تركيا تدير دفتها نحو الشرق والغرب معا.. هل تنجح سياسة التوازنات؟
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
كسر الاتحاد الأوروبي حاجز 5 سنوات من جمود الحراك الدبلوماسي المتبادل مع تركيا في ما يتعلق بتعزيز العلاقات بين الجانبين والتي تأمل أنقرة في رفعها منذ عقود إلى مستوى العضوية الكاملة على الرغم من العقبات التي حالت دون ذلك، الأمر الذي زاد من اقتراب الجانب التركي من الشرق أكثر بهدف تعزيز تحالفات جديدة، بما في ذلك التقدم بطلب للانضمام إلى مجموعة دول "بريكس".
والأسبوع الماضي حضر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لأول مرة منذ 5 سنوات اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي غير الرسمي "غيمنيش"، بناء على دعوة وجهتها بروكسل إلى أنقرة.
ورحبت تركيا بالدعوة الأوروبية التي جاءت بعد توتر العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي على خلفية العقبات التي تحول دون انضمام تركيا إلى النادي الأوروبي.
وشدد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كتشالي، أن تركيا تنظر بإيجابية إلى الدعوة الأوروبية، مشيرا إلى أنها خطوة نحو تعزيز الحوار بين الجانبين.
وبحسب كتشالي، فإن هذه الدعوة "تعكس إدراك الاتحاد الأوروبي لأهمية تطوير العلاقات مع تركيا، إلا أنها يجب ألا تقتصر هذه المبادرة الإيجابية على اجتماعات غيمنيتش".
بعيدا عن مسار العضوية المتعثر
والعام الماضي، لوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضرورة إعادة إحياء مسار انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن مساعي تركيا الممتدة منذ نحو نصف قرن لعبور بوابة التكتل الأوروبي، اصطدمت بتقرير الاتحاد عن "تركيا 2022"، الذي وجه انتقادات لاذعة إلى أنقرة على صعيد الحريات والديمقراطية واستقلال القضاء وملف المثليين ومزدوجي الميول الجنسية وغير ذلك.
وأقر البرلمان الأوروبي التقرير، الذي خلص من خلاله إلى نتيجة مفادها أنه "لا يمكن إحياء مسار مفاوضات عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي في الظروف الموجودة"، بأغلبية 434 صوتا مقابل 18 فيما امتنع 152 نائبا عن التصويت.
وجاء التقرير الأوروبي في وقت تنشط فيه الدبلوماسية التركية بالمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لا سيما فيما يتعلق باتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الذي توصل إليه الجانبان بوساطة تركية وأممية بعد اندلاع الحرب المتواصلة منذ شباط /فبراير عام 2022.
الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، يرى أن الدعوة الأوروبية "تعكس أولا رغبة أوروبا في إعادة إحياء العلاقة مع تركيا بعد سنوات من التوتر".
وثانيا، بحسب حديث الباحث إلى "عربي21"، تعكس دور التحولات التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية والمنافسة الجيوسياسية العالمية في تعظيم أهمية أنقرة في السياسات الأوروبية".
و"مع ذلك، هناك مشاكل كبيرة تواجه العلاقات التركية الأوروبية والتعامل معها يتطلب تغييرا جذريا في النهج الأوروبي تجاه تركيا"، وفقا لعلوش.
وبعيدا عن العضوية الكاملة، تسعى تركيا إلى بدء مفاوضات فورية مع الاتحاد الأوروبي من أجل تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي الحالي بهدف زيادة إحياء العلاقات التجارية بين الجانبين، بالإضافة إلى مطالبات أنقرة بإزالة القيود على تأشيرات دخول المواطنين الأتراك، وتنشيط آليات الحوار المنظمة.
ومن خلال إبقاء آليات الحوار نشطة بين الجانبين، تسعى أنقرة إلى إبقاء ملف عوضيتها على طاولة الاتحاد الأوروبي حيث لا تزال هذه القضية "تمثل هدفا استراتيجيا بالنسبة لتركيا"، حسب وصف وزير الخارجية هاكان فيدان.
