بيان الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري: مناورة سياسية أم دعوة للإصلاح؟
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
زهير عثمان
البيان الصادر عن الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي برئاسة ياسر عرمان يعكس موقفًا نقديًا وتحليليًا للوضع السياسي والعسكري الحالي في السودان، خاصة في ظل استمرار الحرب وما تسببت به من كوارث إنسانية. لفهم هذا البيان ولماذا قيل في هذه الظروف، يمكن تحليل النقاط الرئيسية التالية-
التحالفات الحالية تحتاج إلى إصلاح
التحليل يشير البيان إلى أن التحالفات الموجودة بين القوى المدنية والسياسية في السودان غير فعالة بالشكل الكافي لتحقيق الأهداف المطلوبة، وهي وقف الحرب والعودة إلى أهداف ثورة ديسمبر.
السبب في هذه الظروف: الحرب المستمرة والصعوبات التي تواجهها القوى المدنية في تحقيق أهدافها ربما دفعت الحركة إلى المطالبة بإصلاح التحالفات لتكوين "كتلة حرجة" قادرة على التأثير بشكل أكبر في الساحة السياسية والعسكرية.
التأكيد على الكارثة الإنسانية وأولوية وقف الحرب
التحليل البيان يركز بشدة على الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب، مثل النزوح، المجاعة، والدمار، ويشير إلى أن هذه الكارثة أصبحت أولوية قصوى. يدعو البيان إلى بناء شراكات مع المجتمع المدني والمجتمعات المحلية لضمان فعالية وشفافية في توزيع المساعدات.
السبب في هذه الظروف: الحرب المستمرة أدت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، مما يتطلب تركيزًا أكبر على الجوانب الإنسانية والضغط على أطراف الصراع لوقف الأعمال العدائية، وخاصة في ظل تحذيرات من كارثة مجاعة وشيكة.
النقد الذاتي والوضع الداخلي للتحالفات
التحليل البيان يعترف بتصدع الجبهة الواسعة التي أفرزتها ثورة ديسمبر، ويشير إلى تراجع الحركة الجماهيرية إلى "تكتيكات دفاعية". هذا النقد الذاتي يعكس حالة من التأمل في مدى نجاح القوى المدنية في الحفاظ على وحدة صفها وتأثيرها منذ بداية الثورة.
السبب في هذه الظروف: الاستقطاب الذي أحدثته الحرب ربما أدى إلى انقسام وتشتت داخل الجبهة المدنية، مما دفع الحركة إلى الاعتراف بذلك والدعوة إلى مراجعة الاستراتيجيات وتعزيز الوحدة.
التحذير من الحرب القادمة
التحليل يشير البيان إلى أن الحرب القادمة ستكون أكثر تدميرًا، خاصة أنها ستدور في مناطق مأهولة بالسكان. يحذر البيان من الكوارث التي قد تنجم عن هذه الحرب، ويدعو إلى ضرورة وقفها لحماية المدنيين.
السبب في هذه الظروف: بالنظر إلى أن القتال الحالي لم يتم احتواؤه، فإن توقع تصعيد أكبر واحتمال امتداد القتال إلى مناطق جديدة يحمل تحذيرًا شديد اللهجة لأهمية التحرك السريع لمنع وقوع المزيد من الكوارث.
الدعوة إلى تعبئة واسعة وطنيا ودوليا
التحليل , يدعو البيان إلى تعبئة شاملة على المستويين الوطني والدولي لوقف الحرب. يؤكد البيان على ضرورة التحرك بقوة أكبر من جانب القوى المدنية لاستصدار قرارات دولية تلزم أطراف النزاع بوقف الحرب.
السبب في هذه الظروف: مع استمرار المعاناة الإنسانية وتصاعد التهديدات، تسعى الحركة إلى تحفيز العمل الجماعي والتأثير على المجتمع الدولي للضغط من أجل إنهاء النزاع.
