جنين- رغم كل الأخبار التي خرجت من الحي الشرقي لمدينة جنين شمال الضفة الغربية خلال أيام حصاره الستة الماضية، فإن ما كشف عنه انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي -أمس الاثنين- من دمار هائل أحدث صدمة كبيرة لسكانه وأهالي المدينة بشكل عام.

شهادات صعبة أدلى بها أهالي الحي الذين باتوا 6 أيام تهددهم جرافات الاحتلال وعدد كبير من الجنود المشاة الذين حولوا المنازل لنقاط عسكرية واستقروا فيها.

وفور الإعلان عن انسحاب قوات الاحتلال من الحي، خرج من بقي في منزله لتفقد الدمار والخراب، في حين توافد أهالي الأحياء الأخرى من جنين للاطمئنان على أقاربهم ومعرفة ما جرى الأيام الماضية.

دمار هائل

وبجهد كبير، يتنقل الأهالي مشيا على الأقدام في ما كانت تُعرف بشوارع الحي، التي حولتها الجرافات الإسرائيلية لبقعة دمار ضخمة.

"أقف منتصف منزلي، وكأنني في الشارع"، قال رشدي حثناوي (70 عاما)، الذي دمر الاحتلال منزله وهدم جدرانه، وأضاف "لم يتركوا حجرا على حجر، كأن لهم ثأرا مع شوارع الحي ومنازله، وكل شيء فيه".

وبينما بدت عليه علامات الصدمة والتعب، تابع حثناوي -الذي عاش جل حياته في الحي- "لقد دمروا المنزل وبيوت الجيران، ما يحدث اليوم صادم وموجع، لكني أفكر بأهالي المخيم، لأن الدمار فيه أكبر، ووضع سكانه أصعب".

دمار هائل في منازل المواطنين في الحي الشرقي من جنين (الجزيرة)

وكان الاحتلال قد قتل مسنا فلسطينيا قبالة مسجد خالد بن الوليد في الحي الشرقي ذاته، وترك جثمانه على الأرض لساعات، ومنع اقتراب الناس منه لمحاولة نقله، ثم سارت آلية عسكرية فوقه داهسة قدميه وأكملت تجريفها للشارع.

وحسب أحد الشبان، الذي فضّل حجب اسمه، أطلق الاحتلال عددا كبيرا من الرصاص على المسن، ثم تركوه مرميا على الأرض، ومنعوهم من إسعافه. وحين تأكدوا من استشهاده -يضيف الشاب- أجبرهم الاحتلال على الخروج من منزلهم والمرور من جانب جثمانه، ولم يسمحوا لهم بنقله، وكانوا يصرخون عليهم والسلاح بأيديهم، وبعدها شاهد الشاب الآلية تدهس قدمي الشهيد وتمضي في طريقها.

وحشية غير مسبوقة

وأمس الاثنين، عاد ابن الحي محمد أبو غالي لتفقد منزله بعد نزوحه منه في أول أيام الحملة العسكرية الإسرائيلية على جنين. وقال للجزيرة نت "لا يوجد منزل لم يتضرر، مدخل منزلي اختلط بمدخل بيت الجيران، هدموا السور وساحة البيت، بهذه الحال لا يمكن أن نعود إليه، كل شيء مدمر ولا يصلح للسكن، عدا عن انقطاع المياه".

وُلد أبو غالي في هذا الحي، ويوضح أنه أمضى فيه 46 عاما من عمره، وعايش فترة اجتياح جنين الكبير عام 2002، وأنه لا تمكن مقارنتها بما حدث خلال هذه الأيام الستة، ويؤكد أنهم "لم يعانوا حينها كما يعانون الآن، وأن الحي لم يدمَّر كما اليوم، ولم يُحرموا من الغذاء والكهرباء والماء مثل اليوم".

أما أبو حسن السعدي، الذي شهد الانتفاضة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي واجتياح جنين، فيعتبر أن "وحشية الاحتلال هذه المرة تفوق كل السنوات الماضية".

ويصف السعدي -للجزيرة نت- كيف احتجز جنود الاحتلال عائلته وأسرة جيرانه منذ الساعات الأولى لحصار الحي في الطابق الأرضي، وشرعوا بالانتقال من طابق لآخر وصولا إلى الثالث، ودمروا كل شيء مروا به، في حين احتجزوا أولاده الاثنين بعد تعصيب أعينهما في مطبخ المنزل.

مياه الصرف الصحي في شوارع الحي الشرقي (الجزيرة)

وطوال فترة وجود الجنود في البيت، منعوهم من التحرك من الغرفة، واحتجزوا الأولاد في المطبخ ثم نقلوهم في الليل إلى المنطقة العليا من الحي وأبقوا عليهم حتى الساعة الثانية فجرا ثم أفرجوا عنهم، كما يضيف.

ويتابع "بقينا أياما من دون كهرباء ولا ماء، كل الطعام والخضار الذي كان في الثلاجات تلف، المياه في الشارع، وحتى الآن ننقل الماء بالغالونات من المساجد، شوارع الحي لا يمكن السير فيها لكثرة الركام ولتراكم مياه الصرف الصحي".

