خطوط على الرمال.. رحلة شقاء السودانيين إلى ضفاف المتوسط
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
لم يكن يدري "بابكر ياسين" أنه سيعيش عيانا كابوسا مرحبا فوق رمال الصحراء الليبية في رحلة نزوح طويلة استمرت أسبوعين وحملت معها الكثير من الويلات.
تتبعت "عربي21” مسارات اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب المستمرة منذ عام ونصف في بلادهم والتي خلفت آلاف الضحايا وملايين النازحين.
"ياسين" يعمل مدرسا للرياضيات في العاصمة الخرطوم، قرر في شهر نيسان/ أبريل الماضي حزم امتعته والهجرة، حيث اختار ليبيا، فهناك يتواجد نحو 150 ألف سوداني.
نحو مدينة عطبرة شمال شرق الخرطوم، اتجه ياسين (53) مع ولديه وزوجته، حيث واجه خليطا من المصاعب لم تكن أولها حواجز قوات الدعم السريع التي تفرض إتاوات على السودانيين.
يقول ياسين، "لا يمكن عبور بعض حواجز الدعامة (الدعم السريع) من دون دفع مبالغ مالية، وإن لم يجدوا فقد يجردونك من هاتفك أو ساعتك أو ماتحمل من أمتعة".
من شرق الشمال، إلى غربه انتقلت عائلة ياسين حتى وصلت مدينة دنقلا في الولاية الشمالية ومن ثم إلى منطقة "الخناق" (خناك الذهب) التي تعد نقطة تجمع للاجئين.
يقول ياسين، "كل شيء يسير على ما يرام، حتى تصل المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان ومصر، حيث تبدأ هناك رحلة التعب".
تصل تكلفة الرحلة لنحو 500 دولار للفرد الواحد، وقد تستغرق أياما وربما شهور بحسب الظروف.
يسيطر الجيش السوداني على عموم المناطق في الشمال وصولا إلى المثلث الحدودي، حيث يتجمع الراغبون بدخول ليبيا في مباني مجهزة بمعدات بسيطة ويقفون طوابير على المكاتب الحكومية التي توثق خروجهم من البلاد.
رحلة التيه
من هناك تبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر شديدة الحرارة والاكتظاظ، تبدأ من المثلث الحدودي قاطعة الصحراء الليبية حتى تصل إلى مدينة الكفرة خلال 12 ساعة تقريبا أو لن تصل أبدا.
هاجس التيه في الصحراء يطارد السودانيين هناك، إذ يصف ياسين، ساعات القلق والخوف التي انتابتهم بعد تعطل سيارتهم في الصحراء قبل أن ينقذهم مسافر آخر مر عن طريق الصدفة.
وفقا لشهادة ياسين وغيره ممن التقتهم "عربي21” فإن الكثير من مهربي اللاجئين السودانيين إلى ليبيا يكونون ضمن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ويضيف، "هم يعلمون الطرق جيدا ويستخدمون نظام GPS للمسير، لكن أحيانا قد يتيه بعضهم أو تتعطل السيارة وعندها ليس من الموت مفر".
واجه ياسين و11 شخصا معه الموت في الصحراء لـ 5 ساعات إذ تعطلت سيارتهم فجأة وعجز المهرب ومساعده أن يجدا حلا للمشكلة.
"الصراخ والبحث عن شبكة هاتف والذهاب للأماكن المرتفعة"، هذا كل ما استطاع التائهون فعله وسط الصحراء، لكن دون جدوى، حتى مر تاجر إبل ليبي وقدم لهم المساعدة، حيث نقل جزءا منهم بسيارته وعاد إليهم مجددا.
وعلى غرار ياسين، عاش عبد الرحيم إسماعيل تجربة أقسى في الصحراء الليبية، في أعقاب رحلة تيه استمرت 12 ساعة قبل إنقاذهم.
"محيط من الرمال" بهذه الكلمات وصف إسماعيل ما شاهده خلال 9 ساعات على بعد 120 كم من مدينة الكفرة في عمق الصحراء.
يقول عبد الرحيم، "كنا نحاول عبثا تتبع خطوط الرمال في الصحراء علنا نقف في طريق تعبر منه السيارات".
انتهى الكابوس بعد قدوم سلطات الإنقاذ الليبية حيث نقلتهم للكفرة وهناك تلقوا الرعاية اللازمة لا سيما أن حالة الأطفال كانت صعبة.
ومنتصف حزيران/ يونيو الماضي، عثرت السلطات الليبية على جثث ما لا يقل عن 40 مهاجرًا سودانيًا، بينهم نساء وأطفال، في ممرات التهريب بصحراء ليبيا، وكانت جثث السودانيين في حالة تحلل.
وفي شهر آذار/ مارس الماضي، عثرت السلطات الليبية على 4 جثث متفحمة ومصابين، جميعهم من اللاجئين السودانيين، بعد احتراق سيارة في منطقة صحراوية بمدينة الكفرة، الواقعة في جنوب شرق ليبيا.
وذكر جهاز الإسعاف والطوارئ في الكفرة، أنه "تم انتشال 4 جثث متفحمة نتيجة احتراق السيارة التي كانت تقلهم، في جنوب الكفرة مسافة 240 كيلو مترا بالصحراء".
وأضاف، "كان بداخل السيارة ما يقارب 16 راكبا من النساء والرجال والأطفال من الجالية السودانية، تعرَّض أغلبهم لحروق متفاوتة الدرجات وتم إسعافهم إلى المستشفى".
