الشرق الأوسط وخريطة التحولات الدولية
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
تعتبر القوة واحدة من أسس العلاقات الدولية، وبها تتشكل التحالفات التي تحكم النظام الدولي، فمعيار تصنيف النظام أحادياً، أو ثنائياً، أو تعدّدي القطبية، يأتي بناء على توزيعات القوة بين الدول المختلفة.
القوة ليست حالة ثابتة بل متغيرة ونسبية، وهذا ما يفسر لنا التحولات التي تطرأ على خارطة التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة، وهي في أبسط معانيها تتثمل في القدرة والتأثير في سلوك الآخرين، أي الفاعلين الدوليين في قضية أو قضايا معينة.في هذا السياق تعتبر القوة غاية ووسيلة لتحقيق الأهداف العليا لأي دولة، وهي أس نظرية الواقعية المفسرة لعلاقات الدول، وقد ارتبطت بظهور الدولة القومية عام 1648 كفاعل رئيسي للعلاقات، كما أنها، أي القوة، تفسر لنا مسار الحروب والسلام، وكل المظاهر الدولية، فهي تتشكل من عناصر عدة، تتفاوت بين الدول كمساحة جغرافية، وموارد اقتصادية، وطبيعية، ومنظومة قيم وثقافة، وعقيدة، إضافة إلى القوة العسكرية والاقتصادية والقوة التكنولوجية، وما يعرف اليوم بالقوة الناعمة، وقوة المؤسسات السياسية، ورؤية القيادة.
كل الدول تمتلك قدراً من القوة يمنحها التأثير في خريطة التفاعلات الدولية، بمختلف أشكاله، وبناء على القوة يتم تقسيم الدول على هذا الأساس، بين دول عظمى، وأخرى كبرى، بين مؤثرة، وأخرى متوسطة التأثير، وفي نهاية السلم الدول الصغرى، التي لا يكون لها أي تأثير في القرارات الدولية، أو في الأحداث التي يعيشها العالم، بمختلف توجهاته، وتقسيماته.
لكن، وبرغم هذا التقسيم التقليدي، إلا أن هذا التقسيم لم يعد ثابتاً بمنظور التطورات التي يشهدها العالم اليوم، بل متحول، لأنه حتى الدول الصغرى، وبمعايير المساحة الجغرافية والسكان، يمكن أن تكون دولاً ذات تأثير، من منظور القوة الناعمة والقوة الاقتصادية، خاصة الدول الواقعة في منطقة الشرق الأوسط، ولنا في دولة الإمارات مثالاً واضحاً في ذلك، فدولة الإمارات العربية المتحدة المتحدة اليوم، تعد من الدول ذات الحضور الكبير في القرار الدولي حيث تتصدر الدول بمؤشر «القوة الناعمة».
ولو نظرنا إلى خريطة القوة الدولية في عالمنا المعاصر، لرأينا الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، ودولاً غربية عدة، من الدول التي تمتلك القوة بكل عناصرها، من قوة عسكرية، واقتصادية، ومالية، ودبلوماسية، وإقليمية.
مع ذلك فإن منطقة الشرق الأوسط تحتفظ بأهميتها التاريخية باعتبارها واحدة من أهم المناطق الجيوسياسية في العالم، التي يتشكل من خلالها النظام الدولي، وتفسر لنا التحولات فى القوة الإقليمية، والدولية، والصراعات، والحروب، والتنافسات بين القوى في المنطقة.
منطقة الشرق الأوسط لم تعد كما كانت في السابق من المناطق التابعة والمقسمة بين دول القوة والنفوذ، على المستوى الدولي، فتنامي قوة هذه الدول يعود إلى امتلاكها لعناصر القوة الشاملة، وهي من السمات البارزة التي تميزها في الوقت الحاضر، حيث نلاحظ دوراً مؤثراً وفاعلاً، ليس على مستوى المنطقة فقط، بل على مستوى القرار، الإقليمي والدولي.
ومن التغيرات الواضحة في مشهد النظام العالمي اليوم، نشهد تراجعاً للدور الأمريكي مع تصاعد وتنامي دور الصين كقوة ذات نفوذ كبيرلقوة الصين، وما المنتدى الصيني العربي، الذي عقد خلال شهر مايو/أيار العام الجاري، إلا دليلاً على أهم التحولات والتغيرات التي تشهدها المنطقة، حيث اعتبر انعقاد هذا المنتدى بمثابة تعزيز لعناصر القوة التي تجمع الصين بالدول العربية، وتناقش أهم ركائز التعاون، حاضراً ومستقبلاً.