يشيرا الباحث في الشأن التركي علي أسمر، إلى أنه "بعد خمس سنوات من القطيعة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، أيقن الأوربيون الثقل السياسي والدبلوماسي لتركيا وفهموا أنهم لا يستطيعون تجاهل الدور التركي وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية و ملف انضمام السويد الى حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
وكانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ربطت موافقتها على انضمام السويد إلى "الناتو" بإعادة إحياء مسار مفاوضات العضوية في الاتحاد الأوروبي خلال قمة ليتوانيا العام الماضي، إلا أن هذا الملف تراجع على خلفية تفاهمات أخرى مع واشنطن أسفرت عن انضمام ستوكهولم إلى الحلف.
ورغم أن "عضوية الاتحاد لا تزال هدفا استراتيجيا لتركيا"، وفقا لعلوش، إلا أن "الظروف المحيطة بالعلاقات التركية الأوروبية لا تساعد بأي حال في إعادة إحياء مفاوضات الانضمام".
ويضيف علوش: "مع ذلك، هناك بعض المبادرات التي يمكن القيام بها لإعادة إحياء العلاقة على غرار تحديث اتفاقية التبادل الجمركي وتحرير التأشيرة، لكن مثل هذه الخطوات لا تشكل بديلا عن مسار العضوية بالنسبة لأنقرة".
ورغم استبعاده اقتراب انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لما يحمله هذا الملف من أبعاد متعددة سياسية واقتصادية وثقافية، إلا أن أسمر شدد في حديثه مع "عربي21"، على أن "هذا لا يعني تراجع العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي، على العكس تركيا تريد عقد صفقات أمنية وتجارية وسياسية"
وشدد الباحث التركي، على أن "السياسية لدى تركيا ليست سياسة الأسود أو الأبيض، بل هي سياسية مرنة مع كل القوى بالعالم وهذا ما يميز تركيا عن باقي الدول"، حسب تعبيره.
بين الشرق والغرب
في غضون تجدد الجهود تركيا والاتحاد الأوروبي لجسر الفجوات بينهما وتعزيز التعاون المتبادل، تضع أنقرة أعينها على الشرق بقدر ما تضعها على الغرب، وذلك بهدف بناء تحالفات جديدة بعيدا عن حلفائها الغربيين التقليديين.
وبحسب مصادر لوكالة "بلومبيرغ"، فإن هذه "الجهود الدبلوماسية التركية تهدف إلى إقامة علاقات أقوى عبر عالم متعدد الأقطاب مع الحفاظ على التزاماتها كعضو رئيسي في حلف شمال الأطلسي".
والاثنين، قدمت الحكومة التركية، رسميا بطلب الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، حسبما نقلت "بلومبيرغ" عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها.
و"بريكس" هي مجموعة جرى تأسيسها عام 2006 من قبل روسيا والصين والبرازيل والهند، قبل أن تنضم إليهم جنوب أفريقيا، واسمها هو عبارة عن الأحرف الأولى من أسماء هذه الدول باللغة الإنجليزية. وقد توسعت هذه المجموعة مطلع العام الجاري، بعدما انضمت إليها كل من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة.
وتهدف هذه المجموعة التي تتولى روسيا رئاستها الدورية، إلى تعزيز التفاعل بين الدول ذات إمكانات النمو الاقتصادي العالية، كما أنها تطور خطابا جديدا حول نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب، وتعارض كثيرا من القواعد التي تفرضها مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وترفض التمثيل الضعيف للدول في هذه المؤسسات.
وشددت مصادر "بلومبيرغ"، على أن هذا القرار يعكس اعتقاد حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن "توازن القوى العالمي يتحول بعيدا عن الاقتصادات المتقدمة".
وسبق أن تحدث فيدان عن رغبة بلاده بالانضمام إلى "بريكس" التي ينظر إليها على أنها بديل عن مجموعة دول السبع التي تقودها دول غربية.
وانضم وزير الخارجية التركي إلى اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة "بريكس+" الذي عقد في مدينة "نيجني نوفغورود" الروسية في شهر حزيران /يونيو الماضي، والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين في لقاء مغلق.
ورحبت روسيا على لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية "الكرملين" دميتري بيسكوف، باهتمام تركيا بمجموعة دول "بريكس"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "المجموعة قد لا تلبي المصالح الكاملة لجميع البلدان التي ترغب في الانضمام إليه.
