قراءة في الابعاد الاستراتيجية لظاهرة التطرف ومخاطر خطاب الكراهية في العراق- عاجل
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
بغداد اليوم - بغداد
حدد استاذ العلوم السياسية خليفة محمد، اليوم الاثنين (2 أيلول 2024)، خطورة الخطاب المتطرف في العراق.
وقال محمد لـ"بغداد اليوم"، إنه "لاتزال ذاكرة العراقيين تحتفظ بالكثير من مآسي سنوات الدم"، في إشارة الى الفترة ما بين 2006-2009 وهي فترة تصاعد العنف الطائفي في العراق بشكل كبير والتي اودت بحياة عشرات الالاف من الابرياء من كل الاطياف، لافتا الى أن "التأجيج والخطابات المتطرفة كانت أحد اسباب إشعال الحريق آنذاك".
وأضاف، أن "هناك وعيا مجتمعيا والكثير اصبحوا يدركون خطورة الخطابات المتشنجة والمتطرفة، حتى أن من يبادر اليها من الساسة تجد الرد عفويا ومباشرا حتى على منصات التواصل الاجتماعي"، مشيرا الى أن "هذا أمر بالغ الاهمية، كون الجميع يدرك خطورة ما حملته سنوات الدم من مآسي ".
وأشار الى أنه "في فترة الاضطرابات، من دفع الثمن هم البسطاء كما ان هناك جهات خارجية مولت الفتن لتحقيق اجندة ولم تدرك أن الاضطراب قد ينتقل اليها"، مضيفا، "وهذا ما يفسر تغيير بوصلة الكثير من الدول من خلال تخفيف حدة اشعال الفتن وتغيير الرسالة الإعلامية على نحو يعزز الهدوء لأنها وصلت الى قناعة بأن الحرائق في العراق لن تبق داخل اسواره".
وختم: "من يقدم خدمات ويستجيب لهموم المواطنين هو من يفوز بأصواتهم، والدورات الاخيرة عززت هذا المفهوم لدرجة بأن اسماء مهمة خسرت الانتخابات أمام مرشحين اعتمدوا مبدأ التواصل والخدمات بدلا من رسائل التأجيج".
وعلى مدار الفترة القليلة الماضية، شهدت العراق زوبعة من خطابات الكراهية وتحديدا في شماله، حيث اقليم كردستان الذي اضطرت مئات العائلات الإيزيدية إلى ترك المخيمات هناك. مخيمات لجأوا إليها في أعقاب الإبادة الجماعية عام 2014 على يد تنظيم داعش الإرهابي، وذلك بسبب خطاب الكراهية ضدهم والتحريض المستمر على قتلهم ممن يوصفون بأنهم "رجال دين".
خطابات الكراهية التي دفعت مئات العائلات الإيزيدية للفرار جاءت في أعقاب التصريحات الأخيرة لقائد قوات سنجار، قاسم ششو، التي أطلقها في ذكرى الإبادة التي نفذها تنظيم داعش، واتهم على إثرها بالإساءة للنبي محمد والتحريض على الحرب بين الديانات.
ولم يكن خطاب الكراهية طارئا على تاريخ السياسة في العراق، فبينما يرى محللون سياسيون، أن هذا الخطاب بدأ منذ نهاية العهد الملكي، إلا أنه تعمق بعد 2003 نتيجة لتكريس الحكم على الأساس الطائفي والمذهبي، وفيما يذهب باحثون اجتماعيون إلى أن هذا الخطاب مرتبط بتعقد المشهد السياسي نظرا لانعكاسه المباشر على الفرد، يؤكد قانونيون الحاجة إلى تشريع يحد من ظاهرة الكراهية، لأن العراق بلد متعدد الأديان والمكونات.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: فی العراق
إقرأ أيضاً:
المهاجرون الأفارقة ومخاطر التوطين
وسط المناكفات السياسية والاتهامات بالتخطيط لتوطين المهارجين الأفارقة في ليبيا، فإن ملف الهجرة غير الشرعية يشكل تحديا كبيرا للدولة والمجتمع الليبي، ليس في ذلك أدنى شك، فأعداد المقيمين في ليبيا من الوافدين الأفارقة يتجاوز المليونين، وهؤلاء جلهم إن لم يكن كلهم دخلوا البلاد بصفة غير قانونية، وبرغم اشتغال الكثير منهم في أعمال السخرة والنشاطات المهنية الضرورية لليبيين، إلا أن أوضاع الكثير منهم ترتب تبعات أمنية واجتماعية كبيرة.
موضوع التوطين حاضر في الذهن الأوروبي، وكان ولا يزال خيارا مطروحا تم التحدث عنه صراحة، وقد قوبل بالرفض القاطع خلال السنوات الماضية من الجانب الليبي، إلا إنه يمكن أن يكون خيار الأمر الواقع في ظل التدافع الراهن والظروف التي تفرضها نفسها وتجعل من "واقعية" التوطين خيارا يراهن عليه الأوروبيون.
