سلطنة عُمان.. ترويض الحَواس والمحبة قوة
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
يوظف أهلي في السودان مثلا شعبيا هو من بلاغتهم الدينية للدلالة على جوهر حياة الإنسان، حياته الاجتماعية التي لا يملكها وحده بل هي تميمة بليغة تحكي كيف للإنسان أن يعيش بالناس وفيهم، يقولون: «الماعندو محبة ما عندو الحبة» و«الحبة» لدلالة على القِلَّة، أي أن من لا يَسَع قلبه محبة الآخرين القريبين والبعيدين، المغايرين لنمط وعيه الثقافي، من لا يملك لهم هذه المحبة الصافية في القلب دون كُلفة فإنه إنسان ضعيف، ورقيق الحال، فالأقوياء هم الوحيدون القادرون على المحبة، أما من يستسلمون لذواتهم فإنهم يسمحون لها أن تصنع فيهم الكراهية أنانية تعميهم عن إبصار الحياة في الذَّر، أو كما يقول شاعرنا الكبير محمد المهدي المجذوب (توفي 1982م) باحثا عن سر الحياة «أيكون الخيرُ في الشرِ انطوى والقوى خرجت من ذرةٍ هي حبلى بالعدم».
والسر وراء هذه المقدمة يعود إلى رحلتي إلى مطار مسقط الدولي مستقلا سيارة أجرة، وقد كان يوما ضجرا، اشتعلت فيه ذاكرتي بمآسي وأحزان أُجهد نفسي لإخفائها، ولذا تمرد عليَّ مزاجي وأقحمني في صراعٍ مُر.. صعدت إلى المركبة وألقيت السلام على الرجل كمن يلقي حقيبته المتعبة عند مدخل البيت، ليقابلني الرجل ببشاشة، ويمنحني تذكارا عُمانيا خاصا هو الطريقة العمانية في إلقاء التحية، ودودة ومشبعة بالرقة، وكأن الرجل استشعر أن في عيني كلام مخنوق بدواعي الالتزام والخصوصية، ثم بدأ يسحبني برفق إلى الحديث، سأل: كيف حالك؟ - الحمد لله - من السودان؟ - نعم، أليس من الواضح، ثم تنبهت إلى غباء سؤالي وأنا المشتغل على قضية التنوع في المجتمعات، ومنها مجتمعي، فالرجل من بلد يعيش حالة من كونية الهوية، فليس في اللسان أو الشكل أو الصوت أو حتى الزي دلالة قاهرة على انتماء مرتب، فهذه بلاد تتقن الحنين إلى الوجود؛ الوجود مطلقا، ولذا التأمت على معنى إنساني جعل من أهلها نغمة مستقرة في لحن عظيم خالد..
وأحاديث الرجل سيطرت على تفكيري بصورة جعلتني استرجع بعض ما قرأت عن طبيعة الشخصية الاجتماعية، وعن مكوناتها، وكيف تتشكل؟ وعلى ماذا تتغذى في سلوكها؟ ووجدت في الكلام العادي في الشخصية العمانية مدخلا لـ«فك رموز» الهوية، الشخصية، والذات الاجتماعية»، وكما يقال إن هناك شخصية فطرية تقوم على قاعدة من بداهات مطلقة تكتسبها من البيئة التي تعيش فيها، وإن هذه الشخصية تملك قدرة عالية على الانسجام مع الآخرين، إذ لا يحدها فضاء من قيم ومعارف وأشكال سلوكية متمترسة في ذاتها بل حتى في لا وعيها، ولذا فإنها شخصية تتسم بقدر عال من التسامح، وهي تعبير حي عن بيئتها، ومصداق للدراسات التي تهتم بفهم «الشخصية» انطلاقا من عامل البيئة ثم إلى الأفراد الذين يعيشون فيها، إنهم مجموعة تفسر بشكل كبير كيف يمكن للمجتمعات المتسامحة أن تصبح تمثيلا مفهوميا لبيئتها التي صنعت فيها هذا النوع من القبول، ومفهوم الشخص في العلوم الاجتماعية يعود إلى دوركايم والذي اشتغل بصورة منهجية لاعتماد تصور علمي للفرد، لكن لم يعد هذا المفهوم (=الشخص) يعني الفرد فقط، بل «الذات والأنا، والذات والذات...» وكل هذه العناصر هي التي تشكل مفهوم الشخص والذي هو نتيجة وعيه بوجوده، إذ هو كائن أخلاقي واجتماعي، ومصادر أخلاقيته تعتمد على البيئة التي نشأ فيها والتي تمده بأسباب اندماجه بالصورة التي عليها صديقي قائد المركبة.
