لجريدة عمان:
2024-12-18@12:40:15 GMT

الدولة المركزية وخطورة الميليشيات

تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT

الدولة المركزية هي الدولة القُطرية القائمة على وحدة المساواة في ذات المواطنة، لهذا تسمى الدولة المركزية أو الدولة القطرية أو الدولة الوطنية، والجامع بينها هي الوحدة المركزية الواحدة من حيث القوة، والحامية للجميع، مع المساواة من حيث الذات، ومن حيث الحقوق والواجبات، في ضوء صورة التعاقد المتفق عليها وفق قانون البلد الواحد.

وأما الميليشيات كما يعرفها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات (ECCI) هي «جماعة منظمة، لديها هيكل تنظيمي محدد، وقيادة منظمة للعمل خارج سيطرة الدولة باستخدام القوة لتحقيق أهدافها السياسية، وتستخدم العنف لتحقيق أهدافها، فهي بشكل عام جيش أو منظمة قتالية أخرى تتكون من جنود غير محترفين أو مواطنين من دولة أو رعايا دولة».

لهذا بتكون الميليشيات في دولة ما، لا يوجد في الواقع دولة مركزية واحدة، وبالتالي لا يمكن تحقق وحدة القوة، ولا وحدة المواطنة، وإنما هناك دولة أو أكثر في قطر معين، مما يؤدي إلى الصراع والعنف، وضعف أو انهيار الدولة المركزية ذاتها، وهذا ملحظ بشكل كبير، في الدول التي تجد فيها الميليشيات أرضا خصبة للنمو؛ يسودها الاضطراب والصراع، وقد يؤدي ذلك إلى الاحتراب والانشقاقات الداخلية المؤدية إلى حروب أهلية، ينتج عنها الفقر والمرض وتشريد مواطنيها بحثا عن الأمن ولقمة العيش.

والخطورة إذا التصقت هذه الميليشيات بتوجهات أيدلوجية معينة، أو ارتبطت بحركات خارجية، فالأولى حراكها وولاؤها وفق الأيديولوجيا الضيقة، وهذا يتعارض مع المساواة في ضوء المواطنة، وقد تمارس العنف لمن خالف هذه الأيديولوجيا، وإن تمكنت مارست الإقصاء والاستبداد، والثانية لا يكون حراكها وولاؤها في ضوء الوطن أيضا، وإنما هي تتحرك وفق أجندات خارجية، وإن تظاهرت بالمواطنة حينا، ولكن ما إن تتمكن يظهر أين يكون اتجاهها، وعليه لا يكون هناك استقلال حقيقي للدولة المركزية.

ولا يمكن بحال المقارنة بين الأحزاب البرلمانية والسياسية وبين الميلشيات، وإن كانت قبل تبلورها تحمل ذات الصبغة الأيديولوجيا كما يرى وجيه قانصو في بحثه «الأحزاب السياسية» حيث كانت «كلمة الأحزاب قبل ظهور التمثيل البرلماني تطلق على الرمز والطوائف والفرق الاعتقادية، والجماعات المغلقة التي تشاكلت أهواء أفرادها، وعلى الولاءات التي تتمحور حول شخص ذي صفات كاريزمية، أو شخص مقتدر ماديا، أو ذي صفة معنوية، مثل قادة المرتزقة إبان عصر النهضة في إيطاليا، أو النبلاء والأمراء في العصر الوسيط، والفرق التي ظهرت لاحقا وتمحورت حول التجار والصناعيين وأصحاب البنوك ورجال الأعمال».

ويرى قانصو أنه «رغم دور الأحزاب في تفعيل العملية الديمقراطية، فقد بقت الأحزاب تحمل بطبيعتها صفة متناقضة، فهي من جهة هيئة منظمة يفترض بها أن تعبر عن تطلعات الناس، وتمثل قضاياهم، وتنقل همومهم بشفافية وأمانة ... وهي من جهة أخرى تحمل أجندتها الخاصة، وشبكة مصالحها ومعتقداتها الذاتية، وتعمد إلى استقطاب الجماهير على أساسها، وإدارة حملات انتخابية لكسب التأييد والولاء لشخصية مرشحة، تكون منابرها ووسائل إعلامها أدوات أيديولوجية وتوجيهية»، لهذا إذا ضعفت الدولة المركزية؛ قد تتحول هذه الأحزاب مع مرور الوقت إلى ميلشيات مسلحة، مستغلة توجهات أيدلوجية معينة، يمينية كانت أم يسارية.