منذ التوقيع على مذكرة التفاهم بين إيطاليا وحكومة الوفاق الوطني في مطلع فبراير العام 2017م، وأعداد المهارجين المقيمين في ليبيا في ازدياد، فالاتفاقية تتأسس على تقديم دعم أوروبي لليبيا لتقوم بمهمة منع تسلل المهاجرين غير النظاميين إلى الشواطئ الإيطالية واعتراضهم الزوارق التي تقلهم والعودة بهم إلى الأراضي الليبية، وتقضي مذكرة التفاهم بتأسيس مركز ملاحي تعاوني، وتقديم زوارق ومعدات الاعتراض، والتدريب للفرق الليبية لإتقان هذا العمل.
موضوع التوطين حاضر في الذهن الأوروبي، وكان ولا يزال خيارا مطروحا تم التحدث عنه صراحة، وقد قوبل بالرفض القاطع خلال السنوات الماضية من الجانب الليبي، إلا إنه يمكن أن يكون خيار الأمر الواقع في ظل التدافع الراهن والظروف التي تفرضها نفسها وتجعل من "واقعية" التوطين خيارا يراهن عليه الأوروبيون.المذكرة حققت بعض أهدافها بالنسبة لإيطاليا والاتحاد الأوروبي، ذلك أنه تم اعتراض عشرات الآلاف، وربما أكثر، من المهاجرين، منذ الشروع في تنفيذ الاتفاق، حتى أن المذكرة واجهت انتقادات حادة من المنظمات الحقوقية العالمية التي اتهمت إيطاليا والاتحاد الأوروبي بالمساهمة المباشرة في تعريض المهاجرين لانتهاكات خطيرة تمارس ضدهم في ليبيا من قبل من وصفتهم بالمليشيات والجهات الأمنية المسؤولة عن هذا الملف.
الاتحاد الأوروبي في تصعيد دائم في إجراءاته للحد من وصول المهاجرين إلى شواطئ دول الاتحاد، وطرد من يقيمون هناك بصفة غير قانونية، وتناقش مؤسساته التشريعية والتنفيذية سياسات جديدة غايتها تسريع عملية ترحيل المهاجرين غير النضاميين ومن طلبوا اللجوء في دول الاتحاد وتم رفض طلباتهم. المقترح الذي يتم تداوله في أروقة الاتحاد هو فتح المجال لـمراكز الإرجاع "return hubs" للبلد الثالث، وإلزام جميع الدول بمضامينه، حتى أن أمر ترحيل صادر عن إحدى دول الاتحاد الـ 27 يلزم جميعها بتنفيذه، واعتماد هذا المتقرح سيعزز تكديس المهارجين في بلد مثل ليبيا والاتجاه إلى توطينهم بأي شكل من الأشكال، وذلك أمام الفشل في نقلهم إلى بلدانهم، والإخفاق في وقف التدفق الهائل صوب أوروبا عبر الأراضي الليبية.
أمام هذا التوجه الأوروبي، ومستوى الاستجابة والامتثال الليبي، فإن النتيجة هي تضاعف أعداد المهاجرين في الأراضي الليبية، فالسلطات الليبية ليست لها إدارة فاعلة تركز على إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم، بل إن الجهود متواضعة جدا حتى في حصرهم وتحديد ظروفهم العامة بما في ذلك أوضاعهم الصحية، وتحديد مناطق وجودهم وإقامتهم، والانتقال بمن ترغب السلطات في بقائهم إلى وضع أفضل وتحويلهم إلى فئة العمالة الوافدة من خلال تقنين أوضاعهم.
ولهذا فالتحدي خطره في ازدياد، خاصة في ظل الظروف السياسية والأمنية التي تحد من سلطة الدولة الليبية وهيبتها، ومع الضغوط والسياسات غير المقبولة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، والمعاملة القاسية التي واجهها الكثير منهم على يدي من توروطوا في استغلالهم ممن يحسبون على السلطات المعنية بإدارة الملف، فإن المهارجين غير النظاميين قد يتحولوا إلى قنبلة موقوتة.
الجديد المقلق هو تطور موقف بعض من يحسبون على النخب والمتدخلين الأفارقة في هذه القضية، إحياء للقومية القائمة على العرق الأفريقي، والدعوة لاستعادة بلدان شمال القارة من قبل ذوي البشرة السمراء، وهذا برغم أنه موقف محدود إلا أنه قد يكون الشرارة التي تلهب الوضغ، وقد يؤسس لسلوك عنفي مؤدلج، وهنا قد تتحول الاضطرابات التي تجددت في مناطق عدة في تونس وليبيا من قبل المهاجرين غير النظاميين الأفارقة إلى ما هو أخطر.
المطلوب أن لا تتحول قضية المهارجين إلى ورقة سياسية محلية للتكسب وتعزيز النفوذ أو أن تكون مادة للنيل من الخصوم، وأن يتم التعامل معها بحزم وفاعلية ضمن رؤية وخطة تأخذ في الاعتبار كل المعطيات الحاضرة والتداعيات المستقبلية، وغير ذلك فإن "الهم الليبي" سيتعاظم أكثر بتعاظم أزمة المهاجرين غير النظاميين في البلاد.