هذا الحدث، أو ما يمكن تسميته التقارب الصيني العربي، يعد بمثابة تغيير في خريطة التفاعلاات والتحالفات الدولية، ففي السابق كان الشرق الأوسط أحد أهم المناطق المغلقة للاستراتيجية الأمريكية، لكننا نشهد اليوم إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بدور أكبر لفاعليها من الدول العربية، والتي تسعى لملء فراغ القوة الذي عانته المنطقة على مراحل تاريخية ممتدة.
من المعروف أن منطقة الشرق الأوسط، تعد من أكثر المناطق في العالم تعرضاً للتغيرات والتحديات، الداخلية والخارجية، بحكم أهميتها الاستراتيجية، والنفطية، والمالية، والأمنية، إضافة بالطبع إلى موقعها الجغرافي، ومن يقيم معها علاقة يكون قادراً على صياغة بؤر القوة والتأثير.
هذه العوامل وغيرها التي تتمتع بها دول الشرق الأوسط، في الماضي والحاضر، تفسر لنا السر في تنافس القوى الإقليمية لتسجيل حضور قوي في المنطقة، وحرصها على كسب مزيد من مناطق النفوذ فيها، مع العلم أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه الدول، من أبرزها تراجع دور الدولة الوطنية المركزية القادرة على بسط سيادتها وسيطرتها على حدودها والأمثلة كثيرة، من بينها اليمن، ليبيا، العراق، وسوريا، وغيرها من الدول التي باتت تشكل مناطق رخوة، يستطيع من خلالها الخارج، بألوانه المتعددة، من النفوذ إليها.
إضافة إلى ذلك هناك تحديات أخرى تواجه دول المنطقة، من بينها: المناخ، والتصحر، والهجرة، وانتشار دور الجماعات المتطرفة من خارج الدول، على هيئة ميليشيات مسلحة خارج القانون والنظام، أسهمت في إحداث إخلالات أمنية في كثير من الدول، وما نشاهده هذه الأيام من انتشار الإرهاب في بعض هذه الدول، أكبر دليل على ذلك.
واليوم تشكل الحرب على غزة أكبر التحديات التي قد تترتب على تداعياتها إعادة رسم الخريطة السياسية، وشكل التحالفات في المستقبل، ومن التحديات تحقيق السلام والأمن والاستقرار، وارتباط أمن المنطقة واكتمالها بالقبول بالدولة الفلسطينية، التي يشكل قيامها استئصالاً للكثير من الأسباب التي تقف وراء التنافس الإقليمي، ونشاط الجماعات المناهضة لبناء الدولة الوطنية، فالدولة الفلسطينية تشكل المفتاح لمستقبل المنطقة، وخيارها في الأمن، والسلام، والاستقرار، أما عدا ذلك فسيكون مفتاحاً للحرب الشاملة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل منطقة الشرق الأوسط من الدول
إقرأ أيضاً:
قرية الغجر: كيف أشعل خط على الخريطة نيران الصراع في الشرق الأوسط؟
نشرت مجلة "نيو لاينز" تقريرًا يسلط الضوء على قضية قرية الغجر، التي تقع عند الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، والتي أصبحت ضحية لخطأ خرائطي استعماري أدى إلى تقسيمها، موضحًا أن جذور المشكلة تعود إلى خط الحدود المعروف بـ"الخط الأزرق"، الذي رسمته الأمم المتحدة عام 2000 لتحديد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أدى إلى حالة من الهدوء الهش على الحدود بين لبنان و"إسرائيل".
ووفقًا لمذكرة تفاهم نشرتها الولايات المتحدة وفرنسا، ستقوم الولايات المتحدة، بالشراكة مع الأمم المتحدة، بتسهيل المحادثات غير المباشرة بين البلدين لحل النقاط المتنازع عليها على طول ما يسمى بالخط الأزرق، وهو خط رسمه رسامو الخرائط التابعون للأمم المتحدة في أيار/ مايو 2000، إيذانًا بانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.
