نابلس- بكاء وصراخ وهتافات تنعى الشهيد وتمجّد بطولاته في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والتصدي لجنوده، هكذا كان مشهد وداع أمير خليفة في مشفى رفيديا الحكومي بمدينة نابلس، بعد قليل من اغتياله صباح اليوم الخميس.

أما الحدث فوقع عند الثالثة فجرا، وتلخّص في بضع دقائق استُدرج فيها المقاوم أمير خليفة من قبل جنود الاحتلال ليطلقوا عليه النار مباشرة ويصاب بـ5 رصاصات قاتلة.

على مدخل قرية زواتا القريبة من مدينة نابلس، استدرج أمير خليفة باتصال هاتفي يخبره أن جيش الاحتلال يحاصر منزلا في القرية، فانطلق مسرعا بدراجته النارية وببندقيته الشخصية ليتصدى للجنود الإسرائيليين كعادته.

وبمجرد وصول أمير -حسب رواية شقيقه وليد خليفة وشهود عيان تحدثوا للجزيرة نت- أطلق الاحتلال عبر "قناصة كانوا يعتلون سطح أحد البنايات المجاورة" رصاصهم تجاه الشاب الذي لم يستسلم ورد على جنود الاحتلال بإطلاق النار أيضا، واشتبك معهم لوقت قصير قبل أن يُصاب ويستشهد.

من وداع الشهيد أمير خليفة داخل مشفى رفيديا الحكومي بمدينة نابلس (الجزيرة) كمين واغتيال

ويقول وليد إن أمير -الملقب محليا "بالتتر"- تعرّض "لكمين محكم" من الاحتلال، حيث كان بانتظاره جنود في مركبة مدنية بيضاء اللون وآلية عسكرية وقناصة طوَّقوا المكان.

ويضيف "تبين أنه لم يكن هناك أي منزل محاصر، وأن الجنود نصبوا كمينا لأمير، وأطلقوا النار عليه مباشرة وأصابوه بـ5 رصاصات؛ اثنتين في الرأس من الخلف، و3 بالظهر وأنحاء مختلفة من جسده".

وحتى الساعة الواحدة فجرا، كان وليد مع شقيقه أمير يجلسان بالقرب من منزلهم في أحد أزقة مخيم العين، يتبادلان الحديث. يقول وليد "جلس يمازح طفلي الصغير الذي قبَّله وانصرف للنوم بعد أن حصل على هدية عبارة عن بعض النقود التي زادت تعلقه بعمه الشهيد".

وبعد ساعتين فقط، تلقى أمير اتصالا جعله ينتفض غضبا ويعتلي دراجته النارية ويمتشق سلاحه وينطلق بسرعة، بعد أن رفض اصطحاب أحد معه إلى الحدث.

ويرجح وليد أنه ونتيجة لفشل الاحتلال في اعتقال أمير أكثر من مرة؛ 3 منها في اقتحامات مباشرة للمخيم حيث يسكن، تم استدراجه لخارج المخيم الذي أضحت دهاليزه وأزقته المتداخلة مصيدة للاحتلال وجنوده، وجعلتهم في مرمى نيران المقاومين.


المقاوم الصامت

في مخيم عين بيت الماء (مخيم العين) وُلد أمير خليفة، الرابع بين 5 أشقاء ذكور، لأبوين من عائلة متواضعة، وتوفي والده قبل 9 سنوات. وفي مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تلقى تعليمه حتى الصف التاسع، ومنه خرج إلى سوق العمل لينفق على أسرته في أكثر من موقع متحملا ظروفا قاهرة.

يقول شقيقه وليد إن أمير تمنى الشهادة من صغره، واختار طريقه في المقاومة باكرا ولهذا لم يفكّر في الزواج، واعتقل مرة واحدة ولفترة قصيرة لدى الاحتلال.

واغتال الاحتلال الإسرائيلي مجدي خليفة ابن عم الشهيد أمير، وأحد مقاومي انتفاضة الأقصى عام 2004 بطريقة مباشرة ومشابهة لاغتيال أمير.

ومنذ عامين، طارد الاحتلال الشاب خليفة الذي انخرط في صف المقاومة في المخيم من دون أن ينضم إلى فصيل بعينه، "بل ابتاع دراجته وبندقيته من نوع كارلو المصنعة محليا على حسابه الخاص، وقاوم الاحتلال حتى الرمق الأخير"، كما أفادت عائلته.

