لم أمر على اليسار من أي باب، ولو عابر سبيل، ومع ذلك أفتقد لهتاف "عاش كفاح الشعب المصري.. عاش كفاح الشيوعيين"!
فعندما وفدتُ للقاهرة، في هذه التغريبة الاختيارية، كنت أعتقد أن سكان القاهرة محظوظون بوجود النقابة العامة للمحامين، ففي الأغلب الأعم يشهد مساء يوم الخميس من كل أسبوع مؤتمرا حاشدا عن الحريات، وفي وقت كان فيه هوى النقابات المهنية يساريا، وإن سمح بمؤتمرات ضد اعتقال الإسلاميين.
وكانت هذه المؤتمرات يحضرها رموز القوى الوطنية في مصر، ومن فتحي رضوان، إلى محمد عصفور، إلى حلمي مراد، إلى أحمد نبيل الهلالي، بجانب النقيب أحمد الخواجة بطبيعة الحال، في أيام كانت فيها مصر تزخر بمثل هذه الرموز، من كل ألوان الطيف السياسي. ونحن نعيش الآن في زمن القحط وعلى كافة المسارات، فحتى السلطة لم يعد فيها أشخاص يشار لهم بالبنان، أو بالسبابة.. قحط عم أرجاء البلاد، فهذا زمن أصحاب القامات المنخفضة!
حسام عيسى الذي كان:
كان يمكن لمثلي أن يلحظ أن هناك خلافا بين الشيوعيين والناصريين، وليس بينهما وبين الإسلاميين، وعندما تعطى الكلمة لرمز ناصري يكون الهتاف الذي يبدو للجاهل عفويا لا أكثر: "عاش كفاح الشعب المصري.. عاش كفاح الشيوعيين"، يختلط مع هتاف آخر: "عاش كفاح الشعب العربي عاش كفاح الناصريين"، فيبدو لك متناغما، ولكنه في حقيقته يعبر عن خلاف لا وحدة!
إذ كانت هذه الأيام ذكرى إعدام سيد قطب، فإن الرجل يحتاج إلى إعادة قراءة لتاريخه وتحولاته الجادة، على قواعد البحث العلمي، وبروح حسام عيسى سابقا، وليس بقواعد المكايدات السياسية التي تحكم المشهد الآن، والتعامل مع الأمر بهذه الخفة، بانتزاع موقف من هنا وكلمة من هناك من السياق العام خدمة لأغراض حزبية، وفي زمن تحول فيه حسام عيسى نفسه
وذات مؤتمر أعطيت الكلمة للدكتور حسام عيسى، وكان في مرحلة النقاء الثوري، وقبل أن تطفو على سطح بنيانه الجيناتُ السلبية بعد الانقلاب العسكري، وإسناد حقيبة التعليم العالي إليه، وقد حمل أوزارا من زينة القوم، وبعد حرقه سياسيا، والاستغناء عن خدماته لمصلحة الاستبداد، فلا نفع طبلة ولا طار، فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى!
قبل أن يبدأ كلمته تداخل هتاف "عاش كفاح الشعب المصري.. عاش كفاح الشيوعيين"، مع هتاف "عاش كفاح الشعب العربي.. عاش كفاح الناصريين"، وكان مدركا أن الهتاف الأول موجها ضده كناصري فأراح كل الأطراف بالاعتراف بخطأ المرحلة الناصرية في ملف الحريات، وقال إنه يؤمن أن "شهدي عطية وطني وشهيد، وأن سيد قطب وطني وشهيد"، فلم تملك القاعة إلا أن تصفق له تصفيقا حادا، بعدها أمكنه أن يشق طريقه بسهولة واقتدار!
لا يعرف كثيرون الآن "شهدي عطية"، أول روح تزهق بيد الحكم العسكري، وقد كان شيوعيا من المؤمنين بثورة يوليو وبأهدافها وبقياداتها، وكان يتصور أن اعتقاله "غلطة" وأن عبد الناصر عندما يعلم بأمر اعتقاله سيصدر قرارا بالإفراج عنه في الحال ويعتذر له، لكنه قتل من التعذيب الذي تعرض له بينما ناصر في يوغوسلافيا، لتكون نهاية كاشفة عن أن الحكم الديكتاتوري خطر حتى على الذين يوالونه!
