سلام هش في ظل آليات ردع غير مستقرة
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
يبدو أن العنف في إدارة الصراعات بين بني البشر يعكس غريزة فطرية تتغلب على ما يزعم من حب فطري للسلام. فالإنسان أقرب ميلاً لتحدي آليات الردع، منه لسيادة حالة الاستقرار. هذا قد يعكس الجدل بشرِّيِّة الطبيعة الإنسانية لا خيريتها، كما يميل الكثير من الفلاسفة الذين يشككون في حب الإنسان للسلام، منه لميله للعنف وضعفه أمام إغراءات الصراع، على حكمة تبصر سبل السلام.
ما جعل نظام الأمم المتحدة يبدو أكثر استقراراً، منه لنظام عصبة الأمم، ليس ما يدعيه «محبو السلام»، بقدر ما هو الخوف من استخدام وسائل وآليات الصراع في ظل نظم تسلح غير تقليدية ومعقدة تعتمد أساساً على حسابات ليست بالضرورة دقيقة، نظير ما قد تقع فيه من حسابات خاطئة وتقديرات لا عقلانية. بالتالي: إن ما يبدو من سلام ظاهر خَلّفَهُ نظام الأمم المتحدة كان، في الأساس، نتيجة لتقدم أسلحة الدمار الشامل المهلكة (النووية). المعضلة الأساسية هنا ليستَ رومانسية (حب السلام)، بقدر ما هي واقعية محاولة كسر حاجز الخوف نتيجة الإغراء الفطري والثقة اللامحدودة في جدارة آليات الصراع العنيف التاريخية في إحداث التوازن المطلوب لسيادة سلام قسري عملي وممتد، ناتج عن توازن متين.
لذا لم يكن نظام الأمم المتحدة خالياً من منغصات عدم الاستقرار الخطيرة. كان، في حقيقة الأمر نظام غير مستقر، إلا من حيث التحكم الهش في علاقات الدول العظمى، مؤقتاً، في ألا تنشب بينها حروب مباشرة، قد لا يُتحكم في عواقبها.. ولا في سير معاركها.. ولا في ضمان النصر فيها، ولا حتى وضع نهاية لها، بإرادة أطرافها.
على المستوى الكوني، ساد ما عرف بعهد الحرب الباردة، الذي يحمل في طياته شبح سخونة الحرب أكثر من جدارة الدبلوماسية في إدارة الصراعات. حروبٌ باردةٌ فيما يظهر من ميلٍ لتفاديها، لا الرغبة الجامحة في تجربة سخونة معاركها. حروبٌ محدودةٌ في مناطق تماس إستراتيجية، أكثر منها محاولة جادة لخوض حروبٍ مباشرةٍ، قد تتطور لحروب شاملة تفضي لدمار شامل متبادل.
لذا: كانت تلوح دوماً في الأفق احتمالات الصدام، أكثر من إمكانات الحفاظ على السلام. كان الشك والريبة وعدم الثقة دوماً حاضرة.. وإمكانات التعاون والتكامل غائبة. كان الإنفاق سخياً على احتمالات الصراع العنيف، بينما تبصر سبل السلام تسير في نفق مظلمٍ. كان التفكير في عقيدة الضربة الأولى الساحقة الماحقة، وليس في احتمال ضمان تفادي الضربة الثانية. كان التفكير في النجاة من حرب كونية ثالثة، وليس تفادي وقوعها. لقد غاب عن الجميع قول ألبرت أينشتاين (1879-1955)، لو نشبت حرب كونية ثالثة، فإن الحرب الكونية الرابعة ستكون أسلحتها العصي والحجارة.
في عهد الحرب الباردة لا إستراتيجيات الاحتواء نجحت، ولا تكتيكات الاختراق كانت مستحيلة. كانت الصراعات عنيفة على تخوم حمى كل قطب دولي رئيس، كما كانت الاختراقات تحدث في قلب حمى كل قطب دولي رئيس. الشرق الأوسط كان من المناطق الساخنة في عهد الحرب الباردة، التي اضطر كلا العملاقين، لتجربة خوض غمار السيطرة عليها، وإن كان ليس بالضرورة التورط في الاحتكاك المباشر العنيف بينهما.
