صحف فرنسية: اعتقال مدير تليغرام يكشف خبايا رجل يعرف الكثير
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
أعطت وسائل الإعلام الفرنسية اهتماما كبيرا لاعتقال مؤسس منصة تليغرام بافيل دوروف، فتابعت صحيفة لوموند تأثير الحدث داخل فرنسا وعلى العلاقات الدولية، في حين اهتمت صحيفة ليبيراسيون بتفاصيل الاعتقال وكواليسه، أما موقع ميديا بارت، فركز على كيفية نيل هذا الملياردير سرا الجنسية الفرنسية.
وردت الصحف الثلاث أسباب الاعتقال إلى تحقيق يتعلق بوجود محتوى إباحي للأطفال على منصته، وأوضحت أن دوروف (39 عاما) متهم الآن بارتكاب 12 جريمة بينها توزيع المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال والاتجار بالمخدرات والاحتيال أو غسيل الأموال من قبل عصابة منظمة.
وهو ما ينفيه محامو دوروف ومؤيدوه ويقولون إنها مجرد اتهامات تخفي أهدافا حقيقية للمتابعة وتتلخص في السماح بفرض رقابة غربية على تطبيق أصوله روسية بقي بعيدا عن هيمنة الغرب.
مواجهة
وقالت لوموند -في تقرير مطول بقلم داميان ليلوب ونيكولاس سيكس وأوريلين ديفر- إن قضية بافيل دوروف تصدرت عناوين الصحف العالمية، وأدت إلى مواجهة بين موسكو وباريس، حيث دافعت القنوات الروسية عن الملياردير الذي أكسبه انتشار تطبيق تليغرام الواسع هناك دعما هائلا، خارج الموالين للكرملين.
وحسب ليبيراسيون، بقيت ردود الفعل في فرنسا أكثر تحفظا، فرأى إريك بوتوريل أنه من "الطبيعي" استجواب بافيل دوروف، ورأت النائبة ساندرين روسو الأمر "أخبارا جيدة لحقوق الإنسان".
وقد أثارت هذه القضية مناقشات حيوية للغاية حول حدود حرية التعبير ومسؤولية الشبكات الاجتماعية، إذ إنه لم يحدث من قبل أن تم القبض على رئيس منصة رقمية -حسب لوموند- وبالتالي فإن أخبار اعتقال بافيل دوروف التي انتشرت بسرعة على شبكات التواصل الاجتماعي، أثارت سخطا عبر الإنترنت، عبر عنه إدوارد سنودن، ودفع إيلون ماسك، صاحب شبكة إكس للتواصل الاجتماعي إلى مهاجمة حرية التعبير.
وقالت ليبيراسيون إن قضية دوروف التي أشعلت النار في العالم، كانت قصة فرنسية بالدرجة الأولى، لأن الروس استفادوا من خدمات الماكرونية التي أسهمت إلى حد كبير في تعميم تطبيق تليغرام في فرنسا، ولم تتخل أبدا عنه حتى بعد تحذيرات الوكالة الوطنية لأمن نظم المعلومات عام 2017 بسبب الأصول الروسية للتطبيق.
جنسية سرية للغايةبعد انتخابه، قرر ماكرون المفتون بأساطين التكنولوجيا الجدد، تشجيع تثبيت تطبيق تليغرام بفرنسا -حسب ليبيراسيون- ليحصل دوروف على الجنسية الفرنسية بصورة غير معلنة، وكانت التوجيهات تقضي "بجلب الأفضل إلى باريس"، حسب شخص مطلع على التكنولوجيا الفرنسية.
وعند إلقاء القبض على دوروف، كان على ماكرون أن يؤكد أنه منح الجنسية الفرنسية بالفعل لرئيس تطبيق تليغرام عبر نظام استثنائي، وهو إجراء سياسي يظل استخدامه سرا دائما تقريبا، وقد أبقت السلطة التنفيذية ذلك سرا رغم أن صحيفة لوموند كشفت عنه عام 2023.
وقد حصل رجل الأعمال هذا على جواز سفر من جزيرة الملاذ الضريبي سانت كيتس ونيفيس وروسيا والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا، لكنه الآن تحت الإشراف القضائي وقد ألزم بتقديم وديعة قدرها 5 ملايين يورو، والحضور إلى مركز الشرطة مرتين في الأسبوع، ومنع من مغادرة الأراضي الفرنسية.
