سواليف:
2024-09-15@13:26:02 GMT

بلا مجاملة

تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT

#بلا_مجاملة

د. #هاشم_غرايبه

من شباك غرفة مكتبي، تلوح أمامي لافتة عتيقة تحمل اسم أحد مكاتب المحاسبة والتدقيق، أذكر أن الكتابة فيها كانت بالأسود على أرضية حمراء، مع الزمن بهتت الألوان فغدت الأرضية صفراء باهتة وقاربت الكتابة على الإمحاء، تصعب قراءتها، فاصبحت مجرد قطعة معدنية رمادية مغبرة، تصر على البقاء في مهب الريح، رغم فقدانها لمضمونها.


لا أعرف لماذا يذكرني مرآها دائما بحال اليسار في بلادنا، فقد كان قديما زاهيا باللون الأحمر، عنوانا للثورية، والتي لم تقنع أحدا سوى “جيفارا”، فسار وراء وهمِ التضامن الأممي ودعم المعسكر الشيوعي للثوار، لكنه لم يعرف الحقيقة الكئيبة (الدعم بالشعارات فقط)، إلا بعد أن وقع بأيدي المخابرات الأمريكية وقضت عليه وعلى حلمه بتحرير جمهوريات الموز من الهيمنة الإمبريالية.
الضحية الثانية للوهم الخادع كانت منطقتنا العربية، اعتقد العرب كونهم مثل دول أمريكا اللاتينية ضحايا للغرب مصاصي دماء الشعوب، أن اليسار يعني انقاذهم من استبداد سلطات أقاليم (سايكس – بيكو)، وحلموا أن يعمل رافعوا الرايات الحمراء هذه (المناضلون ضد الإمبريالية) على تحقيق حلمهم بتولي المخلصين السلطة، من أجل تقدمهم وتحقيق متطلبات الحياة الكريمة لهم مثل باقي خلق الله.
كان خطأ اليساريين العرب الأكبر أنهم وجهوا نضالهم الأساسي ضد الدين عقيدة الأمة، وكان السبب لذلك أمران: الأول أنهم لإصابتهم بالعوز الفكري وعدم قدرتهم على استنطاق الواقع، ولأن معظم قادتهم من معادي الإسلام أصلا، ويبحثون عن بديل فكري له، فقد استنسخوا الأفكار الماركسية من غير التنبه الى أنها غير مطابقة لمقتضيات وضعنا، لأنها خرجت من رحم معاناة الأوروبيين المسحوقين (العمال والفلاحين) من قبل تحالف الإقطاعيين مع رجال الكنيسة، ولم يستوعبوا أن الدين (الإسلام) مختلف تماما عن مؤسسة الكنيسة، كما أنه لم تكن هنالك طبقة ارستقراطية حقيقية عربيا، لعدم وجود قاعدة تصنيعية أو تجارية، بل كانت أسباب معاناة المسحوقين من أمتنا، تسلط الأوروبيين الإمبرياليين على قوت الناس بواسطة الأنظمة العربية وأعمدتها المحلية ، لذا كان القص واللصق لتلك الأفكار في غير مكانه، وباتت ناشزة عن الفهم الشعبي بل ومرفوضة.