في الحرب الباردة، كانت هناك اقتسام متوازن لمنطقة الشرق الأوسط بين واشنطن وموسكو، يحكمه حذر متبادل من تخطي خطوط حمراء متفقٌ عليها. كانت واشنطن تريد النفط، ولم يرضَ الاتحاد السوفيتي بغير التواجد الفعلي في المنطقة، فكان في اليمن وسورية والعراق ومصر، توقاً للتواجد الإستراتيجي في المياه الدافئة. أحياناً كان الصراع يبلغ سخونة عالية، لكن يُجتهد في تخفيض درجة حرارتها، حتى لا تخرج الأمور على السيطرة. فكانت حروب، 1948، 1956، 1967، 1973 بين العرب وإسرائيل. جميعها نجح القطبان الكبيران في تفادي الانجرار للمشاركة فيها، بصورة مباشرة.
في المقابل: على تخوم حدود القوتين العظميين في أوروبا الشرقية، نشبت أعمال عنف خطيرة في المجر 1956، وأخرى في تشيكو سلوفاكيا 1968. دعك من حروب تقليدية محدودة تورط أحد القطبين، بصورة مباشرة، في كوريا وفيتنام وأفغانستان.. ويأبى نظام الحرب الباردة إلا ويلفظ أنفاسه على شواطئ الخليج العربي، حيث النفط وما أدراك ما النفط.
باختصار: نظام الأمم المتحدة لم يحقق سلاماً حقيقياً ولم يُحدث توازناً دقيقاً. عهد الحرب الباردة كانت تسوده رغبة الانعتاق من قيد الردع غير التقليدي المتبادل، أكثر منه الرغبة في سيادة سلام حقيقي. نظام الأمم المتحدة لم ينهِ الصراعات القطبية.. ولم يحافظ على السلام في كثير من بقاع العالم.. ولم يمنع التفكير في عقيدة الضربة النووية الأولى، وإمكانية تفادي الضربة النووية الثانية. وإن نجح، حتى الآن، في تفادى حرب كونية ثالثة، لا تبقي ولا تذر.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل نظام الأمم المتحدة الحرب الباردة أکثر من
إقرأ أيضاً:
وزير لبناني: الحرب أعادت بلادنا 10 سنوات للوراء
أكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، أن بلاده في حاجة من 3 إلى 5 سنوات ليتعافى من الحرب التي أعادته 10 سنوات إلى الوراء، مشيرًا إلى أنه تم إبلاغ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأن جميع الاتفاقات السابقة قد تغيرت.
وقال «سلام» في تصريح لتلفزيوني، إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، يسعى لتوقيع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل، مؤكدًا أنه سيعمل على تحقيق هذا الهدف.
وأشار إلى أن، وقف إطلاق النار في لبنان سيكون من أبرز إنجازات أول 100 يوم من رئاسة ترامب، لافتًا أن لبنان أمام فرصة تاريخية غير قابلة للتكرار نظرًا لقربه من البيت الأبيض.
وأوضح، أن الخيار أمام لبنان هو إما الانضمام إلى الدول الكبرى في مسار السلام أو الانزلاق إلى مصير الدول التي ستتحول إلى بؤر للإرهاب، وتطرق سلام أيضًا إلى وجود اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران حول دور حزب الله.
وأردف وزير الاقتصاد اللبناني، أن الاتفاق ينص على تحويل حزب الله من كيان عسكري إلى سياسي.
اقرأ أيضاًوزير الخارجية: مصر ترفض المساس بسيادة لبنان وتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم
اتجاه لتسوية بين لبنان وإسرائيل.. وترقب للموعد هذا الأسبوع
وزير الخارجية والهجرة يناقش مع نظيره اللبناني المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار