موقع 24:
2025-02-27@06:56:14 GMT

سلام هش في ظل آليات ردع غير مستقرة

تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT

سلام هش في ظل آليات ردع غير مستقرة

يبدو أن العنف في إدارة الصراعات بين بني البشر يعكس غريزة فطرية تتغلب على ما يزعم من حب فطري للسلام. فالإنسان أقرب ميلاً لتحدي آليات الردع، منه لسيادة حالة الاستقرار. هذا قد يعكس الجدل بشرِّيِّة الطبيعة الإنسانية لا خيريتها، كما يميل الكثير من الفلاسفة الذين يشككون في حب الإنسان للسلام، منه لميله للعنف وضعفه أمام إغراءات الصراع، على حكمة تبصر سبل السلام.

من أهم شروط العضوية في مجتمع الدول الحديث (نظام الأمم المتحدة) هو: حب الدول للسلام، إعلاناً وإرادةً وسلوكاً، والالتزام بحل الخلافات فيما بينها بالطرق السلمية، بعيداً عن أي شكل من أشكال العنف أو التهديد به. نظرة غير واقعية للطبيعة البشرية وطبيعة الدولة القومية الحديثة، بأمل ألا تتكرر مأساة الحروب الكونية، كنظام عصبة الأمم (1919-1939). 
ما جعل نظام الأمم المتحدة يبدو أكثر استقراراً، منه لنظام عصبة الأمم، ليس ما يدعيه «محبو السلام»، بقدر ما هو الخوف من استخدام وسائل وآليات الصراع في ظل نظم تسلح غير تقليدية ومعقدة تعتمد أساساً على حسابات ليست بالضرورة دقيقة، نظير ما قد تقع فيه من حسابات خاطئة وتقديرات لا عقلانية. بالتالي: إن ما يبدو من سلام ظاهر خَلّفَهُ نظام الأمم المتحدة كان، في الأساس، نتيجة لتقدم أسلحة الدمار الشامل المهلكة (النووية). المعضلة الأساسية هنا ليستَ رومانسية (حب السلام)، بقدر ما هي واقعية محاولة كسر حاجز الخوف نتيجة الإغراء الفطري والثقة اللامحدودة في جدارة آليات الصراع العنيف التاريخية في إحداث التوازن المطلوب لسيادة سلام قسري عملي وممتد، ناتج عن توازن متين.
لذا لم يكن نظام الأمم المتحدة خالياً من منغصات عدم الاستقرار الخطيرة. كان، في حقيقة الأمر نظام غير مستقر، إلا من حيث التحكم الهش في علاقات الدول العظمى، مؤقتاً، في ألا تنشب بينها حروب مباشرة، قد لا يُتحكم في عواقبها.. ولا في سير معاركها.. ولا في ضمان النصر فيها، ولا حتى وضع نهاية لها، بإرادة أطرافها.
على المستوى الكوني، ساد ما عرف بعهد الحرب الباردة، الذي يحمل في طياته شبح سخونة الحرب أكثر من جدارة الدبلوماسية في إدارة الصراعات. حروبٌ باردةٌ فيما يظهر من ميلٍ لتفاديها، لا الرغبة الجامحة في تجربة سخونة معاركها. حروبٌ محدودةٌ في مناطق تماس إستراتيجية، أكثر منها محاولة جادة لخوض حروبٍ مباشرةٍ، قد تتطور لحروب شاملة تفضي لدمار شامل متبادل.
لذا: كانت تلوح دوماً في الأفق احتمالات الصدام، أكثر من إمكانات الحفاظ على السلام. كان الشك والريبة وعدم الثقة دوماً حاضرة.. وإمكانات التعاون والتكامل غائبة. كان الإنفاق سخياً على احتمالات الصراع العنيف، بينما تبصر سبل السلام تسير في نفق مظلمٍ. كان التفكير في عقيدة الضربة الأولى الساحقة الماحقة، وليس في احتمال ضمان تفادي الضربة الثانية. كان التفكير في النجاة من حرب كونية ثالثة، وليس تفادي وقوعها. لقد غاب عن الجميع قول ألبرت أينشتاين (1879-1955)، لو نشبت حرب كونية ثالثة، فإن الحرب الكونية الرابعة ستكون أسلحتها العصي والحجارة.
في عهد الحرب الباردة لا إستراتيجيات الاحتواء نجحت، ولا تكتيكات الاختراق كانت مستحيلة. كانت الصراعات عنيفة على تخوم حمى كل قطب دولي رئيس، كما كانت الاختراقات تحدث في قلب حمى كل قطب دولي رئيس. الشرق الأوسط كان من المناطق الساخنة في عهد الحرب الباردة، التي اضطر كلا العملاقين، لتجربة خوض غمار السيطرة عليها، وإن كان ليس بالضرورة التورط في الاحتكاك المباشر العنيف بينهما.
في الحرب الباردة، كانت هناك اقتسام متوازن لمنطقة الشرق الأوسط بين واشنطن وموسكو، يحكمه حذر متبادل من تخطي خطوط حمراء متفقٌ عليها. كانت واشنطن تريد النفط، ولم يرضَ الاتحاد السوفيتي بغير التواجد الفعلي في المنطقة، فكان في اليمن وسورية والعراق ومصر، توقاً للتواجد الإستراتيجي في المياه الدافئة. أحياناً كان الصراع يبلغ سخونة عالية، لكن يُجتهد في تخفيض درجة حرارتها، حتى لا تخرج الأمور على السيطرة. فكانت حروب، 1948، 1956، 1967، 1973 بين العرب وإسرائيل. جميعها نجح القطبان الكبيران في تفادي الانجرار للمشاركة فيها، بصورة مباشرة.
في المقابل: على تخوم حدود القوتين العظميين في أوروبا الشرقية، نشبت أعمال عنف خطيرة في المجر 1956، وأخرى في تشيكو سلوفاكيا 1968. دعك من حروب تقليدية محدودة تورط أحد القطبين، بصورة مباشرة، في كوريا وفيتنام وأفغانستان.. ويأبى نظام الحرب الباردة إلا ويلفظ أنفاسه على شواطئ الخليج العربي، حيث النفط وما أدراك ما النفط.
باختصار: نظام الأمم المتحدة لم يحقق سلاماً حقيقياً ولم يُحدث توازناً دقيقاً. عهد الحرب الباردة كانت تسوده رغبة الانعتاق من قيد الردع غير التقليدي المتبادل، أكثر منه الرغبة في سيادة سلام حقيقي. نظام الأمم المتحدة لم ينهِ الصراعات القطبية.. ولم يحافظ على السلام في كثير من بقاع العالم.. ولم يمنع التفكير في عقيدة الضربة النووية الأولى، وإمكانية تفادي الضربة النووية الثانية. وإن نجح، حتى الآن، في تفادى حرب كونية ثالثة، لا تبقي ولا تذر.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل نظام الأمم المتحدة الحرب الباردة أکثر من

