لجريدة عمان:
2024-09-15@07:40:04 GMT

ذكريات اليوم الدراسي بمدرسة صوب

تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT

كتب الكثيرون عن ذكرياتهم في أول يوم دراسي، وسيكتب آخرون أيضا عن التجربة لأنها حدث مهم في حياة الإنسان لا يدرك معناه وقيمته إلا بعد أن يسحبه تيار السنين ويتوغل به في لج اللاعودة بعيدا عن علامة الماضي المغروسة على الناحية الأخرى من الماضي المستعاد عبر الصور. أحاول اليوم أن ألتفت إلى العلامة الموسومة في الذاكرة لا لأجل هدهدة الحنين، ولكن لأحكي تجربة تقع في منطقة التماس بين الذات والآخر؛ أي بين الخاص والعام إن صح الوصف، فالكتابة عن اليوم الأول في المدرسة تعني بشكل أو بآخر الكتابة عن التحديات التي واجهت المؤسسات التعليمية في المناطق النائية في عُمان، فمن الخيام وغرف القصدير تخرجت أجيال من المتعلمين أسهموا في نهضة الوطن وتحملوا مسؤولية بنائه، ولأن الحديث يتشعب حول الموضوع وبحاجة إلى سلسلة من المقالات فإني سأكتفي بالحديث عن الخاص الشخصي في أول يوم دراسي، إذ بقي في الذاكرة وتحييه المناسبات التعليمية بداية كل عام دراسي، فأتذكر أولى اللحظات في مدرسة فتحت أبوابها لأول مرة في منطقة صوب الواقعة شمال الطريق الرئيس بين مدينة مرباط ومدينة سدح.

فتحت مدرسة صوب أبوابها في العام الدراسي 1987/1986 بمبنى يتكون من فصلين تفصلهما ساحة عن سكن المعلمين المكون من غرفة ومطبخ ودورة مياه، بلا كهرباء ولا مياه موصولة إلا عبر سيارة نقل المياه. ضم الفصلان أربعة صفوف: الصف الأول مع الصف الثاني، والصف الثالث مع الصف الرابع، وفي كل فصل يقوم معلم واحد بتدريس كافة المواد للطلبة، كل صف ينال حظه من الشرح في حوالي عشرين دقيقة. وتتكون الهيئة التدريسية من معلمين من الجنسية المصرية: تولى الأستاذ شعبان تدريسنا في الصف الأول وأيضا لطلبة الصف الثاني، وقام الأستاذ عارف بتدريس الصفين الثالث والرابع، بالإضافة إلى مهامه مديرا للمدرسة المختلطة بين الذكور والإناث.

كان الطلبة الذين سبقونا في التعليم من أهالي منطقة صوب، ودرسوا في مدارس ولايتي مرباط وسدح، قبل أن يلتحقوا بمدرستنا، يقومون بأدوار تحية العلم والإذاعة المدرسية، واكتفينا نحن بالتفرج عليهم. ولم يتجاوز أعداد الطلبة في المدرسة وقتذاك خمسين طالبا وطالبة.

عندما فتحت المدرسة أبوابها، كان معظم الأهالي مع مواشيهم في أرياف مرباط وسهولها، ولذلك ذهبت بمفردي إلى المدرسة بعد أن اشترى لي والدي -رحمه الله- لوازم المدرسة من مدينة مرباط، ونسينا شراء الحذاء المدرسي، الذي ستكون له قصة نرويها هنا. وكان والدي قد حاول مرافقتي إلى المدرسة، ولكني كأي طفل يحاول إثبات قدراته، أخبرته بأنني أستطيع تدبر أمري، خاصة أنني سأقيم مؤقتا لدى أقاربي في صوب ريثما ترجع العائلة من موسم خطيل الإبل.

رسمت ُ المدرسة في مخليتي بناء على أقوال الناس بأنها مكان لفك الحروف ومعرفة الحساب، وأيضا ضرب المعلمين للطلبة الذين لا يحذقون جيدا.

في صباح اليوم الدراسي الأول صحونا الفجر وركبنا في سيارة البيكاب الحمراء للعم أحمد أردحيل العمري وأولاده، وذهبنا إلى المدرسة الأولى التي تقام في منطقة صوب، القريبة من مركز إحدى الفرق الوطنية الموجودة في عدة مناطق من ظفار. وجدنا مجموعة من الطلبة وأهاليهم قد سبقونا إلى المدرسة، وقاموا بتركيب الطاولات وتجهيز المقاعد، وجلسنا على الأرضية نتابع عمليات التركيب. بعد تجهيز الأثاث جلسنا ووُزعت علينا الكتب المدرسية التي لا تزال روائحها عالقة في الذاكرة، قلبنا الصفحات لنطالع صور الفتى فادي وأخته ريم وأمهما سعاد ووالدهما فارس، ثم رن الجرس فخرجنا إلى الساحة الحصباء ووجدنا الشيخ محاد تمان العمري - رحمه الله - قد أحضر لنا كراتين من المرطبات، إذ كان له الفضل في السعي لإقامة المدرسة، وقد جاءت معه زوجته أم محمد التي أحضرت معها إبريق شاي بالحليب، وبعد أن شربنا الشاي والمرطبات رجعنا مرة أخرى إلى الصف.

