البعشوم .. وصناعة المشهد: احتجاجات كسلا نموذجاً
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
محمد سليمان حامد
تسعى الأنظمة الاستبدادية دائماً إلى تكريس هيمنتها عبر استخدام أساليب خبيثة لزرع الفتنة والفرقة بين أفراد الشعب. في السودان، يمثل جهاز الأمن نموذجاً صارخاً لهذه السياسات المدمرة. فمع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، لجأ هذا الجهاز إلى إشعال الفتن بين مكونات المجتمع السوداني كأداة لتشتيت الانتباه عن القضايا الحقيقية، وتعزيز نفوذه وفرض أجنداته.
بينما يعيث الجنجويد فساداً في أرض السودان، مستبيحين العرض والأرض، تسعى المنظومة الأمنية عبر جهازها المهترئ إلى التهرب من مسؤولياتها الأساسية. بدلاً من حماية المواطن واستعادة الأمان، نجدها تنشغل بصناعة مشهد مضلل، بهدف تشتيت انتباه الرأي العام وصرف الأنظار عن القضايا الملحة.
على سبيل المثال، لم يجف بعد حبر تصريحات اللواء المتقاعد بدر الدين عبد الحكم، الذي أطلق قبل بضعة أشهر مزاعم مشككة في ولاء قبيلة البني عامر، داعياً إلى سحب الجنسية منهم. هذه التصريحات لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت جزءاً من حملة ممنهجة تهدف إلى إثارة الفتنة وزرع الشكوك بين مكونات المجتمع السوداني.
وفي إطار هذا السعي المحموم لصناعة المشهد، ظهر على الساحة شخص يتخفى على وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم "البعشوم". هذا الشخص ليس مجرد ناشط عادي، بل يمتلك معلومات أمنية ووثائق لا تتوفر إلا لأجهزة أمنية بحجم دولة. استغل "البعشوم" هذه المعلومات للترويج للأكاذيب وصناعة المواقف التي تخدم أجندات خفية لصالح تيارات معينة في السلطة.
أحدث حلقات "البعشوم" على يوتيوب كانت محورية في هذا السياق. تناول فيها شخصية القوني، شقيق حميدتي، حيث بث معلومات مغلوطة، رغم احتوائها على بعض الحقائق. دس "البعشوم" السم في الدسم عندما زعم أن مصاهرة القوني من أسرة تنتمي إلى قبيلة البني عامر أدت إلى تجنيد القبيلة لصالح الدعم السريع. لتعزيز روايته الساذجة، قدم قائمة بأسماء بعض المتعاونين مع القوني، مما أثار موجة من الاستياء والتوتر على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بين أبناء البني عامر.
والبعشوم هو أحد الأذرع الأمنية التي يستخدمها جهاز الأمن تمرير معلومات ونشر الدسائس هو شخص يتخفى على وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم "البعشوم". ويمتلك معلومات أمنية ووثائق مستندات لا تتوفر إلا لجهاز أمن بحجم دولة، وقد عمد إلى استخدام هذه المعلومات للترويج للأكاذيب وصناعة المواقف وفرض اجندات خفية لصالح أحد التيارات المتصارعة على سدة الحكم وقد لعب "البعشوم" منذ سقوط الانقاذ دورًا كبيرا في تحديد مسار الثوار وسقف المطالب ..
أحدث حلقات "البعشوم" على يوتيوب كانت محورية في هذا السياق. تناول فيها شخصية القوني، شقيق حميدتي، حيث بث معلومات مغلوطة، رغم احتوائها على بعض الحقائق. دس "البعشوم" السم في الدسم عندما زعم أن مصاهرة القوني من أسرة تنتمي إلى قبيلة البني عامر أدت إلى تجنيد القبيلة لصالح الدعم السريع. لتعزيز روايته الساذجة، قدم قائمة بأسماء بعض المتعاونين مع القوني، مما أثار موجة من الاستياء والتوتر على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بين أبناء البني عامر.
هذا الوضع تفاقم بشكل أكبر عندما اعتقل جهاز الأمن شاباً من أبناء كسلا، بتهمة التخابر لصالح قوات الدعم السريع. وفاته تحت التعذيب في المعتقلات لم تكن مجرد حادث عرضي، بل أطلقت شرارة احتجاجات واسعة في كسلا، وعمّ الغضب أوساط المجتمع.
