جاء دور التزلف للطوائف الدينية بدلاً عن القونات !!
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
جاء دور التزلف للطوائف الدينية بدلاً عن القونات !!
فضيلي جمّاع
أشعر بالأسف لاستغلال عصبة الكيزان مناسبة تكريم أحد رموز الإبداع السوداني- القاص والصحفي الكبير نبيل غالي جرس، وكلام مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل في حفل التكريم الذي بادرت به إذاعة “بلادي 90.6”. جاء في الخبر أن أحمد إبراهيم مفضل (رحب بنيافة الأنبا صرابامون- أسقف عطبرة وأم درمان وشمال السودان، والأب بسادة بشارة كاهن كنيسة السيدة العذراء ببورت سودان).
إلى هنا ويبدو الخبر عادياً في نظر البعض. لكن ما يزيد المواجع ألماً أن تتحول مناسبة تكريم قاص وأديب إلى فرصة يبتهلها نظام الحيرة لاستدرار عاطفة الإخوة المسيحيين- وطائفة إخوتنا الأقباط بصفة خاصة- في الحرب الدائر رحاها بين ما تبقى من الجيش والدعم السريع وليد رحم جيش الكيزان. حيث جاء في كلمة مدير عام جهاز الإستخبارات أن (المليشيا المجرمة- يعني الدعم السريع- دمرت كل ما كتبه وجمعه ووثقه غالي من أرشيف السودان الأدبي والثقافي. وحطمت بيته وأحلامه ومذكراته وذكرياته!!) (علامات التعجب من عندنا). هل رأيتم براءة مثل هذه التي يحدثنا بها قتلة التاية وعلي فضل؟
والسؤال: هل يؤكد لنا مدير جهاز الاستخبارات العامة منذ متى كان مسؤولوهم يحتفون أو يقصدون احتفالاً تقيمه أي من الطوائف المسيحية السودانية ولو من باب المجاملة أو انتهاز الفرصة لكيل الردح للخصم كما فعل هو في الحفل الذي أقاموه في عاصمتهم بورت سودان؟ بل هل يؤمن مفضل وعصابته بأن الإخوة الأقباط الذين أقيم احتفال لأحد أبنائهم من مبدعي بلادنا بحضور أنبا كنيستهم- هل يؤمن مفضل ونظامه الإسلاموي بأن المسيحيين الأقباط وغيرهم من الطوائف المسيحية الأخرى في السودان لهم حق أن يكونوا في مرتبة واحدة كمواطنين من حيث التساوي في الحقوق والواجبات؟
إن الحرب التي قضت على مكتبة صديقنا المبدع السوداني نبيل غالي أشعلها حزبهم المجرم بهدف القضاء على ثورة ديسمبر 2018م كي يعودوا للتسلط على رقاب شعبنا الذي أذاقوه الأمرين لأكثر من ثلاثين سنة. أما الدعم السريع الذي يكيل له مفضل الشتائم فهو نفس المليشيا التي قاموا بمنحها الشرعية عبر مؤسساتهم (الدستورية) خاوية المحتوى. ولطالما تغنوا بسطوته وقدرته على كتم أنفاس الأعداء- أي الشعب السوداني! ولطالما تشدقت إحدى الكوزات بقدرة الدعم السريع أن يبسط لهم الأمن حيث تبقى (العذارى مطمئنات في خدورهن)!! واليوم أصبح الدعم السريع بقدرة قادر وحسب تعريفهم الجديد (قوات مرتزقة من تشاد وأفريقيا الوسطى والنيجر ومالي)! فقط لأن الدعم السريع الذي كان شريكهم في الانقلاب على خيار الشعب ذات يوم قلب لهم ظهر المجن ورفض أن يلعب دور كلب الحراسة المطيع !
أولئك هم الكيزان، يظل الآخر عندهم هو العدو ما دام يحمل الرأي النقيض. بل إن الآخر المختلف عندهم هو من أشعل نير هذه الحرب. فعلينا أن نصدق أن قوى الحرية والتغيير (قحت) هي من أشعل الحرب. لا.. بل إن “تقدم” بقيادة الدكتور حمدوك هي شريك الدعم السريع!! وهكذا تبدو الهرطقة حين يدنو الأجل!!
ثم نراهم يستقبلون إحدى القونات، ويوفرون لها الحراسة المشددة! بل يتبارون في حضور حفلاتها غير مبالين بما ألم بشعبنا من موت ودمار جراء حروبهم التي لم تقف يوماً واحداً مذ سطوا على السلطة قبل 34 عاماً. بل لا يعنيهم أن يموت كل السودانيين جراء السيول والفيضانات والجوع والأوبئة. فقد قال الجنرال البرهان بأنهم على استعداد ليحاربوا مائة عام!! أما نحن شعب هذه البلاد المغلوب على أمرها فليس لنا إلا أن ندعو الله مخلصين: (ربنا لا نسألك رد القضاء ولكننا نسألك اللطف فيه!).
أختم بأن جنرالات الكيزان في حربهم الخاسرة صاروا كالغريق الذي يمسك بالقشة أينما تقاذفه الموج. وحين لا يجد الغريق قشة لإنقاذه حينها يفاجئنا بالعجب العجاب! بامتداح حمدوك (عدوهم اللدود بسبب وبلا سبب) وترشيحه لحكومة لهم النية في إقامتها. فحمدوك حسب قوله يحظى بإجماع معظم السودانيين، وأن هذه فرصته التاريخية لينقذ هذه البلاد !!
أعرف ما يعرفه الكثرة عن حمدوك: يجيد الاستماع ويعمل في صمت. لكن أخاله يرسم هذه المرة بسمة ماكرة وهو يستمع لهرطقة الخبير (الاسطراطيجي!).
لندن في 01/ 09/ 2024
fjamma16@yahoo.com
الوسومأحمد إبراهيم مفضل الأقباط الدعم السريع السودان المسيحيين بورتسودان جهاز المخابرات العامة عطبرة فضيلي جماع نبيل غالي جرسالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأقباط الدعم السريع السودان المسيحيين بورتسودان جهاز المخابرات العامة عطبرة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الثالوث الذي دمر حميدتي
تظلّ دراسة الخصائص الشخصية والنفسية للقادة- مدنيين كانوا أم عسكريين، متفقين معهم كنا أم مختلفين- أمرًا مهمًا يكتسب أهمية قصوى في سياق الحاجة لمعرفة توجهاتهم وطرق تفكيرهم، وهو ما يساعد على القراءة والتنبّؤ بخطواتهم اللاحقة وبكيفية تعاملهم مع المواقف والأحداث.
وحين تكون الشخصية محل الدراسة، مؤثرة في حياة الناس سلبًا أو إيجابًا تزداد أهمية ذلك، فعلم النفس حول سلوك وسمات القادة الفعّالين، يكشف كيف يؤثر القادة على مواقف أتباعهم وسلوكياتهم وأدائهم.
تلك كانت مؤشرات الدراسات الاجتماعية والنفسية حول القادة، وهنا نحن أمام حالة ربما يعجز حتى علم النفس الحديث عن سبر أغوارها وتناول شخصيتها التي حطّت رحالها على عجل في المشهد السياسيّ والعسكريّ السوداني، فهي بلا تاريخ ولا حيثيات مقنعة لتتصدر كلّ هذا المشهد، ولتلعب كل هذه الأدوار الخطيرة والمدمرة.
إنها شخصية قائد مليشيا الدعم المتمرد السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، ومن خلال هذا المقال تلمس نشأتها في بواكير حياتها الأولى ليتضح من غير عناء أن شخصيته كانت أقرب (للمادة الخام) التي لم تُستصلح خامتها بالتطوير ولم تكتسب قيمتها بالإضافة.
فهو لم ينل حظًا وافرًا من التعليم، فقط مجرد إنسان بدوي بسيط على سجيته اكتسب شيئًا من طبائع البادية، حيث يولد الناس هناك أغلبهم أذكياء بالفطرة وشجعان بالميلاد، تطغى فراستهم على خوفهم وصدقهم على كذبهم، ورعايتهم للعهود على خيانتهم لها، بهذه الشخصية (الخام) وبكثير من الطموح القاتل الناتج عن الحرمان، ولج حميدتي المدن ودخل العواصم، ثم رأى الحضر وأهله لتختلط عليه الأمور متناسيًا البادية وأهلها، ومتخلّيًا عن طبائعها.