والسبب الثاني لمعاداتهم للدين كان لدوافع الأنانيات التنظيمية، فكان منافسوهم الأكبر في الساحة الوطنية هم الإخوان المسلمون، لذلك اعتقدوا أن مهاجمة الأساس الذي يرتكزون عليه وهو الإسلام سيضعفهم ويخفف من الإقبال عليهم.
ورغم أن التيار القومي كان منافسا آخر قويا لليساريين، إلا أنه لم يكن مقلقا، لأنه كانت تنقصه القاعدة الفكرية، فاستورد المفردات اليسارية الإشتراكية في أدبياته.
بقي اليساريون العرب عقودا طويلة يعتاشون على شعارات العدالة الإجتماعية ومقارعة الإمبريالية، ويؤمّلون الجماهير العطشى الى التحرر واستعادة فلسطين الأماني إن استولوا على الحكم، لكن نضالهم عمليا لم يكن سوى صراع على البقاء على جبهتين: قمع السلطة من جهة، ومع الرفض الجماهيري لتبني أفكارهم والإنضمام لهم من جهة أخرى، لذا فلم تكن لديهم خطة عملية للوصول الى الحكم، غير حلم أن تحملهم الجماهير الثائرة إليه حملا.
حصل اليتم والضياع بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، والذي كان ضربة قاصمة للشيوعية وذويها من الماركسيين واليساريين، فتشتت الأتباع وتراجع المؤيدون.
استثمرت الأنظمة حالة الضياع هذه، فالتقطت الشاردين منهم، واتبعت معهم سياسة الاجتباء، فمنهم من استفادت من مواهبهم التنظيرية فأوكلت إليهم مهماتها الإعلامية، وآخرين أهّلهُم كرههم لٌلإسلاميين لتبوء مواقع في الأجهزة الأمنية، بعد إذ لم يعد معارضا في الساحة غير الإسلاميين، لأن القوميين الذين طالما كانوا العنصر الثالث في المعارضة الوطنية، انحازوا بعد الثورات العربية الى صفوف الأنظمة.
وفي النهاية يجب أن أوضح أنني في استخدامي لمصطلحات: القوميين – اليساريين – الإسلاميين لا أعني أحزابا بعينها، بل تيارات قوامها مثقفون يؤمنون بذلك الفكر، وليسوا بالضرورة منخرطين جميعهم في العمل الحزبي المنظم.
وبعد، آمل أن أكون بهذا العرض الموجز لمآلات فصيل وطني كان الشارع يعتبره ذخرا وسندا، قد أضأت زاوية من واقعنا المعاصر، وقد لا يكون فيما أوردته جديد على المطلعين، لكنه في معظمه خافٍ على أغلب الناس.
كما أنه ليس تأريخا توثيقيا، بل هو لمحات تاريخية لما أعرفه وعايشته واقعا، وأزعم أنني كنت منصفا، لكنني لا أدّعي الحياد، فلا يجوز للمثقف أن يكون محايدا إن تعلق الأمر بعقيدة أمته وهمّها.