والواقع أن تجنيس الملياردير نشر في الجريدة الرسمية في أغسطس/آب 2021، وصدر مرسوم لتسجيل اسمه بول دو روف في مايو/أيار 2022، ولكن الحكومة حرصت على عدم "الكشف عن الأمر"، رغم أن الأجانب "العاديين" ينالون التجنس بشكل مشروط، إذ يجب أن يكونوا قد أقاموا في فرنسا لعدة سنوات، ويتحدثون اللغة الفرنسية، ويظهرون حسن الأخلاق أو معرفة جيدة بالتاريخ الفرنسي.
غير أن بافيل دوروف استفاد -حسب ميديا بارت- من نظام استثنائي، وهو الحصول على الجنسية الفخرية بموجب المادة 21-21 من القانون المدني، في حين يقيم هو وشركته في دبي.
وبحسب صحيفة لوموند، التقى بافيل دوروف بإيمانويل ماكرون "عدة مرات" خلال اجتماعات سرية لم تكشف في جدول أعمال الرئيس، وخلال مأدبة غداء عقدت في عام 2018، تمت صياغة هذا الطلب بشكل واضح، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، بفرضية إنشاء مقر تليغرام في فرنسا.
كواليس الاتهام
ينتقد الادعاء الفرنسي بافيل دوروف بسبب سلوكه مع سلطات إنفاذ القانون في فرنسا والخارج، إذ رفضت تليغرام بشكل منهجي تقريبا الاستجابة للطلبات القضائية، عندما يطلب القضاة منها معلومات تمكنهم من التعرف على المجرمين أو الوصول إلى تبادلاتهم الخاصة.
وحسب مصدر لليبيراسيون مقرب من التحقيق، زعم دوروف أن عملاء المديرية العامة للأمن الخارجي جاؤوا لرؤيته في دبي، مشيرا إلى أنه ربما لن يكون من المناسب له الكشف عن معلومات سرية.
وقال ديفيد أوليفييه كامينسكي محامي دوروف إنه "من السخافة تماما الاعتقاد بأن مدير شبكة اجتماعية يمكن أن يكون متورطا في أعمال إجرامية لا تعنيه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر"، إلا إن الطبيعة "المنهجية" لعدم الاستجابة للطلبات تخرج مدير تليغرام من مجرد "الرفض السلبي" إلى "العمل المشترك"، حسب قضاة التحقيق.
وبعد تمديد احتجاز دوروف لدى الشرطة، تتزايد الشائعات على شبكة الإنترنت، حيث يتداول بعض السياسيين الروس وأصحاب النفوذ الأميركيين اليمينيين المتطرفين النظرية القائلة بأن اعتقال دوروف تم بناءً على طلب الولايات المتحدة، التي ترغب في تسلمه لاحقا لإخضاعه للعدالة الأميركية.
ومع أنه لا شيء في الإجراء الفرنسي يسمح بإثبات ذلك -كما تقول لوموند- يتم نشر شائعة أخرى على قنوات تليغرام من أصحاب النفوذ اليميني المتطرف، مفادها أن شركة أبل تستعد "لحذف تليغرام مؤقتا في فرنسا"، مع أنه أيضا لا يوجد ما يشير إلى أن مصير تطبيق المراسلة مهدد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات تطبیق تلیغرام بافیل دوروف فی فرنسا
إقرأ أيضاً:
طوبى لمن يعرف كيف يكتب الحياة بالموت
المشهد الأخير للشهيد يحيى السنوار وهو يقابل الموت وحيدًا بشجاعة منقطعة النظير، على مقربة من جيوش سبع وخمسين دولة إسلامية منها اثنتان وعشرون دولة عربية، بقدر ما أثار الحزن على ضياع وشتات الأمة، أثار تساؤلات حول مصدر تلك الشجاعة، من أين استمدها؟ وما الأسباب التي أوصلته إلى تلك الدرجة من الصفاء وهو الستيني الذي بُترت يده اليمنى، ولكنه قاوم الألم ولم يشعر به، فقاتل بكلِّ ما ملك حتى رمى المسيّرة التي جاءت لتصوره بتلك العصا الخشبية، وكأنه غير مصاب؟
ذات مرة قال الفيلسوف ميشيل دي مونتين أحد فلاسفة عصر النهضة الأوروبي: «لو أنني مؤلف كتب لكتبتُ كتابًا عن عدة وفيات، وعلقتُ عليها»، ربما إعجابًا منه ببعض الأشخاص الذين قابلوا الموت بشجاعة؛ فماذا كان سيقول لو عاش وشاهد كيف استقبل السنوار الموت، وكيف قاتل حتى الرمق الأخير؟! حتمًا لم يكن السنوار يخشى الموت، ولم يتمنّ غير ذلك وهو يقود حركة مقاومة ضد محتل غاشم، وهو ما أكده بنفسه في مقطع فيديو انتشر كثيرًا عقب استشهاده، يعود لثلاث سنين خلت، يقول فيه: «أكبر هدية يمكن أن يقدّمها العدو والاحتلال لي هي أن يغتالني، وأن أقضي شهيدًا على يده، أنا اليوم عمري 59 سنة، في الحقيقة أفضّل أن أستشهد بالـ إف16 على أن أموت بكورونا أو بجلطة أو بحادث طريق أو بطريقة أخرى مما يموت به الناس. في هذا السن اقتربتُ من الوعد الحق وأفضّل أن أموت شهيدًا على أن أموت فطيسة».