البيان يعكس قلقًا عميقًا من تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية في السودان بسبب الحرب المستمرة. جاء البيان في هذا التوقيت ليشير إلى ضرورة إصلاح التحالفات المدنية وجعلها أكثر فعالية، وكذلك للتأكيد على أهمية التركيز على القضايا الإنسانية والعمل على وقف الحرب قبل أن تتفاقم الأوضاع أكثر. الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي برئاسة ياسر عرمان تحاول هنا تحفيز قادة القوى المدنية للعمل بشكل مشترك ومنظم لخلق كتلة حرجة تستطيع مواجهة التحديات الحالية وتحقيق أهداف الثورة.
وهنا لابد من الإشارة إلى محاولات ياسر عرمان لكسب وضعية سياسية مميزة وتولي وضع قيادي مهمة جدًا في تحليل البيان، لأنها تعطي بُعدًا أعمق لفهم السياق والدوافع وراء تصريحاته.
الاعتبار السياسي والشخصي لياسر عرمان
ياسر عرمان هو شخصية سياسية بارزة في السودان، وله تاريخ طويل في النضال السياسي والعمل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. بعد انفصال جنوب السودان، استمر عرمان في العمل السياسي في شمال السودان، وسعى إلى ترسيخ موقعه كقائد مؤثر في السياسة السودانية، خاصة ضمن التيار المدني والديمقراطي.
محاولة كسب وضعية قيادية
تعزيز الدور القيادي: من خلال البيان، يسعى عرمان إلى إبراز حركته كصوت رئيسي في التحالفات المدنية، والظهور كقائد يمكنه تقديم رؤية واضحة وقوية لوقف الحرب وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر. دعوته لإصلاح التحالفات قد تعكس رغبته في أن يكون له دور مركزي في توجيه هذه التحالفات وتشكيل مستقبلها.
استغلال الفراغ القيادي مع تراجع قوة وتأثير بعض القيادات السياسية الأخرى نتيجة الحرب والانقسامات، قد يرى عرمان في الوضع الحالي فرصة لتعزيز موقعه كزعيم قادر على قيادة الجبهة المدنية، خاصة في ظل الاضطرابات الحالية.
الاهتمام بالقضايا الجماهيرية: تأكيد البيان على القضايا الإنسانية وتوجيهه النقد للتحالفات الحالية يظهر عرمان كشخص يهتم بالمصالح العامة، مما يمكن أن يزيد من شعبيته بين المواطنين ويعزز موقعه القيادي.
لماذا لم يتم التركيز على ذلك سابقًا؟
في التحليل الأولي، كان التركيز على مضمون البيان والظروف المحيطة به من حيث الأزمة الإنسانية والتحالفات المدنية. ومع ذلك، من المهم أيضًا النظر إلى الأبعاد السياسية والشخصية، خاصة في سياق سياسي متقلب مثل السودان. الإشارة إلى محاولات عرمان لتعزيز وضعه السياسي يضيف فهمًا أعمق للدوافع وراء البيان ويمكن أن يوضح المزيد عن استراتيجياته وتطلعاته المستقبلية.
ياسر عرمان قد يكون يستخدم هذا البيان كوسيلة لتعزيز موقعه كقائد في الساحة السياسية السودانية، مستغلًا الوضع الراهن للتحالفات والظروف الإنسانية. طرحه لإصلاح التحالفات والعمل على بناء كتلة حرجة قد يكون جزءًا من استراتيجيته لتعزيز دوره القيادي في المرحلة المقبلة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الشعبیة لتحریر السودان القوى المدنیة فی السودان یاسر عرمان البیان إلى خاصة فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
على أبرسي.. وتبقى المآثر (2/2)
1من يسمع اسم علي أبرسي، يظن أنه ورث المجد والثروة، ولكن الحقيقة أن أبرسي شيد إمبراطوريته المالية بشقاء الليالي والجهد المضني. فمن تاجر صغير في نواحي نيالا والأبيض وزالنجي وإلى واحد من أشهر وأميز رجال الأعمال السودانيين، ارتاد آفاقًا شتى في مجال الأعمال الكبرى، وظلت مغامراته التجارية الناجحة مستمرة حتى آخر يوم في حياته.
