انطلقت أولى جلسات المحور الفكري لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، في دورته الحادية والثلاثين (دورة د. علاء عبد العزيز) برئاسة الدكتور سامح مهران، تحت عنوان "المسرح وصراع المركزيات" وجاءت الجلسة الأولى تحت عنوان "تعويم الهوية المسرحية" والتي أقيمت بقاعة الندوات بالمجلس الأعلى للثقافة، وأدارها السفير علي مهدي من السودان.

وفي البداية قدم الناقد المسرحي المغربي الدكتور عبد الواحد بن ياسر، ورقة بحثية بعنوان "تعويم الهويات في المسرح المعاصر"، موضحا مفهوم الهوية في المسرح اليوم، قائلا : يستلزم الوقوف على تمحيص المفهوم نفسه ومساءلته، وهو غالبا ما يحيل إلى مفهوم الثقافة ويرتبط به، ومن تم تأتي مقولة "الهوية الثقافية" التي تعود في أصلها إلى الأنثروبولوجيا ولعلم النفس الاجتماعي في خمسينيات القرن الماضي.

وأضاف "بن ياسر" : أما حداثة خاصية التداخل أو التمازج الثقافي في المسرح المعاصر، فتعود لكون مفهوم الإخراج المسرحي نفسه حديث العهد، ولم يلجأ إلى هذا التداخل بشكل واع يستند إلى أسس جمالية واضحة إلا مع التجارب الطليعية لكل من (مایر جولد) و(بریشت) و(أرطو)، وبشكل أكثر عمقًا وجذرية مع المجموعات الفنية المختلطة والتي تتداخل فيها ثقافات وجنسيات مختلفة، كما تدل على ذلك تجارب (باربا) و(بروك) و(منوشكين)، ويمكن اعتبار منطقة الإخراج المسرحي أهم وأنجح ورش أو مختبر تتم فيه مساءلة كل التمثلات الثقافية والهوياتية، وتعرض للمشاهدة والاستماع ليتم تمثلها من قبل الركح والقاعة في الآن نفسه.

وأوضح د. عبد الواحد بن ياسر، أنه من النماذج المسرحية التي أفرزت إشكالية المسرح والهوية تأتي مسرحية (ريتشارد الثاني لشكسبير ومن إخراج أريان منوشكين)، وفيه لجأ منوشكين إلى أحد الأشكال المسرحية الشرقية العتيقة وهو  المسرح الياباني القديم، وإن أول ما يبهرنا في المسرحية هو الفضاء المسرحي الجديد الذي لم تتعود عليه العين الغربية، ومجموع مكونات السينوغرافيا وعناصرها البسيطة، والفضاء الرمزي المفعم بالأصوات الموسيقية الصاخبة والهادئة المنبعثة من آلات شبه خرافية مستوردة من مناطق الشرق الأقصى، فضلا عن أسلوب الأداء المعتمد على فن الكابوكي بتقاليده التشخيصية الصارمة المقطرة.

من جانبه قدم السفير علي شيبو من العراق، ورقة بحثية بعنوان "المرجعيات المركزية الاجتماعية ومفهوم التجريب في المسرح" وفيه تحدث عن المرجعيات الغربية وتأثيرها على المجتمع العربي، وتأثير هذه المرجع سواء كانت المجتمعات الغربية أو المجتمعات العربية على منظومة الفن المسرحي ككل بمعنى آخر تأثيرها على جماليات المسرح على سلوك المسرح وعلى شكل المسرح.

كذلك تحدث السفير علي شيبو على جانب آخر وهو أن المسرح أساسا ليس أصيل في الثقافة العربية ككل إنما هو ثقافة وفن وافد على الثقافة العربية، ويصبح هنا البحث عن هوية بالنسبة لي في الوقت الحاضر أمر  قد يبدو عبثي إنما يمكن أن يصبح مهم للغاية هو الاهتمام بالفن، يوثق شيء داخل الثقافة العربية بمعنى آخر هو السلوك باتجاه أن تضع المسرح كجزء أو مشروع من ضمن مشاريع الثقافة العربية الذي هو حاليا بعيد عن مسار الثقافة العربية ككل.


