خلال تهنئته بمنصبه الجديد أبلغ وزير الدفاع في حكومة النظام السوري، علي محمود عباس، نظيره الإيراني العميد عزيز نصير زاده بأن "سوريا مع إيران على نفس الجبهة، وأن أمن البلدين واحد، لأن الإخوة في محور المقاومة على نفس القارب"، على حد تعبيره، وكما نقلت وكالات إيرانية.

ورغم أن هذه اللهجة الخارجة من دمشق ليست جديدة على صعيد العلاقة مع طهران، المتشكلة منذ عقود، فإنها تبدو لافتة عندما تقاس بالتوقيت الذي جاءت فيه، وبالتحركات والمشروع الذي يحاول تكريسه الحليف الثاني لبشار الأسد على الأرض، المتمثل في روسيا.

وترعى روسيا في الوقت الحالي مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري، في مسعى منها لفرض حالة من "التهدئة والاستقرار" على الأرض، ولاعتبارات تتعلق بإنعاش الأسد اقتصاديا وفي مجالات أخرى، كما يقول خبراء ومراقبون، تحدث معهم موقع "الحرة".

وكانت موسكو قد اتبعت سياسة "هادئة" فيما يتعلق بالحرب المندلعة في غزة، وسعت لإبعاد نفسها عن دائرة المواجهة، بمواقف ترجمتها على الأرض وبالتصريحات.

وفي المقابل لا تزال إيران تؤكد على "هوية سوريا كدولة مقاومة".

وبينما شدد على ذلك المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، قبل ثلاثة أشهر عاد وزير دفاع الأسد، محمود عباس، ليثير ذات الفكرة مع نظيره الإيراني، يوم الأحد، مستخدما مصطلحات من قبيل: "مواجهة قوى الشر والمحور المتغطرس"، في إشارة منه لإسرائيل والولايات المتحدة.

ولروسيا قوات وقواعد عسكرية في سوريا، أبرزها "حميميم"، ويأخذ وجودها هناك طابع الجيش الرسمي المتمركز في مواقع استراتيجية ومعروفة في اللاذقية والعاصمة السورية دمشق.

وكان تدخلها عسكريا عام 2015 قد حرف دفة الصراع في البلاد لصالح النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وجاء ذلك بعدما زجت إيران بالكثير من الميليشيات على الأرض لمساندة قوات الأخير ضد فصائل المعارضة.

وفي حين أن كلا الدولتين تدعمان الأسد على الأرض وفي الأروقة الدبلوماسية لا يعني ذلك أنهما تشتركان وتتقاطعان بكامل المصالح في سوريا، دون أن يعني ذلك التضارب الكامل الذي قد يؤدي للتصادم بصورته العامة، كما يقول الخبير في الشؤون السورية بمؤسسة القرن، آرون لوند.

"يختلفان.. ولكن"

ووفقا للخبير لوند من الواضح أن إيران وروسيا لديهما أولويات مختلفة في الشرق الأوسط، بما في ذلك وإلى حد ما في سوريا، ويطرح مثالا على ذلك، بقوله إن لديهما مواقف مختلفة للغاية تجاه إسرائيل.

وتحاول روسيا تجنب الصراع مع إسرائيل، بينما تخوض إيران "حربا فعلية" ضدها. كما تختلف كل من موسكو وطهران في موقفهما من تورط دول الخليج العربية في سوريا حيث يسيطر النظام السوري.

ومع ذلك، يضيف لوند أنهما "متوافقان جيدا فيما يتعلق بالقضايا السورية الأكثر أهمية، وقد تعاونا بشكل فعال لسنوات، كما يريد كلاهما ضمان بقاء بشار الأسد وإدارة الصراع لصالحه".

وغالبا ما تتكهن المعارضة السورية بوجود منافسة خطيرة مستمرة بين روسيا وإيران، وأن التحالف الروسي الإيراني سوف ينهار، مما يقوض موقف الأسد، لكن وحتى الآن لم نشهد حدوث ذلك أبدا، وفق لوند.

ويشير من ناحية أخرى إلى أنه، وبينما سيكون هناك "بعض الاحتكاك" بين موسكو وطهران، إلا أن كلاهما "يستفيد من استمرار التعاون بشأن القضايا الرئيسية".

ويتوقع لوند أن يظل الوضع على هذا النحو، "ما لم يحدث شيء استثنائي".

