في دراسة حديثة نشرت في دورية "نيتشر بروتوكول"، أعلن فريق بحثي من كلية الطب بجامعة جنيف ومعهد أغورا لأبحاث السرطان في لوزان في سويسرا بقيادة الباحث المصري هيثم شعبان، عن ابتكار تقنية يمكنها مراقبة حركة الحمض النووي والبروتينات داخل نواة الخلية الحية بدقة غير مسبوقة، الأمر الذي يعد خطوة في تطوير فهم أعمق لكيفية تنظيم الجينات وديناميكيات الكروماتين داخل الخلايا، مما قد يفتح آفاقا جديدة في مجالات الطب والبيولوجيا.

عالم دقيق ينضب بالحياة

الكروماتين هو عبارة عن مركب معقد يتكون من مزيج من الحمض النووي وبروتينات خاصة تسمى الهستونات، ويعد هذا الهيكل بمثابة الحارس الأول لتنظيم الجينات داخل الخلية. ويلعب الكروماتين دورًا حاسما في تموضع وحزم المادة الوراثية داخل الخلية الحية في أقل مساحة ممكنة كحقيبة سفر، رغم حجمه المتناهي الصغر الذي يبلغ نانومترات صغيرة.

الباحث المصري هيثم شعبان يعمل في مركز "أغورا" لأبحاث السرطان (هيثم شعبان)

يقول شعبان في تصريح للجزيرة نت "عملية تنظيم الجينوم معقدة جدا، تشمل تفاعلات العديد من البروتينات مع المادة الوراثية في أزمنة قصيرة للغاية، مما يجعل هياكل المادة الوراثية ديناميكية ومتحركة بسرعة عالية للمحافظة على وظيفة الخلية"، إذ يمتلك الكروماتين القدرة على تحديد الجينات التي سيتم التعبير عنها في وقت معين وفي خلية معينة كقدرة الحقيبة على إخراج إحدى محتوياتها وإخفاء آخر، وذلك عبر تغيّرات كيميائية على مستوى الهستونات أو تغيرات في بنية الكروماتين نفسه.

لذلك تعد معرفة كيفية تحرك الكروماتين وتغير بنيته ضرورية لفهم العديد من العمليات الخلوية المهمة مثل النسخ الجيني وإصلاح الحمض النووي، إذ إن أي خلل في هذه العمليات قد يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض، بما في ذلك السرطانات. كانت الطرق السابقة قبل تلك التقنية محدودة في دقتها وسرعتها لدراسة هذه التغيرات، مما دفع العلماء إلى البحث عن حلول جديدة.

تقنية خرائط الانتشار العالية الدقة

استجابةً لحاجة العلماء طوّر الفريق تقنية "رسم خرائط الانتشار العالي الدقة"، يوضح شعبان "حديثا، قمنا ولأول مرة بتطوير تقنية المجهر الضوئي الحاسوبي لتصوير عملية تنظيم الجينوم، وبفضل هذا المجهر الضوئي تمكنا من دراسة ديناميكيات وحركة المادة الوراثية".

وتعتمد التقنية على خوارزميات متطورة تمكنها من تحليل حركة الحمض النووي والبروتينات، بالإضافة إلى تصنيف أنواع الحركات المختلفة داخل نواة الخلية، بل تجاوزت ذلك بقدرتها على رسم خرائط لهذه الحركات على مستوى نواة الخلية بأكملها.

لتحقيق هذه الدقة العالية في تحليل البيانات، صمم فريق البحث برنامجا يتميز بسرعته الفائقة، إذ يمكنه إنهاء التحليل في أقل من ساعة واحدة. ويعكس هذا التقدم قفزة كبيرة في مجال الأبحاث البيولوجية، إذ إن الأدوات السابقة كانت تستغرق وقتًا أطول لتحليل البيانات وعلى مستويات مراقبة خلايا فردية، مما مثّل عائقًا أمام دراسة الديناميكيات الجينومية داخل الخلايا الحية.