من المفارقات أن سيد قطب كان مؤمنا مثله بثورة يوليو وبأهدافها، وبلغ حماسه لها أنه انحاز لحكم الإعدام الذي أصدرته ضد اثنين من عمال كفر الدوار، هما خميس والبقري، وهو الحكم الذي وقع عليه الرئيس محمد نجيب!
وإذ كانت هذه الأيام ذكرى إعدام سيد قطب، فإن الرجل يحتاج إلى إعادة قراءة لتاريخه وتحولاته الجادة، على قواعد البحث العلمي، وبروح حسام عيسى سابقا، وليس بقواعد المكايدات السياسية التي تحكم المشهد الآن، والتعامل مع الأمر بهذه الخفة، بانتزاع موقف من هنا وكلمة من هناك من السياق العام خدمة لأغراض حزبية، وفي زمن تحول فيه حسام عيسى نفسه، قبل أن يحال للتقاعد، فينتهي كسياسي كما انتهى كسلطة!
تصفية اليسار:
لقد تطور الأمر بعد ذلك سريعا، وتمت تصفية اليسار في الجامعات وهيمن الإسلاميون على النقابات، وبغياب اليسار كان الصراع بين أغلبية التيار الإسلامي وأقليته؛ الإخوان والجماعة الإسلامية، وشهدت بعض الجامعات معارك طاحنة، وانحاز الإخوان لمعركة الدولة مع الجماعات الدينية الأخرى، باعتبارها جماعات عنف، وبانتصار السلطة في المعركة مع هذه الجماعات، تسيّد الإخوان المشهد!
ولم يكن غياب اليسار سببه هو هذا الصراع فقط، لكن بالإضافة الى هذا فإن انهيار الاتحاد السوفييتي كان له أكبر الأثر على الإحساس بفشل المشروع، وكانت فرصة مقاول اليسار رفعت السعيد، الأمين العام لحزب التجمع اليساري، فاندفع تحت لافتة الخطر على الدولة من جماعات العنف الديني، ليبرم صفقة الموت مع السلطة، وكان المدفوع له ثمنا بخسا؛ عضوية له بالتعيين في مجلس الشورى، وواحدة بالتزوير لرئيس الحزب خالد محيي الدين، بجانب بعض التسهيلات الأخرى.
أما الناصريون فقد انتهوا بتأسيس حزب لهم، وكان يمكنهم بالدعم المالي الذي جاءهم من هنا وهناك أن يصدروا أكبر صحيفة ويؤسسوا أكبر حزب، لكنهم اختلفوا وتفرقوا وذهبت ريحهم!
وكأن الأحزاب هي بداية النهاية لأي تيار فاعل، وقد بدأ العد التنازلي لليسار في مصر بتأسيس حزب له بعد تجربة الحزب الواحد، واستمرار النظر للتنظيمات غير الرسمية على أنها مجرّمة قانونا، وزاد عليها السؤال ما هو المبرر لها مع وجود حزب شرعي؟!
كان زميلنا محمد منير، الصحفي اليساري المرموق رحمه الله، يتندر على المفارقة الغريبة كلما مررنا من أمام "كشري أبو طارق" في وسط القاهرة، والذي هو على مقربة من حزب التجمع! فيقول إن أبا طارق بدأ بعربة كشري في الشارع مع بداية حزب التجمع، انظر كيف صار برجا متعدد الطوابق، وكيف أصبح حزب التجمع؟
أحد الزملاء الناصرين كان يتندر بأن الإخوان تلقوا الدعم ليُنشئوا تنظيما كبيرا، أما الدعم للناصريين فقد أضعف الحالة، وإن نقل قيادات من طبقة إلى أخرى لأن الدعم كان يسلم لشخصيات بعينها، وكل دولة منحازة كان لها وسيطها المختار، فلم يذهب الدعم لمستحقيه!
