جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-06@22:31:16 GMT

الدولة.. والدولة العميقة

تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT

الدولة.. والدولة العميقة

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

يستخدم البعض مصطلح "الدولة العميقة" للإشارة إلى مراكز القوى الخفية التي تبسط سيطرتها على المُؤسسات الرسمية؛ سواءً كانت مُنتخَبة ديمقراطيًا، كما هو الحال في النماذج الغربية، أو في النماذج الأخرى التي تغيب فيها تلك المظاهر الحديثة؛ بحيث تُجيِّرها لخدمة مصالحها الخاصة.

هذا التوصيف بشكل عام لا يخلو من الصواب، وإن كان المصطلح نفسه يثير الالتباس؛ حيث يدغم الدولة ككيان معنوي أشمل مع السلطة السياسية في قالب واحد دون فواصل. وقد يكون من الصعوبة تحديد التخوم بين الدولة العميقة وتلك غير العميقة إلّا بالمعنى المجازي. بَيْدَ أنَّ هذا التعبير يُثار بشكل أوسع في مراحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو في حالات الانتقال في السلطة؛ حيث تنشط الرقابة الاجتماعية الذاتية على حجم التحوُّلات ومدى اقترابها من متطلباتها واحتياجاتها المُلحّة. وعلى ضوء الإرهاصات من جانبٍ، وسيادة المفاهيم المثالية من جانب آخر، يتم- عادةً- استدعاء ما ترسّب في المُخيِّلة لإيجاد نوع من التبريرات والتوازنات النفسية والذهنية، بحيث تُعزى كل المعوقات لقوة مجهولة تُطلَق عليها شتى الأوصاف والتسميات.

ووفق هذا المنطلق، سيكون من الطبيعي أن تُتهَم تلك الطغم المُسيطرة بالسعي للتحكم في الوضع الجديد وتسييره قدر الإمكان وفق أجندتها. وما يُهم توضيحه يتمثل في نقطتين رئيسيتين؛ الأولى: مدى واقعية الخلط بين الدولة بمفهومها التقليدي العام، وبين السُلطة. وأعتقد أن الفهم الشعبوي لا يُفرِّق بينهما كثيرًا، وفي المقابل فإنَّ للسلطات أسبابها في عدم التفريق، بحيث تعتبر كل من يتعرّض لها بالنقد يُسيء بهذا القدر أو ذاك للدولة التي تطنب في الحرص عليها نهارًا، بينما تنخرها ليلًا. ومن البديهيات أن النقد- إن وُجِد- ينصبُ حول السلطة السياسية من حيث تكوينها وممارستها وشكلها ومضمونها وانحيازها وإدارتها للموارد الطبيعية وتوزيعها وكيفية معالجتها للمعضلات الاجتماعية، وغيرها من القضايا التي تمس الوجود الاجتماعي.

وبما أنَّ الحديث يدور حول الإطار النظري التاريخي، فإن الدولة وفق تعريفها الليبرالي، هي الإقليم والشعب والسلطة السياسية، غير أن العنصرين الأولين يتسمان بالديمومة والثبات، في حين العنصر الثالث- أي السلطة السياسية- كقاعدة عامة فهو المُتحوِّل. وتأسيسًا على ذلك، فإن الدولة العميقة قد يُقصد بها تلك القوى ذات المحتوى الطبقي، بمضامينها وأبعادها وتحالفاتها وديناميكيتها الداخلية التي تقاوم التنازل عن مكاسبها.

النقطة الثانية أن استجلاء دور تلك القوى المُتنفِّذة داخل هذه المنظومة ومدى فاعليتها التي تتضخم في بعض المُنعطفات التاريخية، ليست مسألة نظرية مُجرَّدة. والوقوف على كُنْهِهَا يتطلب بالضرورة مُقاربات علمية واقعية، وربما قد يكون تأثيرها واضحًا في بعض التجارب الحديثة التي يُستشَف من نهجها وممارستها العملية الحذر والتردد، بحيث تُصدِر خطابها السياسي والإعلامي بالانشداد العاطفي نحو الماضي، أكثر من تطلعاتها للمستقبل. ومعروف أن فعّالية الدولة العميقة في معظم البلدان النامية تجري من خلال تسويق فرضيات طوباوية لا ترى مسوغًا منطقيًا لتصحيح مسارات أفرزت واقعًا مُثقلًا بالتراكمات السلبية. وضمنيًا.. توحي بأن لا شيء يولد ولا شيء يُفنى! وهي فرضية، بقدر ما تحمل من شحنات مُحبِطة، بقدر مُنافاتها للعقل والحقائق الموضوعية. وحينما تخضع هذه الفرضية للمراجعة والتقييم العلمي، تهوي تسعة أعشارها.