علوش، أشار إلى أن "هناك عوامل رئيسية تدفع أنقرة إلى محاولة الانضمام إلى مجموعة بريكس، أهمها تنويع العلاقات بين الشرق والغرب وتقليص اعتمادها على الغرب في مجالات حيوية لا سيما الاقتصادية وينظر إلى تعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الشرق والانضمام إلى مثل هذه التكتلات على أنها وسيلة لتحقيق هذا الهدف".
وأوضح أن "أنقرة تعتقد أن مركز الثقل الجيوسياسي العالمي لم يعد يتمحور حول الغرب في ظل الصعود الاقتصادي للشرق. وبالتالي، فإن الانضمام لمجموعة بريكس من شأنه أن يعزز قدرة تركيا على الاستفادة من التحولات العالمية لتعزيز دورها في السياسات الدولية".
والسبت الماضي، قال أردوغان إن "تركيا يمكن أن تصبح دولة قوية ومزدهرة ومرموقة ومؤثرة إذا طورت علاقاتها مع الشرق والغرب في وقت واحد"، حسب وكالة الأناضول.
وأضاف في كلمة له أمام قيادة الأكاديمية العسكرية البحرية في إسطنبول، أن "أي طريق غير هذا لن يفيد تركيا، بل سيضرها وسيجعلها خارج المعادلة"، موضحا أنه "بينما تعزز تركيا علاقاتها مع الشرق من جهة، فإنها تسعى لتعزيز تعاونها المتجذر مع الغرب من جهة أخرى".
وعلق أسمر على تصريحات أردوغان المشار إليها، موضحا أن "تركيا دائما كانت حريصة ألا يتم تحجيمها أو حصرها بمعسكر معين، فالجغرافيا قدر، وقدر تركيا أن تكون بين آسيا وأوروبا وبين الشرق والغرب".
و"هذه ميزة جيوسياسية فريدة من نوعها وهي تنعكس على السلوك السياسي لدى تركيا ، فلا ضير أن تكون تركيا في حلف الناتو وأن تكون في مجموعة بريكس، على العكس هذا التنوع بالعلاقات السياسية والاقتصادية ستوسع الدور التركي الوسيط بالمنطقة"، وفقا للباحث التركي.
منظمة شنغهاي على جدول أعمال أنقرة
ولم تقتصر رغبة تركيا على الانضمام إلى "بريكس"، بل سبق أن لوح الرئيس التركي برغبة بلاده في نيل عضوية منظمة شنغهاي للتعاون التي تحظى أنقرة فيها بصفة "شريك حوار".
كما أوضح أردوغان، في حديثه أمام الأكاديمية العسكرية البحرية بإسطنبول، أن بلاده "ليست مجبرة على الاختيار بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة شنغهاي".
يشار إلى أن "شنغهاي للتعاون" هي عبارة عن منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية، جرى تأسيسها في عام 2001 في مدينة شنغهاي الصينية على يد قادة دول الصين، وكازاخستان، وقرغيزيا، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان.
وتوسعت المنظمة في عام 2017 عقب نيل كل من الهند وباكستان عضويتها الكاملة. وتوسعت لاحقا أيضا بعد حصول إيران وبيلاروسيا على العضوية في تموز /يوليو 2023 و2024 على التوالي، حسب وكالة الأناضول.
وتضم المنظمة 14 دولة بصفة "شركاء حوار" هي: تركيا وأذربيجان وأرمينيا والبحرين ومصر وكمبوديا وقطر والكويت والمالديف وميانمار ونيبال والإمارات والسعودية وسريلانكا، وفقا للوكالة ذاتها.
هل تنجح تركيا في الحفاظ على توازنها؟
بحسب علوش، فإن "المنافسة الجيوسياسية بين الشرق والغرب تزيد من الضغط على سياسة التوازن التركي، لكنها في المقابل تعزز قدرة أنقرة في الاستفادة من الفرص التي توجدها هذه المنافسة لها".
وشدد الباحث في حديثه لـ"عربي21" حول قدرة تركيا على الحفاظ على اتزان مواقفها في ظل استدارها نحو الشرق والغرب معا، على أن "التفاعلات الاقتصادية والتجارية مع أوروبا لا تزال تشكل الثقل الأكبر في العلاقات الاقتصادية لتركيا مع العالم".