كما قدم الدكتور مشهور مصطفى أستاذ في قسم المسرح والسينما والتلفزيون بكلية الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية، ورقة بحثية بعنوان "الهويات المسرحية بين العولمة وصراع المركزيات الثقافية" موضحا أن المسرح كمكون ثقافي أساسي من بين مكونات ثقافية أخرى تنتمي إلى نسق ثقافي معين، يجد مكانته وتأثيره سواء لجهة تثبيت المركزية الثقافية التي ينتمي إليها أم لا، أم لجهة الرفض والتصدي لهيمنة أي مركزية ثقافية أخرى بحكم طبيعته الفنية المتجددة والتغييرية والتجاوزية.

وأشار "مشهور":  المسرح في مساره القديم والتقليدي منذ نشأته قد شكّل جزءاً لا يتجزأ من نسق ثقافي غربي ومركزية ثقافية غربية في طريق التبلور سابقاً، أي المكوّن الثقافي داخل مركزية ثقافية لجهة من الجهات، إلا أنه بحكم طبيعته هو ميال إلى تجاوز تلك الإشكالية القديمة والقفز إلى الأمام متجاوزاً هذه الوضعية نشداناً للحرية والتجديد والتغيير.

وشدد الدكتور مشهور مصطفى، أنه مع انتشاره كفن نسأل هل حتمية التجاذب والصراع بين مركزيتين ثقافيتين جعلت من المسرح في الشرق ولدى العرب تابعاً لهذه المركزية الجديدة ومأخوذاً في حركتها العامة دفاعاً عن الخصوصية الثقافية والهوية والوجود؟ نحن أمام إشكالية مفادها أن المسرح المعاصر الذي يعمل على تعويم الهويات المسرحية يناقض بشكل غير مباشر طبيعته العالمية.

وقدم د. مصطفى رمضاني أستاذ المسرح بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة  بالمغرب، ورقة بحثية بعنوان "المسرح وصراع المركزيات" مشيرا إلى أنه قد تختلف زوايا نظرنا إلى المسرح، ومن ذلك الاختلاف تتنوع مفاهيمنا ومواقفنا منه، على الرغم من أنه في جوهره مسرح واحد، وتبعا لذلك من الطبيعي أن تتعدد أساليب صناعة الفرجة المسرحية، ولا ننتظر أن يبدع الناس جميعا شرقاً وغرباً وفق شعرية واحدة، باعتبار أنه لا توجد مركزية واحدة مؤثرة وفاعلة، وأخرى تابعة ومتأثرة، وليست هناك هوية ثقافية خالصة وأخرى هامشية، فلا توجد هوية خالصة، بل هناك هجرة دائمة للهويات وتداخل فيما بينها، إلى درجة يصعب معها التعرف إلى ما هو أصيل فيها وما هو دخيل.

وتابع "رمضاني" من هنا نفضل الحديث عن تلاقح المركزيات بدل صراع المركزيات، ذلك بأن مبدأ الصراع قد يوحي بما يفيد معنى القضاء على الآخر، في حين أن الأمر يتعلق بحتمية تفاعل تقتضي الأخذ والعطاء حتى وإن توهمت إحدى المركزيات أنها الأقوى، أو هي المركز والآخر مجرد هامش. فهناك ما نسميه بالإرث المشترك الذي يفرضه تنوع المركزيات المعرفية وضرورة تفاعلها، استجابة لمنطق العولمة، وما يقتضيه من تهميش للأصول يصعب معه أمر التمييز بين ما هو دخيل وما هو أصيل، وما هو ثابت وما هو متحرك فيها.

واستطرد أستاذ المسرح بجامعة محمد الأول:  لقد تعمق الوعي بذلك التلاقح بعد تطور وسائل التجريب المسرحي ووسائل التلقي معا، إذ صار المتلقي لا يقنع بالجاهز ولا بالمألوف مما هو متداول في الشعريات التقليدية، وهذا ما فتح المجال أمام المبدعين المسرحيين وصناع الفرجة كي يطوروا أساليب إبداعاتهم بانفتاحهم على شعريات الحضارات الأخرى كما تؤكد ذلك التجارب المسرحية شرقا وغربا، تلك هي الصيرورة التاريخية، بل وذلك هو منطق دورة الحياة، فلا شيء ثابت غير الموت، فطالما هناك حياة، فهناك أمل في التغير والتجدد والتطور. وقد أدرك صناع الفرجة هذه القاعدة، فانخرطوا في المثاقفة التي هي نتاج فعل التجريب الذي لا ينتهي.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الدكتور سامح مهران المسرحية التجريب في المسرح المسرح الدكتور مشهور مصطفى أستاذ المسرح ورقة بحثیة بعنوان الثقافة العربیة فی المسرح وما هو

