هذه هي المؤامرة الخفية على وحدة السودان
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
في سياق أكبر جريمة تضليل وتجهيل وتزييف وعي تتم ضد الشعب السوداني، تتواطأ أبواق الدعاية الحربية الكيزانية على أن أدوات المؤامرة المزعومة ضد السودان هي القوى المدنية الديمقراطية، فهؤلاء هم الخونة والعملاء، ولأن الخطاب غوغائي، فإنه لا يهتم بشرح الأسباب المنطقية لهذا الزعم، إذ لا تجد فيه إجابة عن السؤال: ما هي المؤامرة أساسا؟ ما هي أهدافها؟ ومن هي الجهات القادرة فعليا على إنفاذها؟ وهل من مؤامرة على السودان وأهله في هذه اللحظة التاريخية أكبر من رفض الحل السلمي التفاوضي والمطالبة باستمرار الحرب ولو إلى مائة عام؟!
إذا كانت المؤامرة المقصودة هي تقسيم السودان إلى عدة دويلات ضعيفة وطي صفحة جمهورية السودان بحدود 1956، فإن الكيزان هم رأس الرمح في هذه المؤامرة وأجهزتهم الأمنية العسكرية المخترقة مخابراتيا، وعلى أعلى المستويات هي أهم أداة تقسيم تتحكم فيها دوائر في المجتمع الدولي راغبة في تقسيم السودان،
الجيش المُسيطر عليه كيزانيا هو أداة تقسيم لا أداة وحدة! ولن يكون أداة وحدة إلا إذا انعتق تماما من سيطرة الكيزان، وأعيد بناؤه على أسس وطنية.
أيام حرب الجنوب اشتغلت الأجهزة الأمنية والاستخبارات العسكرية على تقوية التيار الانفصالي في الحركة الشعبية ضد د. جون قرنق الوحدوي، كما رعت هذه الأجهزة تيارا انفصاليا شماليا هو ما يسمى بمنبر السلام العادل الذي قوامه ضباط جيش واستخبارات كان يقودهم كوز عنصري، والآن ذات العناصر الآمنة عسكرية أنشأت تيار ما يسمى بدولة النهر والبحر (دولة بدون دارفور وكردفان) وطبعا مثل هذه الدولة يسهل ابتلاعها مصريا، وخلال هذه الحرب ظهرت “طنطنة” عن اندماج ولايات الوسط والشمال في مصر، وعموما فقدان السودان لدارفور وكردفان نتيجته المنطقية ذوبان الشمال والوسط في مصر طوعا أو كرها، لأن دولة النهر والبحر في الغالب سوف تفقد البحر، بمعنى لن يكون شرق السودان جزءاً منها حسب معطيات الجيوبولتيك في الإقليم وحتى حسب ميزان القوى الداخلي والتعقيدات السياسية.
العقلية “الأمنوعسكركيزانية” التي تدير هذه الحرب تدفع في اتجاه تقسيم جديد للبلاد عبر خطاب الكراهية والعنصرية ضد الحواضن الاجتماعية للدعم السريع، وعبر التجنيد للحرب على أسس عرقية من خلال اللعب على التناقضات الإثنية في إقليمي دارفور وكردفان، المخطط المقبل الذي نسأل الله أن يحدث أي متغير داخلياً أو خارجي لإفشاله، هو تكثيف القصف الجوي على كل أماكن سيطرة الدعم السريع في الخرطوم والجزيرة وسنجة وإجباره على التراجع إلى دارفور وكردفان، حتى لو اقتضى الأمر تسوية الخرطوم ومدني وسنار بالأرض عبر الاستعانة بالخبرة الروسية والإيرانية لو فعلا قررت الدولتان مساندة سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، وراهنت عليها وهذا أمر غير مؤكد، ولكن العصابة الكيزانية عاقدة العزم على التصعيد العسكري في مقبل الأيام، رغم استحالة النصر بمعطيات الواقع الميداني، ورغم الكوارث الطبيعية ممثلة في السيول والفيضانات، ورغم أن الحرب حتى هذه اللحظة قتلت أكثر من مائة وخمسين الف سوداني وسودانية، ورغم الدمار الاقتصادي والعمراني، ورغم أن استمرار الحرب وإطالة أمدها لن يقود إلا إلى تقسيم جديد للبلاد، فهل من متآمر على البلاد وخائن للوطن وعميل لأعدائه أكثر من المطالبين باستمرار الحرب؟
أما الادعاء بأن العامل الوحيد في كارثة السودان الحالية هو الدعم السريع، فهو ادعاء لا يستوي على ساقين، ولا يصلح مطلقا لتبرئة الكيزان، لأن الدعم السريع هو إحدى المؤسسات التي أنتجها نظام حكمهم، وفتح له أبواب التمكين الاقتصادي والعلاقات الخارجية، وسبب تكريس استقلالية الدعم السريع عن الجيش هو صراعات السلطة داخل حوش المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، إذ كانت مجموعة معتبرة من الكيزان راغبة في الانقلاب على البشير بواسطة كيزان الجيش، فاحتمى البشير بالدعم السريع من الجيش، والكيزان جميعهم سواء الموالون للبشير أو المعارضين له لم يكن لديهم موقف عدائي أو موقف مبدئي ضد وجود الدعم السريع؛ لأنهم ببساطة اعتمدوا عليه في الدفاع عن بقاء سلطتهم عبر خوض الحروب ضد الحركات المسلحة في دارفور، وظنوا أن هذا المارد العسكري الموازي للجيش سيظل أبد الدهر محبوسا في خانة الحارس الأمين لسلطتهم والدرع الواقي لهم من هجمات التمرد المسلح.