وأشار إلى أن "عضوية تركيا في حلف الناتو لا تزال تُشكل ركيزة أساسية في سياستها الخارجية مع روسيا والغرب"، حسب تعبيره.
من جهته، شدد أسمر على أنه "في ظل الأزمات التي تعصف بالعالم، فإن هناك حاجة لدولة مثل تركيا تقوم بإنشاء جسر تواصل مع الأطراف المتصارعة، كما حصل في الحرب الروسية الأوكرانية".
ولفت الباحث التركي، إلى "أنقرة اتقنت دور الوسيط وستمارس هذا الدور في كل الصراعات الإقليمية والعالمية، خاصة أن الاقتصاد العالمي لا يستطيع تحمل الحروب المفتوحة بعد جائحة كورونا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية الاتحاد الأوروبي تركيا بريكس أردوغان تركيا أردوغان الاتحاد الأوروبي بريكس سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی بین الشرق والغرب بین الجانبین الانضمام إلى الغرب فی أنقرة فی ترکیا فی لا تزال إلا أن على أن فی حلف إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما فرص انضمام كندا للاتحاد الأوروبي؟
أظهر استطلاع رأي حديث أن نصف الكنديين يؤيد فكرة انضمام بلادهم للاتحاد الأوروبي، وبعد 3 أيام فقط من تنصيبه زار رئيس وزراء كندا مارك كارني باريس ولندن لتسليط الضوء على ما وصفه بالروابط الأوروبية الكندية العميقة.
يأتي هذا بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية وصلت إلى 25% على البضائع الكندية، ويهدد بفرض المزيد منها وهو ما يُلحق ضررا بالغا بالاقتصاد الكندي، لكن الأدهى من ذلك أن ترامب كرر مرارا أن كندا يجب أن تصبح الولاية الأميركية الـ51.
وقد فتح التوتر بين كندا والولايات المتحدة بموازاة التقارب بين كندا وأوروبا نقاشا حول انضمام البلد إلى الاتحاد الأوروبي، فما إمكانية وفرص ذلك؟ وماذا تقول معاهدات وقوانين الاتحاد؟
وهل من سابقة بانضمام دولة من خارج القارة للتكتل الأوروبي؟ وما المزايا التي سيجنيها الطرفان من هذه الخطوة؟ وهل من صيغة أخرى غير الانضمام لتحالف جديد يفرضه السياق بين الطرفين؟ وهل ستسمح الولايات المتحدة بتقارب كندي أوروبي؟ وما السيناريوهات المستقبلية لعلاقة كندا بأميركا؟
View this post on InstagramA post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher)
كندا والجار "المتنمر"أحدث وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة تحولات كبيرة على مستوى العالم، وكان لجارة أميركا الشمالية نصيب الأسد من هذه التحولات.
إعلانفجأة تحولت الولايات المتحدة بالنسبة لجارها الأقرب كندا من أقوى حليف وأكبر شريك إلى خصم متنمر غير عقلاني ومتقلب، حسب وصف الباحث القانوني إيان كوبر في دراسة نشرتها جامعة دبلن حول إمكانية انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي.
هدد ترامب، ثم توقف، ثم هدد مجددا، ونفذ، ثم علق جزئيا، ثم فرض رسوما جمركية مرتفعة جدا بنسبة 25% على السلع الكندية مع وعيد بالمزيد في المستقبل.
ومع كل تصعيد تتغير الذرائع وتُطرح مطالب جديدة، كان الأمر بداية يتعلق بمكافحة تدفق المخدرات والمهاجرين عبر الحدود؛ ثم تحول إلى فرض رسوم باهظة على الواردات الكندية، ووصل إلى التهديد بالاستحواذ الكامل على الدولة الكندية.
ووفقا للباحث كوبر، فإن الرسوم الجمركية بحد ذاتها أداة قانونية عادية في إدارة الدولة اقتصاديا، لكن ما ليس طبيعيا بكل تأكيد هو استخدام الرسوم الجمركية كجزء من حملة إكراه اقتصادي لضم دولة جارة كما خاطب ترامب رئيس حكومة كندا السابق ترودو قائلا: "ستختفي الرسوم الجمركية عندما تصبح كندا الولاية الأميركية الـ51".