تسمح هذه التقنية للباحثين بمراقبة الحركة في كل أجزاء نواة الخلية الحية، مما يتيح فهمًا أعمق لكيفية تغير بنية الجينوم داخل الخلايا استجابة للمؤثرات المختلفة الداخلية والخارجية، وتفسير تلك التغيرات ظاهريًا.

تسمح تقنية خرائط الانتشار العالية الدقة للباحثين بمراقبة الحركة في كل أجزاء نواة الخلية الحية (بيكسابي) مجالات التطبيق واسعة

الميزة الرئيسية لهذه التقنية هي قدرتها على العمل على الخلايا الحية، وهو ما لم يكن متاح مسبقًا، مما يتيح دراسة حركة عدة أنواع من الجزيئات الحيوية مثل الحمض النووي والبروتينات الهيستونية وإنزيم رنا بوليميريز، وهو إنزيم مهم في عملية نسخ الجينات.

هذه القدرة على مراقبة التغيرات المكانية والزمنية داخل نواة الخلايا الحية تتيح للعلماء رؤى جديدة لفك شفرة ارتباط التغيرات في هياكل الكروماتين بالتعبير الجيني على مستوى الجينوم.

يضيف شعبان، في تصريحه للجزيرة نت، "من المحتمل أن يتم تطبيق هذه التقنية لدراسة الأنسجة وفحص أنواع مختلفة من الخلايا، مما يوفر نهجًا لدراسة تنظيم الجينوميات المختلفة لفهم العمليات الوظيفية للخلايا ودراسة الأمراض المرتبطة بعملية تنظيم الجينوم".

وهناك مجموعة ضخمة من الأمراض المرتبطة باضطرابات تنظيم الجينوم، ومنها السرطانات وأمراض الشيخوخة والأمراض المناعية والأمراض الأيضية وغيرها، وأغلبها ما زال يحتاج إلى علاجات فعالة. علاوة على ذلك، ستتيح هذه التقنية للباحثين استكشاف التغيرات المعقدة في الوقت الفعلي، وقد تكون أداة فعّالة للتشخيص المبكر للعديد من الأمراض.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المادة الوراثیة الحمض النووی هذه التقنیة

إقرأ أيضاً:

تقنية ثورية تقود إلى أول ولادة بشرية حية باستخدام الخلايا الجذعية

بيرو – طور علماء تقنية جديدة تسمى “فيرتيلو” (Fertilo)، تعتمد على الخلايا الجذعية لمساعدة الأجنة على النضوج خارج جسم الأم، ما أدى إلى أول ولادة بشرية حية في العالم باستخدام هذه التقنية.

وأعلنت شركة شركة Gameto عن ولادة أول طفل تم الحمل به باستخدام تقنية “فيرتيلو” الجديدة في السابع من ديسمبر في فيرتيلو، في بيرو.

وتشير الشركة إلى أن تقنية “فيرتيلو” هي بديل أسرع وأكثر أمانا ويسهل الوصول إليها من التلقيح الصناعي التقليدي.

ومنذ ولادة أول “طفل أنابيب” في العالم في عام 1978، أصبح التلقيح الصناعي (IVF) علاجا شائعا للأزواج الذين يعانون من مشكلات العقم.

وعلى الرغم من نجاح هذه التقنية، إلا أنها تواجه العديد من التحديات، من بينها التكلفة المرتفعة، والمدة الطويلة التي تستغرقها، والأعراض الجانبية المحتملة مثل متلازمة فرط تحفيز المبيض التي تسبب تورما مؤلما في المبايض.

وعادة، يتضمن التلقيح الصناعي جمع البويضات الناضجة من مبايض المرأة وتخصيبها في المختبر ثم نقل الأجنة المخصبة إلى الرحم.

وتتطلب العملية حقنا هرمونية لتحفيز إنتاج البويضات، والتي يمكن أن تصل إلى 90 حقنة لكل دورة علاج.