إعلانوحول أخلاق أهل البادية يرى ابن خلدون أنها في المجمل مكان لجملة من الفضائل الإنسانية فيقول: (البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر وإن البادية أصل العمران، والأمصار مدد لها)، ثم يرى في كتابه أن الحضارة (تضعف من يملك أسبابها، ويستسلم لنعيمها، فتفسد الحضارة طبعه، ويستولي عليه الترف، فيفسد ويضمحل). وفي فصول أخرى، يبدأ ذمَّه لبعض حالات البداوة، وانتقاصه من شأنها.
بهذه الخصائص الشخصية والأوصاف النفسية دخل الجنرال في الدنيا الجديدة بكل تعقيداتها وتشعباتها العصية على مدارك فهمه وقدرة استيعابه، هناك حيث عِلية القوم وأكابر الناس، وحيث القادة العسكريون الحقيقيون تملأ النجوم والنياشين أكتافهم، تفتح لهم الأبواب وتصطف لهم طوابير الشرف، فيها رأى أصحاب المال والأعمال وخالط الأثرياء واحتك بالعوائل الغنية.
في هذا العالم الجديد حيث مباهج الحياة ومغرياتها، دخل الجنرال في متاهة عميقة من الحوار العنيف بينه وبين نفسه، يحاورها ويستمع لصداها وهو يريد أن يكون كلَّ هذا؛ قائدًا عسكريًا عظيمًا كتفًا بكتف مع الجنرالات عبود وسوار الذهب والنميري والبشير والبرهان، ورأسماليًا كبيرًا يكنز الأموال ويحتكر الأعمال، يشيد المصانع ويناطح الأثرياء، يريد أن يصبح زعيمًا سياسيًا ضخمًا له من الأتباع ما يبزّ الترابي وآل المهدي وآل الميرغني.
باختصار، إنه يرغب في أن يكون كل شيء وبأقصى سرعة. فإذا كان قد وجد الطريق سالكًا نحو مقعد الرجل الثاني في الدولة، فلمَ لا يكون الأول فيصبح رئيسًا للسودان، كل السودان بمثقفيه ونخبه وعلمائه وجامعاته، بتاريخه ونضالاته، من لدن مملكة سنار وسلطنة دارفور إلى المهدية وجمعية اللواء الأبيض، ومنذ مثقفي نادي الخريجين ولحين مأثرة رفع الأزهري والمحجوب لعلم دولة 56 على سارية الاستقلال.
لِمَ لا، وقد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره؛ المال والرجال، والسلاح والنفوذ، وفوق هذا وذاك الوهم الذي بلغ به حدًّا جعله يعتقد أن أي شيء في السودان قابل للبيع والشراء، الذمم والمواقف، الرجال والنساء، ما دام أن مناجم ذهبه لا تنضب، لقد وصل حمدان إلى نقطة اللاعودة.
إعلانهذه الشخصيات المتعددة في جلباب حميدتي والتي تعيش داخل نفسه سوّلت له أمره وصنعت تلك الشخصية الجديدة المتخلقة (الهجين) التي تمسي هنا وتصبح هناك، تصالح اليوم وتعادي غدًا، تدخل في هذا الحلف وتنشئ غيره، تقول الشيء وتفعل ضده.
الشخصية الهجين هذه كانت أسيرة لثلاثية الجهل والمال والطموح، فاندفعت وانتفخت للحد الذي قادها لتنفجر على نفسها، ظن حمدان أن بمقدوره أن يتملك السودان بأرضه وشعبه وتاريخه، وأنه سيتوج نفسه أميرًا عليه.
كانت تلك سمات شخصيته المزهوة التي عبر عنها بعد يومين من اندلاع الحرب بكل غرور الدنيا وصلف العالمين حين قال: (البرهان ما عندنا معاه كلام، يسلم بس، وكان ما سلم بنستلمه).
كان حميدتي في داخله مفتونًا بالنخبة السودانية بوعيها وتاريخها وأرستقراطيتها وأمجادها وبأسلوب حياتها، واجتهد ما وسعه الجهد في مجاراتها، وعندما رأى نفسه صفرًا في مكيال التعليم وميزان الثقافة امتلأ حقدًا عليها، وراح يتعالى بالنياشين الكذوبة على كتفه ويظهر ذلك الحقد في تصريحه الشهير قبيل الحرب مهددًا سكان العاصمة الخرطوم: (لو قامت الحرب، عماراتكم السمحة دي إلا تسكنها الكدايس)، يقصد القطط.
