الإعلام الجديد والعصر الرقمي: التحدي المقبل
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
عبد الله العليان
نظمت جريدة الرؤية الأسبوع المنصرم بمحافظة ظفار، الدورة الثالثة من ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي، برعاية المُكرم اللواء الركن مُتقاعد سالم بن مسلم قطن نائب رئيس مجلس الدولة، وقد ألقى الأستاذ حاتم الطائي الأمين العام للملتقى رئيس تحرير جريدة الرؤية العمانية، كلمة في افتتاح الملتقى، أكد فيها أهمية استغلال الطفرة التكنولوجية في مجال التقنيات الحديثة، التي باتت ترسم ملاحم التحولات الجديدة من عوالم الذكاء الاصطناعي وغيرها من الوسائل والمستحدثات، وقال إنَّ: "استشرف مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي، يفرض علينا التسليم ابتداءً بأننا نعيش في خضم عالم رقمي مُتجدد تتمايز فيه وسائل الإعلام بمحتواها الرقمي المُواكب للمتغيرات والتطورات، وهو ما يفرض علينا مسؤولية كبيرة للارتقاء بمستوى المحتوى الإعلامي المُقدم".
ولا شك أنَّ المسؤولية الإعلامية الراهنة، تحتم التَّعاطي بواقعية واحترافية، مع هذا الواقع الإعلامي الجديد، المُعزز بالوسائل الرقمية المتعاظمة ومنها الذكاء الاصطناعي، وهذا بحد ذاته مسؤولية كبيرة للتفاعل مع كل جديد في مجال الإعلام الرقمي بالأخص، وأن تتقدم المصداقية بكل ما تعنيه الكلمة من التزام وطني ومهني بالكلمة التي تُكتب، أو تُسمع، أو تُنطق، في عصر باتت الشائعات والفبركات متاحة للتناول في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعيدًا عن المصداقية والالتزام الأخلاقي والقيمي في بعضها في النشر ومستلزماته المعبرة عن صحة ما يُطرح، وهذه ضمن سلبيات عالم الإعلام الجديد وتقنياته من حيث استغلال بعضهم له، ومن خلال الفضاء المفتوح الذي أصبح متاحًا للجميع دون حجب أو إقصاء، ولا شك أننا لا ننكر إيجابياته الكبيرة لوسائل التواصل في النقد، لكن نجد بعض الظواهر السلبية التي تمارس لأغراض وأهداف لا تخفى على المتابع الحصيف، والتي تحتاج إلى نظم وقوانين تتعامل بواقعية وإيجابية تُسهم في الوعي الإيجابي للطرح المنطقي والمنصف في القضايا المطروحة للتناول، وتحد من هذه الظواهر السلبية.
وقد سبق أن تكلمتُ عن أهمية مواجهة هذا التحدي، بما تمثله هذه الوسائل من تحديات، وأنها ستكون البديل الطاغي للإعلام الجديد، بحيث يصبح أكثر أهمية في الواقع الافتراضي، وهو الذي أصبح يتقدم على الوسائل التقليدية لوسائل الإعلام، وهذا ما شكّل منافسًا شرسًا للإعلام القديم، إذا لم يتم التفاعل والتأقلم مع تحدياته، ولذلك لابد من المواكبة لهذه المتغيرات في عالم الإعلام الجديد والذكاء الاصطناعي.
وقد أشرت في أحد البحوث التي كتبتها عن تأثير الإعلام الجديد على الإعلام التقليدي، الذي لا بُد له من التفاعل الجاد والسريع من الإعلام الجديد المُعزز بالتقنيات الرقمية، ومنها الذكاء الاصطناعي؛ فالتبادل الحر للإعلام في عالم اليوم، سيقلص بشكل أو بآخر من تأثير المؤسسات الإعلامية والثقافية على وسائل الإعلام بصورة كبيرة، إن لم تسارع في التعامل الجديد مع كل جديد في عالم الإعلام الرقمي، وسيسهم في بلورة مفاهيم جديدة لهذا الإعلام المتدفق الحر، ولا يمكن أن تحد الدول أو تمنع ولو بصورة جزئية هذا التدفق الإعلامي والمعلوماتي الكبير، في كل مجال وسائل الاتصال الإعلامي، فإنَّ هذه القدرة سوف تتراجع إلى حد كبير، وقد تنعدم في المستقبل، خاصة في ظل التنافس الكبير في هذا الفضاء المفتوح. والمخرج الإيجابي- كما أشرت إليه أيضًا- الذي أراه إيجابيًا ومهمًا، هو الانفتاح الإعلامي المتوازن المصحوب بالتفاعل مع الجديد القادم، واستيعاب النظم المتطورة وإدماجها في وسائلنا الإعلامية، وتأهيل الكوادر الوطنية، وإعطاء المساحة للحرية الإعلامية في مجال التناول والنقاش في قضايانا، وهذا هو الرهان الذي يُمكن الاستناد إليه في مواجهة هذا الاختراق الإعلامي الكبير.