و"بالمقاوم الصامت والشرس" وصف وليد شقيقه أمير، وعلى ذلك أجمع أهالي المخيم أيضا، وأكدوا أنه يتصدى ببسالة لجنود الاحتلال أثناء اقتحام المخيم، وتعرّض لتهديد مباشر من المخابرات الإسرائيلية، إذ طالبه ضباطها في اتصالات هاتفية بتسليم نفسه، غير أنه رفض التعاطي معهم، وأخبرهم أنه سيجعل المخيم "مقبرة لجيش الاحتلال".

واتخذ أمير من الأزقة سكنا له طوال عامين من المطاردة، ويقول شقيقه إنه كان "العين الساهرة" للمقاومة ويترصد أي اقتحام للاحتلال، وأحيانا لم يكن بحوزته إلا بضع رصاصات (6 أو 7 رصاصات) ولكن هذا لم يمنعه من المقاومة، بل كان يلجأ لإلقاء الأكواع المتفجرة (قنابل يدوية محلية الصنع) على قوات الاحتلال أو يرشقها بالحجارة في أسوأ الأحوال.

من وداع الشهيد أمير خليفة داخل المشفى (الجزيرة) صديق الشهداء وحبيب الأطفال

ولحق أمير خليفة برفيقه الشهيد محمد ندى، الذي استشهد برصاص القوات الخاصة الإسرائيلية لدى اقتحامها مخيم العين قبل أسبوعين.

ويُعرف أمير بصديق الأطفال، وهو ما كان واضحا في مشفى رفيديا عند بدء تشييع جثمانه، حيث احتشد عشرات الأطفال لوداعه والخروج في جنازته التي انطلقت نحو مقبرة مخيم العين وسط إطلاق النار غضبا وهتافات منددة بجريمة الاغتيال ومطالبة بالانتقام للشهيد.

ويقول الفتى فارس صالحي إنه التقى أمير قبل ساعات من استشهاده، "وكان يمازحنا ويضحك معنا، كأنه كان يودعنا"، في حين قال الفتى عمار جمعة إنه رآه عند منتصف الليل وكان يتجول بالمخيم بدراجته النارية كعادته، "وفي لحظة رأيناه يستقل دراجته وينطلق مسرعا، وبعد لحظات سمعنا أن هناك إصابة خطيرة قرب زواتا؛ فكان أمير".

خالة الشهيد أمير أبو خليفة تروي لحظاتها الأخيرة معه: "ما كان يفوت أي جنازة لشـــــــــــــــــــــــــــهيد… شـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهدا جنين راح من بين الجبال على جنازتهم". pic.twitter.com/H4G53hrTmD

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) August 10, 2023

يظهرون وقت الحدث

ويقول عادل خليفة (أحد شخصيات مخيم العين وقريب الشهيد) إن أمير عُرف "بمقاومته الصامتة والصادقة من دون حب الظهور والاستعراض العلني، بل كان ممن يظهرون ويعملون وقت الحدث فقط".

ويضيف للجزيرة نت أن هذا ما ميّز المقاومة في مخيم العين عن غيرها من المواقع الفلسطينية، وتحديدا في العامين الأخيرين. ويضيف خليفة العم "كان أمير محبوبا وقريبا ومن الناس وكتوما، ولا يعرف أحد له سرا".

وعن اغتيال أمير خليفة باستدراجه بعيدا عن موقعه، تقول عضوة لجنة التنسيق الفصائلي بنابلس ماجدة المصري إن إسرائيل أصبحت تستخدم طرقا بديلة للاقتحامات المباشرة التي تربكها وتسلط الضوء عليها محليا ودوليا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الشهید أمیر أمیر خلیفة مخیم العین

إقرأ أيضاً:

على ضوء التاريخ: نصر الله بين الجدل والإرث المقاوم

نجحت إسرائيل في اغتيال زعيم «حزب الله» حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر 2024، وهو اغتيال لا يمكن رؤيته إلا على ضوء التاريخ، بعيدا عن اللحظة الحالية التي تطغى فيها العاطفة، وينتعش الجدل البيزنطي، ويتوجب وضع هذه الشخصية في إطارها التاريخي الواقعي، رفقة دور إسرائيل ودعم الغرب اللامشروط لها، في هذا الظرف الدقيق.