واعتبر الباحثان في الكلية العسكرية الكندية بول ميتشل وباربرا فالك في مقال مشترك نشره الموقع البحثي "كونفرسيشن" تحت عنوان: "4 سيناريوهات لمستقبل كندا في ظلّ عالم ترامب" أن كندا لم تضع في حسبانها أن يكون مصدر قلقها جارتها الولايات المتحدة، أو أن أميركا ستوجه صواريخها نحو أهداف كندية، أو أن القوات الأميركية الموجودة في قاعدة فورت درام شمال ولاية نيويورك تستعد للاستيلاء على العاصمة الكندية أوتاوا، لكن تهديدات ترامب بالاستحواذ على كندا باتت تؤرق الكنديين.
وقبل يومين اتهم رئيس الوزراء الكندي مارك كارني -خلال افتتاحه حملة الانتخابات المقررة في 28 أبريل/نيسان القادم- الرئيس الأميركي ترامب بمحاولة تدمير كندا والسعي للاستحواذ على أراضيها ومياهها وثرواتها المعدنية.
إعلانوهكذا دفعت تهديدات ترامب الكنديين إلى التطلع إلى الخارج للتحالف مع دول أخرى مسها ضرر أجندة ترامب، فكان التقارب مع الاتحاد الأوروبي حيث يرتبط الطرفان بمصالح وقيم مشتركة.
فهل إلى أوروبا من سبيل؟فتح تهديد ترامب بجعل كندا "الولاية 51" نقاشا في أوروبا وكندا يطرح بشكل صريح التساؤل حول هل يمكن لكندا فعلا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كدولة كاملة العضوية؟
وقد أظهر استطلاع رأي حديث أن الكنديين منفتحون بشكل مفاجئ على الفكرة، حيث أيدها ما يقرب من نصفهم (46% مؤيدون، و29% معارضون، و25% متأرجحون).
وبحسب تقرير لوكالة فرانس برس، فقد صرحت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية باولا بينهو بأن الاتحاد الأوروبي مسرور باهتمام الكنديين للانضمام إليه، وهو ما يعكس "جاذبيته"، مضيفة أن "الأمر ليس مفاجئا لأن الاتحاد وكندا شريكان متشابهان في التفكير، ويتشاركان قيما كثيرة، بالإضافة إلى روابط تاريخية قوية".
ولكن، هل يشكل وجود كندا خارج الحيز الجغرافي لأوروبا عائقا أمام انضمامها للتكتل القاري؟
عندما سُئلت المتحدثة باسم المفوضية هذا السؤال، لم تُجب مباشرة، بل أحالت إلى المعايير الواردة في معاهدة الاتحاد الأوروبي، وفي هذا إشارة إلى المادة 49 التي تنص على أن "أي دولة أوروبية" تحترم القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي يمكنها التقدم بطلب الانضمام.
ويعتبر الباحث القانوي في جامعة دبلن يان كوبر أن تعريف "أوروبا" في المعاهدة هو مفهوم مدني أكثر مما هو مفهوم جغرافي، حيث يرتبط بالقيم الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهي قيم تتسم بها كندا بشكل كبير.
ومما يؤكد هذا الطرح أن الاتحاد الأوروبي يضم دولا ذات صبغة أوروبية ثقافية، لكنها تقع خارج الحيز الجغرافي الأوروبي، مثل قبرص التي تقع في غرب آسيا، ومالطا الموجودة تقريبا في شمال أفريقيا.
ونقلت صحيفة لابرس الكندية في تقرير لها بعنوان: "الولاية رقم 51 أم العضو رقم 28 في الاتحاد الأوروبي؟" عن أستاذ تحديات العولمة بجامعة لافال الكندية ريتشارد أويليت قوله إن "كون كندا ليست جزءا من القارة الأوروبية لا يعيق انضمامها للاتحاد، فعلى سبيل المثال انضمت المملكة المتحدة إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي وهي لا تقع في المحيط الهادي، فالدول تعمل على تشكيل تحالفات على أساس قيمها ومصالحها وليس على أساس جغرافيتها".
إعلانوحتى اشتراط حدود مع الاتحاد الأوروبي لن يكون عائقا، فكندا تشترك في حدود برية مع جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك.