مقالات ذات صلة هل سيغلق الأردن حدوده مع الضفة؟ 2024/09/03

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

المساكنة.. زنا

فى بداية حديثى هذا .أبدأ بهذة الآية الكريمة (قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. صدق الله العظيم، هذه الآية تنطبق على حالة الجدل الدائرة فى المجتمع الآن التى يروج لها عدة أنفار وصل بهم التبجح إلى حد التباهى أنهم مارسوا المساكنة وهى أن رجلًا وامرأة يعيشان معا فى مكان مغلق فى الحرام معايشة كاملة دون زواج، أى كان ثالثهما الشيطان، هذه الحوارات المهترئة غير الأخلاقية ساهمت فى إشاعة الزعزعة الفكرية فى النفوس خاصة بعد ظهور إحدى الفنانات فى تصريحات لها فى أحد البرامج المتلفزة والتى كشفت عن خوضها تجربة المساكنة لعدة سنوات دون زواج وهى تتفاخر بذلك، وتم نشر ما قالته فى عدة مواقع صحفية، ثم تعالت أصوات أخرى من ذات الوسط , وغيره من بينهم واحد لم يحصل على شهادة التعليم الأساسى ويفتخر بذلك (بالمساكنة)، وهذا الكلام الباطل أشاع الزعزعة والجدل فى المجتمع ،وتسببت تلك التصريحات فى حالة ارتباك فكرى وعقائدى لدى البعض وتركت جدلا واسع النطاق والنقاش على منصات التواصل الاجتماعى بسبب لفظ دخيل على مجتمعنا يعرفه الغرب يحمل اسم المساكنة وشرحه هو ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، وقبل ان يتزوج الطرفان أى أنها علاقة محرمة شرعاً، مما جعل مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية  يعيد نشر فتوى على صفحته والتى  تؤكد أن المساكنة «زنا» ورأيت أن أنقل لكم جزءا منها،  فقد رد  ‏مركز الأزهر العالمي للفتوى على تلك الدعوات واصفا إياها بالبائسة. فقد جاء في بيانه الذى أصدره في وقت سابق بأن الدعوات البائسة إلى ما يسمى بالمساكنة هى تَنَكُّرٌ للدين والفطرة، وتزييفٌ للحقائق، ومسخٌ للهُوِيَّة، وتسمية للأشياء بغير مسمياتها، ودعوة صريحة إلى سلوكيات مشبوهة محرمة. وفند الأزهر في بيانه عدة نقاط بشأن موضوع «المساكنة»، جاءت كالتالي ان الإسلام أحاط علاقة الرجل والمرأة بمنظومة من التشريعات الراقية، وحصر العلاقة الكاملة بينهما في الزواج؛ كي يحفظ قيمهما وقيم المجتمع، ويصونَ حقوقهما، وحقوق ما ينتج عن علاقتهما من أولاد، في شمول بديع لا نظير له. ويُحرِّم الإسلام العلاقات الجنسية غير المشروعة، ويحرّم ما يوصّل إليها، ويسميها باسمها «الزنا»، ومن صِورِها ما سمي بـ«المساكنة». التي تدخل ضمن هذه العلاقات المحرّمة في الإسلام، وفي سائر الأديان الإلهية والكتب السماوية. وأشار بيان مركز فتوى الأزهر أن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وإن غلفت مسمياتها بأغلفة مُنمَّقة مضللة للشباب، كتسمية الزنا بالمساكنة، والشذوذ بالمثلية ... إلخ؛ فهى بمنتهى الوضوح علاقات محرمة على الرجل والمرأة تأبى قيمنا الدينية والأخلاقية الترويج لها في إطار همجي منحرف، يسحق معاني الفضيلة والكرامة، ويستجيب لغرائز وشهوات شاذة، دون قيد من أخلاق، أو ضابط من دين، أو وازع من ضمير. وأن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب يعتدي مرتكبها على الدين والعرض، وحق المجتمع في صيانة الأخلاق والقيم، وهبوطٌ في مستنقع الشهوات، وقد سمَّاها الله تعالى فاحشة، وبيّن أن عاقِبَتها وخيمة في الدنيا والآخرة، ساء سبيل من ارتكبها ولو بعد حين قال تعالى وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا. واضاف البيان انه لا ينحصر تحريم هذه الكبيرة على المسلمين فقط؛ ففي الوصايا العشر «لا تزن»وان  النقاشات حول قبول المساكنة على مرأى ومسمعٍ من النّاس هو طرح عبثي خطيروامام الرد الشرعى على تلك الدعوات المسمومة لايسعنا الا ان نذكر بان هذه المساكنة زنا وعفانا الله من ضعف النفوس .

مقالات مشابهة

  • طهران: القمر الصناعي “جمران 1” وصل إلى مداره بنجاح
  • تعاون بين معهد الاتصالات و"أبريد تك" و"فيكتور" لاعتماد المتدربين في الأنظمة المدمجة
  • دراسة تكشف عن مخاطر محتملة للأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات على المدى الطويل
  • دراسة تكشف العلاقة بين نظام الكيتو والإصابة بمرض السكر
  • المعتزلة أهم فرق الإسلام دفاعاً عن الدين:
  • عذرًا يا رسول الله
  • دراسة تحذر من تسبب نظام كيتو في المرض بالسكري
  • اعتداءات على المخطوطات العربية
  • المساكنة.. زنا
  • أبل تطرح iOS 18 في 16 سبتمبر.. ميزات جديدة وخيارات مرنة للمستخدمين بين تحديثات الأنظمة