#الابتلاء_والتمكين
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
مقال الإثنين: 2 /9 /2024
سُئِل الإمام الشافعي رحمه الله: أندعو ربنا بالتمكين أم الابتلاء؟ فأجاب :”لا يكون التمكين قبل الابتلاء”.
منذ القدم عرف العلماء وأولو الألباب أن هذا الكون محكوم بنظام صارم في كل جزئياته وتفصيلاته الدقيقة منها والكبيرة، وهذا النظام محكم لا تناقض فيه ولا تضارب، مما يدل على أن هنالك قوة قاهرة متمكنة وضعته وتضبط عدم الخروج عنه.
هذه الحقيقة الوجودية كانت باعثا للبحث عن هذه القوة التي استنتج الإنسان أنها هي الإله، ولما لم يتمكن من إدراكها بحواسه، استنتج أنها خفية عليه، لكنه ولأنه يرى آثارها وأفعالها في كل شيء، أدرك أنها الله، لكن من قصرت بهم عقولهم عن ادراك ما لا تدركه حواسهم، أنكروا وجوده، وقدموا فكرة نقيضة وهي أن الوجود كله عشوائي، وكل كائن طور نفسه بذاته، لكنهم وإن لم يتمكنوا من تقديم دليل واحد على صحتها، إلا أننا نجد أغلب الناس يميلون الى اعتمادها، كل لغاية في نفسه.
الخالق عندما أنزل هديهُ الى البشر برسالات عبر الأنبياء، سمى ذلك النظام المحكم (السنن الكونية)، وهي تحكم كل الموجودات من جمادات وكائنات حية.
فالجمادات جميعها محكومة بما ندعوه القوانين الفيزيائية والكيميائية، وهي صارمة دقيقة، ولا قبل لشيء بالخروج عنها قيد أنملة، مثل قوانين الاحتكاك والحرارة والتمدد والصوت والضوء ..الخ.
والكائنات الحية أيضا محكومة بنظام حيوي واحد، يضبط ولادتها وتكاثرها وموتها وتغذيتها وتنفسها ..الخ، الكائنات الحيوانية منها لها قوانين فرعية تختلف فيها عن النباتية، كما أن الإنسان بخلاف باقي الكائنات الحيوانية، مخصص بقوانين خاصة به لتراعي خصوصية تميزه بالعقل.
ولمساعدة الإنسان في الاهتداء لمعرفة الله بعقله من غير أن يراه، أنزل الله آيات دالة على وجوده، وهي على ثلاثة أنواع:
1 – الآيات الكونية وهي كل مايراه الإنسان في الطبيعة من هذا النظام الدقيق والذي يتوصل الى اكتشافه تدريجيا كلما تقدم علما ومعرفة.
2 – الآيات التكوينية: وهي دقائق تركيب جسمه واجسام الكائنات الأخرى والأنظمة التي تسيرها وتؤدي بها وظائف هي غاية في الدقة والكمال، وهذه يتوصل الانسان الى معرفة دقائقها أيضا بالبحث العلمي باستخدام الآلة الثمينة لديه وهي العقل.
3 – الآيات القرآنية: والتي أنزلها الله في كتابه العزيز، معرّفة بالدين الذي ارتضاه لعباده المؤمنين، وهادية الى المنهج الأمثل (الصراط المستقيم)، ومرجعا أول للعلم والمعرفة ليستنبط منه البشر كل ما ينفعهم في حياتهم، ومبينا لسبل فوزهم برضوان الله الذي يكفل لهم حياة أخرى سعيدة بعد موتهم، ومنذرا لمن يعرض عن منهجه بعذاب مقيم في الحياة الأخرى.
فوق كل ذلك، فقد اختص الله المؤمنين بسنن خاصة بهم، وبينها لهم في آياته القرآنية، وأوضحها وطبقها عمليا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
أهم هذه السنن هي الابتلاء والتمكين.
ولأن الله قطع على ذاته العليه عهدا أن ينصر من آمن به ونصره، فقد جعل لذلك ثمنا يسيرا، وهو الابتلاء، الذي هو امتحانات دورية لفحص الإيمان ومدى الصبر عليه، ولأن الارتقاء من وضع الى أفضل منه لا يكون إلا بعد اجتياز امتحان.
أعظم ارتقاء للمجتمع المؤمن يكون بنصره، للتمكين له في الأرض وضمان أمنه، وكلما كان معادوه أقوى كلما كان الابتلاء أصعب.