انكشاف مصر:
بقيام ثورة يناير انكشفت مصر، فالهيمنة هي للإسلاميين وحدهم؛ المرتبة الأولى للإخوان، والثانية للتيار الإسلامي غير الإخواني، ويخوض حزب اليسار الانتخابات البرلمانية على قوائم الرأسمالية، حيث الشركة القابضة للأحزاب السياسية برئاسة رجل الأعمال نجيب ساويرس!
لم يستغل اليسار مساحة الحرية في الحضور، فكان البديل هو إفشال التجربة، ولو بالتحالف مع أعداء الثورة
وأي عاقل لا بد أن يقلقه هذا الفراغ، وكان ينبغي على الإسلاميين أنفسهم أن يقلقوا، لكنهم سعدوا بأنهم فقط الرقم الصحيح في المعادلة، وقد تصرف اليساريون كبلدياتنا في النكتة الشهيرة، وقد غرقت سفينة كانت تحمله مع أجانب في عرض البحر، واستقروا في جزيرة معزولة!
تقول النكتة: إن ماردا جاء ليلبي لكل منهم طلبا واحدا، فكان طلب كل واحد فيهم أن يعود إلى بلاده؛ إلى إيطاليا، إلى أمريكا، إلى فرنسا، وجاء الدور على صاحبنا فوجد نفسه وحيدا، فكان طلبه من المارد أن يعيد له زملاء الرحلة!
لم يستغل اليسار مساحة الحرية في الحضور، فكان البديل هو إفشال التجربة، ولو بالتحالف مع أعداء الثورة، وقد أدخلوا كل زناة الليل إلى حجرتها!
إن التنوع السياسي سمة من سمات المجتمعات الكبيرة، وإن هذا التنوع يحفظ توازن الحياة السياسية وهو ضمانة لاستمرارها، ولو تسيد فصيل واحد سيكون بداية النهاية!
إنني أتابع تجربة الاشتراكيين الثوريين، وأتمنى لها القوة والانتشار، لعودة اليسار القوي للبلاد، حتى لا تنتهي الحياة السياسية بانفراد فصيل واحد بالمشهد، وهو ما حدث بعد ثورة يناير!
فعاش كفاح الشيوعيين..
وعاش كفاح الجميع..
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليسار المصري الاستبداد الأحزاب الثورة مصر الثورة اليسار الاستبداد أحزاب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب التجمع سید قطب
إقرأ أيضاً:
فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
تبرر إسرائيل وحلفاؤها كل ما قامت وتقوم به من تدمير في الأراضي الفلسطينية بحقها في الدفاع عن نفسها، ولكن بعض الخبراء القانونيين يجادلون بأنها لا تستطيع التذرع بهذا الحق تلقائيا، كما يُفهم في السياق القانوني.
وذكرت نشرة فوكس بأن إسرائيل، منذ دخول الاتفاق بينها وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حيز التنفيذ، صعّدت غاراتها في الضفة الغربية، مما أدى إلى نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني، وبعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الهش أصلا، قطعت الكهرباء ومنعت دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بعد أكثر من عام من الحرب قتلت فيه أكثر من 61 ألف فلسطيني، ودمرت البنية التحتية للرعاية الصحية في القطاع، وشردت حوالي 90% من السكان.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إيكونوميست: هذه أوراق بيد أوروبا حال تعمق خلافها مع أميركاlist 2 of 2تايمز: ما قصة الثورة التي يريد ستارمر إطلاق شرارتها في بريطانيا؟end of listومع أن لكل دولة حسب القانون الدولي الحق في الدفاع عن النفس -كما تقول النشرة في تقرير بقلم مراسلها عبد الله فياض- فإن لهذا الحق الذي أصبح يتكرر منذ عقود، حدودا تربطه بهجوم مسلح من دولة أخرى، وهو ما ليس متوفرا في حالة إسرائيل التي هاجمتها حماس من أراضٍ تسيطر عليها.
وإذا كان البعض يجادل بأنه لم يكن أمام إسرائيل، من الناحية الأخلاقية، خيار سوى استخدام القوة لمحاسبة حماس على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هذه الحجج الأخلاقية لا تكفي، لأنه في النهاية لا شيء يمكن أن يُبرر أخلاقيا قتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء.
