الكتابة في زمن الحرب (40): عن ابن خلدون (1)
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
يرى البعض ان القراءة في هذا الزمان المليء بالأحداث المؤلمة والهموم العظيمة ضرب من ضروب المستحيل، حيث تثقل الاوجاع كاهل الإنسان المعاصر ولكأن الشاعر امروء ألقيس يكتب عن أحوالنا اليوم، فانظر ماقاله في احدى قصائده:
وليل كموج البحر أرخى
سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي
وفي هذا السياق، أجد أن ما قامت به تلك المجموعة المميزة “نادي 81” باختيارهم لكتاب “مقدمة ابن خلدون” عمل يستحق التقدير.
اما هؤلاء الشباب النشطون، والذين واصلوا اجتماعاتهم الأسبوعية لأكثر من عامين، يقومون بقراءة الكتب وتحليلها بشكل نقدي عميق. ولو أتيح لك حضور إحدى جلساتهم، لظننت أنهم خريجو كليات أدبية، في حين أن معظمهم أطباء؛ منهم الجراح والطبيب النفسي، يتقنون شرح النفس كما يتقنون تفكيك النصوص المعقدة في مختلف فروع العلم والمعرفة.
أما عن ابن خلدون، فإنه ومن خلال مقدمته، تظهر عبقريته الفذة وترى فهمه العميق لسلوكيات المجتمعات وأحوال الدول. رغم أن ما كتبه يعود للقرن الرابع عشر الميلادي، إلا أن تحليلاته تبدو وكأنها تصف واقعنا المعاصر. سعى ابن خلدون في مقدمته لفهم قوانين تطور المجتمعات والدول، حيث تمر الدول بمراحل تبدأ بالنهوض والقوة، ثم تصل إلى مرحلة الركود والانهيار. عندما يتحدث عن “كثرة الجباية” كعلامة على اقتراب نهاية الدولة، يشير إلى أن الضغوط الاقتصادية والفساد المالي غالبًا ما تكون دليلًا على تدهور السلطة.
وصف ابن خلدون ظواهر سلبية مثل انتشار التنجيم والنفاق وظهور الشخصيات الانتهازية والدجالين، مما يعكس تفكك المجتمع وفقدان الثقة في النظام السائد. وهي أمور تتكرر في مختلف الأزمنة والأماكن عندما تواجه الدول أزمات وجودية.
كتب أحدهم متطاولاً على ابن خلدون، واصفًا إياه بأنه “يتجسس على المستقبل”، وأعتقد أن هذا الشخص قد أذهلته عبقرية ابن خلدون ونظرته الثاقبة للأمور. ويمكن القول إن ابن خلدون، من خلال ملاحظاته الدقيقة، لم يكن يتجسس على المستقبل بقدر ما كان يضع أسسًا لفهم الحاضر والمستقبل من خلال دراسة الماضي. تعتمد تحليلاته على مبدأ أن التاريخ يعيد نفسه، وأن سلوك البشر والدول يخضع لقوانين معينة يمكن التنبؤ بها إذا ما تم دراستها بعمق.
وعليه، فإننا نقول ما كتبه ابن خلدون يتجاوز الزمن، ويظل مرجعًا هامًا لفهم الديناميكيات الاجتماعية والسياسية، وهو ما يجعله واحدًا من أعظم المفكرين في التاريخ.
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
osmanyousif1@icloud.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ابن خلدون
إقرأ أيضاً:
مركز الملك سلمان للإغاثة يختتم مشروعًا طبيًا تطوعيًا في بورتسودان
اختتم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أمس الأول المشروع الطبي التطوعي للجراحة العامة في مدينة بورتسودان بجمهورية السودان، المقام خلال الفترة من 20 وحتى 27 فبراير 2025م، بمشاركة 13 متطوعًا من مختلف التخصصات الطبية.
وأجرى الفريق الطبي التطوعي التابع للمركز خلال الحملة 58 عملية جراحية تكللت جميعها بالنجاح التام ولله الحمد.
ويأتي ذلك في إطار الجهود المشاريع والبرامج الطبية التطوعية التي تقدمها المملكة عبر ذراعها الإنساني مركز الملك سلمان للإغاثة؛ لمساعدة مختلف الدول المحتاجة والمتضررة حول العالم.