إقرأ أيضاً:

ارتباك وانقسامات في الأمم المتحدة بعد 3 سنوات على الحرب الأوكرانية

في تحدٍّ لكييف وحلفائها الأوروبيين، تطرح الولايات المتحدة، اليوم الإثنين، على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مشروع قرار يطالب بـ"إنهاء سريع" للنزاع في أوكرانيا، من دون الإشارة إلى وحدة أراضي البلاد، وهو ما يشكل اختباراً للنهج الجديد الذي يعتمده الرئيس دونالد ترامب إزاء الحرب الروسية.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل 3 سنوات، كان ميزان القوى واضحاً في الأمم المتحدة، ما بين دعم سياسي طاغ لا لبس فيه في الجمعية العامة لأوكرانيا وسيادتها في مواجهة موسكو، وعجز عن التحرك في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي.

3 years since war escalated in Ukraine.

3 years of death and destruction in every child’s life.

3 years of trauma, stress and displacement.

Enough is enough. Children must be protected NOW. pic.twitter.com/YpnP5daahj

— UNICEF (@UNICEF) February 24, 2025

ولكن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعادت خلط الأوراق، في ظل التقارب الذي بدأه مع الكرملين وتكثيف هجماته على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي بات يواجه ضغوطاً متزايدة.

وفي هذا السياق الدبلوماسي المتوتر ومع حلول الذكرى الثالثة للغزو الروسي، ستقدّم أوكرانيا وأكثر من 50 دولة مشروع قرار للتصويت عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يؤكد على "الضرورة الملحة" لإنهاء الحرب "هذه السنة"، كما يكرّر بشكل لا لبس فيه المطالب السابقة للجمعية العامة، بالانسحاب الفوري للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، ووقف الأعمال الحربية الروسية.

وفيما دارت تساؤلات حول احتمال امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على هذا النص، فاجأت واشنطن الجميع، يوم الجمعة الماضي، بطرح مشروع قرار منافس. وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إنّه "مشروع قرار بسيط وتاريخي"، داعياً الدول الأعضاء إلى التصديق عليه.