ويعتبر السعدي أن كل الدمار بسيط مقابل رعب الأهالي والأطفال من سلوك جيش الاحتلال في المنازل التي دهمها خلال الحصار، وصوت إطلاق النار وصراخ الجنود ووحشيتهم.

أهالي الحي الشرقي يعودون لتفقد منازلهم بعد انسحاب جيش الاحتلال (الجزيرة) خسائر بالملايين

ومع انسحاب قوات الاحتلال من الحي، توجهت قوة عسكرية إسرائيلية -ترافقها 4 جرافات- إلى مركز المدينة المعروف باسم "دوار السينما"، حيث بدأت عملية تدمير واسعة أيضا. وخلال أقل من نصف ساعة، كانت الجرافات تسحق كل ما تمر به في المنطقة وتغير معالم المدينة بشكل كامل. وهو ما وُصف بأكبر عملية تدمير تحدث لها منذ احتلال المدينة بعد حرب 1967.

وتُقدر بلدية جنين كمية الخسائر في البنية التحتية والشوارع خلال الأسبوع الأخير (أي منذ بداية اقتحام المدينة المتواصل) بقرابة 50 مليون شيكل (الدولار= 3.7 شيكلات)، والأرقام في تضاعف مع زيادة مدة الاقتحام واتساع دائرة التدمير. وتؤكد أن تحديثات الخسائر تجري كل ساعتين.

الاحتلال جرّف شوارع الحي كافة ودمر جدران المنازل (الجزيرة)

وفي السياق، يقول رئيس بلدية جنين نضال العبيدي إنه "من تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى بدء العملية العسكرية المتواصلة في جنين، رصدنا خسائر تقدر بـ100 مليون شيكل، وخلال الأيام السبعة الماضية فقط، وصلت إلى 50 مليون شيكل".

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف العبيدي أن طواقم البلدية لم تتمكن حتى الآن من دخول الحي الشرقي ورصد عدد المنازل المدمرة كليا أو المتضررة بشكل جزئي، بسبب انتشار جيش الاحتلال في كل مناطق المدينة، ومنعهم من العمل على الأرض.

لكن النداءات الواصلة من الحي تكشف أن الدمار لحق بجُل المنازل، إضافة إلى ضرب شبكة الصرف الصحي والخطوط الرئيسية المزودة للماء والكهرباء، "باختصار، أصف ما حدث في جنين بأنه زلزال"، يختم العبيدي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحی الشرقی شوارع الحی من الحی

إقرأ أيضاً:

رئيس «رفح الفلسطينية»: 60% من المدينة تحت سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي

أعلن رئيس بلدية رفح الفلسطينية، أنّ 60% من المدينة تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي، والمنازل تتعرض للتدمير، كما أن إطلاق النار مستمر نحو المناطق الآمنة، حسبما أفادت قناة «القاهرة الإخبارية»، في خبر عاجل.

تعطيل جهود الإغاثة والإعمار 

وأكد رئيس بلدية رفح الفلسطينية، أنّ هناك تهديدًا لحياة المدنيين وتعطيلًا لجهود الإغاثة والإعمار، مطالبًا بتدخل دولي عاجل لوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائلي منذ اتفاقية وقف إطلاق النار. 

وذكرت ذكرت وسائل إعلام فلسطينية، أمس، أن دبابات الاحتلال الإسرائيلي تقدمت وسط مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة، مع غطاء ناري مكثف من الآليات قرب ميدان العودة وسط رفح الفلسطينية. 

إطلاق سراح المحتجزين 

وقال موقع «أكسيوس» الأمريكي، نقلا عن مسؤولين بدولة الاحتلال، إنّ إسرائيل بعثت برسالة إلى حماس بأنها ستواصل تنفيذ الاتفاق، إذا أطلقت سراح المحتجزين الثلاثة يوم السبت.

مقالات مشابهة

  • المقاومة الفلسطينية تفجّر عبوة ناسفة بقوات الاحتلال الصهيوني بجنين واقتحاماتٌ واعتقالاتٌ في الضفة
  • العدوان على الضفة - آخر تطوّرات الأحداث في جنين وطولكرم
  • وسط دمار هائل ..العدو الصهيوني يواصل عدوانه على جنين وطولكرم
  • ارتقاء 11 شهيداً والمزيد من الدمار في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة
  • حماس من منتدى الجزيرة: لن نخرج من غزة ثمنا لإعادة الإعمار
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم بلدة اليامون غربي جنين
  • أوساط الاحتلال تثير تساؤلات عن شعور الفلسطينيين بـالنصر رغم حجم الدمار
  • تحديد أسماء الدول والوقت الذي سيصطدم فيه كويكب “قاتل المدينة” بالأرض
  • رئيس «رفح الفلسطينية»: 60% من المدينة تحت سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي
  • راح نعمرها”.. الغزّيون يُصلحون منازلهم وأحياءهم للبقاء