نبهني المعلم شعبان إلى أنني بلا حذاء مدرسي، ولأن المنطقة تفتقر إلى محل لبيع الملابس، فقد ذهبت إلى مرباط مرة أخرى مع سالم بن سهيل المشيخي الذي أحضر بعض احتياجات الفرقة. كان الطريق ترابيا والذهاب إلى مدينة يعني العناء والتعب من كثرة اهتزاز السيارة والغبار على امتداد حوالي خمسة وثلاثين كيلو مترا. اشتريت حذاءً رياضيا بنتوءات، وبعد يومين التوت قدمي وتورمت، ونظرا لعدم وجود مركز صحي وقتها في صوب - افتتح المركز الصحي 1992-، فقد تكفلت جدتي سلمى عمة والدي رحمها الله بالعلاج، حفرت حفرة وأشعلت فيها النار وعندما تحول الحطب إلى جمر غطتها بالرمل، ووضعت قدمي في كيس من الخيش وأنزلتها إلى الحفرة وغطت على القدم بالرمل.

لم أتحمل الحرارة فبكيت، فقالت الجدة «اصبر وإلا بتعرج طوال حياتك»، وبعد حوالي عشر دقائق أخرجت قدمي وزال الألم واستطعت المشي بسهولة.

كان معي في دفعة الصف الأول في العام الدراسي 1987/1986 العديد من الطلاب الذكور، منهم «سعيد بن أحمد المشيخي، سعيد بن سالم الحكماني، سالم بن عامر العمري، مسلم بن علي المهري، عامر بن أحمد العمري، عيسى بن عامر العمري، علي بن عامر العمري، محمد بن سالم الحكماني، المرحوم سهيل بن سعيد العمري، محمد بن سعيد العمري، محمد بن سالم العمري، سعيد محاد العمري، عامر بن محمد العمري، سالم بن أحمد المشيخي».

عندما أمرّ بمدرسة صوب بين فترة وأخرى، وقد قلت زيارتي للفرقة بعد رحيل عدد من الأصدقاء الذين أجد الأنس في حضرتهم خاصة الصديقين محمد سعيد فدعير المهري وعلي عامر شودر العمري، أشاهد التطور الجذري للمدرسة سواء في البناء والمرافق أو في الهيئة التدريسية والإدارية والفنية. تعود الذاكرة التي تقترب من عمر جيل إلى البدايات والتحديات التي واجهت الأهالي والمؤسسة الحكومية في إقامة صرح تعليمي تخرجت منه عشرات الكفاءات الوطنية. ستبقى المدرسة تحتفل في كل عام بتخرج الأبناء والأحفاد منها، فهكذا يتم بناء الأوطان وتطوير المجتمعات وإيجاد الاستقرار.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى المدرسة

إقرأ أيضاً:

غرم العمري : لماذا لم يتم التعاقد من بديل ماكسيمان

غرم العمري : لماذا لم يتم التعاقد من بديل ماكسيمان

مقالات مشابهة

  • إبراهيم سعيد ينتقد صفقات الأهلي الجديدة
  • المحقق يكشف تفاصيل الصفقة التي يلفها الغموض: الدعم السريع باع سراب جبل عامر لحكومة حمدوك
  • بعد تعاونها مع طليقها.. أيتن عامر تتصدر التريند بسبب «بناقص»
  • وفيات الجمعة .. 13 / 9 / 2024
  • غرم العمري : لماذا لم يتم التعاقد من بديل ماكسيمان
  • أسعار الكتب الخارجية بالفجالة العام الدراسي الجديد 2024/2025
  • معالي سعيد محمد الطاير يكرّم 194 موظفاً وموظفة فازوا بجوائز “نجوم ديوا” 2024
  • محافظ أسيوط يعقد اجتماعًا هاماً لبحث الاستعدادات للعام الدراسي الجديد
  • محافظ أسيوط يلتقي مديري المدارس والإدارات التعليمية بالمراكز استعدادًا للعام الدراسي الجديد  
  • قبل بداية العام الدراسي.. نصائح مهمة لتحسين اعتياد الأطفال على الأكل الصحي