صاحب السمو السيد نمير بن سالم آل سعيد
أعتبرُ نفسي من أولئك الذين يشعرون بالامتنان لنِعم الله التي أسبغها علينا جميعًا، وأنَّ شُكره واجب على كل شيء بما قدّره لنا سبحانه وتعالى، كما إنني من الراضين القانعين بعطاء الرزّاق، ولله الحمد، ولو كنتُ في غير ما أنا عليه من نعمةٍ لكنت كذلك راضيًا قانعًا بما لديَّ، مُسلِّمًا أمري لله عزَّ وجلَّ، الذي يُحسن تدبير الأمور.
الحمدلله شكرًا كثيرًا ولا إله إلا هو، وحده الذي يمنح ويمنع، فإذا منح فله الحمد والشكر، وإذا منع فلا حول ولا قوة إلا به، وبه نستعين. ومن عَرَفَ حق المعرفة أن الله خالق السموات والأرض ومالكها والمتصرف فيها يُعطي لمن يشاء ويمنع عمّن يشاء لحكمة إلهية مُقدّرة، أطمأن قلبه ورضي بقضاء الله وفوّض أمره له وحده؛ بما يختاره له مولاه. يقول المولى عز وجل "وَاللهُ يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُونَ".
وعطاؤه كله خير، والرضا والقناعة والتسليم في كل الأمور لله عزَّ وجل واجبة، والله ما منع إلّا ليُعطي، ولا ابتلى إلّا ليُعافي، والمرءُ إذا ضاق طريقه لا يجب أن يضيق صدره وليجعل نور الله ساطعًا في قلبه رحبًا، بالرضا والمحبة واليقين بأنَّ الله يومًا ما سيفرجها عليه.
"ولتدع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البال، فما بين غمضة عين وانتباهتها يُغير الله من حالٍ إلى حال".
ولجهل بعض الناس وقلة إيمانهم- وأعوذ بالله من الجهل والجهلاء- فإنهم إذا أصابتهم السراء اغتروا وتكبروا وبطروا وتجاهلوا الناس واحتقروا، متناسين أنَّ هناك أناسًا يعرفونهم أرفع منهم شأنًا باتوا تحت الثرى، فأين هم منهم؟!
والشريف إذا نودي تواضع، والوضيع إذا نودي تكبَّر، وإنما لا شيء يدوم في هذه الحياة الفانية، وعجبتُ من الإنسان في فخره وهو غدًا في قبره يُقبر!
ولغرورهم، احتقروا الناس ممن ظنّوا أنهم دونهم، فانتُزعت محبة النَّاس منهم، ومثل ما احتقر المغرورون الناسَ، احتقرهم الناس أكثر. وهؤلاء إذا أصابتهم الضراء يومًا اهتزوا واكتأبوا وسخطوا وكفروا وانكفأوا على أنفسهم خاسئين.
ولا يعتبر البعض العطاء إلا ما طاب له وسره الحصول عليه، أما ما لحقه من ابتلاء فيعتبره شرًا أصابه ومصيبة ألمت به، فيفرح ويغتبط بذاك ويحزن ويسخط لتلك.
ولو رزقه الله المعرفة لأدرك أن الحياة لا يمكن الحصول فيها على كل شيء، لقوله تعالى في كلماته التي تستوعب كل المعاني التامات: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة:155).
وكله خير، السراء والضراء، فليهيئ الإنسان نفسه دائمًا لما تأتي به الحياة، وليثبت شامخًا في كل الأحوال، عزيز النفس ذي رفعة إنسانية عالية، ولا يهن، فمن يهن يسهل الهوان عليه. وليعتز بنفسه دائمًا، وليتقبل ما يأتيه من ضراء أو سراء بروح راضية شاكرة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلّا كان خيرًا له، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وأن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".
فإذا سلّم الإنسان نفسه لقضاء الله وقدره في الأشياء التي لا يستطيع تغييرها؛ فحتمًا ستغشاه راحة البال وطمأنينة النفس وترك الاعتراض والمعارضة في ما قسّم الله له.
وليجتهد في الأشياء التي يستطيع تغييرها؛ فالحياة مبنية على الاجتهاد والعمل، بما هو صالح لمنفعة الإنسان من أجل الترقي في كل أمور الحياة وتطورها.
ولنعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا أو كذا، وإنما قل: قدّر الله وما شاء فعل".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
البُوصلة الإيمانية فيها طريقان لا ثالث لهما
بشرى المؤيد
قال تعالى: “يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”.
كلّ منا سمع خطاب السيد القائد/ عبدالملك الحوثي -سلام الله عليه- وبكل ما تعني الكلمات من صفات إنه خطاب لا يعلى عليه، خطاب تاريخي، مرحلي، عالمي؛ وضع كُـلّ نقطة على حرفها ووضح المسائل التي تهم شعوب الأُمَّــة وتهم العالم أكمل، هو خطاب مهم جِـدًّا حازم ومفصلي، ومن لم يستوعب خطاب السيد لن يستوعب المراحل القادمة فمن كان مع الله وَرسوله لن يخذل أبداً، بل سيكون في عز وَمكانة عظيمة عند الله وَرسوله فلنعيد سماع خطابه مرات ومرات وَنستوعب كُـلّ كلمة وحرف وَنقطة.