ألم "مكدس"
عانت روعة سراج، من إصابات عديدة بينها كسور في القدم إثر تعرضهم لحادث سير في الصحراء الليبية.
روعة تحدثت لـ "عربي21” عن قصة وجع استغرقت نحو أسبوعين، إلا أنها كانت أكثر حظا من غيرها، لا سيما أن الحادث وقع قرابة مدينة الكفرة ما سهل نقلها للمشفى.
ورغم التسهيلات التي قالت روعة إن السلطات الليبية فدمتها للسودانيين إلا أنها طريق الصحراء والظروف المحيطة بالرحلة جعلت العشرات وربما المئات يدفعون حياتهم ثمنا للوصول.
أوضاع كارثية وحالات إنسانية مبكية، بهذه الكلمات وصفت روعة وضع العائلات التي تقطعت بها السبل في منطقة المثلث، إذ يتكدس المئات تحت مظلات لا تقي حر الشمس ولا برد الشتاء، والأصعب أن شبكات الجوال تنقطع في تلك المنطقة.
روعة كانت واحدة من 13 شخصا تم تكديسهم في شاحنة صغيرة، لاجتياز صحراء وعدهم "المهرب" بأنها ستكون خلال 6 ساعات، فإذا بها تصبح 14 ويتعرضون خلالها لضربات الشمس ثم انتهت بحادث أصاب جميع الراكبين بجروح.
تقول الممرضة السودانية (36 عاما) إن الظروف المأساوية في المثلث لا ينتبه لها أحد كون الجميع يظنها منطقة عبور فقظ، لكن في الحقيقة هناك مأساة حقيقة هي مقدمة لمأساة أكبر في الصحراء.
وكانت منظمة الهجرة الدولية كشفت في أحدث تقاريرها، أن السودانيين يمثلون 18 بالمئة في ليبيا من إجمالي عدد اللاجئين في البلاد، حيث ارتفعت أعداد اللاجئين الذين يصلون الكفرة جنوب شرق ليبيا.
وبحسب المنطقة فإن السودانيين كانوا ثالث جنسية من اللاجئين في ليبيا، مبينة أن نحو 33 بالمئة من إجمالي الذين وصلوا بعد بداية الصراع السوداني في نيسان/ أبريل 2023 جاءوا من ولاية الخرطوم و17 بالمئة عن الولايات الشمالية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة عربية الصحراء السودانيين الحرب ليبيا الكفرة ليبيا السودان الحرب اللاجئون الصحراء المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصحراء اللیبیة مدینة الکفرة فی الصحراء
إقرأ أيضاً:
بوراص: المسلسلات الليبية فاشلة ونرفض الاستمرار في عرضها
أكدت ربيعة ابوراص، عضو مجلس النواب الليبي، أن “المسلسلات الليبية فاشلة ونرفض الاستمرار في عرضها”.
وقالت ابوراص، في منشور على فيسبوك، إن “التهريج السطحي الذي تعاني منه المسلسلات الليبية التي ليس لها أي هدف غير تصوير المجتمع الليبي على أنه مجتمع متخلف وقابع تحت أتون التفاهة”.
وأضافت أنه “خاصة المسلسلات الكوميدية الليبية التي تستخف بالمرأة وتصوّرها كشخصية تافهة، غير واعية، وهمّها الوحيد الزواج أو المكائد السطحية، تكشف عن مشكلة في مستوى الكتابة الدرامية والفكر السائد في الإنتاج التلفزيوني.”
وأشارت إلى أن “الكوميديا الجيدة لا تعني السخرية الرخيصة أو تكريس الصور النمطية المتخلفة، بل تعني تقديم نقد اجتماعي ذكي يعكس الواقع بطريقة ساخرة وبناءة”.
وتابعت أنه “عندما تُقدَّم المرأة في الكوميديا الليبية على أنها «ساذجة» بشكل مبالغ فيه، أو محصورة في دور الزوجة النكدية، أو الفتاة التي لا تفكر إلا في الزواج، فإن ذلك ليس فقط انعكاسًا لنظرة ذكورية سطحية، بل هو فشل في تطوير محتوى كوميدي مبتكر”.
وأضافت أن “الكوميديا في العالم اليوم أصبحت وسيلة قوية لطرح قضايا اجتماعية حساسة، لكن في بعض المسلسلات الليبية، يبدو أن الهدف هو مجرد إضحاك الجمهور على حساب المرأة، وليس تقديم نقد ذكي أو بناء”.
وأكملت؛ “هذه النوعية من الأعمال تضر بالمجتمع أكثر مما تنفعه، لأنها ترسّخ قوالب نمطية تقلل من قيمة النساء، وتخلق صورة ذهنية خاطئة عن دورهن الحقيقي، في الوقت الذي تلعب فيه النساء الليبيات أدوارًا محورية في السياسة، الاقتصاد، والمجتمع المدني، تأتي هذه الأعمال وكأنها تريد محو كل هذه الإنجازات وإعادة المرأة إلى صورة سطحية لا تليق بواقعها”.
وختمت موضحـة أن “من يراقب هذه الأعمال ومن يصدر لها الموافقات أين وزارة الثقافة والإعلام وكل الجهات المناطة بشأن الثقافي من كل ما يحدث من تسويق درامي يكرس السطحية ويظهر المجتمع الليبي في مستوى متدنى، نرفض الاستمرار في عرض مثل هذه المسلسلات الفاشلة التي لا تحترم ذكاء المشاهد الليبي ولا تحترم مكانة المرأة المرأة الليبية”.
الوسومبوراص