دارفور والأمة السودانية: هاشم المسبعاوي في حما الشايقية (2-2)
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
تواتر بعد حديث الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، إلى الصحفيين حديث عن نذر لتقسيم السودان تكون به دارفور للدعم السريع والخرطوم القوات المسلحة مع تنويعات في القسمة هنا وهناك.
وجاءت أكثر المخاوف من تقسيم السودان من مصادر ثلاثة:
أولاً: من النموذج الليبي المنقسم بين بنغازي وطرابلس.
ثانياً: وبالنظر إلى دارفور والسودان، ذاع خلال الحرب الأهلية بين جمهرة في إقليم دارفور أنه ظل معتزلاً السودان في سلطنته التاريخية حتى أخضعه النظام التركي – المصري (1821-1885) في 1874 قبل عقد من سقوطه هو نفسه على يد الثورة المهدية. كما اعتزلت دارفور السودان بعد استعماره بواسطة الإنجليز حتى ضموه إليه بعد نحو عقدين من احتلالهم له في 1898. ونواصل
وهذه “حجة بلا سيقان” في تكوّن الأمم. فلم يكُن إقليم دارفور في تاريخه الوسيط بمنأى عن الجغرافيا السياسة لما سيكون عليه السودان لو لم “تتطفل” عليه قوى أجنبية استعجلت تكوينه لمآربها الخاصة. ولهذا يقال عن عيب الاستعمار في المدى الطويل إنه قطع التطور التاريخي الطبيعي للممالك والجماعات التي احتلها. فلربما كانت أسفرت تلك الكيانات عن أمم مطابقة لما اتفق للاستعمار، أو اختلفت قليلاً أو كثيراً. وتغطي عن ذلك الإمكان في تكوّن السودان أمة بغير حاجة لتدخل أجنبي مقولة إن الاستعمار اصطنع مثل حدودنا بإملاء من مصلحته ومنافسته مع مستعمرين آخرين. وكأن البلاد التي أنشأها الاستعمار مثل السودان حالة مصطنعة مغشوشة. وقد يصدّق هذا في حالات بعينها من صناعة الاستعمار للحدود كما حصل في فصل غامبيا عن السنغال بصورة كاريكاتيرية تعسفية لمجرد فضّ نزاع وقع يومها بين بريطانيا وفرنسا.
وقال عالم سياسي نيجيري إن نيجيريا بحدودها الحالية كانت مخيال أمة تحت التكوين جاء الاستعمار أو لم يأتِ. فكانت نيجيريا ما قبل الاستعمار بصدد أن تكون نيجيريا قصُر الزمن أو طال. وكانت دارفور بسلطنتها المستقلة في العصر الوسيط لبنة في خيال أمة سودانية تحت التكوين لو لم يقطع الغزو التركي – المصري ذلك التطور التاريخي لتلك الأمة.
فتقاطع تاريخ سلطنة دارفور في القرنين الـ 17 والـ 18 مع التاريخ السياسي والاقتصادي للوسط النيلي كما تمثل في سلطنة الفونج (1540-1821) وعاصمتها سنار على النيل الأزرق. وكان إقليم كردفان، ومركزه مدينة الأبيض، هو عظمة النزاع بين السلطنتين، فاتخذه فرع من الأسرة الحاكمة في دارفور، عرف بـ “المسبعات”، مهجراً ودولة. وكان ذلك الفرع خسر مطلبه بعرش السلطنة، وبقي في كردفان يتربص للعودة إلى الحكم في الفاشر. واتصلت علاقتهم مع سلطنة الفونج مما أقلق سلطنة الفور، بل تحالف ذلك الفرع الغبين مع جماعات من دارفور وكردفان والنيل الأوسط لغرض استعادة عرشه في الفاشر. وظلت المعارك للسيطرة على كردفان بين الجماعات الثلاث سجالاً، وظهر من “المسبعات” أمير مغامر هو هاشم المسبعاوي الذي جيّش حملة من جماعات بدوية من كردفان ودارفور، بل من أهل النيل مثل الشايقية والدناقلة وهجم على شرق دارفور، فلقيه سلطان الفور وهزمه ورده لاجئاً إلى حلفائه شعب الشايقية على النيل ليتقوى ويعود لمطلبه في حكم دارفور، وبلغ جيش الفور في حروبه في كردفان النيل مرة إلا أنه رجع. ودانت كردفان لسلطنة الفور ثلاثة عقود حتى خلعهم منها جيش محمد علي باشا بقيادة الدفتردار.