لهذا وجدت العديد من النظريات التي توسع من دائرة الشراك الاجتماعي، مع المحافظة على مركزية الدولة، كنظرية العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو (ت 1778م)، ونظرية العقد الاجتماعي تطور لنظرية توماس هوبز (ت 1679م)، فهو وإن كان مع الملكية المطلقة، إلا أنها لابد أن ترتبط بعقد اجتماعي، وهذا لا يتعارض في نظره «حين يتنازل عن سلطتهم لصاحب السيادة»؛ لأن هذه السلطة «تشكل بها إرادتهم لصياغة السلام في الداخل، والدفاع عن الداخل أمام الخارج».

كما استفاد أيضا روسو من جون لوك (ت 1704م)، فنظرية الحكامة عنده لا تقوم «على أساس القوة والإكراه، بل تقوم على أساس الاختيار والرضى المتبادل بين الأفراد، وإن الغاية من ذلك الاجتماع المدني هي المحافظة على الملكية التي تعني حق الحياة والحرية والتملك»، وهو وإن كان لاهوتيا، إلا أنه مع علمنة الدولة، بمعنى «كل سلطات الحكومة المدنية لا تتعلق إلا بالمصالح المدنية».

وكل النظريات اللاحقة هو تطور أو شرح لنظرية العقد الاجتماعي، وهي نظرية تحفظ مركزية الدولة، وفي الوقت ذاته توسع من دائرة الشراك الشعبي في ضوء المواطنة، كما أنها توسع من دائرة الحريات، والاستفادة من الجانب النقدي، في وسائل مدنية، أو عن طريق الأدوات البرلمانية، بحيث يكون الحراك بشكل مدني إيجابي، لا يقود إلى العنف واستخدام القوة من أطراف متباينة عدا مركزية الدولة، قد تقود إلى حروب أهلية، أو انتماءات ولائية خارجية.

وعليه التدافع في الدولة المركزية الواحدة كلما اتسعت فيه الحريات المدنية، وتقلص فيه دائرة الاستبداد، وفق رؤية قانونية واحدة وواضحة، تحمي التعددية والشراك التعاقدي المدني؛ ابتعد المجتمع عن تكون الميلشيات، وحافظ على مركزية الدولة القطرية ذات المركزية الواحدة، والعكس صحيح، إذا توسع فيه دائرة الاستبداد الشامل، قد تنمو فيه بعد فترة جماعات ذات توجه ميليشي، إذا تجد بذوره تربة خصبة لنمو مثل هذه الجماعات المتطرفة، وفق انتماءات ولائية لشخص أو مذهب أو دين أو توجه سياسي واقتصادي واجتماعي، تتحول لاحقا إلى جماعات مسلحة، تستخدم القوة في الحراك السياسي والمدني، مما لا يكون للدولة المركزية لها حضورها الذي يحمي مظلة الدولة، وبالتالي انهيارها ودخولها في دائرة الفوضى والصراع والاحتراب، الذي ينتج عنه التشريد والفقر والمجاعة والجهل، فحتى تعود إلى مركزيتها يحتاج إلى شيء من الوقت، والذي تخسر فيه إبداعاتها وتقدمها واستقرارها.

*مراجع المقالة: بحث الأحزاب السياسية لوجيه قانصو، وكتاب نظريات الحكم والدولة لمحمد مصطفوي.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدولة المرکزیة مرکزیة الدولة فی ضوء

إقرأ أيضاً:

محافظ الشرقية يلتقي أهالي "الحسينية" لبحث المشاكل التي تواجههم لإنهاء إجراءات التقنين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية، أن الدولة جادة في استرداد أراضي أملاك الدولة وتطبيق القانون بكل قوة وحسم، على غير الملتزمين، وذلك تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية والحكومة وإعلاءاً للقانون وحفاظاً على حق الشعب.