وكانت العلاقة بين روسيا وإيران قد أخذت منحا تصاعديا بعدما بدأت موسكو حربها ضد أوكرانيا، ومن هذا المطلق يوضح الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد القربي، أن "دائرة التعاون والمصالح بينهما أكبر من نطاق سوريا".

ويقول القربي لموقع "الحرة": "هناك أوجه تعاون كثيرة ما بين إيران وروسيا تدعمها نقاط كثيرة، يرتبط جزء منها بتطورات سياسية وعسكرية والآخر بسياقات إقليمية ودولية".

ولا يمكن القول في الوقت الحالي إنه يوجد "تنافس بين روسيا وإيران في سوريا"، ويشير الباحث السوري إلى "عدة مصالح تجمعهما منها تثبيت نظام الأسد".

وانعكس ذاك المشهد المتعلق بحماية الأسد من السقوط، منذ عام 2015، حيث دائما ما كان الروس ينفذون الغارات الداعمة له من الجو بينما ينتشر ويقاتل الإيرانيون وميليشياتهم على الأرض.

ماذا عن "نموذج الدولة"؟

ومن مصلحة روسيا في الوقت الحالي أن يستعيد النظام السوري كل أراضيه وأن تكون سوريا مركزا مهما باعتبارها دولة عربية "مستقرة"، مما يزيد من نقاط موسكو ويعزز من مصالحها، كما يرى المحلل السياسي السوري، محمود الفندي.

ويقول الفندي المقيم في موسكو لموقع "الحرة" إنه في المقابل "تريد طهران أن تظّل الحكومة السورية ضعيفة، وأن تبقى في إطار ما يعرف بمحور المقاومة والممانعة".

وحتى الآن لا ترى إيران مصلحة في "إعادة القوة" لسوريا، وأن تعود إلى الحضن العربي أو تعيد علاقاتها كاملة مع تركيا، وفق الفندي.

ويعتبر أن تحقيق ذلك "سيؤدي إلى فقدان إيران لأسهمها في سوريا"، مردفا أن "مصلحة إيران في سوريا الآن كما عمل النظام السوري في لبنان قبل سنوات. كان يريده ضعيفا بشكل دائم".

ومن جهته يشير الباحث السوري القربي إلى أن وجهة نظر إيران في سوريا تقوم على "تشكيل ميليشيات خارج مؤسسات الدولة"، وتختلف بذلك عن روسيا التي تدعم "نموذج الدولة المركزية".

لكن القربي لا يرى أن ما سبق يعني أن موسكو وطهران بينهما الكثير من المشاكل والتنافس.

ويضيف أنه "توجد مصلحة استراتيجية للطرفين في الحفاظ على نظام الأسد"، والتصدي للنفوذ الأميركي في شرق سوريا والحد منه، فضلا عن موقفهما المشترك ضد المعارضة السورية ورفض "قضية الثورة".

"القارب" روسي أم إيراني؟

ولا يعرف حتى الآن الشكل الذي ستكون عليه سوريا المقسمة بين 4 مناطق تشرف عليها جهات تتضارب فيما بينها بالكثير من القضايا العسكرية والسياسية والاقتصادية ونماذج الحكم.

وتتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى ما ستؤول إليه التطورات المتعلقة بخط التطبيع ما بين أنقرة والنظام السوري، الذي تدعمه روسيا على نحو كبير.

وتشترك تركيا وروسيا وإيران في مسار "أستانة"، وتضبط هذه الدول الثلاث منذ سنوات خطوط الجبهة التي تفصل بين مناطق الصراع.

ويعتقد الباحث السوري القربي أن "الاختبار المرتبط بالتطبيع بين الأسد وتركيا سيقدم مؤشرا جيدا بشأن إلى أي مدى يمكن أن تتخلى موسكو وطهران عن بعضهما في سوريا".

ويؤكد في المقابل أن جملة المصالح السياسية الاستراتيجية بين إيران وروسيا لا تعني أن حليفي الأسد "يتوافقان في جميع المجالات"، خاصة الجانب الاقتصادي وتركيبة النظام السوري ككل.

ويعتقد المحلل السياسي الفندي أن "إيران تحاول عرقلة مسار التطبيع السوري التركي"، ولذلك تحرض من الخلف بشأن مسألة انسحاب القوات التركية من سوريا.