وفي حين أن معدل نجاح التلقيح الاصطناعي مرتفع نسبيا، إلا أنه ليس خاليا من العيوب، بما في ذلك الإجهاد البدني الناتج عن الحقن الهرموني المتكرر والتكلفة العاطفية للعملية.

ولذلك، تبدو تقنية “فيرتيلو” بديلا أكثر أمانا وكفاءة.

وتستخدم عملية “فيرتيلو” نهجا مبتكرا لتحسين عملية التلقيح الاصطناعي. وبدلا من الاعتماد على حقن الهرمونات لتنضج البويضات، تأخذ “فيرتيلو” خلايا دعم المبيض (ovarian support cells) المشتقة من الخلايا الجذعية متعددة القدرات (iPSCs) وتستخدمها لمساعدة البويضات غير الناضجة على النضوج في المختبر.

وتحاكي هذه الطريقة عملية نضوج البويضات الطبيعية، ما يجعل الإجراء أسرع وأقل تدخلا.

وأظهرت دراسة أجريت عام 2023 أن “فيرتيلو” يحسن بشكل كبير نضوج البويضات وتكوين الأجنة.

وتدعي شركة Gameto، وهي شركة تكنولوجيا حيوية تعمل على تطوير حلول علاجية جديدة لصحة المرأة، ومقرها نيويورك، أن إجراء “فيرتيلو” يلغي 80% من حقن الهرمونات المطلوبة في التلقيح الاصطناعي التقليدي ويقصر دورة العلاج إلى ثلاثة أيام فقط.

وأوضح الدكتور لويس غوزمان، الباحث الرئيسي في مختبرات برانور في بيرو، والمسؤول عن إجراء “فيرتيلو” الذي نتج عنه أول ولادة حية: “إن القدرة على إنضاج البويضات خارج الجسم بأقل تدخل هرموني تقلل بشكل كبير من المخاطر مثل متلازمة فرط تحفيز المبيض، وتخفف من الآثار الجانبية الناجمة عن جرعات عالية من الهرمونات”.

وأُجريت أول ولادة بشرية حية باستخدام طريقة “فيرتيلو” في ليما، بيرو، في عيادة سانتا إيزابيل. وقد أعربت والدة الطفل عن امتنانها بنهج “فيرتيلو”. وقالت: “كانت طريقة فيرتيلو الخيار المفضل مقارنة بالطرق التقليدية”.

وأعلنت شركة Gameto مؤخرا عن شراكة مع IVF Australia. وقد تمت الموافقة على تقنية “فيرتيلو” الآن في العديد من البلدان، بما في ذلك أستراليا واليابان والأرجنتين وباراغواي والمكسيك وبيرو. كما تستعد الشركة لتجارب المرحلة الثالثة في الولايات المتحدة، والتي قد تجعل التكنولوجيا متاحة لعدد أكبر من السكان.

المصدر: Interesting Engineering

مقالات مشابهة

  • الصحة تعلن تفاصيل إنتاج أقلام الأنسولين.. ونتائج مشروع الجينوم المصري
  • متحدث الصحة: المرحلة الأولى من "الجينوم المصري" تثبت عدم صحة مزاعم "الأفروسنتريك"
  • طرح البرومو التشويقي لفيلم «6 أيام» لـ آية سماحة وأحمد مالك (فيديو)
  • زي النهارده.. فتح جزيرة رودس بقيادة سليمان القانوني وضمها للدولة العثمانية
  • إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
  • تأجيل محاكمة 117 متهما بقضية الخلية الإعلامية لـ10 فبراير المقبل
  • تعرف علي أحدث تقنية لتغيير الصمام الأورطي دون جراحة في مصر
  • باحث أمريكي: واشنطن تحتاج إلى الصبر لمراقبة التطورات في سوريا
  • تقنية ثورية تقود إلى أول ولادة بشرية حية باستخدام الخلايا الجذعية
  • تحت إشراف طبي.. جمال شعبان: تناول البوتاسيوم يقي من السكتات الدماغية وجلطات المخ