وقد وصلت الاختراقات البحثية في علم الاجتماع الحديث إلى تحديد إطار عام وكلي لشخصية كل شعب، والحقيقة أن الأمر قديم، ففي الأربعينيات والخمسينيات كان الحديث يجرى عن مفهوم «الرجل الكامل» والذي كان تعبيرا عن رؤية رومانسية في العلوم الاجتماعية وهي بعد تتشكل، رؤية تبشر بوحدة الفرد تحت ظل معنى قومي، لكنه يبقى معنى جمالي أكثر منه علمي، وقد نجد هذا الأمر عند عالم الاجتماع الفرنسي مارسيل موس (توفي 1950م) صاحب الكتاب الشهير «مقالة في الهِبة»، وموس كان قد ألقى في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي محاضرة بعنوان: «مفهوم الشخص، فكرة الـ«أنا»، ومن آثاره المهمة مقارنته بين أنواع ثلاثة من «التمثيل الاجتماعي» للشخص، وفيها دَرَس مجتمعات مثل: الأمريكية والهندية والرومانية القديمة، ومن خلاصاته المهمة في ذلك: إن الشخصية الجماعية تهيمن على الفرد، مثل هيمنة العشيرة على أفرادها الذين يجسدون حضورها المعنوي والمادي وإن بأشكال مختلفة، ويسميها موس «الأقنعة» وهي بمثابة تمثيل جماعي لأفراد شعب ما، كلٌ بمكانته الاجتماعية ومواقفه وقِيمه، ولكل فرد في هذه الجماعة دور يصفه مُوْس بالتزامني، وهو دور تحكمه التقاليد ويتركب فيه السلوك على الميراث المتخيل والمنتقل من جيل إلى آخر، وعبر هذه العملية المركبة من التعايش والتجاور في السلوك والتمثيل يحدث الاستقرار في المجموعة.
وبالعودة إلى صديقي رفيق الرحلة إلى المطار فقد ملأ عليّ وقتي بالحديث عن المنطقة التي أعيش فيها، وكيف أن اسمها في السابق هو نقيضها اليوم، وأن عبقرية هي من حقائق السلطان قابوس -رحمه الله- أن اختار لها اسما يتحدى به طبيعتها، ويعلن أنه ليس من المستحيل أن تصنع الأوطان بسواعد بنيها، وأن تتوفر على أيديهم تنمية ناطقة متى صح العزم.
غسان علي عثمان كاتب سوداني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أسرع طريقة لاستخراج البطاقة الشخصية 2025
يبحث الكثير عن طريقة استخراج البطاقة الشخصية 2025 في خلال ساعات بسيطة، حيث تتيح وزارة الداخلية خدمات استخراج البطاقة الشخصية 2025 من العباسية في خلال نصف ساعة.
يمكن استخراج بطاقة الرقم القومي 2025 واستلامها في خلال نصف ساعة من الأحوال المدنية في العباسية، عن طريق شراء استمارة من داخل القطاع ثمنها 185 جنيها ثم دفع رسوم في المركز النموذجي تصل لـ 315 جنيها لاستلام البطاقة بشكل مستعجل.
أسعار البطاقة الشخصية 2025حددت وزارة الداخلية أسعار بطاقة الرقم القومي 2025، حيث يمكن استخراج بطاقة الرقم القومي في نفس اليوم خلال ساعة من العباسية مقابل رسوم 315 جنيها، حيث يتم التوجه للأحوال المدنية وطلب استخراج بطاقة رقم قومي مستعجلة.
سعر استخراج البطاقة الشخصية 2025يمكن استخراج بطاقة الرقم القومي واستلامها في خلال 24 ساعة وذلك مقابل مبلغ 185 جنيها حيث يتم التوجه إلى مراكز الأحوال المدنية في سيتي ستارز وكارفور المعادي ومكسيم مول لاستخراج البطاقة.
استخراج بطاقة شخصية مستعجلة 2025وفرت أجهزة وزارة الداخلية خدمة لاستخراج بطاقة الرقم القومي من المنزل، وعن أسعار بطاقة الرقم القومي التي يتم استخراجها من المنزل 615 جنيها، حيث يتم حجز دور في الأحوال المدنية من خلال الخط الساخن، وطلب سيارة للحضور إلى المنزل واستخراج البطاقة.
سعر البطاقة الشخصية 2025تتضمن أسعار بطاقة الرقم القومي المستعجلة، 615 جنيها في المنزل وتصدر في نفس اليوم، و350 جنيها في العباسية وتصدر في ذات اليوم، و185 جنيها في المراكز التجارية المختلفة ويتم استلامها في خلال 24 ساعة.
مواعيد عمل الأحوال المدنيةتعمل الأحوال المدنية في العباسية والمراكز التجارية حتى الثامنة مساء بشكل يومي، حيث يمكن التقدم لاستخراج بطاقة الرقم القومي المستعجلة في قطاعات الأحوال المدنية المختلفة.