وقد تجاوز عمر هذا الخط الأزرق، الذي زُعم أنه مؤقت، عمر الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بسبع سنوات الآن، ولا يزال يشكل مصدر توتر سياسي بين "إسرائيل" ولبنان ومصدر قلق هائل لسكان المنطقة الحدودية المتنازع عليها.
وتعد قرية الغجر، وهي قرية يسكنها علويون، وتسيطر عليها "إسرائيل" وتطالب بها كل من لبنان وسوريا، أخطر نقاط الخلاف؛ فقد قسم الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة قرية الغجر إلى قسمين. جزء يقع تحت السيطرة اللبنانية والآخر تحت السيطرة الإسرائيلية، مع كل القيود المفروضة على الحركة التي يمكن للمرء أن يتخيلها في منطقة حدودية بين بلدين في حالة حرب، لقد قسم خط مرسوم على الخريطة العائلات وعطّل حياة القرويين الذين عاشوا كمجتمع متماسك لقرون.
وتجمع القصة الكامنة وراء تقسيم قرية الغجر بين الإرث الاستعماري للشرق الأوسط الحديث، وترسيم الحدود الأخرق، والأخطاء والتلاعبات في رسم الخرائط، والصراعات العربية الداخلية، والصراعات الغربية الإسرائيلية حول الوصول إلى المياه في سياق الجغرافيا السياسية الأوسع في الشرق الأوسط.
وأوضحت المجلة أن قرية الغجر، التي يبلغ عدد سكانها 2,806 نسمة وفقًا لإحصاء سنة 2022، تقع على الضفة الشرقية لنهر الحاصباني، بين سوريا ولبنان و"إسرائيل"، وهي قريبة من المنحدرات الغربية لجبل الشيخ ومنبع نهر الأردن، وقد احتلت "إسرائيل" القرية وبقية هضبة الجولان خلال حرب حزيران/ يونيو 1967.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 1981، أقرّ الكنيست قانون مرتفعات الجولان، الذي طبّق القانون الإسرائيلي على المنطقة ومنح الجنسية الإسرائيلية لسكان الغجر؛ حيث يعرّفون أنفسهم بأنهم علويون سوريون ولكنهم مندمجون تمامًا في الحياة السياسية والاقتصادية في "إسرائيل".
ولعدة قرون، كانت الغجر قرية فقيرة ونائية في ولاية دمشق التابعة للإمبراطورية العثمانية، ثم أصبحت قرية سورية خلال فترة الانتداب الفرنسي عندما منحت عصبة الأمم فرنسا حق الوصاية المؤقتة على سوريا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
وقسمت فرنسا المنطقة المعروفة باسم سوريا الكبرى إلى لبنان وسوريا، وفرضت الحكم الفرنسي على البلدين، وكان إنشاء الدولتين تعبيرًا عن منهجية "فرّق تسد" الاستعمارية.
وفي 31 آب/ أغسطس 1920، أصدر هنري غورو، أول مفوض سامٍ فرنسي في سوريا ولبنان، المرسوم 318، معلنًا إنشاء لبنان الكبير منفصلًا عن سوريا. ورغم أن الفرنسيين لم يرسموا حدود هذه الدولة الجديدة بدقة، إلا أنهم استخدموا خريطة فرنسية تعود لسنة 1862، "خريطة لبنان"، لتوضيح نواياهم فيما يتعلق بخطوطها.
على الرغم من أن "خريطة لبنان" كانت خريطة مرسومة بشكل جميل، إلا أنها كانت غير دقيقة وكان مقياس رسمها صغيرًا جدًا بحيث لا يمكن استخدامها لأغراض ترسيم الحدود بشكل احترافي.
ووفقًا لهذه الخريطة، فإن خط الحدود في المنطقة التي تهمنا يتبع مجرى نهر الحاصباني وينحني شرقًا باتجاه جبل الشيخ شمال الغجر، مما يضع القرية داخل سوريا مباشرة، ونظرًا لأن سوريا ولبنان لم يوقعا حتى هذا التاريخ معاهدة رسمية لترسيم الحدود، فإن الخريطة الفرنسية غير الدقيقة المرسومة عام 1862 هي الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تُظهر الخطوط العريضة لحدود لبنان كما رسمتها فرنسا.