ونحن كبشر نخاف من الموت بالفطرة، وقد نُعجب - مثل الفيلسوف ميشيل دي مونتين - بمن واجه الموت بشجاعة، ونتساءل كيف وصل هؤلاء إلى هذه المرتبة، وقد نتمنى - رغم جُبننا - أن نصل إلى ما وصلوا إليه من إيمان ويقين وقوة وثبات، ولكن هيهات لأمثالنا أن يصلوا إلى تلك المرتبة، ونحن نعيش في بحبوحة ولم نختبر المعاناة، كما عاناها الفلسطينيون الذين يستقبلون الموت في كلِّ نفَس يتنفسونه في حياتهم، وصرنا نعتقد أنّ تحمّل الحياة مهما كانت، أفضل من مواجهة الموت، كما قال شكسبير على لسان هاملت في مسرحيته: «الخوف من الموت - ذلك البلد المجهول الذي لا يعود منه المسافر أبدًا - يُحيّر إرادتنا، ويجعلنا نُؤثر تحمل المكروه الذي نعرفه على الهرب منه إلى المكروه الذي لا نعرفه».
لقد أراد الله أن يشاهد العالم اللحظات الأخيرة للشهيد السنوار؛ ولو لم تنتشر تلك اللقطات، لكان جيش الاحتلال قد ألف مسرحية من نسج خياله، تصف البطل بأنه جبان وأنه كان خائفًا مختبئًا ومرتبكًا؛ تمامًا مثلما فعل موفق الربيعي مستشار الأمن العراقي السابق عندما صرح بُعيد إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بلحظات بأنه كان مرتبكًا وخائفًا، قبل أن تظهر لقطة الفيديو التي دحضت تلك الأكاذيب، لأنّ الصورة دائمًا أبلغ من الكلام.
وإذا كانت المشاهد الأخيرة للسنوار قد ألهمت الكتّاب والشعراء، فإنّ مواجهة صدام حسين للموت بشجاعة ألهمت العالم، وغيّرت نظرة الكثيرين حوله. وأنا هنا لستُ بصدد الحديث عن صدام حسين، هل كان جيدًا أو سيئًا، طيّبًا أو شريرًا، ولا ألوم بالتالي أهالي ضحايا عهده في موقفهم منه، فما يعنيني في مقالي هذا، هو كيف واجه الرجل الموت بشجاعة، والصيحاتُ المذهبيةُ البغيضة تحيط به من كلّ صوب، من أناس ملثمين وخائفين، وصوتٌ يقول له: «إلى جهنم وبئس المصير»، فإذا هو يرد متسائلًا: «هي هاي المرجلة؟». لقد أبدى الرجل شجاعة نادرة قبيل التفاف حبل المشنقة حول رقبته، ونطق الشهادة وهو يصعد إلى منصة الإعدام، ونطقها ثانية قبل التفاف حبل المشنقة على رقبته، وفي الثالثة لم يكملها بعد أن أتممت عملية الإعدام، في مشهد بطولي جعل صحيفة «ذي ديلي تلغراف» البريطانية تقول: «إنّ صدام حسين واجه الموت والجلاد بتحد كبير، وذلك للدرجة التي كان يبدو فيها وكأنه يؤدي دورًا في مشهد موت بطولي»، وبقي الرجل حتى لحظاته الأخيرة يردّد ما آمن به، وهتف «تسقط أمريكا» و«فلسطين حرة عربية»، وغير ذلك من العبارات التي ردّدها طوال حكمه للعراق.