إعلان حجج قانونية مبهمةولأن القوانين هي التي تحكم العالم، يمكن لإسرائيل الرد بقوة متناسبة لاستعادة النظام، لكن شن حرب والادعاء القاطع بأنها دفاع عن النفس لا يستند إلى أساس قانوني ظاهريا، وادعاؤها لا يغير جوهريا كيفية تصرفها في قطاع غزة والضفة الغربية، ولن يضفي شرعية على جميع أفعالها خلال هذه الحرب، حسب النشرة.
وأشارت النشرة إلى أن الفهم العميق لمعنى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها سيساعد في توضيح ما إذا كانت حربها دفاعا عن النفس أو عدوانا، وإذا تبين أنها عدوان، فإن ذلك يجب أن يدفع حلفاءها إلى إعادة النظر في نوع الدعم السياسي الذي يقدمونه لها في مثل هذه الأوقات.
ويعتمد ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس على حجج قانونية مبهمة، مع أن هناك إطارين قانونيين رئيسيين للنظر في حق الدفاع عن النفس، أولهما ميثاق الأمم المتحدة، وهو معاهدة ملزمة قانونا للدول الأعضاء، وثانيهما، القانون الإنساني الدولي الذي يُرسي قواعد السلوك المتعلقة بالنزاعات المسلحة.
وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن حالة إسرائيل لا ينطبق عليها الحق في الدفاع عن النفس، لأنها لم تتعرض لهجوم من دولة أخرى، بل إن الهجوم شنته جماعة مسلحة داخل منطقة تسيطر عليها إسرائيل وتحتلها بشكل غير قانوني، لا يمكنها ادعاء الحق في الدفاع عن النفس.
وفي عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بشأن الجدار الذي كانت إسرائيل تبنيه حول الضفة الغربية، واعتبرت أن الحاجز غير قانوني، لأنه سيحمي من التهديدات القادمة من منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالفعل، مما يعني أنها لم تكن تتصرف كما زعمت، دفاعا عن النفس. وكتبت محكمة العدل الدولية "لا يمكن لإسرائيل بأي حال من الأحوال الاستناد إلى تلك القرارات لدعم ادعائها بممارسة حق الدفاع عن النفس".
إعلانوفي سياق هذا الرأي الاستشاري، يُمكن اعتبار أي إجراء يُتخذ لتعزيز أو إدامة قبضة إسرائيل العسكرية على الفلسطينيين امتدادا للاحتلال، وليس دفاعا عن النفس، وقال محامو جنوب أفريقيا إن "ما تفعله إسرائيل في غزة، تفعله في أراض خاضعة لسيطرتها"، واستنتجوا أن أفعالها تُعزز احتلالها، وبالتالي لا ينطبق عليها قانون الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".
وقد كتب رئيس محكمة العدل الدولية عند إصداره رأي المحكمة الاستشاري، الذي قضى بعدم قانونية الاحتلال، أن "دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع وقت ممكن"، ولكن إسرائيل استمرت في بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي المحتلة، وحصار غزة، وفرض حكم عسكري على الفلسطينيين ينتهك حقوقهم الإنسانية.
وهذا -حسب النشرة- ما يجعل إسرائيل معتدية بموجب القانون الدولي، قبل وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما دامت كذلك فلا يحق لها ادعاء حق الدفاع عن النفس، وتقول ألبانيز إن "استمرار احتلال ينتهك بشكل عميق لا رجعة فيه حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، يعد شكلا دائما ومستمرا من أشكال العدوان".
حجة إسرائيل
ورغم ذلك يجادل بعض الخبراء بأن مبرر إسرائيل للحرب يندرج ضمن الإطار القانوني الدولي، وذلك لأن السابع من أكتوبر/تشرين الأول يرقى إلى مستوى "هجوم مسلح"، وهو ما تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ومن شأنه أن يُفعّل حق الدولة في الدفاع عن نفسها.
وقد أوضح إريك هاينز، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة أوكلاهوما، أسباب لجوء إسرائيل إلى الدفاع عن النفس في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحجة أن حجم الهجوم وعدد الضحايا المدنيين، يُشكل "هجوما مسلحا" ويجعل الرد العسكري مبررا.