وهناك مشتركات كثيرة تاريخية وثقافية بين كندا وأوروبا، فالكنديون يتحدثون اللغتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي: الإنجليزية والفرنسية، وأغلب الكنديين ينحدرون من أصول أوروبية حيث قادت فرنسا وبريطانيا عمليات استيطان الأوروبيين في كندا منذ قرون.
ويخلص الباحث كوبر إلى أن تحديد ما إذا كانت كندا مؤهلة لعضوية الاتحاد الأوروبي أم لا يبقى مسألة سياسية من اختصاص الدول الأعضاء، وهو أمر ممكن إذا توفرت إرادة سياسية كافية لدى الجانبين.
لكن صحيفة لابرس الكندية تنقل عن جاستن ماسي المختص في السياسة الخارجية بجامعة كيبيك أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن تنضم كندا إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها قد تسعى إلى الاقتراب أكثر من أوروبا مثل النرويج التي هي دولة ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، ولكنها مع ذلك مندمجة بقوة في الاتحاد.
يذكر أنه في عام 1987 رُفض طلب المملكة المغربية الانضمام للاتحاد بحجة أنها ليست دولة أوروبية، ولكن قد يكون السبب أن المغرب وإن كانت على تماس مع أوروبا فلديها اختلاف في القيم الثقافية والدينية مع أوروبا عكس كندا.
تنقل صحيفة لابرس الكندية عن الأستاذ أويليت أن أوروبا يمكن أن تحصل من كندا على الطاقة، فأوروبا تعاني من نقص حاد في الغاز والنفط، ولا تزال مضطرة إلى الحصول على إمداداتها من هاتين المادتين من روسيا، وهو تناقض محرج خصوصا منذ غزو أوكرانيا.
وبالفعل فقد أبدت الحكومة الألمانية اهتماما كبيرا بالحصول على الغاز والهيدروجين الأخضر من كندا، وتم توقيع اتفاقيات بهذا الخصوص.
إعلانوقد صرحت وزيرة خارجية كندا ميلاني جولي لشبكة سي إن إن بالقول: "لدينا كل ما تحلم به أي دولة في العالم، فنحن قوة زراعية عظمى، ولدينا اليورانيوم والطاقة الكهرومائية، والنفط والغاز والمعادن الأساسية، ولدينا الكفاءات والمواهب..".
لكن صحيفة لابرس الكندية نقلت عن جاستن ماسي قوله إن كندا تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتوصيل طاقتها إلى أوروبا؛ فلا توجد موانئ ولا خطوط الأنابيب، ولا يمكنها حاليا تزويد أوروبا بالطاقة إلا عبر الولايات المتحدة.
يعتبر المتابعون للشأن الدولي أنه بدأت -وإن كانت ببطءـ تتضح معالم نظام عالمي جديد يتشكل من تكتلات وقواعد تختلف عن النظام الذي يتلاشى الآن.
ففي تحليل للمراسل الأول لهيئة الإذاعة الكندية إيفان داير بعنوان "تمتلك كندا ما تحتاجه أوروبا لإعادة تسليحها.. هل يكون ذلك أساسا لتحالف ما بعد الناتو؟"، لاحظ داير تزايد اجتماعات أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) من دون مشاركة الولايات المتحدة لمناقشة الدفاع عن أوكرانيا والأمن الموسع لأوروبا، مع تبلور دور أكبر لكندا في مثل هذه النقاشات.
ويرى المحلل داير أنه لا يزال من غير الواضح أين ستستقر كندا في هذا العالم الجديد، ولكن هناك تلميحات تساهم في فهم المسار الذي قد تتخذه في ظل "إدراكها المؤلم" أن أقوى وأقرب حلفائها قد انقلب عليها.
فقد دخل مسؤولون أوروبيون في محادثات مع كندا تهدف إلى دمج هذا البلد في شراكة جديدة لإنتاج الدفاع، وهذا قد يسمح للشركات الكندية بالتقدم للحصول على عقود في الوقت الذي تستعد فيه أوروبا لإعادة التسليح على نطاق واسع.
ونقل داير عن الوزيرة جولي قولها: "أجرينا محادثات مع الاتحاد الأوروبي لضمان تعاوننا في مجال المشتريات الدفاعية والأمور تتجه نحو أخبار سارة، لأننا في النهاية نحتاج إلى التأكد من قدرتنا على التقرب من الأوروبيين".