ومثل السنوار، لم يكن يعلم صدام حسين أنّ المشهد الأخير له في الدنيا سينتشر في العالم، ممّا يعطي قيمة كبرى للمشهدين، مع يقيننا أنّ التمثيل في هذه اللحظات من المستحيلات، لو فرضنا أنّ الرجلين يعلمان أنّ المشهد سينتشر، ولكن الدلالة الواضحة للمشهدين هي أنّ الرجلين تصالحا مع نفسيهما وكانا صادقين فيما يؤمنان به. وتلك السكينة التي ظهر بها الرئيس صدام حسين حيّرت الغربيين خاصة جلاديه من الأمريكان، فقدّم قسم علم النفس التخصصي في معهد «ويست فيرجينيا» تحليلا نفسيًا لهدوء الرجل وثباته، وعدة تفسيرات لذلك، منها أنّ الشجاعة التي تحلى بها من جراء جينات وراثية نادرة، ومنها عوامل إيمانية جعلته ثابتًا، بينما عزت تحليلات أخرى المسألة إلى طبيعة نشأته البدوية غير المترفة التي أثرت في تكوين شخصيته، وغيرها من التفسيرات التي كانت تستند على تحليلات دقيقة لدوافع النفس البشرية التي مهما أجادت التمثيل والثبات فهي حتماً ستنهار أمام رهبة الموت.
وبما أنّ مسألة النهايات ومواجهة الموت تستهويني، وقرأتُ كثيرًا عما كتب عن الموت، ولا أملّ من مشاهدة المشهد الأخير للسنوار ولصدام، فإني احتفظتُ ضمن أوراقي ما كتبه صديقي سليمان المعمري في جريدة عُمان، عقب إعدام الرئيس صدام حسين تحت عنوان «بعض السقوط عُلُوٌّ»، فقد وصف المشهد قلميًّا بدقة، ممّا جعل المقال - في رأيي - من ضمن أفضل ما كتب. يقول: «العمر لحظة».. هكذا كتب يوسف السباعي ذاتَ يوم، وهكذا جسّد بطلُ هذه الكتابة هذه العبارة كأحسن ما يكون التجسيد.. مَنْ يتذكّر الآن من مريديه ومبغضيه على حد سواء غير تلك اللحظة الفارقة، لكأنه ما عاش إلا ليصل لتلك اللحظة؛ هامة منتصبة تسقط بشموخ.. سقوطه يدوّي فيسمعه كلُّ ذي أذن، وكلُّ ذي عين يراه (..) لو أنّ عرّافًا أنبأه أنه سيملأ الدنيا ويشغل الناس حيًّا ميتًا هل كان سيصدق؟ الحبلُ المعقودُ جيدًا أصدق أنباءً من الرصاص.. والهاتف النقال أصدق من الفيديو.. وسدنة اللغة عكفوا على البحث عن تعريف جديد للسقوط.. بعض السقوط عُلُوّ.. معظم العلوّ سقوط.. ما طار طير وارتفع.. مَنْ سيُنبئهم أنهم وقَعُوا قبل أن يقع.. هو يمشي في الشوارع الآن، يوزع نظراتِه على أكشاك الباعة والمقاهي، ويدخن سيجاره الكوبي الفاخر الذي أهداه إليه صديقُه جيفارا (..) يقترب منه ملثمان فيفصلان رأسه عن جسده فيعيده بيده ويقول هازئا: «لستُ أنا، لا أحب الموت في السر»».
منذ نعومة أظافرنا تعلمنا أنه «لا شماتة في الموت»، ولكن الأمة التي تستمع إلى أكثر من مليون خطبة أسبوعيًّا هي أكثر الأمم شماتة في الأموات، وهي أكثر الأمم التي أساءت لأبطالها ورموزها، وكان ذلك جليًا، عندما شمت البعض بموت صدام حسين، وشمت البعض بموت هنية، كما شمت الآخرون بموت نصر الله وبموت يحيى السنوار، ولم يدر هؤلاء أنه «من يَشْمتْ بميت فهو ميّت، وإن كان يزعم أنه حي ورئتُه تسرق هواءَ الطيبين» كما قال سليمان. وفي النهاية لكلّ شخص لحظته، فطوبى لمن يعرف كيف يكتُبُ الحياةَ بالموت.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»