أصعب ابتلاء للأمة كان في غزوة الأحزاب، اذ بلغت القلوب الحناجر، لأن خطر اجتثاث الإسلام كليا ماثلا للعيان، وكان النجاح في اجتيازه الثقة بنصر الله: “وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا” [الأحزاب:22]، أي دلهم إيمانهم أنه ابتلاء لأجل التمكين، وفعلا صدق الله ورسوله وعدهم، فبعد هذه الغزوة كان منحنى العزة والتمكين صعودا على الدوام، وانتهى الى الأبد خطر الاجتثاث.
من هنا رأينا الفئة المؤمنة المجاهدة في القطاع الأبي، تتصدى للعدوان الأبشع في التاريخ، صابرة مستبشرة، لأنها تعلم أنه ما بعد الابتلاء إلا التمكين، وسوف نرى قريبا أنهم سيمكن لهم في أرضهم، وسيبدلهم الله من بعد خوفهم أمنا.
صحيح أنهم دفعوا ثمنا باهظا، لكن ربما لأن الله يريد أن يري الأمة الطريق الوحيد للخروج من حالة الهوان الراهنة.بقلم:
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
أوقفوا القتل خارج إطار القانون
١
تستمر جرائم الحرب اللعينة الجارية حاليا لحوالي عامين مع تصعيد متبادل من الطرفين، كما في التهديد باجتياح الشمالية من الدعم السريع، والقصف الكثيف لطيران الجيش للفاشر وقرى دارفور، و التصعيد العرقي والاثني الذي يهدد بالمزيد من تمزيق وحدة البلاد، كما تستمر عصابات الإسلامويين في حملات الاعتقالات والإرهاب والقتل خارج إطار القانون على أساس عرقى كما حدث في مدني، ويحدث في الخرطوم حاليا، بعد انسحاب الدعم السريع بتهمة التعاون مع الدعم السريع ، مما يتطلب أوسع حملة جماهيرية لوقف القتل خارج إطار القانون، والتصدى للإرهاب الذي هدفه الاستمرار في تصفية الثورة التي مازالت جذوتها متقدة.
٢
استنكرت التقارير الواردة من منظمات حقوق الإنسان ومحامي الطواريء ومن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك عمليات القتل خارج القانون، على نطاق واسع، ضد المدنيين في الخرطوم، عقب انسحاب الدعم السريع من الخرطوم. وطالبوا الجيش بإجراءات فورية لوقف القتل خارج نطاق القانون، ومحاسبة المجرمين، والحرمان التعسفي من الحق في الحياة.كما أوضحت الفيديوهات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتظهر هذه المقاطع، وفقا للتقارير رجالا مسلحين – بعضهم يرتدون الزي العسكري وآخرون بملابس مدنية – ينفذون إعدامات بدم بارد ضد مدنيين، غالبا في أماكن عامة. "في بعض المقاطع، صرّح الجناة بأنهم يعاقبون مؤيدي قوات الدعم السريع".
أشار المفوض السامي فولكر تورك الي أن " إن عمليات القتل خارج إطار القانون هي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مشددا على ضرورة محاسبة الأفراد المرتكبين لهذه الانتهاكات، وكذلك من يتحملون المسؤولية القيادية، على هذه التصرفات غير المقبولة بموجب القانون الجنائي الدولي".
وذكر تورك أن مفوضية حقوق الإنسان راجعت العديد من مقاطع الفيديو المروعة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ 26 آذار/مارس، يبدو أن جميعها قد صُوّرت في جنوب وشرق الخرطوم. كما دعا فولكر تورك السودان إلى الشروع فورا في إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة وفعالة في هذه الحوادث، وفقا للمعايير الدولية ذات الصلة، بهدف محاسبة المسؤولين عنها، وضمان حق الضحايا في الحقيقة والعدالة.
٣
هذه الجرائم التي تقوم بها العصابات والمليشيات الإسلاموية، هي امتداد لجرائم الحرب وضد الإنسانية التي قام بها طرفا الحرب، بهدف نهب ثروات البلاد بدعم من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، بهدف تصفية الثورة، والتي تهدد بتقسيم البلاد ٠كما في الدعوة لتكوين حكومة موازية للدعم السريع وحلفائه غير شرعية ٠وتعديل الدستور لفرض حكم عسكري ديكتاتوري اسلاموي لاستكمال تصفية الثورة، واستعادة كامل التمكين في الأرض للإسلامويين،
مما يتطلب أوسع نهوض جماهيري في الداخل والخارج، لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة واستكمال مهامها، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الانسانية.
alsirbabo@yahoo.co.uk