إن معادن الناس لا تعرف إلا بالمواقف الكبيرة حين تأتي ويوضع الإنسان في امتحان عظيم، حينها يخرج معدن الإنسان الأصيل الذي تربى ونما على مبادئه الأصيلة؛ فالإنسان من خلال تصرفاته وَأفعاله وَأقواله يوضع في الخانة المناسبة له.
فالمواقف العظيمة هي التي تفرز الناس وَيحشرون في زاوية خانقة لا يستطيعون الفرار إلا لهذه الزاوية أَو تلك الزاوية، لا يوجد زاوية وسطية/رمادية يحتمي بها أَو يخبئ نواياه فيها، ويقول سأتجنب تلك الزاوية حتى لا أكون من هذا أَو ذاك فالأحداث تزداد انحصاراً وَضيقاً وتزداد فرزاً وَتنقيه؛ فلا يكون لك إلا خياران إما أبيض أَو أسود كما كنا نقول منذ سنين ماضية، إما أن تتجه للبوصلة التي أرادك الله فيها، أَو تتجه للبوصلة التي أراد الشيطان وضعك وَإيقاعك فيها، وهنا يأتي التوفيق في أية بوصلة ستضع نفسك.
القرار سهل في من يعرفون اتّجاه بوصلتهم منذ بداية انطلاقهم، وهذا توفيق من الله سبحانه لهم، وَصعب في من كان متذبذباً ولا يعرف أين اتّجاهه الصحيح؛ لأَنَّه كان يخدع وَيضحك على نفسه وَالآخرين بأنه سيكون “ما بين وبين” ذكرت “كعكي” في مسلسل الأطفال نعمان حين كان يغني ويقول “ما بين وبين، أنا بين اثنين، بين الوحشين” فمن لا يستطيع تحديد اتّجاه بوصلته سيقع فعلاً بين الوحوش من هم لا يرحمون ولا إنسانية لديهم.
فتحديد الاتّجاه فيه فوز، نجاح، اطمئنان، سكينة، رضا وَقبول من عند الله، نعمة من نعم الله أن تستطيع تحديد “بوصلتك الإيمانية” فحينها لن تحتار في اتّجاهك، لن ترتاب في مواقفك، لن تشك في نتائجك، لن تتذبذب في مواقفك، لن يتزعزع ثباتك؛ لأَنَّ بوصلتك الإيمانية الصحيحة ستوصلك إلى الطريق الآمن، الطريق الواضح معالمه، الطريق العادل الذي يريده الله لك، الطريق الذي يحبه لك الله وَرسوله.
في الدنيا ستعيش في رغد الحياة الهانئة وَالمستقيمة، في رغد العيش الآمن، في رغد العيش النظيف وَالمال الحلال، في رغد الازدهار وَالتطور وَالتوسع.
أما إذَا كان الطريق الآخر سيكون حياة قاتمة سوداء، في سخط الحياة لك وَالأرض ستضيق بك، لن يبارك الله لك في مالك الذي اكتسبته بطرق غير مشروعة وحرام، وسيضيق قلبك حتى لو كنت في اتساع مالي وَمعنوي.
فالحياة لها ميزانان، معياران، مقياسان؛ وهما ميزان الخير والشر، الظلام وَالنور، السعاه والشقاء، في الدنيا ما زلنا في فسحة يستطيع الناس مراجعة أنفسهم وَأعمالهم، أما في الآخرة فإما جنة أَو نار خالدين، دائمين، مُستمرّين، مواصلين فيها إلى أبد الآبدين.
فلماذا يكون الناس في ذل ومهانة وهم يستطيعون أن يكونوا في عز وَكبرياء وَاستقامة؟
قد يظن الكثير أن الاختبارات الإلهية لا تأتي إلا لأشخاص أَو أفراد من الناس، أن الاختبارات الإلهية تأتي للأفراد، والفئات والجماعات، وَالشعوب وَالطوائف، وَالمجتمعات، وَالدول فحينها يعرفون أنه يجب أن يتخذون قرارات صائبة ليتجنبوا مقت وغضب الله عليهم وَإنزال العقوبة عليهم قال تعالى: “ما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ” وقال تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ”.
فجعل الله للناس عقولاً يفكرون بها وهذا ما يميزهم عن سائر مخلوقات الله، وجعل لهم حواس يستشعرون الخير من الشر وَجعل لهم الحرية في اختيار طريقهم وحياتهم التي يشاءونها حتى لو عانوا فيها وتعبوا؛ فالنتيجة في الأخير ستكون مدهشة لهم، وسيشكرون الله ليل نهار على اختيارهم لطريق حياتهم الصحيحة؛ فهم لم يخلقوا عبثاً في هذه الحياة وإنما لعمل دؤوب يكرمهم في الدنيا وَالآخرة قال تعالى: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا” فالفائزون وَالناجحون من يستغلون حياتهم في أعمال ترضي الله وَتغنيهم من واسع فضله الكريم.