كانت عملية اغتيال حسن نصر الله على يد الكيان جريئة بكل المقاييس، وتفتح منطقة الشرق الأوسط على احتمالات كثيرة منها، مواجهة برية لا ترغب فيها إسرائيل، على الرغم مما يتم الترويج له. وعندما يسقط زعيم في حرب مثل هذه تتعلق بقضية مثل القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان أكثر من مليار مسلم، وتتعلق بالدفاع عن بلاده في مواجهة الكيان الإسرائيلي، ينحت لنفسه اسما في التاريخ، مهما كان مستوى ونوع الجدل حول شخصيته وأدائه.

وارتباطا بهذا، فقد تبوأ حسن نصر الله المشهد السياسي والعسكري العربي والإسلامي، خلال الربع الأخير من القرن الحادي والعشرين، منذ تحرير جنوب لبنان من الاستعمار الإسرائيلي سنة 2000، ثم المواجهة الشهيرة للحزب ضد إسرائيل صيف 2006 التي كانت تحديا عسكريا نادرا بوقف زحف الكيان وتكبيده هزيمة نسبية، ووقوفه الى جانب الفلسطينيين في طوفان الأقصى، نعم، يبقى دوره في حرب دموية مثل السورية يثير الجدل.

وبعيدا عن هذا الجدل وبعيدا عن الاتهامات المتبادلة بين الشيعة والسنة، التي تعمي بعض تجار الدين من الجانبين عن واقع الإبادة التي يتعرض لها السنة والشيعة في فلسطين ولبنان، سيتم تخليد اسم حسن نصر الله كمقاوم للاستعمار الإسرائيلي والغربي.

وهو بهذا ينضاف الى لائحة كبار مقاومي الاستعمار في تاريخ العالم العربي، إلى جانب أسماء على سبيل المثال وليس الحصر المصري عمر مكرم الذي واجه الحرب الصليبية في نسختها الجديدة بزعامة الفرنسي نابليون بونابرت.

وكذلك الأمير عبد القادر الجزائري الذي تصدى للاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر كذلك، ثم الزعيم الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي قاهر الفرنسيين والإسبان، والقائد الفذ عمر المختار الذي قهر الإيطاليين قبل سقوطه أسيرا.

عودنا التاريخ على أن المقاومين يثيرون الجدل بمثل هذه الأسماء، نظرا لاختلاف التقييم التاريخي والارتباط بهذه الجهة أو تلك. وفي حالة الزعيم المغربي الخطابي مثلا، فقد اعتبره الفقهاء، الذين كانوا في خدمة الاستعمار الفرنسي، مثيرا للفتن وخارجا عن ملة السلطان، وصنفته الحكومة الفرنسية بالإرهابي، علما أنه انتصر في أحد الملامح المغربية والعربية وهي حرب أنوال، ولجأت فرنسا وإسبانيا إلى الأسلحة الكيماوية للقضاء على ثورته.

ومع مرور الزمن، تحول إلى رمز من رموز التاريخ المغربي والإنساني كمناهض للاستعمار، ويكفي استحضار ما قاله عنه قادة مثل تشي غيفارا وماو تسي تونغ من ثناء لما يشكله من نموذج في المقاومة، وفي كل مدينة مغربية تقريبا يوجد شارع يحمل اسمه، بينما ذهب مناهضون من فقهاء وحكام لا أحد يتذكرهم.
الحرب الوحشية على فلسطين ولبنان يجب عدم رؤيتها على ضوء تفسيرات تبسيطية وساذجة
ودائما في وضع الأحداث في سياقها التاريخي، إن الحرب الوحشية على فلسطين ولبنان يجب عدم رؤيتها على ضوء تفسيرات تبسيطية وساذجة، مفادها خوض رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو هذه الحرب، لكي يفلت من المحاكمة لتورطه في فساد سياسي ومالي، بل يجب رؤيتها على ضوء أحداث تاريخية سابقة، تشكل منعطفا تتجاوز الأشخاص لتقرر في مصير أمم وثقافات وحضارات مثل الحروب الصليبية، ثم قرار مجمع فيينا الكنيسي سنة 1312 بدراسة العالم الإسلامي لتفكيكه، ومنعطفات مثل اتفاقية سايس بيكو لتقسيم العالم العربي واستعماره، ثم اتفاقيات سرية أخرى حديثة منها منع الطاقة النووية عن العالم العربي والإسلامي، والحيلولة دون وصوله إلى صناعة الأسلحة.