وكل ذلك دليل قاطع إما على انعدام الكفاءة السياسية والعسكرية في حماية الوطن لدى النظام الكيزاني الذي صنع ومع سبق الإصرار والترصد وضعية تعدد الجيوش وهي وضعية خطيرة لا يمكن أن تقود إلا إلى الاحتراب الأهلي وتمزيق الوطن ولمن يفكر بعقل وضمير وطني مؤكد سيكون فقدان السلطة بانقلاب عسكري أخف ضررا بما لا يقاس من فقدان الوطن نفسه بالحرب الأهلية، وإما اعتبار كل ما حدث دليلا على عمالة وخيانة الأجهزة الأمنية والعسكرية الكيزانية وعبثها بالأمن القومي لصالح مؤامرة خارجية.
هل معنى ذلك أن معضلة السودان الوحيدة هي الكيزان؟
بالطبع لا، السودان مطوق بمعضلات من العيار الثقيل، وهناك عيوب واختلالات عميقة في النخبة السياسية السودانية من نتائجها أننا فشلنا في بناء نظام قوي للمناعة الوطنية يحول دون تمكين هذا الورم الخبيث من بلادنا واستيطانه في مفاصل دولتنا لثلاثين عاما، وفي الصف المدني الديمقراطي مؤكداً هناك مظاهر ضعف فني وأخلاقي، وهناك اختراقات الأجهزة الأمنية الكيزانية المخترقة هي نفسها من الخارج، ولكن بقراءة موضوعية للواقع، واستنادا إلى المعلومات حول الجهة المهيمنة على البلاد سياسيا واقتصاديا أمنيا وعسكريا على مدى ثلاثة وثلاثين عاما هي نصف عمر الاستقلال تقريبا (ثلاثون عاما الإنقاذ مضافا إليها فترة انقلاب 25 أكتوبر، ثم فترة الحرب)، بقراءة هذه الحقائق لا شك في أن أكبر وأخطر كارثة، فتكت بالسودان هي هذا النظام الكيزاني، وخصوصا منظومته الأمنية العسكرية التي لم تجلب للسودان سوى الخراب والدمار.
هل يعقل بعد كل ذلك أن يكون الكيزان هم الجهة المانحة لصكوك الوطنية والمصدرة لأحكام الخيانة الوطنية والعمالة؟ هل يعقل أن يكونوا في مقام الأستاذية في هذا المجال بدلا من أن يكونوا في قفص الاتهام؟
وهل يليق بمثقف محترم أن يصطف خلف هذه العصابة، ويستهلك نفسه في تبرير أن الوطنية والحرص على بقاء الدولة هو التماهي مع سردية الكيزان والجيش حول طبيعة هذه الحرب وأسبابها؟ هل يليق بمثقف محترم أن يساهم في تكريس الغوغائية والخطاب الشعبوي القائم على أساس أن هناك جنجويد هبطوا على السودان من السماء في 15 أبريل 2023، يجب أن نصطف خلف الجيش الوطني لإبادتهم عن بكرة أبيهم؛ وبهذا سنحافظ على الدولة الوطنية!! في حين أن الجيش حتى خلال هذه الحرب أثبت أنه بطبيعته البنيوية لن ينتج سوى مزيد من الجنجويد، حتى لو حصل أي اختراق عسكري بموجبه اختفى الدعم السريع تماما من الوجود، إلى أين ستذهب قوات مناوي وجبريل وعقار ومليشيات البراء ابن مالك وهيئة العمليات والدفاع الشعبي؟ هل يندمجون في جيش واحد في ظل خطاب الفرز العرقي والقبلي والجهوي الذي كان المرجعية العليا في هذه الحرب؟ أم سيحتفظون بقواتهم كجيوش موازية في حالة استمرار السودان دولة واحدة ومنذ الآن طالبوا عمليا بإشراكهم في التفاوض وعضوا بالنواجذ على مواقعهم في السلطة؛ مما يدل على أن البلاد موعودة بجنجويد آخرين؟ ألم تبرز إرهاصات التمييز العنصري ضد هذه القوات نفسها في بعض الولايات، رغم أنها تقاتل مع الجيش؟ ألم يتم تحميلها مسؤولية الهزائم ألم ترفض بعض المدن وجود ارتكازات لها؟ ألم تكن الدعاية ضد حركتي مناوي وجبريل أيام تمردهم على حكومة الكيزان تتمحور حول أنهم مرتزقة وخونة يهدفون لإقامة دولة الزغاوة الكبرى؟