بيد أن المسألة لا تقف عند كون السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان هجوما مسلحا، إذ يرى أردي إمسيس، أستاذ القانون الدولي بجامعة كوينز، أن ذلك لا يبرر حق الدفاع عن النفس لأن ذلك الحق لا ينطبق داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
إعلانوهذا يقود إلى الجزء الثاني من الأساس وراء حجة إسرائيل -كما تقول النشرة- وهي المقولة بأن غزة لم تكن تحت الاحتلال منذ أن سحبت إسرائيل مستوطناتها وجيشها من القطاع عام 2005، ومع ذلك، فإن هذا الوصف مرفوض على نطاق واسع من قبل جماعات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، وحتى وزارة الخارجية الأميركية تُدرج قطاع غزة في تعريفها للأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما أكدت محكمة العدل الدولية مجددا أن غزة، من وجهة نظر قانونية، تحت الاحتلال.
وتساءلت النشرة كيف يمكن لإسرائيل الرد قانونيا ما دام الاحتلال لا نهاية له في الأفق؟ لترد بأن هناك العديد من السبل القانونية التي يمكن لإسرائيل اتباعها مع ضرورة الالتزام بقانون الاحتلال، وهو فرع من القانون الإنساني الدولي، يحدد كيفية التعامل مع الهجمات الصادرة من الأراضي المحتلة.
والرد في هذه الحالة -كما تشير النشرة- يكون من خلال إنفاذ القانون، وذلك بالقمع المتناسب الذي تشنه الشرطة على مرتكبي العنف إذا لم ينتهك حقوق الناس، وكقوة احتلال، كان بإمكان إسرائيل استخدام "القوة الضرورية والمتناسبة لصد الهجوم، كما قال إمسيس، موضحا أنه لكي يكون أي استخدام للقوة قانونيا، "يجب أن يكون ضروريا ومتناسبا مقارنة بالقوة المستخدمة ضدها".
نهج انتقائيووصلت النشرة إلى أن إسرائيل يصعب عليها الادعاء بأن حربها على غزة كانت دفاعا عن النفس، أو حربا ضد حماس فقط، ناهيك عن كونها ردا مُتناسبا مع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لأنها خلال عام، استخدمت التجويع الجماعي كسلاح في الحرب، ودفعت البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة إلى الانهيار، وخلقت ظروفا مواتية لانتشار أمراض تمكن الوقاية منها، كما قتلت أكثر من 150 صحفيا.
كل هذا يعني أن إسرائيل، حتى لو استطاعت الادعاء بأنها بدأت الحرب دفاعا عن النفس، فإن أفعالها في الحرب نفسها لا يمكن اعتبارها قانونية، وقال كلايف بالدوين، كبير المستشارين القانونيين في المكتب القانوني والسياسي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "مهما كانت المبررات القانونية المحتملة لاستخدام القوة، يجب على جميع الأطراف دائما الامتثال لقانون النزاع المسلح ومعرفة أن جرائم الحرب لا يمكن تبريرها أبدا".
إعلان
هناك أيضا حقيقة مزعجة لإسرائيل وحلفائها عندما يجادلون بأن مبادئ الدفاع عن النفس تمنح إسرائيل ترخيصا لشن هذا النوع من الحرب في غزة، وهي أن للفلسطينيين، كشعب خاضع للاحتلال، الحق في المقاومة بموجب القانون الدولي، وذلك يشمل المقاومة المسلحة.
وخلصت النشرة إلى أن قبول كون إسرائيل تتصرف دفاعا عن النفس بدلا من كونها قوة احتلال تُوسّع سيطرتها العسكرية، يعني أن حلفاءها على استعداد لانتهاك القانون الدولي كلما كان ذلك مناسبا، وهذا النوع من النفاق نهج انتقائي في تحديد القوانين التي ينبغي تطبيقها على إسرائيل وتلك التي ينبغي تجاهلها، ولا بد أن تكون له عواقب عالمية، لأنه يقوض شرعية النظام القانوني الدولي، ويشجع إسرائيل ودولا أخرى على الاستمرار في انتهاك القوانين دون عقاب.