إقرأ أيضاً:

ماستر كلاس لـ محمد نبيل في مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة

أعلن الفنان محمد عصمت، مدير مهرجان المسرح العربي، عن تقديم ماستر كلاس للكاستنج دايركتور الفنان محمد نبيل، علي هامش فعليات الدورة الخامسة ، والتي تحمل اسم الفنان كريم عبد العزيز، وهو المهرجان التابع لأكاديمية الفنون والمعهد العالي للفنون المسرحية فرع الإسكندرية، تحت رعاية الدكتور غادة جبارة رئيس أكاديميةالفنون واشراف الدكتور أحمد عبد العزيز وكيل المعهد العالي للفنون المسرحية بالإسكندرية.

من هو الفنان محمد نبيل ؟

الفنان محمد نبيل منيب، هو ( كاستينج دايركتور ومدرب تمثيل مصري)، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة قسم التمثيل والإخراج وعمل كاستينج دايركتور للعديد من المسلسلات، ومنها : "مسلسل الأصلي، إلأ أنا ( حكاية طعم الدنيا - حكاية حكايتي مع الزمان - حكاية ربع قيراط ) وبرنامج متحف الدحيح.

 ويعد محمد نبيل، من مؤسسي الورشة المجانية للتدريب على إختبارات المعهد العالي للفنون المسرحية، والتي نجح في دخول المعهد من طلابها 349 متدرب في اخر 8 سنوات وقام بالتدريب في العديد من الأماكن الهامة، منها : "ورشة نقابة المهن التمثيلية في مصر، ورشة مسرح الشباب بوزارة الثقافة المصرية ( الدفعة الثالثة والرابعة )، ورشة التمثيل بستوديو اوزوريس، ورشة التمثيل بمكتب The legend، ورشة التمثيل في كالتوجراف وعمل عضو لجنة تحكيم بمهرجان نقابة المهن التمثيلية، نائب سابق لمدير مسرح الشباب بوزارة الثقافة، مدير سابق لمهرجان كيميت المسرحي.

مهرجان المسرح العربي 

 

وتقام العروض علي مسرح قصر ثقافة الأنفوشي، علي أن يقام حفلي إفتتاح وختام المهرجان في دار الأوبرا المصرية، أوبرا سيد درويش وتقام علي هامش المهرجان عدد من الورش الفنية المميزة، ويُكرم المهرجان هذا العام عدد من الفنانين تقديرا لإسهاماتهم المميزة فى عالم المسرح والفن، بالإضافة لوجود عديد من المفاجأت، سيتم الإعلان عنها تباعاً خلال فترة فعاليات المهرجان، وسيتم الإعلان عن أسماء المكرمين، ولجان التحكيم في وقت لاحق.

مقالات مشابهة

  • هنا التجريبي.. محمد فاضل يوثق فيلم للدورة الـ 31
  • مهرجان المسرح الخليجي يواصل فعالياته
  • تعرف على رابع ورش مهرجان المسرح العربي
  • في برنامج المواطنة بالمنيا.. مسرح عرائس للتوعية بأضرار التنمر ومناقشات عن التحول الرقمي
  • مهرجان المسرح الخليجي 2024 يواصل فعالياته ليومه الرابع
  • ماستر كلاس لـ محمد نبيل في مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة
  • مهرجان الإسكندرية المسرحي يعلن عن أماكن ومواعيد عرض فعليات دورته ال14
  • بـ مشاركة 16 عرض مسرحي.. مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي يعلن مواعيد فعليات دورته الـ 14
  • 11 عرضًا مسرحيًا في مهرجان مسرح الهواة في دورته الـ 20 بالسامر
  • الأحد.. قصور الثقافة تطلق فعاليات مهرجان مسرح الهواة في دورته العشرين