الاتحاد الأوروبي يقر مجموعة جديدة من العقوبات على روسيا - موقع 24فرض الاتحاد الأوروبي، اليوم الإثنين، المجموعة الـ16 من العقوبات على روسيا، في الذكرى الثالثة للغزو الروسي لأوكرانيا. فكرة جيدة

ويدعو النص القصير للغاية إلى "إنهاء النزاع في أقرب وقت ممكن، ويدعو إلى سلام دائم" بين كييف وموسكو، من دون الإشارة إلى وحدة الأراضي الأوكرانية، التي كانت تعدّ حجر الزاوية في القرارات السابقة للجمعية العامة والتي كانت الولايات المتحدة برئاسة جو بايدن من أشدّ المدافعين عنها.

وقال السفير الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، إنّ "هذا القرار الأمريكي فكرة جيدة"، بينما تسعى موسكو إلى تعديلٍ يطالب بمعالجة "الأسباب الجذرية" لللصراع.

ومن جانبها، أفادت الرئاسة الصينية لمجلس الأمن الدولي أمس الأحد، بأنّ الولايات المتحدة ستطرح النص للتصويت على مجلس الأمن بعد ظهر اليوم الإثنين، وهو ما يضع الأوروبيين في موقف حرج.

الرئيس الألماني: أوكرانيا ليست وحدها - موقع 24في الذكرى الثالثة لبدء الحرب الروسية في أوكرانيا، تحدث الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير، عن معاناة الشعب الأوكراني وكذلك قدرتهم على الصمود.

وكي يتم اعتماد أي قرار، يجب أن يحصل على أصوات 9 على الأقل من الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن، من دون استخدام الفيتو من قبل أي من الأعضاء الـ 5 الدائمين. وعليه، فإنّ امتناع أعضاء الاتحاد الأوروبي (فرنسا وسلوفينيا والدنمارك واليونان) والمملكة المتحدة، عن التصويت لن يكون كافياً لرفضه.

ومن هنا، تدور تساؤلات عمّا إذا كانت فرنسا والمملكة المتحدة مستعدّتين لاستخدام حق النقض لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً، في ظلّ زيارة متوقعة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى البيت الأبيض هذا الأسبوع.

وقال ريتشارد غوان من مجموعة الأزمات الدولية: "لا أرى كيف يمكن لباريس ولندن أن تدعما نصاً بعيداً إلى هذا الحد، عن موقفهما المعلن بشأن أوكرانيا، ولا أرى أيضاً كيف يمكنهما استخدام الفيتو ضدّه".

وبين الأوروبيين الذين يشعرون بارتباك حيال السياسة الأمريكية المستجدّة، والعديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي سئمت من الاهتمام المنصبّ على أوكرانيا وبعض الدول العربية، التي لم تنس كيف أنّ كييف لم تدعم القرارات بشأن غزة، من الصعب التنبّؤ بنتيجة المعركة الدبلوماسية التي ستدور اليوم الإثنين في الجمعية العامة.

وأشار ريتشارد غوان إلى أنّ "هذا سيكون بمثابة اختبار للأوروبيين لكشف مدى نفوذهم في النظام المتعدّد الأقطاب، ولأوكرانيا التي قد تخرج منه أكثر عزلة"، وأضاف أنّه أيضاً "اختبار أولي للنهج المتشدّد الذي تعتمده إدارة ترامب في مواجهة الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي التي يدافع عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقوة، الذي دعا إلى السلام مع احترام وحدة أراضي أوكرانيا وميثاق الأمم المتحدة".

مقالات مشابهة

  • رئيسة سلوفينيا: بعثة حفظ السلام في أوكرانيا يجب أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة
  • الأمم المتحدة: خطط الضم وتهجير الفلسطينيين تهدد المنطقة
  • سلام استقبل وزير خارجية سلطنة عمان
  • أوكرانيا و«سلام القوة»
  • إبراهيم النجار يكتب: ترامب.. وتأسيس نظام عالمي جديد!
  • الأمم المتحدة تشيد بجهود مصر وقطر في تأمين اتفاق غزة
  • وول ستريت جورنال: يوم حزين لأميركا في الأمم المتحدة
  • مجلس الأمن يصوت لصالح مشروع قرار أمريكي بشأن الحرب في أوكرانيا
  • ارتباك وانقسامات في الأمم المتحدة بعد 3 سنوات على الحرب الأوكرانية
  • الأمم المتحدة تدعو إلى تحقيق سلام عادل يحترم سيادة أوكرانيا واستقلالها