في هذا الركن، وفي مقال يوم 5 أغسطس/آب الماضي بعنوان «لماذا يصر الغرب على دعم إسرائيل؟»، كتبت أن إسرائيل تخاف من المستقبل لهذا تريد إبقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بعدما قررت الدولة العميقة في واشنطن الانتقال الى المحيط الهادئ، لأنه سيكون ثقل العالم مستقبلا، بسبب الصين.

وتلتقي رغبة إسرائيل مع رغبة الغرب، فهذا الأخير يقف بكل ثقله إلى جانب إسرائيل حتى تبقى ذلك العنصر الذي يعرقل أي وحدة عربية وإسلامية. ثم إن الغرب كما ورد في ذلك المقال «لا يريد نهائيا أن يكون في جنوبه حزام إسلامي موحد، من جهة، لكي يضمن استقرار حدوده الجنوبية، ومن جهة أخرى حتى لا يتحالف هذا الحزام الإسلامي مع الصين مستقبلا».

كما أبرزت في مقال سابق في هذا الركن كذلك بتاريخ 4 ديسمبر/كانون الأول الماضي بعنوان «هل سيسمح الغرب بنكسة إسرائيل؟»، خسر الغرب الحرب الأوكرانية ضد روسيا، وهي ضربة قوية للغاية، وليس مستعدا الآن لخسارة الحرب في قطاع غزة، لأن الحربين ليستا بالعاديتين، بل تحددان مصير الكثير من الملفات الجيوسياسية مستقبلا.

لهذا سيتيح الغرب للكيان ممارسة مزيد من حرب الجبناء، أي قتل الأبرياء وتدمير مختلف البنيات لمنع المقاومة الفلسطينية من تحقيق أي انتصار ولو نسبي». وعليه، ما طبقته إسرائيل من حرب إبادة في فلسطين، يتم تكرارها اليوم في لبنان، لكن مع اختلاف هو أن «حزب الله» ليس حماس على الرغم من الضربات الاستباقية المهولة التي قضت على قيادته التاريخية، وأن أي تقدم بري سيكون حربا ملحمية أخرى مثل 2006.

الغرب لن يتقبل هزيمة أخرى بعد نكسة أوكرانيا، لاسيما في منطقة ذات رمزية تاريخية ودينية وثقافية مثل الشرق الأوسط. عناصر واضحة تبرز بالمكشوف تورط الغرب في هذه الحرب لأسباب استراتيجية بعيدة المدى، تتعلق بضرب أي وحدة عربية وإسلامية على غرار الوحدة التي يعيشها الغرب.

ويكفي التساؤل: لماذا لا يقوم الغرب بأي مبادرة سياسية ودبلوماسية لوقف الحرب، رغم مقتل عشرات الآلاف أغلبهم من الأطفال؟ لماذا يوفر الغرب الغطاء الدبلوماسي والقانوني لحماية قادة الكيان الصهيوني من أي متابعة قضائية دولية؟

ثم لماذا فتح فتح الغرب مخازن الأسلحة لإسرائيل، بل نشر أساطيل حربية كبيرة لمساعدة القوات الإسرائيلية في هذه الحرب؟ قراءة واقعية لهذه الأحداث واستحضار أحداث التاريخ مثل سايس بيكو، ستجعل السياسي والمفكر الشيعي والسني يتوصل الى النتيجة نفسها «لا يسمح للعالم العربي والإسلامي سواء كان الحاكم سنيا أو شيعيا أو لائكيا بأي وحدة أو نهضة غير متحكم فيها، وستبقى إسرائيل العنصر المكلف بالوكالة بهذه المهمة».

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يحاصر منزلا ببُرقين ويقتحم مخيمي عسكر وبلاطة بنابلس
  • انسحاب قوات الاحتلال من مخيم بلاطة
  • من هو الشهيد عبود شاهين الذي طارده الاحتلال والسلطة؟
  • شهيدان بقتحام الاحتلال لمخيم بلاطة بنابلس
  • استشهاد شاب خلال اقتحام الاحتلال لمخيم بلاطة بنابلس
  • إصابات خلال اقتحام الاحتلال لمخيم بلاطة بنابلس
  • محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن جثمان الشهيد الأسير وليد دقة
  • إصابة مطارد واعتقاله خلال اشتباك مع الاحتلال بنابلس
  • على ضوء التاريخ: نصر الله بين الجدل والإرث المقاوم
  • وليد العمري يروي للمرصد تفاصيل ليلة اقتحام الاحتلال مكتبَ الجزيرة