جاء ذلك اليوم خلال لقائه مع عدد من  المواطنين المتعديين على أراضي أملاك الدولة بمركز الحسينية لحثهم على إنهاء إجراءات تقنين الأوضاع وسداد المقدم المستحق عليهم والاستفادة من التسهيلات التي قدمتها المحافظة لطرق سداد الرسوم ، وذلك تنفيذاً  لأحكام القانون والحفاظ على حق الدولة.

استهل المحافظ اللقاء بنقل تحيات الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأبناء المحافظة ورسالته لهم بحب بلادهم والعمل بجهد والحفاظ علي مقدرات الدولة المصرية لضمان استقرارها فبلادنا تستحق منا تقديم الكثير والكثير.

وأشار المحافظ أن الدولة المصرية تسعى لمنح الحقوق مقابل تقنين الأوضاع في إطار القانون بما يحفظ مصالح المواطن والدولة على حد سواء وحسن توظيف أموال تقنين الأوضاع لإقامة مشروعات خدمية للمواطنين.

وأكد محافظ  الشرقية، على ضرورة إنهاء كافة الإجراءات اللازمة لكافة الطلبات المقدمة بأقصى سرعة وتحصيل أموال الدولة من المخالفين، قائلاً أن الدولة جادة في ملف تقنين الأوضاع والتصالح مع المواطنين، ولن تتهاون في تحصيل حقها بما يحقق صالح الجميع.

واستمع محافظ الشرقية لمطالب المواطنين والمشاكل التي تواجههم لإنهاء إجراءات التقنين ، مؤكداً أن المحافظة   تفحص كافة الطلبات المقدمة ونقوم بالرد على الإستفسارات المختلفة وإيجاد حلول عملية لإنهاء هذا الملف بما يحقق حياة آمنه ومستقرة لجميع المواطنين ويلبي إحتياجات الأجيال الحالية والقادمة وتلاشياً لتطبيق حملات الازالة واسترداد أملاك الدولة بقوة القانون.

وقدم المواطنون الشكر لمحافظ الشرقية لحرصه على لقائهم وتقديم كافة التيسيرات اللازمة لتوفيق أوضاعهم واستكمال الإجراءات الخاصة بهم.

وفي نهاية اللقاء أكد محافظ الشرقية أنه سيواصل لقاءاته المستمره مع المواطنين المتعديين على أراضي أملاك الدولة بمختلف قرى ومراكز ومدن المحافظة لتشجيعهم على سرعة إنهاء إجراءات التقنين وتصحيح الأوضاع المخالفة ومنعاً لتسلل شعور عدم الأمان والإستقرار للمواطنين لتصبح أملاكهم مسجلة في سجلات الدولة ولها سند قانوني.

حضر اللقاء الدكتور أحمد عبد المعطي نائب المحافظ ومحمد نعمه كُجك السكرتير العام المساعد للمحافظة والعميد محمود متولي مدير الإدارة العامة لحماية أملاك الدولة والمهندس محمد العوضي رئيس مركز ومدينة الحسينية.

مقالات مشابهة

  • وجهاء "الساحل" يطالبون قيادة سوريا الجديدة بوقف التجاوزات
  • «صالون الشباب» منصة ثقافية تجمع شباب الأحزاب شهريا في 2025
  • أردوغان يكشف عن الدولة الوحيدة في العالم التي هزمت داعش على الأرض
  • محافظ الشرقية يلتقي أهالي "الحسينية" لبحث المشاكل التي تواجههم لإنهاء إجراءات التقنين
  • عاجل | وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين: تركيا وحلفاؤها من الميليشيات يحشدون قوات على طول الحدود مع سوريا
  • تأجيل دعوى إلغاء قرار حل حزب الدستور لـ17 فبراير
  • القوة التي لا تستسلم..!
  • الشرع: سيتم حل كل الفصائل ولن يكون هناك سلاح إلا بأيدي الدولة
  • السعي الإسرائيلي لضم الضفة الغربية وخطورة ذلك على الأردن
  • تطورات كوريا الجنوبية.. الأحزاب تسعى إلى الهدوء بعد عزل يون.. والرئيس السابق يرفض المثول للتحقيق