لم يكن طريق أبرسي سهلاً ولا ميسوراً، فقد حكى لي صديقه وقريبه عوض كرار أنه التقى بأبرسي في ستينيات القرن الماضي في مجاهل دارفور، أشعث أغبر، يطارد رزقه هناك ويقود لاندروفر قديمًا.
يحكي أبرسي عن أيامه تلك في غرب السودان:
“كنا جميعًا بإحساس مشترك أبناء هذا البلد، نشق بجمالنا الأرياف والحلال، حلة حلة، وفريق فريق، نبيت ليالينا تحت الجميزة، ونصطاد الغزلان برفرف اللوري، ونشويها تحت القمر. كنا نصطاد دجاج الوادي ببندقية الخرطوش، وما زلت أتذكر ليلة رأس السنة في عام 1962، ونحن تحت جميزة، ومعي ابن عمي نشرب الشاي في ليل بهيم، إلا صوت المرفعين.”
2
بدأ أبرسي حياته التجارية بين الدويم ونيالا وزالنجي وبورتسودان، ثم عاد إلى أم درمان وأسس شركةً لاستيراد الشاي،الدقيق والاقمشه ثم اتجه إلى مجال تصدير زيت الزيوت إلى السعودية ولبنان وهولندا. وحين قدم أبرسي إلى العاصمة، كان قد أسس نفسه واسمه كتاجر ذكي يعرف أصول المهنة، وبدأت ثروته تنمو، وكذلك طموحه الذي لم يهدأ حتى آخر لحظات حياته.
بنى أبرسي لنفسه ولبلده إمبراطورية تجارية داخل السودان وخارجه. أسس في بدايته كرجل في العاصمة شركة “أبرسي للنقل”، وله حكاية معها.
يقول أبرسي:
“كنت أحلم بامتلاك (لوري) وفتح دكان، وبفضل الله امتلكت 30 (قندران)، وعمري لم يتجاوز الـ24 سنة.”
ويحكي قصة بداية إمبراطورية “أبرسي للنقل” قائلًا:
“لاحظت أن هناك فجوة في النقل، حيث بدأت السكك الحديدية في التدهور، والبضائع تتكدس في الميناء، ففكرت في تأسيس شركة نقل، لكن لم يكن لدي ما يكفي من رأس المال. طرقت عدة أبواب، ولكنني لم أفلح في إيجاد مصدر للتمويل. ألهمني الله فكرة التعامل مع البنك، فذهبت إلى عمي عمر عبد السلام وطرحت عليه الفكرة، وطلبت منه أن يضمنني لدى البنك، فنظر إليّ وقال لي: ‘أضمنك بماذا؟’. واخذت علي خاطري وخرجت من عنده، لكنه لحق بي وأوضح لي أنه أراد فقط أن يختبر مدى تصميمي على الفكرة. وبالفعل، وفر لي كل الضمانات للبنك دون أي ضمان من جانبي، إذ كانت سمعتي في السوق ممتازة. استوردت 30 شاحنة ماركة فيات الايطاليه(إيفكو)، مما جعلني أحصل لاحقًا على توكيل الشركة في السودان.”
من هنا كانت بداية إمبراطورية علي أبرسي، الذي ولج مجالات عديدة، وكلها ناجحة، فلم يبدأ عملًا أو استثمارًا إلا وأتمه على أكمل وجه.
حينما اندلعت الحرب في 15 أبريل، كان موجودا بالاراضي المقدسه لاداء العمره غادر البلاد تاركًا وراءه كل ما امتلكه من ثروة جمعها بالكفاح عبر سنوات طويلة، وشيد بها المصانع التي دمرها الجنجويد كليًا. حين يروي لك مأساة تدمير مصنع أبرسي لاسطوانات الغاز بالمنطقة الصناعية بحري، تحس بالأسى؛ فقد تم تدمير المصنع تمامًا، وتحولت عشرات الملايين إلى رماد بين يوم وليلة، كما نُهبت أكثر من 70 ألف أسطوانة غاز. لكن أبرسي لم يبالِ بما دمره الجنجويد، وكان يقول لي: “المهم أن يتعافى السودان.”