كما قال الدكتور مصطفى محمود: فإن أشق الحروب هي حرب الإنسان مع نفسه، وهذا عين ما فعله حمدان بنفسه، من النعيم إلى الجحيم، ومن سعة الدنيا إلى ضيقها، من الاستحواذ على كل شيء إلى لا شيء.
ومن عجب أن المباهج ومغريات المدن لم تنسِه البادية وحدها، بل أنسته حتى طباعها التي جُبلت على مكارم الأخلاق، حين خاض حربه بلا أخلاق ولا مكارم، لم يكن حمدان ومرتزقته رجالًا ولا فرسانًا حيث خاضوا حربهم بأكثر درجات الجبن والنذالة، حرب الاستباحة لأملاك الناس والتعدي على حقوقهم وحرماتهم، هكذا كانت حرب الجنجويد من النوع البشع الغارق في الرذائل.
الآن أكملت حرب الجنجويد على السودانيين عامها الثاني، وهي تمضي نحو خواتيمها، إلى طردهم وإنهاء أسطورة حميدتي، الذي لم يتمكن من استلام البرهان ولا من حكم السودان، بل انتهى إلى مصير غامض ما بين هارب متخفٍ من ميدان المعركة إلى ميت لا وجود له إلا من خلال فيديوهات قصيرة، يعتقد أغلب السودانيين تهكمًا أنها مفبركة من إنتاج الذكاء الاصطناعي، بهدف خديعة جنوده بأن القائد معهم وبينهم في ميادين القتال يخوض المعارك.
إعلانلم يحقق حميدتي شيئًا، ولم ينجح في شيء إلا الهزيمة واكتساب كراهية السودانيين ولعناتهم التي ستلاحقه حيًا وميتًا، فمشاعرهم الغاضبة لن تغفر تلك الآلام وذلك البؤس الذي صنعه بهم، فهي لم تتفق مجتمعة على أمر كاتفاقها على كراهية حميدتي ومليشياته، للدرجة التي تحولت إلى مزاج شعبي ومجتمعي عام لن ينساها السودانيون، ولن تطويها الأيام.
انتهى حميدتي إلى كونه ظاهرة صوتية، تظهر من حين لآخر عند كل هزيمة كبيرة يلحقها به الجيش السوداني، يبدو فيها دائمًا في حالة مزاجية سيئة، يكيل الشتائم والسباب على الجميع بطريقة أقرب للتشنج والتوتر، ثم يُمَنِّي ما تبقى معه من مرتزقة بنصر قريب لكنه لا يأتي أبداً.
ولأن حميدتي لا يملك مشروعًا واضح المعالم، سياسيًا أو فكريًا، غير تلك الخطابات الارتجالية التي تندرج تحت بند الكلام الدارج الذي يقال أمام الناس وفقًا لما يطلبه المستمعون، والذي يقابله عادة الناس كفاصل درامي يلعب فيه حميدتي دور البطل المهرج، فقد كان وِفَاضُ القائد خاليًا من أن يقدم مشروعًا متكاملًا يوازي أحلامه العريضة ورغبته الجامحة في حكم السودان.
المشروع الوحيد عند حميدتي هو مشروعه الشخصي القائم على الطموح الجامح، وحتى هذا كان أمرًا هلاميًا بلا سيقان أو هوية محددة تمكنه من التنفيذ، فغاب بالتالي مشروعه بغيابه هو كقائد، وانتهى كل شيء، الأحلام والأماني والقوات التي لا تُقهر ولا تخسر، وتبقت جزر المليشيا معزولة ومقهورة، تنتظر مصيرها المحتوم بالموت والهلاك.
كان ذلك هو مشروع حميدتي الهلامي، الذي ما استقرت له وجهة، ولا عُرف له مؤيدون، سوى من تم شراؤهم بحفنة معدودة من المال، سقط هذا المشروع بسقوط صاحبه، وشيِّع أتباعه ملفوظين من المجتمع السوداني السليم.
انتهى حميدتي، وانتهت قواته، وبقي السودان، رغم ما به من جراح غائرة، وحريق ورماد، إلا أنه سينهض ويحلق في الفضاءات من جديد، كما يفعل طائر الفينيق، معلنًا عودته للحياة مرة أخرى، فإرادة الشعوب الحرة لا تنكسر، وعزائمها الأبية لا تخور.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline