جدارية الذكريات الملونة لهيا صالح.. روايةٌ للناشئة عن حياة اللجوء
تاريخ النشر: 2nd, September 2024 GMT
عمّان "العُمانية" تنسج الكاتبة الأردنية هيا صالح أحداث روايتها "جدارية الذكريات الملونة" بلغة هادئة، معاينةً قصصًا عميقة وصادقة يعيشها أبطال هذا العمل الذي تولّت الفنانة رنا حتاملة تصميم غلافَه وتحويل عدد من مشاهده في الصفحات إلى رسومات موحية.
تتناول الرواية الصادرة مؤخرًا عن "الآن ناشرون وموزعون" التحديات التي تواجه البشر في ظل نزوحهم بسبب الصراعات والحروب.
يقول بطل الرواية الموجّهة للناشئة: "رسمتُ بيتًا.. رسمتُه بقلم الرصاص على كتبي المدرسية، وعلى أوراقي، وعلى قِطَع الكرتون التي جمعتُها من الطريق، وعلى عُلَب الكبريت والمعلَّبات الفارغة، وحفرتُه بمسمارٍ مدبَّب على عمود الحديد الداخلي للخيمة التي نعيش بها في مخيَّم اللّاجئين".
وجاء السرد في الرواية بضمير المتكلم، حيث يسرد الفتى "يحيى" كيف بدأ وعيُه الجديد بالتشكُّل في مخيمٍ للّجوء بعد أن غادر بلاده رغمًا عنه، وخلال رحلة خروجه أصيب بمرضٍ أفقدَهُ ما حُفِظَ في ذاكرته من أحداث، لكنه استطاع امتلاك قدرة خاصة مكّنته من عبور ذكريات الآخرين، واستعارة ما فيها ليؤثّث بذلك ذاكرة جديدة تتلمّس بعضَ الماضي الذي فقده، وتبني عليه ما تأمله في المستقبل.
وتتضح هذه الفكرة مما يقوله البطل في أحد المقاطع: "في ذلك المساء أطلتُ النظر في عينَي جدَّتي، في تلكما الفجوتين العميقتين اللتين ورثتُ لونهما الأزرق، ثم شعرتُ بهما تبتلعاني كما تفعل دوامةٌ في بحر. وهكذا وجدتُني أعبُر إلى ذكريات جدَّتي أولاً، ثم اكتشفتُ أنني قادر على عبور ذكريات الآخرين أيضًا، وكان هذا سرِّي الكبير الذي لم أبُح به لأحد. لم يكن لدي تفسيرٌ لهذا السرّ، لكنّ ذلك لا يلغي حقيقة أنني امتلكتُ هذه القدرة".
وبقدر ما بدت هذه الحبكة الروائية غرائبية، استطاعت الكاتبةُ أن تهيِّئ لها الإطارَ المنطقي المقنع، لتنسج صلةَ وصل بين العالمين؛ المتخيَّل والواقع، فبدا أن يحيى -الابن الوحيد لوالديه- ينساق رغمًا عنه إلى الرسم، إذ يؤكد دومًا أن يديه ترسمان ولا تقبلان التوقف، ثم يمتلك القدرة على عبور ذكريات أهالي المخيم، إلى جانب معايشته الواقعية لهم، ورسم مشاعره تجاههم، ومراقبته حياةَ المخيم وهو يتمدد ويكبر ويصبح أشبه بالمدينة. نقرأ في هذا السياق:
"حين تأمَّلت المخيَّم ظهرتْ لي حقيقةُ أنه أصبح مدينة كبيرة، لكنها تشبه ذلك المكان الذي كانت جدَّتي في طفولتها تصنعه من رصف الحجارة إلى جوار بعضها بعضًا. مدينة هشَّة مصنوعة من الصفيح، يعيش سكانها على أمل مغادرتها والعودة إلى بيوتهم الحقيقية. ورغم أنهم قد يقضون كل حياتهم فيها، إلا أنهم يشعرون بأنها طارئة عليهم وأنهم طارئون عليها".
محور البيت، والحنين له، والرغبة في إعادة بنائه، يحضر بقوة على مدار الرواية، وضمن مستويات، من مثل: تقديم فهم بسيط للبيت المبني من الطوب والإسمنت، والتركيز على المعنى الرمزي للبيت الذي يحيل إلى الوطن/ العائلة/ الأمان.. وهي الرسائل التي حضرت بقوة في الرواية، مؤكدةً أن معاناة الإنسان لن تنتهي إلا حين تسود الحياةَ قيمُ العدل والمحبة والسلام والتآخي الإنساني.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رواية في طرف الصحراء
#رواية_في_طرف_الصحراء
فايز شبيكات الدعجه
يقال انه في اربعينيات القرن الماضي عانت إحدى القرى من جائحة جارفة قضت على الكثير من الأطفال، كان الطفل المصاب يشعر سريعا بالانحطاط العام، والسعال الشديد، والحمى، والبثور الجلدية، وشحوب اللون ليموت في غضون يوم أو يومين. القليل منهم يتعافى وينهض وتزول كل الأعراض فجأة ، ولقد فشلت كل عمليات تبخير البيوت بالعنبر والكافور والصندل، ووسائل التعقيم بخل التفاح، وخل الليمون، والسماق .وكافة الطرق البدائية التي كانوا يستخدمونها في ذلك الوقت لوقف سريان الوباء.
صرخت الأم ونادت زوجها بعد الفجر، تعال يا سعيد الولد مات. أجرت العائله فحصا سريريا مكثفا للطفل خالد بذات اللحظة، قلبوه ذات اليمين وذات الشمال. فحصوا حدقتي العينين، وجسوا النبض من فوق المعصم، وجدوا أن الجسده أصيب البرود، واختفت العلامات الحيوية كما يحصل لوفيات اطفال الحي شبه اليومية. واجمعوا على أن الوفاة مؤكده.
وينطلق الأب مذهولا لإحضار الكفن ومستلزمات الدفن من اقرب سوق يقع على مسير ساعتين في الذهاب وساعتين في الاياب، وركب حماره، وركبت معه أحزانه وهمومه على فقدان طفله الذي لم يتم السابعه من العمر .فيما ذهب رجال لإعداد القبر تمهيدا للدفن ، وانشغل آخرون بترتيبات مراسم العزاء. وارتاد الأقارب والجيران البيت للمواساة والتخفيف من ألم الأم والعائله حسب الأعراف التي سادت في تلك الحقبة البائسة من تاريخ القرية الفقيرة القابعه في طرف الصحراء.
اكتشف بعد قطع ربع المسافة انه نسي النقود، وعندما عاد لاحضارها وجد البيت مكتضا، وسمع بكاء كثير، وألقى نظره أخرى على الجسد المسجى وذرف فوقه الكثير من الدموع.
واصل رحلة الكفن… وصل هناك، وزاد المشتريات تمرا وقهوه لاستهلاكها بمناسبة الموت، ومما يروى من التفاصيل الزائده للحكاية انه وفي طريق العودة سقط عن ظهر الحمار، رغم ذلك نهض وتابع الطريق، لكن الحمار توقف فجأة دون سبب، وأبي المسير فجلده بالسوط بلا جدوى، فيأس، وارهق واستلقي في حيره ويأس بجانب الحمار اللعين.لكن اللعين تحرك وتابع المسير، ولم يجد الأب المكلوم تفسيرا واضحا لذلك التصرف الغريب إلا في صبيحة اليوم التالي.
ثمة تفاصيل زائدة مثيره في القصه يرويها خالد الذي تجاوز الآن الثمانين عاما، أبرزها أنه كان أول المستقبلين لأبيه، إذ انجاه الله فيمن انجى ليتحول الكفن إلى ثوب ابيض جميل ارتداه كثيرا في الأفراح والأعياد.