لا شك أنَّ قضية التحدي الإعلامي الجديد في وقتنا الراهن تعتبر مسألة هامة تستدعي المراجعة والتقييم وبلورة الوسائل الجديدة، لهذه المرحلة التي باتت من الخطورة ما يحتم أن تكون لنا معطيات جديدة ومنطلقات تخدم المرحلة الراهنة، بكل تحدياتها الراهنة والمستقبلية. فلا يكفي التحذير والتخويف والتنظير الكلامي غير الواقعي لمواجهة التحديات وإنما يجب أن تتم برسم الخطط وإيجاد الوسائل الحديثة وإعداد البرامج الأكثر جاذبية وتشويقية تخدم قضايا المجتمع، وتناقش مشكلات المواطن وهمومه بصراحة وحرية بعيدا عن المبالغة والتهويل أو البتر والتحوير لأن مرحلة التحدي الفضائي ومخاطره الثقافية والفكرية وحتى الاجتماعية تستدعي- كما قلنا- إعطاء روح جديده للوسائل الإعلامية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص.ونحن لا نتحدث عن توقع أو خيال وإنما نتحدث عن واقع وحقائق قائمة حيث تستباح مجالات الفضاء بصورة نهائية، ويسيطر الأقوى تكنولوجياً على فكر العالم وعقله، فتسهل عليه كافة الشؤون الأخرى في الوقت الذي يصبح فيه العالم الأقل نموًا عديم القدرة بصفة كاملة أمام تلك القوى التي تمتلك الوسائل وأساليب الدعايات العديدة، ويتوقف على قدرة نظامها الاقتصادي على إشباع الحاجات الأساسية وتزويد الأفراد بالتعويض، ولما كانت الثقافة الكونية ثقافة غربية الأصول عبر هذه الوسائط، لأن مصدرها الدول الغنية مالكة التكنولوجيا، فإن تغلغل قيمها في عالم الجنوب يبدو أمرًا ميسورًا، إن لم تحاول ثقافات عالم الجنوب التصدي لها من خلال تطوير قواعدها العلمية والتقنية.
لذلك يرى البعض أن التأثيرات على السيادة الوطنية للدول أصبحت حقيقة واضحة في هذا الفضاء، خاصة في مجال القيم، والتي لا تتعلق بالمجال الإعلامي والمعلوماتي والاقتصادي؛ بل يتعدى ذلك إلى مجالات أخرى أكثر خطورة، وهي المجال الثقافي والهوية الوطنية، من خلال القدرة على خلق سلوكيات ومفاهيم جديدة ربما تناقض ما هو ثابت ومُستقر في مجتمعاتنا. وكما يرى سويم العزي فإنَّ عالم التكنولوجيا الإعلامية الجديدة المتزايدة: "قربّت بين أصقاع العالم وسكانه من خلال تزويدهم بالمعلومات المعطيات، موفرة للجميع فرص التعلم والتثقف ضمن إطار تطوير المجتمع الإنساني. ولتحقيق هذا التطور، تقوم الثقافة التي تنشرها التكنولوجيا برسم وتخطيط الشخصية وهوية الإنسان. ولكونها ثقافة كونية لا تتحدد بإقليم ما أو دولة معينة، فإنها تخلق الإنسان الكوني، فتدخل بهذا الشكل في تعارض مع كل خصوصية أو أصولية، أساس ذلك التعدد والاختلاف في ثقافات الأجناس والشعوب، فتفرض بهذه الطريقة نمط تفكيرها الذي يمكن وصفه بالأحادي البعد".