من كل ذلك لا يمكن أن يستنتج عاقل أن جذر مشكلة السودان هو قوات الدعم السريع، لأن المشكلة ببساطة هي عجز مركب في الدولة السودانية نتج عنه عجز بنيوي في الجيش افرز جنجويد موسى هلال، ثم افرز قوات الدعم السريع، وبعد أن فقد هذا الجيش سند الدعم السريع اتكأ على بندقية مناوي وجبريل وعقار ومليشيات الكيزان، وكل هؤلاء هم جنجويد المستقبل. والقسط الأكبر من المسؤولية عن هذا العجز المركب في الدولة السودانية يتحمله من انفردوا بحكمها أكثر من نصف عمر استقلالها، ويتملصون الآن من تحمل أدنى مسؤولية عن الخراب الحاصل، وبكل بجاحة يحاضرون الناس في الوطنية.
الاصطفاف الوطني العقلاني الآن لا يمكن أن يكون خلف الجيش والكيزان، ولا خلف الدعم السريع لتنصيبه وريثا لحكم الجيش والكيزان، بل هو خلف إيقاف الحرب حفاظا على أرواح المواطنين وكرامتهم، وعلى وحدة التراب الوطني، وعلى أساس عملية تأسيسية للدولة السودانية تخاطب جذور الأزمة الوطنية العميقة لا أعراضها السطحية.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: دارفور وکردفان الدعم السریع هذه الحرب أن یکون
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني: مقتل 41 مدنيا بقصف مدفعي للدعم السريع على الفاشر
السودان – أعلن الجيش السوداني، الثلاثاء، مقتل 41 مدنيا بينهم أطفال ونساء وإصابة عشرات آخرين، جراء قصف مدفعي لقوات الدعم السريع استهدف مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، غربي البلاد.
وأفادت الفرقة السادسة مشاة للجيش بالفاشر في بيان، بأن “قوات الدعم السريع واصلت نهجها الإجرامي عبر استهداف الأحياء السكنية في مدينة الفاشر بالقصف المدفعي، أمس الاثنين” .
وأضاف البيان أن القصف أدى إلى “استشهاد 41 مواطنا بينهم أطفال ونساء، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة، تم نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج”.
وأشار الجيش في بيانه إلى أن قواته “تمكنت من صد الهجوم الشرس الذي شنته الدعم السريع على الفاشر”.
وذكر أن خسائر الدعم السريع في الهجوم “بلغت حوالي 600 قتيل، فضلا عن تدمير أكثر من 25 مركبة عسكرية”، بحسب المصدر ذاته.
وحتى الساعة 06:30 (ت.غ) لم يصدر تعليق من “الدعم السريع” بالخصوص، إلا أنها طالبت في بيان الثلاثاء، الجيش والقوات المساندة له (لم تسمها) بـ”تسليم السلاح وإخلاء مدينة الفاشر بصورة آمنة”.
والاثنين، اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في الفاشر، توقفت على إثرها عدد من المطابخ الخيرية عن تقديم وجبات الطعام داخل المدينة.
ومنذ 10 مايو/ أيار 2024، تشهد الفاشر اشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع” رغم تحذيرات دولية من خطورة المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
وتأتي هذه التطورات بعد هجوم متواصل لقوات الدعم السريع على مخيم “زمزم” للنازحين بالفاشر، استمر عدة أيام.
وفي 13 أبريل/ نيسان الجاري، أعلنت “الدعم السريع” السيطرة على المخيم بعد اشتباكات مع الجيش، ما أدى إلى سقوط 400 قتيل ونزوح أكثر من 400 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة.
ويخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة الدعم السريع في ولايات السودان لصالح الجيش، وتمددت انتصارات الأخير في العاصمة الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقار أمنية وعسكرية.
وفي الولايات الـ17 الأخرى في السودان، لم تعد “الدعم السريع” تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور.
الأناضول