ومن نافلة القول إن كل التجارب المعاصرة ذات التوجه الرأسمالي التي تُخرِج قضية العدالة الاجتماعية من حساباتها، تواجه جملة استحقاقات مطلبية ضاغطة وليس بمقدورها اجتراح مخارج وحلول للأزمات البنيوية المُتفاقِمة، ما لم تضع في اعتباراتها مرامي وغايات القوى التي تشكَّلت قبلها، ووعي محاولاتها لجهة تكييفها وحصر مهماتها في حدود إدارة وضعٍ قد أُعِدَ سلفًا؛ الأمر الذي يُفقدها حقها في التمايز والاختلاف. ولا حاجة للتأكيد على أن التجارب الذكيّة منها تَبني قاعدتها الشعبية على أنقاض إخفاقات غيرها، عِوَضًا عن أن تحمل وزرها على ظهرها، ولا تثريب على ذلك؛ حيث لا يُؤاخذ أحد بجريرة غيره، وبحسب دروس التاريخ تُثمِر شعورًا وطنيًا مُريحًا قادرًا على تمويل ملامح مشروع واعد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [152]

بقلم / عمر الحويج

كبسولة رقم [1]

حكومتان دون شرعية :
تهللون بإعلان الدول رفضها لتقسيم السودان وهذا موقف دولي عقلاني
لمصلحة المجتمع الدولي نفسه والسودان لن يعترفوا للحكومتين بشرعية
فرحون بخيباتكم وهذا وذاك ماجناه إجرامكم وما جنينا نحن على أحد .
حكومتان دون شرعية :
تهللون بإعلان الدول رفضها لتقسيم السودان وهذا موقف دولي عقلاني
أقرأوا ما تحت سطور رفضهم فهم وأنتم معاً حكومات موازية بلا شرعية
فرحون بخيباتكم وهذا وذاك ماجناه إجرامكم وما جنينا نحن على أحد .

[ لا للحرب .. نعم للسلام .. والدولة مدنية ]

***

كبسولة رقم [2]

ذكرى فائتة .. بتاريخ 3 / مارس 2024م

الكوزنة الحولاء :
يكرمون علناً شريرهم الإنصرافي داعية الموت والخراب
مرسل البشر إلى الله وبقراره يزيلهم من أرضهم الخراب
ثم يصيح بتعبئة موثقة وهو منهم وإليهم ( نعم للحرب) .
الكوزنة الحولاء :
يعتقلون سراً شيخ الأمين منقذ المواطن من طعن الحراب
وإكرام دفن موتى الشوارع تطوعاً وإغاثة جوعى الحراب
ثم يصدح بتعبئة موثقة وهو منهم وإليهم ( لا للحرب) .

[ لا للحرب .. نعم للسلام .. والدولة مدنية ]

***

كبسولة رقم [3]

ذكرى فائتة .. بتاريخ 3 / مارس / 2022 م

عصابة فاغنر : بعينها هي التي قدمت الدعوة لعصابة حمدان
لا بوتين السجمان .
عصابة فاغنر : بعينها التي قبلت الدعوة هي عصابة حمدان
لا البرهان السجمان .
إنتبهوا : مافي مليشيا بتحكم دولة [ يا بوتين ويا البرهان ]

[ لا للحرب .. نعم للسلام .. والدولة مدنية ]

***

omeralhiwaig441@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [153]
  • نظرة في حركات التمرد والدولة نحو التسوية التاريخية (نموذج مناوي وكيكل)
  • الدكتورة هبة رؤوف عزت: العنصرية تتعمق عالميا والدولة التقليدية لم تعد موجودة
  • التحالفات السياسية في العراق: هل هي لعبة جس نبض أم تحركات حاسمة؟
  • دور بيئة الأعمال في تحويل السعودية إلى مركز عالمي للتكنولوجيا العميقة
  • الحسيني يكشف عن الدولة التي اغتالت حسن نصر الله| ويؤكد: ليست إسرائيل
  • نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • ما هي الرسائل السياسية التي تحملها زيارة الرئيس اللبناني إلى السعودية اليوم؟
  • نيابة عن رئيس الدولة .. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [152]