إن هذا الاستهداف المنهجي لقبيلة البني عامر لم يكن وليد اللحظة، فقد تعرضت القبيلة لأكثر من سبعة أحداث واشتباكات أهلية منذ سقوط نظام الإنقاذ قبل خمس سنوات. هذه الاشتباكات، التي وقعت في مناطق مثل القضارف وكسلا وبورتسودان وحلفا الجديدة، أودت بحياة العديد من الأرواح البريئة، وأدت إلى فرض حظر تجول. وهنا يطرح السؤال: لماذا تستهدف هذه القبيلة بشكل متكرر؟ هل لأنهم متسامحون ومتمسكون بالتقاليد والدين؟ أم أن امتدادهم بين إريتريا والسودان أصبح لعنة تطاردهم؟
فإذا كانت الحكمة تقول "من مأمنه يؤتى الحذر"، فقد أمنت الجهات المسؤولة ردات فعل هذا المكون، الذي يمثل نموذجاً للتسامح والتماسك والعيش الكريم. وخير مثال على ذلك هو الناظر علي إبراهيم دقلل، الذي برهن بحكمته ورباطة جأشه على قدرته على كظم الغيظ والتعامل بحنكة مع الأزمات، متجنباً الفتن والصدامات. كما يعبر الشاعر الحارث بن عباد عن هذه الحكمة بقوله:
قد تجنبت وائلا كي يفيقوا *********** فأبت تغلب علي إعتزالي
وأشابوا ذؤآبتي ببجير ************** قتـــلوه ظلما بغير قتال
قتلوه بشسع نعل كليب ************** إن قتل الكريم بالشسع غال
ختاما، يجدر بالمجتمع السوداني أن يكون واعياً لهذه الدسائس والمكائد التي تحاك ضد وحدته وسلامته. تعزيز الوحدة الوطنية والوقوف صفاً واحداً في وجه محاولات التفرقة هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية في البلاد. في ظل وعي وطني قوي، لن تنجح أي محاولات لزعزعة هذا الاستقرار أو تفريق صفوف الشعب.
rw3ams@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی البنی عامر
إقرأ أيضاً:
أزمة كهرباء وانهيار العملة.. احتجاجات في حضرموت تعكس معاناة اليمنيين (صور)
شهدت محافظة حضرموت شرقي اليمن أمس الأحد احتجاجات نددت بتدهور الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء، وتدهور سعر صرف العملة.
وقال مصدر في السلطة المحلية بمحافظة حضرموت لـ “ريا نوفوستي” إن “تظاهرة شعبية خرجت في مدينة المكلا مركز المحافظة، أغلق المشاركون فيها بالإطارات التالفة بعد إشعال النار فيها شوارع رئيسية في منطقة الديس شرق المدينة تنديدا بانقطاعات التيار الكهربائي ولساعات طويلة تتجاوز 14 ساعة يوميا، في ظل ارتفاع درجة الحرارة”.
وأضاف أن “المحتجين نددوا باستمرار تراجع سعر صرف الريال أمام الدولار الأمريكي والريال السعودي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية خاصة مع حلول شهر رمضان”.
وسجل الريال اليمني في التعاملات المسائية 2310 ريالات للدولار الأمريكي الواحد بيعا و2296 ريالا شراء، في حين هبط سعر صرف الريال اليمني أمام الريال السعودي إلى 604 ريالات للبيع و602 للشراء.
وأشار المصدر إلى أن “تفاقم انقطاعات الكهرباء ناجم عن شح في وقود محطات التوليد التي تحتاج إلى (518,400) لتر ديزل و(690,000) لتر مازوت يوميا لإنتاج 205 ميغا وات من الكهرباء”.
وتابع أن “كميات الوقود التي يسمح حلف قبائل حضرموت (كيان قبلي مسلح يطوق مرافق إنتاج النفط في محافظة حضرموت)، بمرورها يوميا من شركة “بترومسيلة” النفطية إلى محطات التوليد (364,000) لتر من الديزل، ما يمثل نصف الاحتياج اليومي الأمر الذي انعكس على التشغيل الجزئي للمحطات”.
ومطلع أغسطس الماضي، أصدر “حلف قبائل حضرموت” بيانا دعا فيه رئيس مجلس القيادة اليمني إلى جعل مكون “مؤتمر حضرموت الجامع” ممثلا لحضرموت “أسوة بالأطراف المشاركة في التسوية السياسية”، محذرا من “التصرف بنفط حضرموت أو تصديره إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت”، مشترطا “تسخير قيمة النفط الموجود في خزانات ميناء الضبة وفي المسيلة لشراء طاقة كهربائية لحضرموت”، وذلك قبل أن يطوق التحالف القبلي المنشآت النفطية في المحافظة.
وتنتج شركة “بترو مسيلة” الحكومية في حضرموت ما بين 85 – 90 ألف برميل يوميا من الخام المتوسط والأغنى بالكبريت، من حقول منطقة المسيلة، وهي كمية لا تمثل الطاقة الإنتاجية الكاملة لأربعة قطاعات نفطية في المحافظة الأكبر في اليمن والتي تراجعت جراء توقف الإنتاج بسبب اندلاع الحرب، قبل أن تستأنف الحكومة الإنتاج في أغسطس 2016.
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة “أنصار الله” الحوثية إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني البلد العربي للعام العاشر تواليا، صراعا مستمرا على السلطة بين الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة “أنصار الله” انعكست تداعياته على مختلف النواحي إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.
المصدر: “ريا نوفوستي”