3
عندما وقعت كارثة الحرب، لم يلبث إلا قليلًا حتى واصل أعماله واستثماراته بالخارج، فعزز استثماراته القائمة في أوغندا في مجال إنتاج البن والقهوة، ثم افتتح مصائد الأسماك للتصدير.
كان يحلم بتأسيس شركة طيران عملاقة في السودان “أبرسي للطيران”، وقد بدأ خطواتها بالفعل. أرجو أن يوفق الله أبناءه لإكمال ما بدأه والدهم.
4
ويُضاف إلى رصيده التجاري، ممارسته للعمل السياسي الراشد. يقول د. أبوشوك:
“سطع نجم أبرسي عندما كان رئيسًا لبلدية أم درمان، وأصدر قرارًا شهيرًا في مطلع الثمانينيات يقضي بإغلاق البارات (حانات بيع الخمور) ومنع بيع الخمور بمدينة أم درمان، الأمر الذي أغضب الرئيس نميري ودفعه إلى إلغاء القرار، قبل أن يتخذ نميري نفسه القرار ذاته لاحقًا.”
لعب أبرسي أدوارًا سياسية متعددة منذ سبعينيات القرن الماضي، وظل دائم الحضور في الساحة السياسية، عضوًا في عدة برلمانات ومجالس شعب، وكان صوته عاليًا في نقد السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الإنقاذ.
5
حين وقعت كارثة الحرب، كان أبرسي أول من مدّ يده لدعم القوات المسلحة بمليارات الجنيهات، التي لم يفصح عنها لأحد.
يروي لي أحد قادة الجيش المرابطين بمنطقة جبل سركاب:
“كان لعلي أبرسي مزرعة ضخمة في تلك المنطقة بها كل أنواع الفواكه ومئات من الأبقار والدواجن والبيض وكل شيء. كنا في أمسّ الحاجة للغذاء لإطعام آلاف الجنود، فقررنا الاتصال بأبرسي لشراء كل ما في المزرعة على أن يدفع الجيش له بعد انتهاء الحرب. وعندما تحدثنا إليه، صمت قليلًا ثم قال: ‘يا ولدي، أنتم تقدمون أرواحكم فداءً للسودان، فمزرعة شنو البتشتروها مني؟ هي لكم بكل ما فيها، ولا تتحدثوا معي عن قروش، نحن كلنا وأموالنا فداء للسودان.’ فأغلقنا الهاتف وبكينا جميعًا.”
6
قبل وفاته بأسبوع، تبرع أبرسي بحفر عشرات من آبار المياه في مناطق المسلمين بأوغندا، كما تكفل بمئات الأسر التي شردتها الحرب، وعشرات الطلاب، وكل ذلك دون أن تعرف يمينه ما فعلت شماله.
7
بإمكاني أن أكتب عشرات الصفحات عن علي أبرسي، حياته ومآثره وأعماله، وشخصيته الحبيبة، إلا أن ذلك لن يوفيه حقه. فهو رجل له بصماته في خدمة الشعب، سياسيًا واقتصاديًا، وله في خدمة الإسلام أيادٍ بيضاء ممتدة داخل السودان وخارجه، سواء عبر الطريقة الختمية التي أفنى عمره في خدمتها أو غيرها.
اللهم إني أشهد بأن صديقي علي أبرسي كان كريمًا، فأكرمه، وكان صادقًا مع نفسه ووطنه والناس، فاجعله مع الصديقين والشهداء، وكان محبًا لرسول الله، فانزله بقربه، واجعل الجنة مثواه.
العزاء لكافة أسرة الكوارتة الممتدة داخل وخارج السودان، وأولاده وبناته وأصهاره وأصدقائه وكل من عرفه.
أعزي فيه الشعب السوداني الذي رحل عنه وهو في أمسّ الحاجة إليه، في وقت تتكاثر فيه الزعاع، وتتناقص فيه أوتاد البلد.
لا حول ولا قوة إلا بالله. وداعًا أيها الحبيب.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب