكان آخر في الدماغ.
تمتلك أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية عمومًا حالتين: التدريب والنشر. التدريب هو المكان الذي يتعلم فيه الذكاء الاصطناعي سلوكه؛ النشر هو المكان الذي يتم فيه استخدام هذا السلوك.
في المقابل، لا يحتوي الدماغ على حالات تعلم ونشاط منفصلة؛ إنه في كلا الوضعين باستمرار، بينما في كثير من الحالات، يتعلم الدماغ أثناء العمل.
بالنسبة للعديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي، لا يمكن تمييز "الذاكرة" عن الموارد الحسابية التي تسمح لها بأداء مهمة والاتصالات التي تم تشكيلها أثناء التدريب. في المقابل، تمتلك الأنظمة البيولوجية عمرًا من الذكريات للاعتماد عليها.
القيود والتحدياتمن الصعب التفكير في الذكاء الاصطناعي دون إدراك الطاقة الهائلة والموارد الحسابية المستخدمة في تدريبه. لقد تطورت الأدمغة في ظل قيود هائلة على الطاقة وتستمر في العمل باستخدام طاقة أقل بكثير مما يمكن أن يوفره النظام الغذائي اليومي.
وقد أجبر هذا علم الأحياء على إيجاد طرق لتحسين موارده والاستفادة القصوى من تلك التي يخصصها لمهمة ما.
في المقابل، فإن قصة التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي هي إلى حد كبير قصة رمي المزيد من الموارد عليها.
ويبدو أن خطط المستقبل (حتى الآن على الأقل) تشمل المزيد من هذا، بما في ذلك مجموعات بيانات تدريب أكبر وعدد أكبر من الخلايا العصبية الاصطناعية والوصلات بينها.
كل هذا يأتي في وقت تستخدم فيه أفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية بالفعل ثلاثة أضعاف الخلايا العصبية التي نجدها في دماغ ذبابة الفاكهة وليس لديها أي مكان قريب من القدرات العامة للذبابة.