إعلانلكن داير يعتبر أن هناك مسألة قد تحد من جاذبية التحالف بين الأوروبيين وكندا في أي ترتيبات لما بعد الناتو، وهي أن كندا تسعى إلى تحالفات جديدة لأنها تشعر بالتهديد من الولايات المتحدة، بينما يشعر حلفاؤها الأوروبيون الذين تغازلهم بالتهديد من موسكو، وعادةً ما تكون التحالفات العسكرية ذات الالتزامات الدفاعية المتبادلة أكثر جاذبية للدول التي تواجه نفس التهديدات من نفس الجهات.
أورد تقرير لرئيسة مكتب صحيفة نيويورك تايمز في كندا ماتينا ستيفيس بعنوان: "كندا الدولة الأكثر أوروبية من غير الأوروبيين تلجأ إلى الحلفاء في ظل تهديدات ترامب"، أن الواقع يؤكد أن علاقة كندا بالولايات المتحدة لا مفر منها ولا بديل عنها.
فالولايات المتحدة تعد الشريك التجاري الأول لكندا؛ إذ يذهب حوالي 80% من الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة، ويبلغ حجم التجارة بين البلدين ما يقرب من تريليون دولار، في حين بلغت قيمة التجارة بين كندا ودول الاتحاد الأوروبي مجتمعة حوالي 100 مليار دولار خلال العام الماضي.
وبدورهما وضع الباحثان ميتشل وفالك في مقالهما المشترك 4 سيناريوهات لمستقبل كندا في عهد ترامب:
التراجع عن التهديدات واستمرار الوضع على ما هو عليهبحيث تواصل كندا خدمة السوق الأميركية تجاريا، بينما تنتزع الولايات المتحدة أفضل الصفقات التجارية الممكنة منها.
ارتفاع مستوى التهديدات الأميركية مع عدم رضوخ كنداعندها ستتجاوز الولايات المتحدة مرحلة التعريفات الجمركية وتستهدف البنوك الكندية لقطع وصول كندا إلى الخدمات المصرفية الدولية.
وسيخلق هذا السيناريو وضعا لا يختلف عن الوضع الذي واجهته كوبا، حيث فرض الأميركيون عليها حظرا تجاريا شاملا منذ عام 1858، وفيه، ستُصبح كندا معزولة دوليا وربما فقيرة بسبب مقاومتها للمطالب الأميركية.
إعلان ارتفاع حالة العداء الأميركي وفي المقابل ضعف قدرة كندا على الصمودوفي هذه الحالة سيكون الوضع الكندي مشابها لعلاقة بيلاروسيا مع روسيا، حيث يشتركان في حدود برية ومائية طويلة، وتعد روسيا أكبر شريك اقتصادي وسياسي لبيلاروسيا التي ما تزال تتمتع بمقعد في الأمم المتحدة، لكن قدرتها على المناورة في السياسة الخارجية أو الدفاعية محدودة للغاية.
مقاومة كندية تجعل الولايات المتحدة مستعدة لقبول مستوى من الاستقلالسينتج عن ذلك وضع مشابه لعلاقة فنلندا بالاتحاد السوفياتي السابق، حيث يُسمح لكندا بالحفاظ على علاقات دبلوماسية مستقلة، لكن عليها توخي الحذر وعدم الدخول في تحالفات أو اتفاقيات من شأنها أن تُغضب الأميركيين، وهو ما يعني أن أي فكرة عن انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي ستكون ضربا من الخيال.
واستبعد الباحثان غزوا أميركيا مباشرا وشاملا لكندا، كما استبعدا فكرة أن تصبح كندا الولاية الأميركية رقم 51، معتبرين أن العواقب الانتخابية المترتبة على قبول 40 مليون ناخب أكثر تقدمية بكثير من معظم الأميركيين ستؤثر سلبا على نتائج الانتخابات بشكل لا يناسب أذواق الجمهوريين، مع استدراك أنه من الوهم أصلا توقع حصول الكنديين في حال الاندماج على حقوق مساوية لحقوق "الأميركيين الحقيقيين".
واعتبر الباحثان أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن تصبح كندا دولة تابعة للولايات المتحدة، على غرار بيلاروسيا مع روسيا.