في سنة 1936؛ أنتج الفرنسيون أخيرًا خريطة أحدث للمنطقة. واستنادًا إلى الخرائط العثمانية لسوريا ولبنان، والتي كانت لا تزال غير مهنية نسبيًا، وُضعت قرية الغجر داخل سوريا بينما تم تحديد نهر الحاصباني كنهر حدودي بين سوريا ولبنان، وفقاً للنوايا الأصلية للفرنسيين في سنة 1920.
وأشارت الصحيفة إلى أن أحداث الحرب العالمية الثانية أدت إلى تفاقم الارتباك في رسم الخرائط، ففي تموز/ يوليو 1941، احتلت قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا سوريا ولبنان، التي كانت تحتلها فرنسا الفيشية في ذلك الوقت، حليفة ألمانيا النازية.
وفي سنة 1942، أصدرت السلطات البريطانية خرائط عالية الجودة نسبيًا وواسعة النطاق لسوريا ولبنان، لكنها لم تقم بعمل جيد في نقل البيانات الخرائطية الأساسية من الخريطة الفرنسية لسنة 1936.
لم تحافظ الخريطة البريطانية على الحدود كما ظهرت في خريطتي 1920 و1936، التي تركت الغجر داخل سوريا والحاصباني كخط حدودي، ونتيجة لذلك، تظهر قرية الغجر على خريطة 1942 داخل لبنان بالكامل، بينما وُضع نهر الحاصباني جنوب القرية في سوريا، لأن خط الحدود لم يُرسم داخل مجرى النهر بل غربه. ومع ذلك لم يؤثر الخطأ على أهالي الغجر: فقد ظلت القرية سورية تدار من قبل سوريا كجزء من مرتفعات الجولان، بينما استمر وصول لبنان إلى نهر الحاصباني دون عوائق كما كان قبل وصول القوات البريطانية.
وذكرت المجلة أن الهيمنة البريطانية في إنتاج الخرائط خلال الفترة الاستعمارية، وميل رسامي الخرائط في جميع أنحاء العالم إلى نسخ الحدود من المصادر الموجودة لتوفير تكاليف البحث وتجنب المسؤولية، أديا إلى قيام رسامي الخرائط من جميع أنحاء العالم بنسخ الحدود الخاطئة في خرائطهم.
وتُعرف أوائل الستينيات بأنها سنوات "حروب المياه" بين "إسرائيل" وجيرانها العرب؛ فقد أقامت "إسرائيل" ناقل المياه الوطني لنقل المياه من بحر الجليل إلى صحراء النقب، بينما كانت الدول العربية تبذل جهودًا لتحويل منابع نهر الأردن الموجودة في سوريا ولبنان ومنعها من التدفق إلى بحر الجليل في "إسرائيل"، وكان أحد هذه المنابع هو نهر الحاصباني، ولا سيما رافد الوزاني الموجود غرب الجزء الشمالي من قرية الغجر.
غير أن الأمر الأقل شهرة عن "حروب المياه" هو أنه حتى عندما كانت "إسرائيل" وجيرانها العرب يتصارعون على السيطرة على موارد المياه الإقليمية، كان لبنان وسوريا يحاولان تحديد حقوق استخدام الأنهار الثلاثة التي يتشاركانها: العاصي والكبير والحاصباني.
في هذا السياق، بدأ رسامو الخرائط اللبنانيون سنة 1963 في إعداد سلسلة من الخرائط لأول مرة منذ حصول البلاد على الاستقلال، الأمر الذي كانت له تداعيات مترتبة على قرية الغجر.
وأوضحت المجلة أن رسامي الخرائط اللبنانيين كانوا يعلمون أن القرية كانت تدار من قبل سوريا، لكنهم اختاروا رسم الحدود بما يتوافق مع مصالح لبنان، خاصة فيما يتعلق بالموارد المائية.
ففي الجنوب الغربي من الغجر، أعادوا خط الحدود إلى مجرى نهر الحاصباني كما في الخريطة الفرنسية لسنة 1920، مما جعل نهر الحاصباني نهرًا حدوديًا يمكن الوصول إليه من قبل سوريا ولبنان، ولكن للتأكد من بقاء منابع الوزاني، في لبنان بالكامل، انحرفوا عن الخريطة الفرنسية السابقة.