ثالثاً: لمجيء دارفور إلى السودان متأخراً في عهدي الحكم التركي والإنجليزي، إذ كان هو الحجة القاطعة على أنه غُصب على الالتحاق بالسودان، وهو تفسير متعلّق بحسابات تلك القوى الغازية لا عن أنها ذاتية للإقليم منفصلة ومعتزلة عنه. فكان الباشا الخديوي في مصر أمر الدفتردار أن يحتل دارفور بعد إقصاء الأسرة الدارفورية الحاكمة عن كردفان، ولم يتمكّن من ذلك. فاستدعته ثورة على النيل على الجيش الغازي قتلت إسماعيل بن محمد علي باشا، فانصرف عن غزو دارفور وتوجه إلى النيل للقضاء على الثورة بصورة فظة عرفت في كتب التاريخ بـ”حملة الدفتردار الانتقامية”. وانتظر ضم دارفور إلى السودان حتى 1874 حول صراع دار إزاء الطريق التجاري الذي يعبره إلى مصر.
أما الإنجليز، فتركوا على دارفور سلطاناً منها هو علي دينار في حالة تباعة vassalage، ودفع الجزية إقراراً منه بسيادة الإنجليز عليه. وخلصوا إلى تلك الصيغة لأنهم استبعدوا دارفور واستكثروا النفقات التي تلزمهم بغزوه، بخاصة إذا كان هناك من سيديره لهم بكلفة زهيدة، ولما خرج علي دينار عليهم موالياً تركياً في 1916 قضوا عليه وأدرجوا دارفور ضمن السودان الإنجليزي – المصري.
كانت سلطنات وجماعات السودان الحالي قبيل الاحتلال التركي – المصري تختمر حرباً وسلماً كأمة تحت التكوين. ولا يصح أن ينهض تأخر انضمام دارفور إلى السودان جراء توقيت اتفق للدول التي احتلت الأجزاء الأخرى حجة لفصل دارفور عنه على بينة منه، بل ربما صحّ القول إن دارفور ربما اندرجت في السودان بأسرع ما فعلت تحت الاستعمار الأجنبي، وربما حدث له ذلك في شروط وطنية أفضل من تلك التي اكتنفت ضمها المتأخر العنيف إلى السودان.
وأن تأتي دارفور أخيراً إلى السودان مهما يكُن أفضل من ألا يأتي.
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: إلى السودان
إقرأ أيضاً:
موريتانيا تستعد للقاء جامع يسعى لحل الأزمة السودانية
تستعد موريتانيا لاستضافة اجتماع تشاوري دولي غداً الأربعاء، يهدف إلى تنسيق الجهود الدولية لحل الأزمة السودانية المستمرة منذ أبريل 2023.
التغيير: وكالات
التقى الرئيس الموريتاني، رئيس الاتحاد الإفريقي، محمد ولد الشيخ الغزواني، اليوم الثلاثاء في القصر الرئاسي بنواكشوط، وفدا أمميا، برئاسة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامره، وبعضوية المستشارتين بالأمم المتحدة السيدة نائلة حجار والسيدة حنان البدوي.
وبحسب وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية، ناقش الرئيس الموريتاني، رئيس الاتحاد الإفريقي مع المبعوث الأممي تطورات الوضع في جمهورية السودان، خاصة فيما يتعلق بالجانب الإنساني وآفاق البحث عن حلول مناسبة للأزمة في هذا البلد الشقيق.
وحضر اللقاء كل من الوزير المكلف بديوان رئيس الجمهورية الناني ولد اشروقه، والمستشار برئاسة الجمهورية السيد الحسين ولد الناجي.
وتستعد موريتانيا لاستضافة اجتماع تشاوري دولي غداً الأربعاء، يهدف إلى تنسيق الجهود الدولية لحل الأزمة السودانية المستمرة منذ أبريل 2023.
ويأتي هذا الاجتماع بدعوة من الأمم المتحدة، ويجمع مختلف الدول والمنظمات التي لديها مبادرات للسلام في السودان.
وزير الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، أوضح أن الهدف الرئيسي من الاجتماع هو إنشاء منصة للحوار لتنسيق الجهود نحو تحقيق وقف إطلاق نار دائم وحل سياسي شامل في السودان.
وأشار إلى أن موريتانيا ستقوم بدور “الميسر” في هذه المناقشات، مؤكدًا على الروابط الثقافية والحضارية الوثيقة بين البلدين.
من المتوقع أن يشارك في الاجتماع عدد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي، الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية، والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة.
ويهدف الاجتماع إلى توحيد المبادرات المطروحة بشأن حل الأزمة السودانية وتعزيز التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية.
يُذكر أن موريتانيا تولي اهتمامًا خاصًا للوضع في السودان، نظرًا للعلاقات الثقافية والحضارية المشتركة. وقد أكد وزير الخارجية الموريتاني على يقظة السلطات الموريتانية تجاه تطورات الوضع في السودان، معربًا عن أمله في أن يسهم الاجتماع في تحقيق تقدم نحو السلام والاستقرار في المنطقة.
يأتي هذا التحرك في ظل تزايد المخاوف من تداعيات الصراع السوداني على الأمن والاستقرار الإقليميين، حيث أودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت الملايين، مما أدى إلى أزمة إنسانية تعتبرها الأمم المتحدة من بين الأسوأ في الذاكرة الحديثة.
الوسومالأزمة السودانية حرب السودان موريتانيا