ويقول من ناحية أخرى، إن "الوجود الإيراني كميليشيات يرتبط بضعف سوريا، وعندما يكون هناك جيش فلا داعي لبقاء الميليشيات والحرس الثوري".

لكن الفندي يستبعد أن يكون هناك تصادم كبير بين الروس والإيرانيين في سوريا، ويضيف أن موسكو تحاول إدارة علاقتها مع طهران بالتوازي مع "تقوية سوريا من خلف الستار على صعيد المؤسسات والجيش".

ومن المستبعد أن يضحي النظام السوري بعلاقاته الاستراتيجية والعضوية مع إيران في المستقبل القريب، كما يرجح الباحث السوري، أحمد القربي، وذلك لأن الأمر "خارج إرادته"، وهو ما بدا واضحا بعد التطبيع العربي مع دمشق.

ويوضح الباحث أن "كل المؤشرات تذهب باتجاه أن نظام الأسد لا يمتلك الإرادة في التخلي عن إيران.. ولو كانت هناك ضغوط روسية".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: فی الوقت الحالی النظام السوری الباحث السوری موسکو وطهران روسیا وإیران على الأرض فی سوریا إیران فی

إقرأ أيضاً:

الاقتصاد العالمي في عهد ترامب..تجفيف نفط إيران وإغضاب الصين ومصالحة روسيا

اعتبر محللون أن عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض تعني تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية الأمريكية على إيران، ما يقلص الإمدادات العالمية، ويهدد بمخاطر جيوسياسية، بينها إثارة غضب الصين، أكبر مشتر للنفط الإيراني.

وقد تدعم إجراءات صارمة ضد إيران، أسعار النفط العالمية. لكن هذا الموقف يخففه أيضاً سياسات ترامب الأخرى، من تدابير للتنقيب عن النفط محلياً، وفرض رسوم جمركية على الصين قد تضعف النشاط الاقتصادي، إلى تلطيف العلاقات مع روسيا ما قد يفسح الطريق أمام شحناتها من النفط الخام الخاضعة للعقوبات.

بعد فوز #ترامب.. ما هو مستقبل الحروب في الشرق الأوسط؟ https://t.co/G3ZUHvGgDO

— 24.ae (@20fourMedia) November 6, 2024 طريقان

وقال كلاي سيغل، عضو مجلس إدارة لجنة العلاقات الخارجية ورئيس لجنة المالية في هيوستن: "ترامب يشق طريقين في بأسعار النفط". وأضاف أن اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران يدعم أسعار النفط. لكن التأثير سيكون ضعيفاً خاصة إذا نفذ ترامب وعوده الانتخابية بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات لحماية الصناعة الأمريكية المحلية، تتضمن رسوماً بـ 60% على كل الوارادت من الصين.

ومضى سيغل يقول: "الحرب التجارية التي تؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي تقلص الطلب على النفط وتخفض الأسعار".

وارتفعت صادرات النفط الخام الإيرانية إلى أعلى مستوى منذ سنوات في 2024، لأن طهران وجدت طرقاً للالتفاف على عقوبات تستهدف عائداتها. وأعاد ترامب في رئاسته الأولى فرض عقوبات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الغربي مع طهران في 2018.

وقال ترامب في حملته الرئاسية إن سياسة الرئيس جو بايدن المتمثلة في تجنب عقوبات صارمة على صادرات النفط أضعفت واشنطن، وزادت جرأة طهران، ما سمح لها ببيع النفط وجمع الأموال والتوسع في مساعيها النووية ودعم نفوذها عبر جماعات مسلحة.

وقال جيسي جونز، من شركة إنيرجي أسبكتس، إن عودة إدارة ترامب إلى حملة الضغط القصوى على إيران قد تؤدي إلى انخفاض صادرات النفط الخام الإيرانية مليون برميل يومياً. وأضاف "يمكن تنفيذ هذا بسرعة نسبية دون حاجة إلى تشريعات إضافية، وذلك بتنفيذ العقوبات الموجودة بالفعل".

وقالت مجموعة كلير فيو إنيرجي بارتنرز البحثية إن ما بين 500 ألف إلى 900 ألف برميل يومياً ربما تخرج من السوق.

وول ستريت جورنال: عودة #ترامب ستبقى في ذاكرة الأجيال#الانتخابات_الامريكيه https://t.co/DZmJfM1poo pic.twitter.com/ApwaLsbcsK

— 24.ae (@20fourMedia) November 6, 2024 المسألة الأهم

لكن اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إيران يعني أيضاً إجراءات صارمة ضد الصين التي لا تعترف بالعقوبات الأمريكية وهي أكبر مشتر للنفط الإيراني. وقال ريتشارد نيفيو، أستاذ بجامعة كولومبيا والمبعوث الخاص الأمريكي السابق لإيران: "المسألة الأهم هي الضغط المالي الكبير الذي أنت على استعداد لوضعه على المؤسسات المالية الصينية".

وأضاف نيفيو أن الصين سترد بتعزيز العمل في مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة المؤلفة من البرازيل، وروسيا، والهند، والصينن وجنوب إفريقيا، ودول أخرى. وتعزيز العمل يتضمن تقليص الاعتماد على الدولار في صفقات النفط والسلع الأخرى.

وتحدث ترامب في نادي نيويورك الاقتصادي في سبتمبر(أيلول) الماضي عن المخاطر التي تحملها العقوبات على هيمنة الدولار.

وقال ترامب: "استخدمت العقوبات، لكني أفرضها وأزيلها في أسرع وقت ممكن، لأنها في نهاية المطاف تقتل الدولار، وتقتل كل ما يمثله الدولار". وأضاف "أستخدم العقوبات بقوة كبيرة ضد الدول التي تستحقها، ثم أزيلها، لأنك، وانتبه لذلك، ستخسر إيران، وستخسر روسيا".

وأقامت الصين وإيران نظاماً تجارياً يستخدم في الغالب اليوان الصيني وشبكة وسطاء تحاشياً لاستخدام الدولار ورغبة في الابتعاد عن الجهات التنظيمية الأمريكية ما يجعل إنفاذ العقوبات أمراً صعباً.

أمريكا أولاً وترامب آخراً..العالم يستعد إلى تقلبات عاصفة من أوكرانيا إلى غزة وإيران - موقع 24مع عودته إلى البيت الأبيض، سيشهد العالم تقلّبات جديدة، لأن الرئيس المنتخب دونالد ترامب المعروف بنزعته الحمائية وأطواره المتقلّبة، ينوي طيّ صفحة جو بايدن الذي عكف في السنوات الأربع الأخيرة على ترميم صورة الولايات المتحدة. تسويات

وقال إيد هيرس، الباحث في الطاقة بجامعة هيوستن، إن ترامب ربما يقلص أيضاً عقوبات على الطاقة الروسية فرضتها الدول الغربية رداً على غزو أوكرانيا. ووعد ترامب في حملته الانتخابية "بتسوية" الحرب في أوكرانيا حتى قبل توليه المنصب في يناير (كانون الثاني).

وقال هيرس: "أتوقع أن يرفع ترامب جميع العقوبات على النفط الروسي". ولا تستهدف العقوبات الغربية على النفط الروسي وقف التدفقات، بل فقط تقليص عائدات روسيا من المبيعات التي تستخدم خدمات بحرية غربية إلى 60 دولاراً للبرميل.

وأدت العقوبات إلى تحويل سوق النفط الروسي من أوروبا إلى الصين، والهند، ما كبد روسيا تكاليف إضافية.

مقالات مشابهة

  • روسيا: موسكو مستعدة لتطوير التعاون في مجال الصناعة الدفاعية مع فنزويلا
  • المرصد السوري لحقوق الإنسان: إسرائيل هاجمت معاقل حزب الله في سوريا
  • الاقتصاد العالمي في عهد ترامب..تجفيف نفط إيران وإغضاب الصين ومصالحة روسيا
  • روسيا :العلاقات بين موسكو وواشنطن في أدنى مستوى لها
  • جيل زد السوري الذي دفع الثمن مبكرا
  • الخارجية روسيا: موسكو مستعدة لإجراء حوار متساو مع الولايات المتحدة
  • ‏رويترز: وزارة الطوارئ الروسية ستجلي نحو 100 مواطن روسي من بيروت إلى موسكو
  • غالانت يرفض وجود إيران في سوريا ويتمسك بدفع حزب الله لشمال الليطاني
  • عراقجي: زيلينسكي اعترف بأنه لم یرسل أي صاروخ من إیران إلی روسیا
  • لماذا اختارت إيران روسيا لإطلاق القمرين الاصطناعيين هدهد وكوثر؟