وبدلاً من الالتفاف حول قرية الغجر شمال القرية وتركها بالكامل في سوريا، رسموا خطًا باتجاه الشمال الشرقي، إلى الجنوب من الينابيع، قاطعين القرية وتاركين النصف الشمالي في لبنان والجنوبي في سوريا، ولأنهم أدركوا أن تقسيم القرية على الخريطة سيؤدي إلى حالة شاذة قد تلفت الانتباه، أطلقوا على النصف الشمالي من القرية اسم "الوزاني"، مما خلق انطباعًا خاطئًا بأنها قرية مختلفة.
ولكن لأن قرية الغجر لم تكن مقسمة فعليًا، استمر سكان القرية في العيش كما كانوا يعيشون دائمًا، ولم يخبرهم أحد أن الخريطة الجديدة أظهرت قريتهم مقسمة إلى نصفين.
وقد قام رسامو الخرائط في جميع أنحاء العالم، استمرارًا لممارسة توفير المال المذكورة أعلاه، بنسخ الخرائط اللبنانية؛ ونسخوا الخط الخاطئ الذي وضعه رسامو الخرائط اللبنانيون في منطقة الغجر، بما في ذلك قرية الوزاني الوهمية، وقد ظهر هذا الخط حتى في الخرائط السورية والإسرائيلية، وفي نهاية المطاف، وجد طريقه إلى خرائط الأمم المتحدة.
لكن سكان القرية بقوا كما كانوا من قبل، في قرية الغجر غير المقسمة، غافلين تمامًا عن حقيقة أن جميع الخرائط، بما في ذلك خرائط "إسرائيل" بعد 1967، التي أظهرت قريتهم الواحدة كقريتين منفصلتين - الغجر والوزاني - مقسمة بالحدود السورية اللبنانية، ولم يتغير واقعهم المعاش إلا في أيار/ مايو 2000، عندما اتخذت "إسرائيل" القرار الأحادي الجانب بإنهاء وجودها العسكري في جنوب لبنان، ورسمت الأمم المتحدة خط الانسحاب.
وذكرت المجلة أن المواد التي قدمها الإسرائيليون إلى رسامي الخرائط التابعين للأمم المتحدة أوضحت أن قرية الغجر كانت جزءًا لا يتجزأ من مرتفعات الجولان السورية حتى حرب حزيران/ يونيو 1967، والتي انتهت بسيطرة "إسرائيل" على المنطقة، لكن فريق الأمم المتحدة قرر الاعتماد بشكل أساسي على خريطته الخاصة التي نسخت الحدود المرسومة من الخريطة اللبنانية لسنة 1963-1964، والتي أظهرت الغجر مقسمة بين سوريا ولبنان.
رفض سكان القرية، الذين صدموا عندما علموا أن مصير قريتهم كان موضع تساؤل، السماح لفريق الأمم المتحدة بدخول قرية الغجر، ولم يتمكن فريق الأمم المتحدة من أن يدرك أن قرية الغجر كانت مجتمعًا واحدًا غير مقسم، وهكذا رسموا الخط عبر الغجر، مما خلق الأزمة الإنسانية والأمنية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
تُظهر خرائط "غوغل" حاليًا الخط الأزرق الذي يمر عبر القرية، وتكرّس هذا التقسيم الزائف الذي يقسم القرية إلى مجتمعين منفصلين، مجتمع الوزاني الوهمي في الشمال والغجر في الجنوب.
وقال فريق رسم الخرائط التابع للأمم المتحدة إنهم رسموا الخط الأزرق لأغراض عملية، على أن يتم تحديد القرار النهائي بشأن الحدود الدولية باتفاق بين الدول المعنية.
وبعد أن بدأ الاشتباك العسكري بين "إسرائيل" وحزب الله في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اقترحت الولايات المتحدة الأمريكية إمكانية استخدام اتفاق وقف إطلاق النار لحل النقاط المتبقية المتنازع عليها على طول الخط الأزرق، وربما يؤدي ذلك إلى إبرام معاهدة رسمية للحدود بين لبنان و"إسرائيل".
ختمت المجلة بأن الوقت قد حان لتحرير سكان الغجر من الصدمة المفروضة عليهم وما يترتب عليها من عواقب، ويبقى أن نرى ما إذا كانت الأمم المتحدة التي كرّست أخطاء الآخرين دون أن تدري ستصحح خطأها، ولعلّ إزالة هذه النقطة الخلافية غير الضرورية على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية يحقق بعض العدالة لسكان القرية، ويخفف من مخاوفهم الوجودية ويساعد في تخفيف التوتر الجيوسياسي.