لكن البعض من المُهتمين بمجال عالم الإعلام يختلف مع هذه الرؤى المتداولة ويعتقد أنَّ هذا الجديد الوافد سيصب حتمًا في صالح الشعوب الأخرى التي لا تملك الكثير من المقومات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية، إلى جانب أنَّ هذا التطور سيكون له إيجابياته في التقدم العلمي والإعلامي والثقافي، إن تمَّ استغلال هذا الجديد الوافد في عالم الإعلام الرقمي وتحولاته خاصة الذكاء الاصطناعي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"الكونغرس العالمي للإعلام" يناقش تحديات التحول الرقمي
يشهد اليوم الثالث من فعاليات الكونغرس العالمي للإعلام 2024 مناقشات معمقة حول أحدث الاتجاهات والتحديات التي تواجه قطاع الإعلام في عصر التحول الرقمي، وذلك بمشاركة واسعة من رواد الإعلام والمبدعين والخبراء من مختلف أنحاء العالم.
وتسلط فعاليات اليوم الثالث لـ الكونغرس العالمي للإعلام 2024 "الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري" الضوء على الابتكارات والأفكار التي تمهد الطريق أمام تعزيز دور الإعلام في التنمية المجتمعية والثقافية ورفع مستوي الوعي الإعلامي .وتعقد جلسة نقاشية بعنوان "كيف سيبدو الإعلام في المستقبل؟"، وتركز على التحولات الجذرية التي ستحدثها التكنولوجيا الحديثة في الإعلام ويستعرض المشاركون خلالها الدور التحويلي للمحتوى الرقمي وأهمية الحفاظ على القيم المهنية والأخلاقية في ظل هذه التغيرات السريعة. مبدعون ومنصات وتتطرق النقاشات إلى دور المبدعين والمنصات الإعلامية في رسم ملامح مستقبل الإعلام وسبل التغلب على التحديات التقنية والأخلاقية.
وتعقد جلسة ثانية بعنوان "الإعلام أداة استراتيجية للقوة الناعمة" تناقش دور الإعلام الاجتماعي في تحقيق التأثير الإيجابي على المجتمعات، مع استعراض كيفية تطويعه كأداة فعّالة لتمكين الأفراد، وتعزيز التواصل، وتحفيز التغيير الاجتماعي، بما يرسخ قيم التقدم والابتكار.
ويشهد اليوم الثالث أيضاً جلسة نقاشية بعنوان "تطور الإعلام: البودكاست والصحافة ومرونة الراديو" تسلط الضوء على البودكاست بوصفه أحد أشكال الصحافة الناشئة مع مناقشة النزاهة الصحفية والاعتبارات الأخلاقية والتأثير المجتمعي، وإعادة تعريف الصحافة في العصر الرقمي ودور البودكاست في تشكيل مستقبل الأخبار وتقديم محتوى هادف للجمهور.
فيما تتناول جلسة رئيسية تأثير المبادئ النفسية على صناعة الإعلام واستهلاكه وكيفية استخدامها في تشكيل السلوكيات المجتمعية والتصورات الثقافية مع التعمق بالرصد والتحليل لاستراتيجيات صناع المحتوى الإعلامي في جذب الجمهور والتأثير عليه. دعم الأطفال وخلال فعاليات اليوم الثالث نفسه تعقد جلسة بعنوان "الإعلام الواعي: تعزيز رفاه الأطفال في العصر الرقمي" تناقش دور الإعلام الرقمي والاجتماعي في دعم إبداع الأطفال وتواصلهم والآثار السلبية المحتملة على صحتهم النفسية.
وتحت عنوان "كيف نواجه الأخبار المزيفة؟ مكافحة التضليل الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي" تسلط جلسة الضوء على العوامل النفسية والتقنية والاجتماعية التي تؤدي إلى انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة ودور الخوارزميات، وسياسات إدارة المحتوى وأهمية تعزيز محو الأمية الإعلامية بوصفها وسيلة للتصدي لهذه الظاهرة.
ومن المتوقع أن تشكل النقاشات والحوارات التي يشهدها الكونغرس العالمي للإعلام منصة هامة لرسم خارطة طريق مستقبلية لدور الإعلام في المجتمع وستخرج الجلسات بتوصيات ورؤى لتعزيز النزاهة الإعلامية ودور التكنولوجيا في تطوير القطاع مع التركيز على الأبعاد الثقافية والمجتمعية.